درس بعد

التعبدی و التوصلی

درس قبل

التعبدی و التوصلی

درس بعد

درس قبل

موضوع: الالفاظ (التعبدی و التوصلی)


تاریخ جلسه : ١٤٠٣/٩/٤


شماره جلسه : ۳۴

PDF درس صوت درس
خلاصة الدرس
  • التّخطّي عن استحالة المحقّق الاصفهانيّ

  • السّعي المَفتور لطَمس المحذور

الجلسات الاخرى
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحيمْ
الْحَمْدُ للّه رَبِّ الْعَالَمِينْ وَصَلَى الله عَلَىٰ سَيِّدَنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ الطَّاهِرِين

التّخطّي عن استحالة المحقّق الاصفهانيّ

لقد أسلفنا استحالة المحقّق الاصفهانيّ المستجِدَّة -أي ما یلزم من وجوده العدم- حیث لم یَتطرّق إلیها العُظماء -ربما- نظراً لقِمّة دقّتها و عَنَتها أیضاً.

بیدَ أنّ المحقّق الاصفهانيّ یَبدو قد استَسقاها من کتاب «دُرر الفوائد» -من دون أن یُلمِّح إلیه ضمن الکفایة- فقد رَسم هذه الاستحالة هناک قائلاً:

«و من هنا انقدح لزوم الدّور الصّريح في ذلك في اتّصاف الصّلاة المأتيّ بها بقصد القربة مثلاً بالوجوب أو الاستحباب; تقريره انّه يتوقّف حينئذ اتّصافها بأحدهما و كونها واجبة أو مستحبّة على قصد امتثال الأمر بها، ضرورة توقّف الصّفة و الاتّصاف على الموصوف، و المفروض انّه لا يتوقّف بدونه، و يتوقف قصد امتثال الأمر بها و إتيانها بداعي امرها على كونها واجبة أو مستحبّة و محكومة بأحدهما، لما عرفت من عدم التّمكن منه بدونه، و كذا الحال في غير قصد الامتثال.

و بالجملة كيف يمكن أخذ مثل قصد الامتثال في متعلّق الأمر، و أخذه فيه يستلزم اختصاص ساير الاجزاء و الشّرائط بالأمر لما عرفت، و هو مساوق لعدم أخذه في متعلّقه فلزم من أخذه فيه عدم أخذه فيه، و ما لزم من وجوده عدمه فهو محال.»[1]

و أیضاً، قد استَذکرها المحقّق الاصفهانيّ ضمن کتابه «بحوث في الأصول علی النّهج الحدیث».[2]

و یَجدر بنا أن نَعصُر عُصارة هذه الاستحالة -مجدَّداً- عبرَ التّحریر التّالي:

لقد بات مبرَماً أنّ الخطاب الأمريّ لا یدعو إلا لمتعلَّقه الصّلاتيّ بنفسها، بحیث لم یَلحظ قیدیة «القصد» ضمن المتعلّق، إذ قد سجَّلنا أنّ الأمر لا یَدعو إلی قیود المتعلّق أساساً بل إلی نفس المتعلّق فحسب، فعلی أساسه، لو أراد الشّارع أن یُضیف قیدَ «القصد» إلی متعلّق الأمر لدی الجعل، لَلزِم من وجود القصد عدمُه إذ لا یدعو الأمر إلی القصد فلو افترضنا تواجده لأنتَج انعدامه تماماً -أي أنّ القصد متواجِد و غیر متواجِد- فبالتّالي قد حَصدنا أخیراً أنّه لا یُعقَل -لدی الإنشاء- اتّخاذُ القصد ضمن المتعلّق.

