عربی

درس بعد

التعبدی و التوصلی

درس قبل

التعبدی و التوصلی

درس بعد

درس قبل

موضوع: الالفاظ (التعبدی و التوصلی)


تاریخ جلسه : ١٤٠٣/١١/٨


شماره جلسه : ۶۳

PDF درس صوت درس
خلاصة الدرس
  • دِراسة الآیة الأخیرة حول وسوسة المعصوم الشِّرِّیرَة

  • اصرار المحقّق النّائینيّ لإلغاء الأصل التّوصّليّ

الجلسات الاخرى
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحيمْ
الْحَمْدُ للّه رَبِّ الْعَالَمِينْ وَصَلَى الله عَلَىٰ سَيِّدَنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ الطَّاهِرِين

المحطّة الثّانیة من أبحاث التّعبدیّة و التّوصّلیّة

و ها نحن الآن سنَتغَطرَس في المقام الثّاني کي ندرُس «الأصل اللّفظيّ» لدی منصّة الشّکّ في تعبدیّة عمل أو توصّلیّته.

فرغم أنّ الشّیخ الأعظم قد سجَّل استحالة اتّخاذ القصد ضمن المتعلَّق -وفقاً للکفایة- إلا أنّه قد استَمسک بأصالة الإطلاق لتَسجیل التّوصّلیّة أیضاً [1] إذ طبیعة «الأمر» مطلقَة و ظاهرة في التّوصّلیّة.

و لکنّ المحقّق النّائینيّ قد علَّق علیه قائلاً: بأنّ أصالة الإطلاق تَتأتّی لو اعتبَرنا نسبةَ الإطلاق و التّقیید «بلون التّضاد» بحیث لو استحال أحد الطّرفَین -التّقیید- لتَرسَّخ الطّرف الآخر -الإطلاق- تلقائیّاً، بینما الحقیقة أنّ نسبتَهما «بلون الملکة و عدمها» بحیث حینما انعدَمت أهلیّة «تقیید الأمر بالقصد» فستَنعدِم أهلیّة المولی لإطلاق الأمر أیضاً.

و أمامَ أبصارکم نصُّ بیانات المحقّق النّائینيّ قائلاً:

«الأمر الثالث: و هو انّه لا أصل في المسألة يعيّن أحد طرفيها، فلا أصالة التوصّليّة تجري في المقام و لا أصالة التّعبديّة فيما لم يحرز توصّليّته و تعبّديّته. امّا جريان أصالة التّوصّليّة، فلا نعقل لها معنى سوى دعوى: انّ إطلاق الأمر يقتضى التّوصّليّة، و حيث قد عرفت امتناع التّقييد فلا معنى لدعوى إطلاق الأمر، فانّ امتناع التّقييد يستلزم امتناع الإطلاق، بناء على ما هو الحق: من انّ التّقابل بين الإطلاق و التّقييد تقابل العدم و الملكة، كما هو طريقة سلطان المحقّقين و من تأخّر عنه ...... و العجب من الشّيخ قده، فانّه مع تسليمه كون امتناع التّقييد يوجب امتناع الإطلاق، و لكن مع ذلك يقول في المقام: انّ ظاهر الأمر يقتضى التّوصّليّة، و لم يظهر لنا المراد من الظّهور، إذ لا نعقل للظّهور معنى سوى الإطلاق، و المفروض انّه هو بنفسه قد أنكر الإطلاق (طبعاً استَنکر الإطلاق للهیئة لا المادّة) فراجِع عبارة التّقرير في هذا المقام، فانّها ربّما لا تخلو عن توهّم التّناقض، و على كلّ حال، لا موقع لأصالة التّوصّليّة، كما انّه لا موقع لأصالة التّعبديّة، كما ربّما يظهر من بعض الكلمات، نظرا إلى انّ الأمر انّما يكون محرّكا لإرادة العبد نحو الفعل، و لا معنى لمحركية الأمر سوى كون الحركة عنه، إذ لو لا ذلك لما كان هو المحرّك بل كان المحرّك هو الدّاعي الأخر.»[2]

فکأنه قد استظهر بأن مستحیل سوا في المادة و الهیئیة و لکن سنجیبه بمقالة الشیخ حیث قد أجاب قائلاً:

«ذهب جماعة من أصحابنا و منهم بعض الأفاضل إلى أن ظاهر الأمر قاض بالتعبدية و يظهر من جماعة أخرى أن الأمر ظاهر في التوصلية و لعله الأقرب و احتجوا في ذلك بأمور:

- أقواها: أنّ العقل قاضٍ بوجوب الامتثال بعد العلم بالأمر و لا يتحقق إلا بقصد القربة و الإطاعة، و (لکن) فيه أنه مصادرة محضة إذ الكلام إنما هو في وجوب الامتثال فإن أريد بالامتثال مجرد عدم المخالفة و الإتيان بالفعل فهو مسلم لكنه ليس بمفيد و إن أريد به الإتيان بالفعل على وجه التقرب كأن يكون الداعي إلى الفعل نفس الأمر فهو ممنوع ..... مع أن الاستدلال المذكور خارج عما نحن بصدده إذ الكلام إنما هو في أن الأمر ظاهر في الوجوب التعبدي أو التوصلي و الوجه المذكور مما لا مساس له به على ما هو غير خفي ..... فالحق الحقيق بالتصديق هو أن «ظاهر الأمر يقتضي التوصلية» إذ ليس المستفاد من الأمر إلا تعلق الطلب الذي هو مدلول الهيئة للفعل على ما هو مدلول «المادة» و بعد إيجاد المكلف نفس الفعل في الخارج لا مناص من سقوط الطلب لامتناع طلب الحاصل و ذلك في الأدلة اللّفظيّة ظاهرٌ»[3]

فبالتّالي قد استَمسک الشّیخ الأعظم بإطلاق المادّة -لتَسجیل أصالة التّوصّلیّة- لا إطلاق الهیئة کي یَتورَّط في:

1. استحالة التّقیید -بأنّ الهیئة جزئیّة فلا تَتقیّد-.

2. و الاستدارة بسبب «داعویّة الشّیئ إلی نفسه» إذ القصد یُعدّ جزء الأمر، و المفترَض أنّ الأمر لا یَدعو إلا إلی المتعلَّقه مع أجزائه، فیَدوران معاً.

فرغمَ أنّ نقاشنا الحاليّ یَحول حول «الحکم الوجوبيّ المُصطاد من الهیئة» و لکنّ الشّیخ الأعظم قد سلک سبیلاً مُستجِدّاً -بکلّ ذَکاء- حیث قد استَنتج «أصالة التّوصّلیّة» ببرکة إطلاق «المادّة» مستدِلّآً بأنّ المکلّف الممتثِل للمادّة لو شکّ في «لزوم التّقرّب» فأراد تکریرَ العمل لاستَتبَع «طلبَ الحاصل» فبالتّالي سیَقتصر علی أصل الامتثال بلا تقرّب.[4]

و لکنّ المحقّق الخراسانيّ قد خدَش إطلاق المادّة أیضاً، فعَرَّض علی أستاذه الشّیخ الأعظم، قائلاً:

«فانقدح بذلك أنه لا وجه لاستظهار التّوصّليّة من إطلاق الصيغة بمادّتها (الذي قد استّظهرها الشّیخ) و لا لاستظهار عدم اعتبار مثل «الوجه» ممّا هو ناشئ من قبل الآمِر من إطلاق المادة (أیضاً) في العبادة لو شكّ في اعتباره فيها.»[5]

و لکنّا سنَستَوفي الحوار حولَه لاحقاً.

اصرار المحقّق النّائینيّ لإلغاء الأصل التّوصّليّ

ثمّ استَکمل المحقّق النّائینيّ استدلاله علی «بطلان اتّخاذ الإطلاق» تماماً قائلاً:

«و السّر في ذلك (أنّ التّقابل هو بلون الملکة و عدمها): هو أنّ الإطلاق انّما يستفاد من مقدّمات الحكمة، و ليس نفس اللّفظُ متكفِّلاً له (الإطلاق) كما هو مقالة من يقول: بأنّ التّقابل بينهما تقابل التّضادّ (وفقاً للأقدَمین حیث یَتّخذون الإطلاق أمراً وجودیّاً -إي لحاظ عدم القید-) و عليه يَبتنى كون التّقييد مجازاً، و من مقدّمات الحكمة عدم بيان القيد مع أنّه كان بصدد البيان، و من المعلوم:

