درس بعد

التعبدی و التوصلی

درس قبل

التعبدی و التوصلی

درس بعد

درس قبل

موضوع: الالفاظ (التعبدی و التوصلی)


تاریخ جلسه : ١٤٠٣/٩/٢٤


شماره جلسه : ۴۲

PDF درس صوت درس
خلاصة الدرس
  • بَراعة المحقّق البروجرديّ في تشریح العمل العباديّ

الجلسات الاخرى
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحيمْ
الْحَمْدُ للّه رَبِّ الْعَالَمِينْ وَصَلَى الله عَلَىٰ سَيِّدَنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ الطَّاهِرِين

بَراعة المحقّق البروجرديّ في تشریح العمل العباديّ

و عقیب ما استَکملنا الوجوه الثّلاثة التي قد تکلَّفت في تنقیح مغزی «العبادة» و ثمّ هاجَمها المحقّق النّائینيّ تماماً، فقد توصّلنا الیوم إلی تحقیقة المحقّق البروجرديّ المَلیحة و الطّریفة، حیث قد رسَّخ إمکانیّة «اتّخاذ القصد ضمن الأمر» قبالاً لزعم «استحالته» لدی المحقّق الآخوند، فبالتّالي قد تولّی الإجابة بأسلوبه الخاصّ قائلاً:[1]

«ذكرُ مقدمات في مقام الجواب عن الإشكال: و بالجملة ما ذكروه في مقام الجواب لا يغني عن جوع. فالأولى أن نتعرض لما هو الحق في الجواب، و يتوقف بيانه على ذكر مقدمات:

المقدمة الأولى:

ما هو الداعي حقيقة إلى طاعة المولى و إتيان ما أمر به «أمر قلبي راسخ في نفس العبد» يختلف بحسب تفاوت درجات العبيد و اختلاف حالاتهم و ملكاتهم:

1. فمنهم من رُسخت في قلبه محبة المولى و العشق إليه، و باعتبار ذلك يصدر عنه و عن جوارحه جميع ما أحبه المولى و جميع ما أمر به.

2. و بعضهم ممن وجد في قلبه ملكة الشكر و صار بحسب ذاته عبدا شكورا، و باعتبار هذه الملكة تصدر عنه إطاعة أوامر المولى لأجل كونها من مصاديق الشكر.

3. و منهم من وجد في قلبه ملكة الخوف من عقاب المولى، أو ملكة الشوق إلى ثوابه و رضوانه، أو رسخت في نفسه عظمة المولى و جلاله و كبرياؤه (وفقاً لمعتقَد المحقّق الحائريّ) فصار مقهوراً في جنب عظمته، و باعتبار هذه الملكة القلبيّة صار مطيعاً لأوامر مولاه (فالدّاعي لا یَتکوَّن بمجرّد إصدار الأمر فإنّ المکلّف لو افتَقَد هذه الملکات الباطنیّة لَما هیَّجه أبداً محضُ إصدار الأمر اعتباطاً).

و بالجملة: ما يصير داعيا للعبد و محركا إياه نحو إطاعة المولى هو «إحدى هذه الملكات الخمس النفسانيّة و غيرها من الملكات الراسخة» و على هذا فما اشتهر من تسمية الأمر الصادر عن المولى (یُعدّ) داعياً (فهو) فاسد جدّاً، ضرورة أن صرف الأمر لا يصير داعيا و محركا للعبد، ما لم يوجد في نفسه أحد الدواعي الخمسة المذكورة، أو غيرها من الدواعي القلبية المقتضية للإطاعة، كما يشاهد ذلك في الكفار و العصاة.