ثمّ استَکمَل المحقّق الاصفهانيّ أبعاد هذه الاستحالة بتنقیح أوسعَ قائلاً:

نعم هذا المحذور -أيضاً- إنما يرد إذا أُخذ «الإتيان» بداعي الأمر بنحو الجزئية، أو بنحو القيديّة (لا بعنوان الشرط حیث لا یَتولّد المحذور حینئذ إذ لا یَتوقّف وجود الصلاة علی الشّروط الخارجیّة) فإنّ لازم نفس هذا الجزء أو القيد (القصد) تعلّقُ الأمر بذات الصّلاة (الیَحتة بلا أمر بأجزائها) و لازم جعل الأمر داعياً إلى المجموع أو إلى المقيّد -بما هو مقيّد- عدم تعلّق الأمر ببعض الأجزاء بالأسر أو بذات المقيَّد (إذ لو اعتَبرنا القصد قیداً داخلیّاً ثمّ صَببنا الأمر علی المجموع، لَانعدَم اعتبارُ القصد في ذات الصّلاة إذ الأمر یَبعث إلی متعلَّقه فحسب لا إلی قیوده، فسیَنتُج من وجوده العدم، بینما لو اعتبرَناه شرطاً خارجیّاً لَما أنجَب المحذور لدی الإنشاء نهائیّاً).

ثمّ قد تَکفَّل المحقّق الاصفهانيّ بنفسه، علاج هذه الاستحالة أیضاً قائلاً:

و أما إذا تعلق الأمر بذات المقيَّد -أي بهذا الصّنف (و الحصّة الخاصّة بلحاظ المجموع) من نوع الصلاة و ذات هذه الحصة من حصص طبيعي الصلاة (فالحصّة الخاصّة تُعدّ مأموراً بها)- فلا محذور من هذه الجهة أيضاً لفرض عدم أخذ قصد القربة فيه (کي یلزم من وجوده عدمه) و إن كان هذه الحصة خارجاً (لدی الامتثال) لا تتحقّق إلاّ مقرونةً بقصد القربة، فنفس قصر الأمر على هذه الحصّة (المقیَّدة بمَنظومتها التّامّة) كاف في لزوم القربة (بلا حدوث دور أساساً) و حيث إنّ ذات الحصّة (الخاصّة المرکَّبة) غيرُ موقوفة على الأمر، بل ملازمة له (للأمر) على الفرض، فلا ينبعث القدرة[3] عليها من قبل الأمر بها، بل حالها حال سائر الواجبات -كما سيجيء إن شاء اللّه تعالى- مع أن إشكال القدرة مندفع -أيضاً- بما تقدّم[4] و ما سيأتي».[5]

و نُفیض إجابة ثانیة تجاه الاستحالة: بأنّا لو لاحظنا «القصد» شرطاً خارجیّاً لَما نتَج محذور «ما یلزم من وجوده عدمه» إذ قد تعلَّق الأمر بذات الصّلاة دون شروطه الخارجیّة -کالقصد- و من المحتوم أنّ بُنیان الصّلاة لا یَرتهِن علی الشّروط الخارجیّة -بل علی الأجزاء الدّاخلیّة- فبالتّالي إنّا نُفکِّک ما بین «الجزء» و «الشّرط» کي لا یَتولَّد المحذور مجدَّداً.

السّعي المَفتور لطَمس المحذور

لقد حاوَل المحقّق الخوئيّ علاج کافّة الاستحالات عبرَ طریق واحد و بضربة واحدة، معتقِداً أنّ «الأمر بالقصد عدیمُ الاستقلاليّة» فلا یَمسُّنا الدّور إذن، فأمامَک الآن نصُّ بیاناته:

«و قد عرفت ان الأمر الضمني المتعلق «بقصد الأمر» توصلي، فلا يتوقف سقوطه على الإتيان به بقصد امتثال امره (و لهذا یُعدّ القصد توصّلیّاً و إلا لَتسلسل) و من هنا يَفترق هذا الجزء و هو قصد الأمر عن غيره من الأجزاء الخارجية، فان قصد الأمر الضمني في المقام محقِّق لتمامية المركّب فلا حالة منتظرة له بعد ذلك (أي إنّا أغنیاء عن إحداث قصد آخر عقیبَ قصد الأمر فإنّ المرکّب قد تحقّق خارجاً مع القصد تماماً، فلا نتورّط في تسلسل قصد الامتثال لأنّه توصليّ) و هذا بخلاف غيره من الاجزاء الخارجية. فانه لا يمكن الإتيان بجزء بقصد أمره الا مع قصد الإتيان ببقية اجزاء المركّب أيضاً بداعي امتثال امره، مثلاً، لا يمكن الإتيان بالتكبيرة بقصد امرها الا مع قصد الإتيان ببقية اجزاء الصلاة أيضاً بداعي امتثال امرها و الا لكان الإتيان بها كذلك (بلا إتیان البقیّة) تشريعاً محرَّماً، لفرض عدم الأمر بها الا مرتبطة ببقية الاجزاء ثبوتاً و سقوطاً (و لهذا لا نَدّعي أنّ الصّلاة قد توقّفت علی القصد الضّمني المتوقّف علی قصد آخر کي ندورَ ضمن الدّور).[6]

