درس بعد

التعبدی و التوصلی

درس قبل

التعبدی و التوصلی

درس بعد

درس قبل

موضوع: الالفاظ (التعبدی و التوصلی)


تاریخ جلسه : ١٤٠٣/٩/١٧


شماره جلسه : ۳۸

PDF درس صوت درس
خلاصة الدرس
  • الدّفاع الحَرِيّ عن المحقّق الحائريّ

  • التّقریب الثّاني للمحقّق الحائريّ لحقیقة العمل العباديّ

الجلسات الاخرى
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحيمْ
الْحَمْدُ للّه رَبِّ الْعَالَمِينْ وَصَلَى الله عَلَىٰ سَيِّدَنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ الطَّاهِرِين

الدّفاع الحَرِيّ عن المحقّق الحائريّ

لقد استَورد المحقّق الحائريّ استشکالاً تجاه الاستحالة -المطروحة ضمن الکفایة- معتقِداً بأنّا لا نفرِّع الأمر علی القصد کي یَتولّد الدّور بل المکلّف سیَنوي «عنوان العبادة مع وجهها العباديّ و بدون القصد» بحیث ستصبح الصّلاة مجزِیة أیضاً، فبالتّالي قد لخَّص نظریَّته قائلاً:

«هذا (الدّور) ان قلنا بان العبادات يعتبر فيها قصد اطاعة الامر، و يمكن ان يقال: ان المعتبر فيها ليس إلاّ وقوع الفعل (الصلاتيّ) على وجه يوجب القرب عند المولى و هذا لا يتوقف على الامر...».[1]

و لکنّا قد هاجمناه ضمن الدّورة الأصولیّة الماضیة بأنّ مقالته نائیة عن محطّ الصّراعات فإنّ حوار الأعلام العِظام یَرتکز علی «العبادیّة التي هي نفس قصد امتثال الأمر» ثمّ علی أساسه قد عرَّفوا التّعبديّ و التّوصّليّ و من ثَمّ قد توصَّلوا أیضاً إلی الدّور المستحیل، بینما المحقّق الحائريّ ضمن تِیبانه الأوّل السّالف قد فسَّر «العبادیّة» بسیاق عریض جدّاً قائلاً:

«و الحاصل ان العبادة عبارة عن «إظهار عظمة المولى و الشكر على نعمائه و ثنائه بما يستحق و يليق به» (لا أنّ العبادة هي الامتثال بقصد القربة حتماً)»[2]

بیدَ أنّا في هذه الدّورة، سنَهدِم هذه الإشکالیّة أیضاً -وقایةً عن المحقّق الحائريّ- بأنّ طلیعة أبحاث «التّعبديّ و التّوصّليّ» قد تحدّثت بدایةً حول الأصل الأوّليّ لدی «الشّکّ بین التّعبديّ و التّوصّليّ» فتَسائلنا آنَذاک: هل یَسوغ اتّخاذ «إطلاق دلیل العمل» کي نُسجِّل توصّليّتَه أم یَستحیل؟ ففي هذا الحَقل بالتّحدید قد استَعرض المحقّق الحائري نظریّتَه الرّصینة معتقِداً بأنّ الفعل العباديّ لا تَنحصِر عبودیّته علی عملیّة «قصد الأمر» حتماً بل العبودیّة تَتمتّع بمعنی وسیع جدّاً -کما أسلفناه- فیأمر المولی بلا توقّف علی قصد الأمر نهائیّاً، فبالتّالي لا نَتزحلَق أبداً في الاستحالة المزعومة من هذا البُعد، فالنّاتج أنّ مقالته لا تُخرجه عن بُؤرة النّزاعات أساساً، إذ یُتاح للمولی أن یأمر فعلاً محبوباً لدیه ثمّ یُنفِّذه المکلّف «بواسطة إظهار عظمة المولی و بالکیفیّة اللّائقة به» فرغمَ أنّ «قصد امتثال الأمر» قد انعدَم ولکنّ العمل قد انصاغ صیاغة عبادیّة تماماً بلا دور إطلاقاً.[3]

التّقریب الثّاني للمحقّق الحائريّ لحقیقة العمل العباديّ

ثمّ رَسم المحقّق الحائريّ صیاغة ثانیة أدقَّ من الأولی حول هویّة العبادات و دواعیها -إجابةً عن الکفایة- قائلاً:

«و يمكن أن يقال بوجه آخر: و هو أنّ ذوات الافعال مقيَّدةً بعدم صدورها عن الدواعي النفسانية (فلیست ریاضیّة أو ریاء أو أقرانها، و لهذا ستُصبح) محبوبة عند المولى (قهریّاً، بینما لدی البیان الأوّل قد عرّف العبادات بأنّ المکلّف سیَمتثل بنیّة إظهار عظمة المولی لا تجنّب الدّواعي النّفسانیّة) و توضيح ذلك يتوقف على مقدمات ثلاث:

- إحداها: أنّ المعتبر في (تحقّق) العبادة:

Ø يمكن ان يكون اتيان الفعل بداعي أمر المولى بحيث يكون الفعل مستنِداً الى خصوص أمره (و امتثاله کما تعرّضه الأعاظم حتّی الآن) و هذا معنى بسيط يتحقق في الخارج بأمرين: أحدهما جعل الامر داعياً لنفسه (أي ذات العمل) و الثّاني صرف (و اجتناب) الدّواعي النفسانية عن نفسه (بحیث إنّ أمر المولی قد تعلّق بعنصر فارد و هو «المتعلّق» و ستُصبح العبادة الخارجیّة بالتّحدید ملازمةً مع جُزئین: ذات الفعل و قصد الأمر).

Ø و يمكن ان يكون المعتبر اتيان الفعل خالياً عن ساير الدواعي و مستنِداً الى داعي الامر بحيث يكون المطلوبُ المركَّبَ منهما، و الظاهر هو الثاني لانه انسب بالاخلاص المعتبر في العبادات (فالأمر قد تعلّق «بالمرکَّب» و هذا یَتشکَّل من ذات الصلاة و إعدام الدّواعي النفسانیّة و بقصد الأمر أیضاً، بینما الشّقّ الماضي لم یَتعلّق بالمرکّب منذ البدایة بل ستَتلازم هذه الثّلاثة مع الفعل خارجاً).

و رغمَ أنّ بیاناته هنا یَشوبها الإجمال و الإغلاق إلا أنّ الوالد المحقّق الأستاذ قد أضائه مَنویَّه بتِبیان جليّ، فتابعه.[4]

- (المقدّمة) الثانية: أنّ الأمر الملحوظ فيه حالُ الغير تارة يكون للغير (مع لحاظ نفسانیّته أیضاً) و أخرى يكون غيريّاً (بلا نفسانیّة فیه إطلاقاً):

Ø مثال الاول الامر بالغسل قبل الفجر على احتمال، فان الامر متعلق بالغسل قبل الامر بالصّوم، فليس هذا الامر معلولاً لأمر آخر إلاّ أنّ الامر به (الغسل) انما يكون لمراعاة حصول الغير في زمانه (فلا یُعدّ مطلوباً بحدّ ذاته إلا لأجل الصّوم).

Ø و الثاني الاوامر الغيرية المسبَّبة من الأوامر المتعلقة بالعناوين المطلوبة نفساً (کتعلم الدّین لأجل الغیر أي لامتثال الأحکام، فیُعدّ وجوبه نفسيّاً تهیُّأيّاً وفقاً لتَنصیص الکفایة، فبالتّالي ثمّةَ تمایزٌ بین الوجوب الغیري المترشِّح کالغسل و بین الوجوب النّفسيّ للغیر کالتّعلّم)

- (المقدّمة) الثّالثة: أنّه لا اشكال في أنّ القدرة شرط في تعلق الأمر بالمكلّف، و لكن هل يشترط ثبوت القدرة سابقاً على الامر و لو رتبةً أو يكفي حصول القدرة و لو بنفس (صدور) الأمر؟ الأقوى الأخير، لعدم وجود مانع عقلاً في ان يكلَّف العبد بفعل يعلم بانه يقدر عليه بنفس الأمر (بمجرّد أمر المولی ستَتکوّن قدرة المکلّف علی تعلّق التّکلیف به حینئذ، بینما المشهور قد اعتَبر القدرة لدی وعاء الامتثال)

اذا عرفت هذا (التّمهید) فنقول: الفعل المقيَّد: 1. بعدم الدّواعي النفسانية 2. و ثبوت الداعي الالهي الذي يكون موردا للمصلحة الواقعية، و ان لم يكن (الفعل المقیَّد) قابلاً لتعلّق الامر به بملاحظة الجزء الاخير (أي ثبوت الدّاعي الإلهيّ) للزوم الدور، اما من دون ضم القيد الاخير فلا مانع منه.»[5]

و لا يرِد (علینا) أن هذا الفعل من دون ملاحظة تمام قيوده التي منها الاخير لا يكاد يتصف بالمطلوبية، فكيف يمكن تعلق الطلب بالفعل من دون ملاحظة تمام القيود التى يكون بها قوام المصلحة؟

(و حالیّاً ستَتجلّی جوهرة تحقیقة المحقّق الحائريّ:) لأنّا نقول: عرفت انه قد يتعلّق الطّلب (الوجوب النّفسيّ) بما هو، لا يكون مطلوباً في حدّ ذاته (فلا یُعدّ وجوبه النّفسيّ لنفسه کوجوب الصّلاة) بل يكون تعلق الطلب (النّقسيّ) لأجل ملاحظة حصول الغير (کالتّعلم).

