درس بعد

الدرس السابع والثمانون:أدلة جواز البقاء على تقليد الميت

درس قبل

الدرس السابع والثمانون:أدلة جواز البقاء على تقليد الميت

درس بعد

درس قبل

موضوع: تقريرات دروس خارج الفقه - الاجتهاد و التقليد


تاریخ جلسه : ١٣٩٠/٦/٢٨


شماره جلسه : ۸۷

PDF درس صوت درس
خلاصة الدرس
  • القائلين بجواز البقاء على تقليد الميت يستندون على اربعة أدلة

الجلسات الاخرى

الدرس السابع والثمانون

شرائط المجتهد والمفتي

تحدّثنا في العام الماضي بصورة مفصّلة حول تقليد الميت، وقلنا هل يجوز تقليد الميت ابتداءً أم لا؟ ثم ذكرنا النظريات والآراء الواردة في أقوال العلماء وفطاحل هذا الفن ثم وصلنا إلى هذه النتيجة، والآنّ يبقى هذا السؤال وهو هل يجوز البقاء على تقليد الميت أم لا؟ وإذا قلنا بجوازه، هل يجوز ذلك مطلقاً أم مقيداً من قبيل أنّ يعمل المقلِّد قبل ذلك بفتوى المجتهد، وهذا ما يذهب إليه القائلون بجواز تقليد الميت ابتداءً بطريق أولى، نعم، فإذا قلنا بجواز تقليد الميت للشخص الذي قلّده فترة من الزمن فبعد وفاته يبقى على تقليده بطريق أولى،

صفحه 260

وهذا ما لا نقاش فيه، وإنّما البحث على مبنى ـ كما ذهب إليه المشهور أيضاً ـ عدم جواز تقليد الميت ابتداءً، فعليه فلا ملازمة بين هذه النظرية وبين جوازه أو عدمه، بمعنى أنّه يمكن لشخص أن لا يقبل بجواز تقليد الميت ابتداءً، ولكن يرى جواز البقاء على تقليد الميت، وهذا ما تمسك به المشهور وأغلب الفقهاء المعاصرين، ومن هنا وقع الخلاف بين القائلين بعدم جواز تقليد الميت ابتداءً، هل أنّ البقاء على تقليد الميت جائز أم لا؟

أدلة جواز البقاء على تقليد الميت:

ورد في كلمات القائلين بجواز البقاء على تقليد الميت مجموعاً أربعة أدلة سوف نسلّط الضوء عليها جميعاً:

الدليل الأول: الاستصحاب

قالوا: إنّ قول هذا المجتهد في زمن حياته كان حجّة على مقلِّده، والآن نشك هل أنّ قول هذا المجتهد بعد وفاته أيضاً حجّة عليه أم لا؟ وهل تبقى هذه الحجّية سارية بعد الوفاة أم لا؟ فنستصحب حجّيته، ونقول إنّ قول هذا المجتهد كان حجّة عليه، ويجب الالتفات هنا إلى هذه الملاحظة، وهي أنّ الكثير من الأعاظم الذين لم يقبلوا بجريان الاستصحاب في تقليد الميت ابتداءً، لكنهم أجروا الاستصحاب في البقاء على تقليد الميت، وهذه ملاحظة مهمّة كي نعرف ذلك، وهنا عدّة بحوث:

البحث الأول: ما هو الفرق بين الأمرين؟ ونحن قلنا: إنّ ـ في بحثنا السابق في تقليد الميت الابتدائي ـ أحد أدلة القائلين بجواز البقاء على تقليد الميت الابتدائي، هو الاستصحاب، مثلاً كان قول الشيح الطوسي حجّة في زمانه وأنا لم أدرك عصره، والآن أشك هل أنّ حجّية قول الشيخ مستمرة بالنسبة لي أم لا؟ استصحب بقاء حجّيته، ومن جانب آخر أشكل القائلون بعدم جواز التقليد الابتدائي على