· أنّ هذه المقدّمة انّما تصح فيما إذا أمكن بيان القيد (عقلاً) حتّى يستكشف من عدم بيانه عدم اعتباره (القید) لا فيما إذا لم يمكن كما فيما نحن فيه (اتّخاذ القصد ضمن المتعلَّق) فانّ عدم بيان ذلك انّما يكون لعدم إمكانه (القید) لا لعدم اعتباره كما هو واضح.

· بل (حتّی) لو قلنا: إنّ التّقابل بين الإطلاق و التّقييد هو التّضاد -كما هو مسلك من تقدّم على سلطان المحقّقين- كان الأمر كذلك (یَستحیل التّقیید) فإنّ الإطلاق يكون حینئذ (حسب القُدامی) عبارة عن الإرسال و التّساوي في الخصوصيّات (أي تجمیع القیود) و هذا انّما يكون إذا أمكن التّقييد بخصوصيّة خاصّة، و إلاّ فلا يمكن الإرسال كما هو واضح، و بالجملة: بعد امتناع التّقييد بقصد الأمر و غير ذلك من الدّواعي لا يمكن القول «بأصالة التّوصّليّة» اعتماداً على الإطلاق، إذ لا إطلاق في البين يمكن التّمسك به.»[6]

و لکن قد قرَّر صاحبُ الأجود منوِیَّات أستاذه بأسلوب و تِبیان مُتفاوِت قائلاً:

«فإن الإطلاق -كما سيجيء في محله إن شاء الله تعالى- و ان كان عدميّاً إلاّ انه موقوف على ورود الحكم على «المقسَم» (الکليّ لأفراده کلفظ الرّقبة) و تمامية مقدمات الحكمة، فالتقابل بينهما لا محالة يكون تقابل العدم و الملكة، فإذا فرضنا في مورد عدم ورود الحكم على المقسَم فلا معنى للتمسك بالإطلاق قطعاً، و ما نحن فيه من هذا القبيل فان انقسام المتعلَّق بما إذا أتى به «بقصد الأمر و عدمه» يتوقف على ورود الأمر فانه كما عرفت من الانقسامات الثانوية، فليس قبل تعلق الأمر و في مرتبة سابقة عليه مقسَمٌ أصلاً (فالمقسَم متوقّف علی صدور الأمر) فالحكم (أي امتثال الصّلاة) لم يرد على المقسَم (أي سواء مع القصد أم بدونه) بل صحة التقسيم نشأت من قِبل الحكم فلا معنى للتمسك بالإطلاق (حتّی بدون القصد) فكلّ مورد لم يكن قابلا للتقييد يمتنع الإطلاق فيه أيضا (و أما) لو بنينا على ما هو المشهور قبل سلطان العلماء (قده) من كون الإطلاق أمرا وجوديا و انه بمنزلة التصريح بالعموم (فعدم) صحة التمسك بالإطلاق أوضح فانه في قوة ان يقال صل سواء كان بقصد الأمر أولا فان التصريح المذكور انما يصح فيما إذا كان الانقسام قبل الأمر لا بعده و إلاّ كان أخذ المقسم بما هو مقسم في متعلق الأمر مع ان كونه مقسماً انما نشأ من قبله مستلزماً لتقدم الشيء على نفسه».[7]

