درس بعد

الدرس المائة وخمس:بحث الأعلمية

درس قبل

الدرس المائة وخمس:بحث الأعلمية

درس بعد

درس قبل

موضوع: تقريرات دروس خارج الفقه - الاجتهاد و التقليد


تاریخ جلسه : ١٣٩٠/٦/٣١


شماره جلسه : ۱۰۵

PDF درس صوت درس
خلاصة الدرس
  • الاحتمالات الأربعة في معرفة الأعلم

الجلسات الاخرى

الدرس المائة وخمس

قلنا آنفاً: إنّ الاصوليين ذهبوا إلى عدم وجوب الفحص في الشبهات الموضوعية، ووجوب الفحص في الشبهات الحكمية، ولكن عندما يصلون إلى مسألة لزوم تقليد الأعلم، قالون: يجب تقليد الأعلم ويجب الفحص.

حينما نعلم بوجود الأعلم، الحكم يختلف تماماً عن عدم علمنا بوجوده، ذكرنا الصورة الاُولى، وقلنا: إنّ العقل يرشدنا إلى الفحص، ولكن في الصورة الثانية، يمكن السؤال هنا، إذا كان هناك عشرة من المجتهدين متساوون، فلا يختار أحد هنا وجوب الفحص، مثلاً إذا قال المولى: اجتنب النجس فإذا علمنا إجمالاً بنجاسة طرف من السجادة، فيجب اجتناب الكل، أمّا إذا لم نعلم بنجاسته بتاتاً، فلا يجب الاجتناب والفحص، فنفس هذا المعين مطروح هنا إذا قال: يجب تقليد الأعلم، فإذا كان الأعلم معيناً مثلاً، هو زيد، فيجب تقليده بعينه، وإذا لم يكن

صفحه 395

معيناً، بل هو موجود بين عدّة أشخاص، فيأتي العقل ويأمرنا بالفحص والتحقيق، وأمّا إذا كان شكنا شكاً بدوياً وعدم علمنا به أصلاً ـ فإذا قلنا ـ في سائر الحِرف والصناعات ـ يجب الفحص عن الحاذق والماهر ـ فهل يأمرنا العقل بالفحص والتدقيق أيضاً أم لا؟

هذا هو السؤال المطروح على بساط البحث، هل تجري مسألة الفحص في الشبهات الموضوعية والحكمية معاً، أم فقط في الحكمية؟ فقلتم في الموضوعية لا يجب الفحص، وكذا لا يجب الفحص إذا كانت الشبهات الحكمية مع وجود القيد والتخصيص؟

إن قلت: إنّ أدلة عدم الفحص كافية في الشبهات الموضوعية.

قلت: إن أدلة عدم الفحص كانت مخدوشة وغير كافية، فيجري الفحص فيها أيضاً. لأننا إذا قلنا في فرضين:

الأول: إذا كان الأعلم محرزة ومنحصرة بشخص واحد، فيجب الفحص.

والثاني: إذا كانت الأعلمية منحصرة بين عشرة من المجتهدين أحدهم أعلم، يأمر العقل بالفحص أيضاً، وأمّا إذا كانت الأعلمية غير محرزة ولا منحصرة بشخص واحد، بل كانت بصورة شياع بين مائة من المجتهدين، فلا ضرورة للفحص والتدقيق.

فتبقى الشبهة قائمة على قدم وساق، وإن قبلنا بوجوب الفحص في دائرة العلم الإجمالي تبعاً لما نستوحيه من العقل، وأمّا بمجرّد احتمال الأعلمية فيما بينهم فلا يأمرنا العقل حينئذ بالفحص.

لو سلّمنا بوجوب الفحص في صورة الاحراز والعلم الإجمالي ولكن الفحص حاكم على وجوب العمل على ما يريده العقل في الصورة الثالثة، ولا مجال لجريان أصالة البراءة أيضاً، لأنّ أصالة البراءة تجري في صورة كون الحكم مولوياً، لأننا نعتقد أنّ العقل يتحرك في دائرة محدودة وذلك إذا كان هناك علم

صفحه 396

إجمالي، أمّا مع عدم وجود علم إجمالي وكون الأعلمية مشاعة بين عدّة من المجتهدين متساوين في مختلف المجالات فلا ضرورة للفحص أبداً(1).