صفحه 261

هذا الاستصحاب عدّة إشكالات، ذكرناها في العام الماضي وأتصور أنّها كانت خمسة إشكالات، ولكن نفس هؤلاء القائلين بعدم الجواز، عندما يصلون إلى جواز البقاء على تقليد الميت يتمسكون بجريان الاستصحاب، إذن ما هو الفرق؟ لماذا لا يجري الاستصحاب في تقليد الميت الابتدائي، ولكنه يجري في البقاء على تقليد الميت؟ وفرقه عبارة عن أنّ في البقاء على تقليد الميت هو حضور المكلّف في زمان المجتهد، مثلاً أنّ زيداً كان موجوداً وبالغاً في زمن الإمام الراحل (قدس سره) وكان مقلِّداً له، أمّا الآن فقد توفي الإمام فهنا يستصحب زيد لنفسه البقاء على تقليد الإمام ويقول: كان قول الإمام قبل عام عندما كان حياً حجّة عليَّ والآن أشك هل أنّ حجيته باقية أم لا؟ استصحب الحجية.

وإذا قيل لهم لماذا تتمسكون بالاستصحاب في البقاء على تقليد الميت دون التقليد الابتدائي؟ وما الفرق بينهما؟ الجواب ما أشرنا إليه، لأنّ في التقليد الابتدائي ليس هناك لدينا قضية متيقنة بين المقلَّد والمقلِّد، أمّا في البقاء على تقليد الميت فهذه النسبة المتيقنة موجودة لدى الشخص المقلِّد، وبذلك يتحقق ركن من أركان الاستصحاب، وبعد كل ذلك لماذا نجري الاستصحاب هنا؟

البحث الثاني: ما هو المستصحب عندنا؟ هنا ثلاثة احتمالات:

أولاً: أن نجعل المستصحب حكماً وضعياً للحجيّة، لأنّ الحجّية حكم من الأحكام الوضعية، مثل الشرطية والمانعية والسببية والصحة، فإذا كان كذلك فنجعل الحجّيه مستصحباً.

ثانياً: إن الحكم الواقعي لفتوى المجتهد طريق إلى حكم الواقع الذي نريد أن نجعله مستصحباً.

ثالثاً: أن نستصحب الحكم الظاهري الذي بموجبه أفتى المجتهد.

نبدأ في الوهلة الاُولى في بيان الحكم الظاهري، ونقول: كان زيد مقلِّداً لمجتهد في أيّام حياته، وكان هذا المجتهد يفتي في زمان حياته بأنّ صلاة الجمعة

صفحه 262

في زمن الغيبة مثلاً واجب عيني، ولابدّ أنّه قد أفتى بذلك تمسكاً برواية فيكون حكمه حكماً ظاهرياً، يعني أنّ وجوب صلاة الجمعة حكم ظاهري، نعم، طبقاً لهذه النظرية كما لاحظنا ذلك في كتاب الكفاية، أنّ المشهور ذهبوا إلى أنّ الامارات مثل الخبر الواحد وغيره يتضمن حكماً مماثلاً، مثلاً وردت رواية تقول إنّ صلاة الجمعة في زمن الغيبة واجب عيني، إذن إنّ هذه الامارة جعلت لحكم يسمى بحكم المماثل، يعني يماثل الحكم الواقعي، فتكون النتيجة فتوى المجتهد وفاقاً لهذا الخبر الواحد أنّ صلاة الجمعة واجبة حسب حكم ظاهري، فعندما يتوفى مرجع التقليد، نقول: إنّ صلاة الجمعة قبل سنتين كانت واجبة على المقلِّد بالحكم الظاهري، والآن نشك ببقاء الحكم الظاهري، هل له أنّ يتمسك بالاستصحاب عملاً بهذا الحكم الظاهري أم لا؟ أي يقول كانت صلاة الجمعة واجبة عليَّ بالحكم الظاهري عندما كان المرجع حياً، والآن بعد وفاة المرجع أستطيع استصحاب وجوب صلاة الجمعة. نقول إنّ هذا الاستصحاب استصحاب باطل، لماذا؟