--------------------------
[1] ذكر الشيخ قدس سره في التقريرات حسب ما نقل عنه المحقق المقرر: «و يظهر من جماعة أخرى ان الأمر ظاهر في التّوصّليّة و لعله الأقرب». ثم قال بعد سطور: «و احتج بعض موافقينا على التوصليّة بان إطلاق الأمر قاض بالتوصليّة...» و ردّه: بان «الاستناد إلى إطلاق الأمر في مثل هذا التقييد فاسد، إذ القيد ممّا لا يتحقق إلاّ بعد الأمر. توضيحه: ان الإطلاق انما ينهض دليلا فيما إذا كان القيد مما يصح ان يكون قيدا له، كما إذا قيل: أكرم إنسانا، أو أعتق رقبة، فانه يصح ان يكون المطلق في المثالين مقيدا بالايمان و الكفر و السواد و البياض و نحوها من أنواع القيود التي لا مدخل في الأمر فيها، و اما إذا كان القيد من القيود التي لا يتحقق إلاّ بعد اعتبار الأمر في المطلق، فلا يصح الاستناد إلى إطلاق اللفظ في دفع الشك في مثل التقييد المذكور، و ما نحن فيه من قبيل الثاني...» ثم أفاد في آخر البحث: «فالحق الحقيق بالتصديق هو ان ظاهر الأمر يقتضى التوصلية، إذ ليس المستفاد من الأمر الا تعلق الطلب الّذي هو مدلول الهيئة للفعل على ما هو مدلول المادّة، و بعد إيجاد المكلف نفس الفعل في الخارج، فلا مناص من سقوط الطلب لامتناع تحصيل الحاصل». راجع مطارح الأنظار - ص ٥٩-٥٨
[2] فوائد الاُصول (النائیني). Vol. 1. 155-156. قم - ایران: جماعة المدرسين في الحوزة العلمیة بقم. مؤسسة النشر الإسلامي.
[3] انصاری مرتضی بن محمدامین. مطارح الأنظار / طبع قدیم. ص60-61 قم مؤسسة آل البیت (علیهم السلام) لإحیاء التراث.
[4] ثمّ قد علَّق الأستاذ المبجَّل هنا قائلاً: «رغمَ أنّ الشّیخ الأعظم یَری تقابل الإطلاق و التّقیید بلون «الملکة و عدمها» لا الضّدین، إلا أنّه مع هذه النّظرة قد صحَّح «إطلاق المادّة» بحیث لم یَتزَحلق في المحذور الذي طرَحه المحقّق النّائینيّ».
[5] آخوند خراسانی محمدکاظم بن حسین. کفایة الأصول (طبع آل البيت). قم. ص75، مؤسسة آل البیت (علیهم السلام) لإحیاء التراث.
[6] فوائد الاُصول (النائیني). Vol. 1. 155.
[7] نایینی محمدحسین. أجود التقریرات. Vol. 1. ص113 قم - ایران: کتابفروشی مصطفوی.



بِسْمِ اللهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحيمْ
الْحَمْدُ للّه رَبِّ الْعَالَمِينْ وَصَلَى الله عَلَىٰ سَيِّدَنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ الطَّاهِرِين

المحطّة الثّانیة من أبحاث التّعبدیّة و التّوصّلیّة

و ها نحن الآن سنَتغَطرَس في المقام الثّاني کي ندرُس «الأصل اللّفظيّ» لدی منصّة الشّکّ في تعبدیّة عمل أو توصّلیّته.

فرغم أنّ الشّیخ الأعظم قد سجَّل استحالة اتّخاذ القصد ضمن المتعلَّق -وفقاً للکفایة- إلا أنّه قد استَمسک بأصالة الإطلاق لتَسجیل التّوصّلیّة أیضاً [1] إذ طبیعة «الأمر» مطلقَة و ظاهرة في التّوصّلیّة.

و لکنّ المحقّق النّائینيّ قد علَّق علیه قائلاً: بأنّ أصالة الإطلاق تَتأتّی لو اعتبَرنا نسبةَ الإطلاق و التّقیید «بلون التّضاد» بحیث لو استحال أحد الطّرفَین -التّقیید- لتَرسَّخ الطّرف الآخر -الإطلاق- تلقائیّاً، بینما الحقیقة أنّ نسبتَهما «بلون الملکة و عدمها» بحیث حینما انعدَمت أهلیّة «تقیید الأمر بالقصد» فستَنعدِم أهلیّة المولی لإطلاق الأمر أیضاً.