نعم هنا شيء آخر، و هو أنه بعد أن ثبتت للعبد إحدى الملكات القلبيّة (الماضیة) المقتضية لإطاعة المولى، و صار نفسه -باعتبار ذلك- منتظِراً لصدور الأمر عن المولى، حتى يوافقه و يمتثله، يكون لصدور الأمر عن المولى أيضا دخالة في تحقق (موضوع) الإطاعة و الموافقة فإنه (الأمر) المحقِّق لموضوع الطاعة (کالجزء الأخیر للعلّة التّامّة) و يصير بمنزلة الصّغرى لتلك الكبريات، «فالدّاعي حالة بسيطة موجودة في النّفس مقتضية للإطاعة بنحو الإجمال، و الأمر محقّق لموضوعها و موجب لتحريك الداعي القلبي و تأثيره في تحقق متعلقه» و ما هو الملاك في عبادية العمل و مقربيّته إلى ساحة المولى هو صدوره عن إحدى هذه الدواعي و الملكات الحسنة (فعندئذ سیصبح العمل عبادیّاً مقرِّباً) و ليس للأمر، بما هو أمر، تأثير في مقربيّة العمل أصلاً، فإنّ المحقق لعبادية العمل هو صدوره عن داع إلهي، و قد عرفت أن ما هو الداعي حقيقة عبارة عن الملكة القلبية (و لهذا لو نَوی الکافر نیّة العبادة و تمشّی منه، لَما تقرَّب إلی الله بمجرّد الدّاعي إذ التّقرّب رهین الحالات القلبیّة الاعتقادیّة).

نعم يمكن بنحو المسامحة تسمية الأمر أيضاً داعيا من جهة دخالته في تحقق الطاعة (و تحقیق موضوع الامتثال فحسب إذ الامتثال بحاجة إلی أمر مولويّ) عمّن وجد في نفسه إحدى الملكات القلبية، و ما ذكرنا واضح لمن له أدنى تأمّل.»

فالمستَحصَل:

1. أنّ المحقّق البروجرديّ قد وسَّع نطاق «الدّاعویّة للعبادیّة» و أناطَها بتلک الأفکار القلبیّة أیضاً بحیث لم یَقتنع السّیّد بمحض إصدار الأمر و مجرّد قصد الدّاعي فحسب -بلا لحاظ البواعِث الاعتقادیّة- بینما المحقّقون الآخوند و النّائیني و الاصفهانيّ و أتباعهم قد اقتَصروا لدی تعریف التعبدیّة بأنّ «إیقاع العمل بقصد الأمر» هي الّتي تُجسِّد و تولِّد العبادیّة فحسب -حتّی لو انعدَمت بقیّة المعتقَدات القلبیّة-.

2. و أنّ درجات العبادة لا تَتصاعد لدی معتقَد هؤلاء العظماء، إذ قد جمَّدوا العبادیّةَ علی «الاتیان بقصد الأمر» بحیث ستَتوحَّد کافّة مراتب عبادات النّاس بشکل موحَّد بلا تفاضل بینها إطلاقاً -من المعصوم حتّی مؤمن الیوم- إذ الجمیع قد امتَثل و حقَّق «العبادة بقصد الأمر» بنَمط واحد تماماً، ففي معتقَدهم لا دخالة للمَلکات القلبیّة و الأفکار الباطنیّة في تحقیق العبادة -حسب تعریفهم للتعبّدیّة- بینما المحقّق البروجرديّ من خلال مقدّمته الأولی النّفیسة قد فکَّک ما بین درجات عبادات المؤمنین و مدی مقرّبیَّتها لله تعالی حسبَ «قوّة النّوایا الإیمانیّة و الأفکار الاعتقادیّة» فهي الّتي تَمتلک المحوریّة الرّئیسیّة في تکثیر أو تَخفیض درجات العبادة لا «مجرّد قصد الأمر» -أجل إنّ الواجبات التّوصّليّة عدیمة المراتب تماماً بخلاف العبادات- فعلی أساسه، إنّ مراتب الاعتقادات و النّوایا ستُمیِّز عبودیّة المعصوم عن شتّی المؤمنین، و ذلک وفقاً للرّوایة الشّهیرة: «ما عبدتك طمعا في جنتك، و لا خوفا من نارك، و لكن وجدتك أهلا للعبادة فعبدّتُكَ».[2] فبالتّالي ووفقاً لمنهجیّة المحقّق البروجرديّ، لا یُطیق الأمر بمفرده أن یدعو إلی العبادة و یَخلق الباعثیّة في جوفه، أجل إنّ «إصدار الأمر» یُعدّ محقِّقاً لصغری الطاعة و إنهاض المکلّف للامتثال -ولیس أکثر-.