ثمّ عقیب هذه الممهِّدات، قد استَعرض «استحالة الإنشاء» - مجیباً عنها «ببرکة الأمر الضّمنيّ» قائلاً:

«اما الوجه الأول (استحالة تقدّم الشّیئ علی نفسه لدی التّصوّر و الإنشاء) فهو يبتنى على ان يكون المأخوذ في متعلق الأمر هو «قصد الأمر الاستقلالي» و اما إذا كان المأخوذ فيه هو قصد «الأمر الضمني» كما هو الصحيح فلا يلزم المحذور المزبور، و ذلك لأن قصد الأمر الضمني في كل جزء (کالرّکوع) انما هو متأخر عن هذا الجزء (أي القصد) لا عن جميع الاجزاء و الشرائط هذا من ناحية. و من ناحية أخرى قد تقدّم في مبحث الصحيح و الأعم انه لا مانع من أن يكون الواجب مركّباً من جزءين طوليَّين، و من لحاظهما شيئاً واحداً و جعلهما متعلقاً لأمر واحد، و ما نحن فيه من هذا القبيل. (فالرکوع و السّجود بل و حتّی القصد، تَمتلک أمراً ضمنيّاً موحَّداً، فبالتّالي إنّ الأمر في «صلّ بقصد الأمر» یُعدّ کليّاً استقلاليّاً بینما «القصد» یُعدّ ضمنيّاً) فالنّتيجة ان هذا الوجه ساقط على ضوء ما قدمناه.»[7]

و نُناقِش مقالتَه:

- أوّلاً: إنّا لا نَمتلک انحلالاً شرعيّاً قد بیَّنه الشّارع، فعلی نسقه، لا یَنقسِم الأمر الکليّ إلی أوامر ضمنیّة مُتبعثِرة شرعاً، و لهذا لا تُصبح مولویّة أساساً، بل یُعدّ «الأمر الضّمنيّ» عقليّاً إرشادیّاً -إلی امتثال أجزاء المتعلّق- و خارجاً عن منصّة النّزاع لأنّا نَتصارع حول الاستحالة الواقعة في «الأمر الشّرعيّ للقصد» ففي هذا الحَقل لا یُعقَل للمولی «إنشاء المتعلّق مع القصد».

- ثانیاً: أساساً إنّ اتّباع «الأمر الضّمنيّ» لا یَحُلّ المحذور أبداً إذ المستَشکل یَری توقّف الصّلاة علی القصد الضّمنيّ أیضاً لدی الجعل، وقد بنی الأعلام هذا التّوقّف علی نفس «القصد» -سواء عدّ استقلالیّاً أم ضمنیّاً-.

ثمّ استَکمل المحقّق الخوئيّ إجابتَه المهزوزة تجاه «استحالة الامتثال» أیضاً، فکرَّرها قائلاً:

«و اما الوجه الثاني (الاستحالة في الامتثال) فهو أيضا يقوم على أساس أن يكون المأخوذ في متعلق الأمر كالصلاة مثلا هو قصد الأمر «النفسيّ الاستقلالي» فعندئذ لا يتمكن المكلف من الإتيان بها (القیود) واجدة لتمام الاجزاء و الشرائط. منها قصد الأمر الاستقلالي الا تشريعاً حيث لا أمر بها كذلك (فإنّ الشارع لم یأمر بالقصد استقلالیّاً کي یدور الأمر) لفرض انها جزء الواجب و الأمر المتعلق بالجزء لا يعقل أن يكون امراً استقلالياً و إلا لزم الخلف (إذ جزئیّة القصد تُضادّ استقلالیّته تماماً) بل لابد أن يكون أمراً ضمنياً. و اما إذا افترضنا ان المأخوذ فيه هو قصد الأمر الضمني فلا يلزم ذلك المحذور، لتمكن المكلف وقتئذ من الإتيان بالصلاة مع قصد امرها الضمني (فیَنوي القصد الضمنيّ لا الاستقالاليّ، و لهذا لا یَدور الأمر ضمن مقام الامتثال) و بذلك يتحقق المركب بكلا جزئيه (الصلاة مع القصد).