و أمامَ أبصارکم نصُّ بیانات المحقّق النّائینيّ قائلاً:

«الأمر الثالث: و هو انّه لا أصل في المسألة يعيّن أحد طرفيها، فلا أصالة التوصّليّة تجري في المقام و لا أصالة التّعبديّة فيما لم يحرز توصّليّته و تعبّديّته. امّا جريان أصالة التّوصّليّة، فلا نعقل لها معنى سوى دعوى: انّ إطلاق الأمر يقتضى التّوصّليّة، و حيث قد عرفت امتناع التّقييد فلا معنى لدعوى إطلاق الأمر، فانّ امتناع التّقييد يستلزم امتناع الإطلاق، بناء على ما هو الحق: من انّ التّقابل بين الإطلاق و التّقييد تقابل العدم و الملكة، كما هو طريقة سلطان المحقّقين و من تأخّر عنه ...... و العجب من الشّيخ قده، فانّه مع تسليمه كون امتناع التّقييد يوجب امتناع الإطلاق، و لكن مع ذلك يقول في المقام: انّ ظاهر الأمر يقتضى التّوصّليّة، و لم يظهر لنا المراد من الظّهور، إذ لا نعقل للظّهور معنى سوى الإطلاق، و المفروض انّه هو بنفسه قد أنكر الإطلاق (طبعاً استَنکر الإطلاق للهیئة لا المادّة) فراجِع عبارة التّقرير في هذا المقام، فانّها ربّما لا تخلو عن توهّم التّناقض، و على كلّ حال، لا موقع لأصالة التّوصّليّة، كما انّه لا موقع لأصالة التّعبديّة، كما ربّما يظهر من بعض الكلمات، نظرا إلى انّ الأمر انّما يكون محرّكا لإرادة العبد نحو الفعل، و لا معنى لمحركية الأمر سوى كون الحركة عنه، إذ لو لا ذلك لما كان هو المحرّك بل كان المحرّك هو الدّاعي الأخر.»[2]

فکأنه قد استظهر بأن مستحیل سوا في المادة و الهیئیة و لکن سنجیبه بمقالة الشیخ حیث قد أجاب قائلاً:

«ذهب جماعة من أصحابنا و منهم بعض الأفاضل إلى أن ظاهر الأمر قاض بالتعبدية و يظهر من جماعة أخرى أن الأمر ظاهر في التوصلية و لعله الأقرب و احتجوا في ذلك بأمور:

- أقواها: أنّ العقل قاضٍ بوجوب الامتثال بعد العلم بالأمر و لا يتحقق إلا بقصد القربة و الإطاعة، و (لکن) فيه أنه مصادرة محضة إذ الكلام إنما هو في وجوب الامتثال فإن أريد بالامتثال مجرد عدم المخالفة و الإتيان بالفعل فهو مسلم لكنه ليس بمفيد و إن أريد به الإتيان بالفعل على وجه التقرب كأن يكون الداعي إلى الفعل نفس الأمر فهو ممنوع ..... مع أن الاستدلال المذكور خارج عما نحن بصدده إذ الكلام إنما هو في أن الأمر ظاهر في الوجوب التعبدي أو التوصلي و الوجه المذكور مما لا مساس له به على ما هو غير خفي ..... فالحق الحقيق بالتصديق هو أن «ظاهر الأمر يقتضي التوصلية» إذ ليس المستفاد من الأمر إلا تعلق الطلب الذي هو مدلول الهيئة للفعل على ما هو مدلول «المادة» و بعد إيجاد المكلف نفس الفعل في الخارج لا مناص من سقوط الطلب لامتناع طلب الحاصل و ذلك في الأدلة اللّفظيّة ظاهرٌ»[3]

فبالتّالي قد استَمسک الشّیخ الأعظم بإطلاق المادّة -لتَسجیل أصالة التّوصّلیّة- لا إطلاق الهیئة کي یَتورَّط في:

1. استحالة التّقیید -بأنّ الهیئة جزئیّة فلا تَتقیّد-.

2. و الاستدارة بسبب «داعویّة الشّیئ إلی نفسه» إذ القصد یُعدّ جزء الأمر، و المفترَض أنّ الأمر لا یَدعو إلا إلی المتعلَّقه مع أجزائه، فیَدوران معاً.