يقال في الجواب: إنّ سبب بطلانه هو لأننا نفقد اليقين السابق في هذا الاستصحاب، أما حصل اليقين التعبدي بوجوب صلاة الجمعة في زمن حياته؟ ـ أي نسمى هذا العمل بفتوى المجتهد باليقين التعبدي ـ وليس هناك فرق في الاستصحاب بين أن يكون اليقين وجدانياً أو تعبدياً، وعلى سبيل المثال: إذا رأينا الدم على السجادة ثم بعد مرور أيّام نشك هل أنّ النجاسة باقية على نجاستها أم لا؟ نستصحب النجاسة، لماذا؟ لأنّه حصل لنا يقين وجداناً بوجود الدم في السجادة وأنّ السجادة نجسة، وكذلك لو شهد نفران على نجاسة السجادة فحصلت لنا بيّنة بشهادتهما على نجاسة السجادة فيحصل بذلك لنا يقين تعبدي على نجاسة السجادة، لأنّ الشارع تعبدنا على أنّ البيّنة علم ويقين، ثم لو شككنا بعد يومين هل أنّ السجادة نجسة أم لا؟ فنستصحب النجاسة، لأننا بحاجة في الاستصحاب إلى يقين سابق، عندئذ لا فرق بين حصول هذا اليقين من الوجدان أو التعبد، وما

صفحه 263

نحن فيه كذلك لأنّ المقلِّد كان متيقناً من فتوى مجتهده في زمن حياته بوجوب صلاة الجمعة في زمن الغيبة، والآن بعد وفاته يشك هل بقي وجوب صلاة الجمعة أم لا؟ فلا إشكال بالتمسك بالاستصحاب هنا والعمل بوجوب صلاة الجمعة.

إن قلت: هل أنّ هذا البيان صحيح أم لا؟ وهل يصحّ أن نجعل المستصحب حكماً ظاهرياً؟

قلت: كلا، لأنّنا لا نملك هنا يقيناً تعبدياً، وهل ينعقد الشك هنا، وهل أنّ حجيّة الفتوى مقيدة بحال الحياة أم مطلق الحالات؟ نقول: عندما يتوفى المجتهد وبحصول الشك يرتفع اليقين التعبدي.

إن قلت: ما الفرق بينه وبين البيّنة التي يحصل منها اليقين وحجية البينة مطلقة؟ قلت: إنّ البيّنة حصلت بنجاسة السجادة، وبعد مرور عشرة فإنّ حجّية البيّنة تبقى محفوظة على حالها، سوى أننا نشك هل أنّ النجاسة رفعت أم لا؟ نستصحب بقاء النجاسة، ولكن لو قامت بيّنة على أمر ثم ترددنا هل كانت حجّية البيّنة منوطة مثلاً بقيد أم مطلق؟ فحينئذ ليس لدينا هنا يقين سابق كي نتمسك بالاستصحاب، ونقول إنّ أدلة البيّنة مطلقة ولا يمكن التمسك بالاستصحاب، إذن لا يمكن التمسك بالحكم الظاهري بوجوب صلاة الجمعة في زمن الغيبة، لأننا بعد الشك نفقد اليقين التعبدي.

ولكن الحكم الواقعي بعد فتوى المجتهد ثبت في حق المكلّف، لأنّ فتواه طريق إلى الحكم الواقعي، وبعد وفاته نشك هل أنّ الحكم الواقعي ثابت كي نتمسك بالاستصحاب أم لا؟ نقول بجريان الاستصحاب هنا.