و بكلمة أخرى ان المكلف و ان لم يتمكن من الإتيان بها بداعي أمرها قبل إنشائه و في ظرفه الا أنه متمكن منه كذلك في ظرف الامتثال. و قد أشرنا ان المعتبر في باب التكاليف انما هو القدرة على امتثالها في هذا الظرف دون ظرف الإنشاء فلو افترضنا أنّ المكلف غير متمكن في ظرف الإنشاء، و لكنه متمكن في ظرف الامتثال صح تكليفه فالنتيجة ان التشريع يقوم على أساس أن يكون المأخوذ في المتعلق هو داعوية الأمر النفسيّ الاستقلالي. و عدم القدرة يقوم على أساس أن يكون المعتبر هو القدرة على متعلقات الأحكام من حين الأمر. و قد عرفت انه لا واقع موضوعي لكلا الأمرين، فاذن لا يلزم من أخذه في المتعلق من المحذورين المزبورين كما هو واضح.»

و نُلاحظ علیه أنّ فِقرته الأخیرة -و بکلمة أخری- یُعدّ مضطرِباً و مشوَّشاً إذ لا دخلَ «للأمر الضّمنيّ» بقدرة المکلّف علی الامتثال أو انعدامها، فههنا قد تَحوَّل مِحور حواره تماماً.

-----------------------
[1] درر الفوائد في الحاشیة علی الفرائد (الآخوند الخراساني) 49ص وزارة الثقافة و الإرشاد الإسلامي. مؤسسة الطبع و النشر.
[2] اصفهانی محمد حسین. بحوث في الأصول (الإصفهاني) (الطلب و الإرادة). قم ص80 جامعه مدرسین حوزه علمیه قم. دفتر انتشارات اسلامی.
[3] قولنا: (فلا ينبعث القدرة.. الخ) نعم لا ينبعث بلا واسطة، و اما مع الواسطة فلا، و ذلك لأن ذات الحصة معلومة لقصد الأمر فترشح الأمر الغيري إليه، مع انه لا قدرة على هذه المقدمة المنحصرة إلا من قبل الأمر، فيتوقف الأمر على القدرة على متعلّقه بواسطة المقدمة المنحصرة، توقّف المشروط على شرطه، و يتوقف القدرة على المقدمة على الأمر بذيها توقّف المسبب على سببه، و الجواب ما في الحاشية الآتية (منه عفي عنه).
[4] التعليقة: ١٦٧، عند قوله: و لا يخفى عليك.
[5] و یَبدو أنّ محاوَلة المتوهِّم في الکفایة، تَئول إلی إجابة المحقّق الاصفهانيّ، فإنّ المتوهّم قد أجهَد نفسه کي یُصحِّح هذا الدّور معتقِداً بأنّ «تصوّر المولی للحصّة الخاصّة مقیّدةً» معقول في أفق الجعل تماماً -وفقاً للنهایة الدّرایة- و لهذا قد عبَّر قائلاً: « و لكن نفس الصلاة أيضا صارت مأمورة بها بالأمر بها مقيدة. (الکفایة 73 ص) غیرَ أنّ المحقّق الآخوند لم یَخضَع لهذه التّبریرة، و لکنّ الحقّ یُرافِق المتوهّم المُسایِر مع المحقّق الاصفهانيّ.
[6] خوئی ابوالقاسم. محاضرات في أصول الفقه (الخوئي). Vol. 2. ص167 قم - ایران: انصاريان.
[7] خوئی ابوالقاسم. محاضرات في أصول الفقه (الخوئي). Vol. 2. ص169 قم - ایران: انصاريان.



الملصقات :


نظری ثبت نشده است .