فرغمَ أنّ نقاشنا الحاليّ یَحول حول «الحکم الوجوبيّ المُصطاد من الهیئة» و لکنّ الشّیخ الأعظم قد سلک سبیلاً مُستجِدّاً -بکلّ ذَکاء- حیث قد استَنتج «أصالة التّوصّلیّة» ببرکة إطلاق «المادّة» مستدِلّآً بأنّ المکلّف الممتثِل للمادّة لو شکّ في «لزوم التّقرّب» فأراد تکریرَ العمل لاستَتبَع «طلبَ الحاصل» فبالتّالي سیَقتصر علی أصل الامتثال بلا تقرّب.[4]

و لکنّ المحقّق الخراسانيّ قد خدَش إطلاق المادّة أیضاً، فعَرَّض علی أستاذه الشّیخ الأعظم، قائلاً:

«فانقدح بذلك أنه لا وجه لاستظهار التّوصّليّة من إطلاق الصيغة بمادّتها (الذي قد استّظهرها الشّیخ) و لا لاستظهار عدم اعتبار مثل «الوجه» ممّا هو ناشئ من قبل الآمِر من إطلاق المادة (أیضاً) في العبادة لو شكّ في اعتباره فيها.»[5]

و لکنّا سنَستَوفي الحوار حولَه لاحقاً.

اصرار المحقّق النّائینيّ لإلغاء الأصل التّوصّليّ

ثمّ استَکمل المحقّق النّائینيّ استدلاله علی «بطلان اتّخاذ الإطلاق» تماماً قائلاً:

«و السّر في ذلك (أنّ التّقابل هو بلون الملکة و عدمها): هو أنّ الإطلاق انّما يستفاد

يستفاد من مقدّمات الحكمة، و ليس نفس اللّفظُ متكفِّلاً له (الإطلاق) كما هو مقالة من يقول: بأنّ التّقابل بينهما تقابل التّضادّ (وفقاً للأقدَمین حیث یَتّخذون الإطلاق أمراً وجودیّاً -إي لحاظ عدم القید-) و عليه يَبتنى كون التّقييد مجازاً، و من مقدّمات الحكمة عدم بيان القيد مع أنّه كان بصدد البيان، و من المعلوم:

· أنّ هذه المقدّمة انّما تصح فيما إذا أمكن بيان القيد (عقلاً) حتّى يستكشف من عدم بيانه عدم اعتباره (القید) لا فيما إذا لم يمكن كما فيما نحن فيه (اتّخاذ القصد ضمن المتعلَّق) فانّ عدم بيان ذلك انّما يكون لعدم إمكانه (القید) لا لعدم اعتباره كما هو واضح.

· بل (حتّی) لو قلنا: إنّ التّقابل بين الإطلاق و التّقييد هو التّضاد -كما هو مسلك من تقدّم على سلطان المحقّقين- كان الأمر كذلك (یَستحیل التّقیید) فإنّ الإطلاق يكون حینئذ (حسب القُدامی) عبارة عن الإرسال و التّساوي في الخصوصيّات (أي تجمیع القیود) و هذا انّما يكون إذا أمكن التّقييد بخصوصيّة خاصّة، و إلاّ فلا يمكن الإرسال كما هو واضح، و بالجملة: بعد امتناع التّقييد بقصد الأمر و غير ذلك من الدّواعي لا يمكن القول «بأصالة التّوصّليّة» اعتماداً على الإطلاق، إذ لا إطلاق في البين يمكن التّمسك به.»[6]

و لکن قد قرَّر صاحبُ الأجود منوِیَّات أستاذه بأسلوب و تِبیان مُتفاوِت قائلاً:

«فإن الإطلاق -كما سيجيء في محله إن شاء الله تعالى- و ان كان عدميّاً إلاّ انه موقوف على ورود الحكم على «المقسَم» (الکليّ لأفراده کلفظ الرّقبة) و تمامية مقدمات الحكمة، فالتقابل بينهما لا محالة يكون تقابل العدم و الملكة، فإذا فرضنا في مورد عدم ورود الحكم على المقسَم فلا معنى للتمسك بالإطلاق قطعاً، و ما نحن فيه من هذا القبيل فان انقسام المتعلَّق بما إذا أتى به «بقصد الأمر و عدمه» يتوقف على ورود الأمر فانه كما عرفت من الانقسامات الثانوية، فليس قبل تعلق الأمر و في مرتبة سابقة عليه مقسَمٌ أصلاً (فالمقسَم متوقّف علی صدور الأمر) فالحكم (أي امتثال الصّلاة) لم يرد على المقسَم (أي سواء مع القصد أم بدونه) بل صحة التقسيم نشأت من قِبل الحكم فلا معنى للتمسك بالإطلاق (حتّی بدون القصد) فكلّ مورد لم يكن قابلا للتقييد يمتنع الإطلاق فيه أيضا (و أما) لو بنينا على ما هو المشهور قبل سلطان العلماء (قده) من كون الإطلاق أمرا وجوديا و انه بمنزلة التصريح بالعموم (فعدم) صحة التمسك بالإطلاق أوضح فانه في قوة ان يقال صل سواء كان بقصد الأمر أولا فان التصريح المذكور انما يصح فيما إذا كان الانقسام قبل الأمر لا بعده و إلاّ كان أخذ المقسم بما هو مقسم في متعلق الأمر مع ان كونه مقسماً انما نشأ من قبله مستلزماً لتقدم الشيء على نفسه».[7]

--------------------------
[1] ذكر الشيخ قدس سره في التقريرات حسب ما نقل عنه المحقق المقرر: «و يظهر من جماعة أخرى ان الأمر ظاهر في التّوصّليّة و لعله الأقرب». ثم قال بعد سطور: «و احتج بعض موافقينا على التوصليّة بان إطلاق الأمر قاض بالتوصليّة...» و ردّه: بان «الاستناد إلى إطلاق الأمر في مثل هذا التقييد فاسد، إذ القيد ممّا لا يتحقق إلاّ بعد الأمر. توضيحه: ان الإطلاق انما ينهض دليلا فيما إذا كان القيد مما يصح ان يكون قيدا له، كما إذا قيل: أكرم إنسانا، أو أعتق رقبة، فانه يصح ان يكون المطلق في المثالين مقيدا بالايمان و الكفر و السواد و البياض و نحوها من أنواع القيود التي لا مدخل في الأمر فيها، و اما إذا كان القيد من القيود التي لا يتحقق إلاّ بعد اعتبار الأمر في المطلق، فلا يصح الاستناد إلى إطلاق اللفظ في دفع الشك في مثل التقييد المذكور، و ما نحن فيه من قبيل الثاني...» ثم أفاد في آخر البحث: «فالحق الحقيق بالتصديق هو ان ظاهر الأمر يقتضى التوصلية، إذ ليس المستفاد من الأمر الا تعلق الطلب الّذي هو مدلول الهيئة للفعل على ما هو مدلول المادّة، و بعد إيجاد المكلف نفس الفعل في الخارج، فلا مناص من سقوط الطلب لامتناع تحصيل الحاصل». راجع مطارح الأنظار - ص ٥٩-٥٨
[2] فوائد الاُصول (النائیني). Vol. 1. 155-156. قم - ایران: جماعة المدرسين في الحوزة العلمیة بقم. مؤسسة النشر الإسلامي.
[3] انصاری مرتضی بن محمدامین. مطارح الأنظار / طبع قدیم. ص60-61 قم مؤسسة آل البیت (علیهم السلام) لإحیاء التراث.
[4] ثمّ قد علَّق الأستاذ المبجَّل هنا قائلاً: «رغمَ أنّ الشّیخ الأعظم یَری تقابل الإطلاق و التّقیید بلون «الملکة و عدمها» لا الضّدین، إلا أنّه مع هذه النّظرة قد صحَّح «إطلاق المادّة» بحیث لم یَتزَحلق في المحذور الذي طرَحه المحقّق النّائینيّ».
[5] آخوند خراسانی محمدکاظم بن حسین. کفایة الأصول (طبع آل البيت). قم. ص75، مؤسسة آل البیت (علیهم السلام) لإحیاء التراث.
[6] فوائد الاُصول (النائیني). Vol. 1. 155.
[7] نایینی محمدحسین. أجود التقریرات. Vol. 1. ص113 قم - ایران: کتابفروشی مصطفوی.




الملصقات :


نظری ثبت نشده است .