و الفعل المفيد بعدم الدواعى النفسانية و ان لم يكن تمامَ المطلوب النّفسيّ مفهوماً، لكن لمّا لم يوجد في الخارج إلاّ بداعى الأمر (أي هناک ملازمة بین الفعل و داعیه) لعدم امكان خلوّ الفاعل المختار عن كلّ داع (فبالتّالي سوف) يصِحّ تعلق الطلب به، لأنّه (الفعل الخارجيّ) يتّحد في الخارج مع ما هو مطلوب حقيقة (لدی الشّارع فمتعلَّق الأمر هو الفعل المقیَّد بعدم الدواعي النفسانیّة مع تحقّق قصد الأمر خارجاً فرغمَ أنّ القصد الخارجيّ سیُدغَم مع امتثال الفعل قهریّاً و لکنّه لم یؤخَذ في الأمر کقید رکنيّ لدی الجعل حتّی یتولّد الدّور) كما لو كان المطلوب الاصلى إكرامَ الإنسان فانه لا شبهة في جواز الامر باكرام الناطق لانه لا يوجد في الخارج إلا متّحداً مع الانسان الذى إكرامه مطلوب أصليّ، و كيف كان فهذا الامر ليس امراً صوريّاً بل هو امر حقيقيّ و طلب واقعي لكون متعلقه متحدا في الخارج مع المطلوب الأصليّ.»[6]

و تَتلخّص نظریّته -لإزالة الدّور- بأنّ عبودیّة الأمر قد انطبقَت و انصبّت:

1. علی ذات الفعل.

2. بضمّ انعدام الدّواعي النّفسانیّة أیضاً.

3. مع داعي الأمر خارجاً.

فلا یَتّخذ «قصد الامتثال» لدی الإنشاء حتّی یَمسّه الدّور مجدّداً بل یَری اندماجاً منقهِراً ما بین الفعل و قصده ضمن وعاء الخارج، فبمجرّد أن یَستوجبه المولی ستَتحقّق القدرة علی امتثال العبادة مع داعيه الخارجيّ -بکلّ سهولة-.

فبالنّهایة إنّ المحقّق الحائريّ لدی بیانه البِدائيّ قد أثبت العبودیّة بواسطة «إظهار العظمة اللّائقة بجلالته» بینما ضمن تِبیانه الثّاني لم یُدرِج القصد ضمن إنشاء الأمر -کي یَدورا- بل قد اعتبَره حاصلاً قهراً لدی الخارج نظراً لمعرفة المولی بأنّ الفعل سیَندمج مع داعيه تلقائیّاً، و هذا سیُغنینا لتنفیذ العبادة بحیث بوُسعه أن یأمر کالتّالي: «صلّ مع عدم الدّواعي النّفسانیّة» فهذه تقریبة عرفیّة عن الوقائع الحادثة لدی إصدار الأوامر العبادیّة، فببرکتها لا نَنزَلِق في بئر الدّور أبداً.

-----------------------
[1] درر الفوائد (الحائري). Vol. 1. ص95 – 97 قم.جماعة المدرسين في الحوزة العلمیة بقم. مؤسسة النشر الإسلامي.
[2] الیَنبوع الماضي.
[3] و لکنّ هذه الدّفاعیّة أیضاً لا تُبرّر خروج المحقّق الحائريّ عن محطّة النّزاعات، فإنّ الأستاذ المبجَّل مع ثُلّة من الأصولیِّین في بدایة النّقاشات قد أکّدوا علی نقطة الصّراع و هو «امتثال أمر المولی بقصد الامتثال» فعندئذ قد سبَحوا في أبحاث الأدوار المختلفة -لدی الإنشاء و الفعلیّة و الامتثال و...-.
[4] فاضل لنکرانی محمد. اصول فقه شیعه. Vol. 3. ص347 قم - ایران: مرکز فقهی ائمه اطهار (ع).
[5] حائری عبد الکریم. درر الفوائد (الحائري). Vol. 1. ص97 قم. جماعة المدرسين في الحوزة العلمیة بقم. مؤسسة النشر الإسلامي.
[6] الیَنبوع الماضي.



الملصقات :


نظری ثبت نشده است .