إن قلت: نتمسك بالحكم الواقعي يعني الحكم الذي صدرت من أجله فتوى المجتهد. وبعبارة اُخرى: هل أنّ الحكم الواقعي ثبت في ذمّته في زمان حياة المجتهد أم لا؟ والآن نقول نفس هذا الحكم ثابت في ذمته، إذن أين الإشكال؟

قلت: إننا لا نملك يقيناً وجدانياً بالنسبة للحكم الواقعي، مثلاً لو سألناكم هل

صفحه 264

كان لكم في زمن حياة المجتهد بالنسبة إلى فتواه يقيناً وجدانياً؟ تقولون: كلا، لأننا لا ندري هل هو حكم واقعي أم لا؟ وهل أنّ المجتهد أصاب الواقع أم لا؟ وهل وجوب صلاة الجمعة كان مطابقاً للواقع أم لا؟ إذن ليس لدينا يقين وجداني، وإذا قلتم باليقين التعبدي وهذا ما دفع بنا إلى الحكم الظاهري، فعليه لا نستطيع التمسك بالحكم الواقعي أيضاً، فلا يبقى أمامنا سوى أنّ نجعل المستصحب طريقاً فعلياً لا إنشائياً، فنقول: إنّ زيد كان في زمن حياة المجتهد حياً وبالغاً وعاقلاً ومقلِّداً، ولما قلدَّه كانت فتوى المجتهد حجّة عليه بحجية فعلية لا حجية تعليقية أو إنشانية، أو تقليدية حيث لا اعتبار لها، والآن نشك هل أنّ هذه الحجية الفعلية ترتفع بعد طرو الموت أم لا؟ فهنا نستصحب الحجّية الفعلية.

قلنا: إنّ القائلين بعدم جريان الاستصحاب في تقليد الميت الابتدائي هنا يتمسكون بجريان الاستصحاب، ولكن الأمر هو أنّ هذا الاستصحاب مبتني على مبنى المشهور الذين قالوا: إنّ الاستصحاب جار في الأحكام الشرعية سواءً كانت أحكاماً تكليفية أو وضعية، وخالفهم بعض الأكابر مثل السيد الخوئي (قدس سره) حيث ذهب إلى عدم جريان الاستصحاب في الأحكام الشرعية بتاتاً، بل إنّه ينكر جريان الاستصحاب وحجيته في الأحكام بصورة عامة.

أمّا ما طرحناه من الإشكالات في بحث تقليد الميت ابتداءً، فنفسها جارية هنا أيضاً، وإن حاول البعض الاجابة عن هذا الإشكال لكنه لا يستحق الجواب، ونفس هذا الإشكال طرحه المرحوم الآخوند في الكفاية، فإنّه قال: إنّ حجية الفتوى متقومة برأي وكلام المجتهد فإذا مات المجتهد انعدمت جميع شؤونه معه، ولكن عقلاً تبقى نفسه الناطقة، ونحن نريد في الاستصحاب بقاء الموضوع العرفي، والعرف يقول: الموضوع هو بقاء حجية قول المجتهد وبموته تنعدم حجيته، وإذا انعدمت حجية كلام المجتهد فلا يبقى موضوع الاستصحاب العرفي وإن بقي موضوع الاستصحاب العقلي، لأنّ العقل يقول: ينعدم رأيه وإن بقيت نفسه الناطقة

صفحه 265

وروحه، وكلام المجتهد متعلق بنفسه الناطقة وروحه الحاضرة، نعم، هذا نظر العقل، ولكن في نظر العرف إذا مات المجتهد انعدم رأيه فلا استصحاب لما ينعدم.

هذا الإشكال بعينه يجري هنا كما جرى في بحث تقليد الميت ابتداءً، بمعنى أنّ الذي يريد أنّ يستصحب بقاء الحجية الفعلية نسأله ما هو موضوع الحجية الفعلية.

إن قلت: قول المجتهد.

قلت: لا قول للمجتهد بعد موته.

إذن كما قلنا إنّ الاستصحاب لا يجري في تقليد الميت ابتداءً، وكذا لا جريان له هنا في هذا الموضوع.

الملصقات :


نظری ثبت نشده است .