ثمّ استَکمل المحقّق البروجرديّ إجابته تجاه الاستحالة قائلاً:

«المقدمة الثانية: لا إشكال في أن الأمر المتعلق بشيء كما يكون داعيا إلى إيجاد نفس ذلك الشيء (المتعلّق) كذلك يكون داعياً إلى إيجاد أجزائه الخارجية و العقلية و مقدماته الخارجية (بأکملها فلا یدعو إلی نفسه فحسب) فإنّ العبد الّذي وجد في نفسه إحدى الدواعي القلبية التي أشرنا إليها، و صار باعتبار ذلك بصدد إطاعة أوامر المولى، كما (سوف) يوجِد متعلّقَ الأمر بداعي الأمر المتعلق به بالمعنى الّذي يتصور لداعوية الأمر، كذلك يوجِد مقدماته بنفس هذا الداعي، من دون أن ينتظر في ذلك (عبادیّة الأجزاء) تعلّقُ أمر بها على حدة، و يكفي في عباديتها و مقربيتها أيضا قصد إطاعة الأمر (الکليّ) المتعلّق بذيها (لا قصد الأمر الغیريّ الضّمنيّ) لكونها في طريق إطاعة الأمر المتعلق به، و لا نحتاج في عباديّة الأجزاء و المقدمات إلى تعلق أمر نفسي أو غيريّ بها:

1. فإن لم نقل بوجوب المقدمة تبعاً لذيها، و لم يتعلق بها أمر نفسي أيضاً، لكفى في عباديتها قصد الأمر (الکلّيّ) المتعلق بذيها.

2. بل لو قلنا بوجوب المقدمة و تعلق أمر غيري بها أمكن أن يقال أيضاً: بعدم كفاية قصده (الأمر الغیريّ لذلک الجزء) في عبادية متعلّقه، لعدم كونه أمرا حقيقيّاً (خلافاً للمحقّق الخوئيّ مسبقاً حیث قد جَوَّز قصد الأمر الغیريّ الضّمنيّ بل قد تَجاهرَ ألا أمر للأجزاء سوی هذا الأمر الضمنيّ) بل هو نحو من الأمر يساوق وجودُه العدم.

و الحاصل: أن ما اشتَهر (عن الکفایة) من أن الأمر لا يدعو إلا إلى متعلّقه فاسد «فإن الأمر كما يدعو إلى متعلَّقه يدعو إلى جميع ما يتوقف عليه المتعلّق أيضاً (کالأجزاء الدّاخلیّة و المقدّمات فلا یَتوقّف الشیئ علی نفسه و لا یَدوران معاً) و المحقِّق لعباديتها و مقربيّتها أيضاً نفس الأمر (الکلّيّ) المتعلق بذيها» و السر في ذلك أن الداعي الحقيقي على ما عرفت ليس عبارة عن الأم (کما زعمه هؤلاء الأعاظم الماضون) بل هو عبارة عن الملكة الراسخة النفسانيّة الداعية إلى الطاعة بنحو الإجمال، و الأمر محقق لموضوعها (صغرویّاً) من جهة أنها تتوقف على وجود الأمر خارجاً، و حينئذ فإذا صدر الأمر عن المولى متعلّقاً بشيء له مقدمات فذلك الداعي القلبي بوحدته و بساطته يوجب تحرك عضلات العبد نحو إيجاد متعلق الأمر بجميع ما يتوقف عليه، و كل ما صدر عن إحدى هذه الملكات الحسنة فهو مما يقرب العبد إلى ساحة المولى من غير فرق في ذلك بين نفس متعلق الأمر، و بين أجزائه و مقدماته الوجودية و العلمية.

المقدمة الثالثة:

أن دخالة شيء في المأمور به على أنحاء: فتارة من جهة أنه أخذ فيه بنحو الجزئية، و أخرى من جهة أخذه بنحو القيدية، بحيث يكون التقيد داخلا و القيد خارجا، و ثالثة من جهة دخالته في انطباق عنوان المأمور به على معنونه، بأن يكون المأمور به عنوانا بسيطا ينطبق على مجموع أمور متشتتة و يكون هذا الشيء دخيلا في انطباق هذا العنوان البسيط على هذه الأمور، بحيث لولاه لم ينطبق عليها. و بعبارة أخرى يكون هذا الشيء من مقدماته الوجودية.»

 -----------------------------
[1] بروجردی حسین. نهاية الأصول. Vol. 1. ص116-118 تهران - ایران: نشر تفکر.
[2] لم أعثر على هذا في الیَنابیع القدیمة و إنما رواه مرسلا كل من الفيض الكاشاني في الوافي: ٣-٧٠. و المجلسي في مرآة العقول: ٢-١٠١. و ذلک بتقديم و تأخير بين بعض فقراته.


الملصقات :


نظری ثبت نشده است .