تعريف الأعلم

كلام المرحوم السيد اليزدي:

قال المرحوم السيد اليزدي في المسألة 17 من العروة: «المراد من الأعلم، مَن يكون أعرف بالقواعد والمدارك للمسألة، وأكثر اطلاعاً على نظائرها، وأجود فهماً للأخبار، والحاصل أن يكون أجود استنباطاً، والمرجع في تعيينه أهل الخبرة والاستنباط.

الاحتمالات الأربعة في معرفة الأعلم:

الأول: الأعلم، مَن كان أشدّ اقتداراً في القواعد والكبريات من الآخرين، يعني من كان عارفاً بقواعد الاُصول والبيان والتدوين في الجزئيات أكثر بكثير من الآخرين.

الثاني: الأعلم، مَن كانت له احاطة كاملة بالفروع والكلمات والأقوال والفتاوى، مثلاً، إذا سئل عن مسألة، أجاب على الفور عنها، جملة وتفصيلاً.

الثالث: الأعلم، مَن كانت قوّة استنباطه أكثر من الآخرين، يعني، أنّ استنباطه استنباط جزمي لا شك ولا ترديد فيه، مثلاً، إذا كان هناك مجتهدان، يقول أحدهما: إني على يقين بهذا الحكم. ويقول الآخر: أنا أشك فيه، فيكون الأول قاطعاً بالحكم، فهو الأعلم دون الثاني، لأنّ له قدرة القاطعية في فهم ودرك المراتب العلمية وفي كشف الواقع دون ترديد ولا شك.

1 ـ هذا إذا فهمنا التساوي بينهم من أمر عرفي لا عقلي، لأنّ العقل يتحرى بالدقة الكاملة أعلمية أحد الموجودين، ذلك لاستحالة التساوي بصورة عامة وفي جميع المجالات بين مائة من المجتهدين بل حتى عشرة.

صفحه 397

الرابع: الأعلم، مَن كان عالماً بالقواعد والكبريات أكثر من الآخرين، مثلاً إذا طرحت مسألة الترتّب في بحث اجتماع الأمر والنهي، نجد عنده الاحاطة الكاملة بجميع القواعد وجزئياتها وجوانبها والقدرة على تطبيقها على مصاديقها، وبعبارة اُخرى: مَن كان أقوى علماً في القواعد والكبريات وأعلى مرتبة في التطبيق، مثلاً،يقول: هنا باب التعارض، أو باب التزاحم، أو باب اجتماع الأمر والنهي، أو أنّها من مصاديق الأمر بالشيء الذي يقتضي النهي عن ضده، أو هنا من مصاديق النهي عن العبادات الموجبة للفساد.

على أيّة حال، فإنّ أكثر الأكابر أكدوا على النظرية الرابعة، مثل السيد الخوئي (قدس سره) وغيره، يعني العلماء المضطلعين في علم الاصول والمباحث الاُصولية، ويتعرضون للأقوال والأدلة بصورة دائمة ويدخضونها، وفي حالة استطاعته الفعل هل هو واقع في موارد اجتماع الأمر والنهي أم من موارد التعارض، هذه ليست من دائرة الأعلمية، وكذلك في الاحاطة بالفروع وذكر نظائرها، فإنّها لا دخل لها في مسألة الأعلمية، وما له دخل في مسألة الأعلمية هو أولاً: العلم بالقواعد والكبريات، وثانياً: تطبيقها على مصاديقها، وهذا نظير لو راجعنا طبيباً وسألناه عن خواص دواء، فيذكر لنا مائة خاصية له، والآخر يذكر عشر خواص، فأيّ من هذين الطبيبين يستطيع أن يشخص لنا المرض، هل الذي يذكر لنا خواص أكثر أم الآخر؟ هنا، لا يوجد دليل لكلّ منهما على قدرته في تشخيص المرض وتعيين الدواء، ولا دليل على حذاقته وأعلميته.

ولذا نلاحظ في أقوال السيد (قدس سره) مضافاً إلى أقوائيته في القواعد والكبريات أنّه يحتاج إلى أقوائيته في التطبيق.

أقول: هناك موارد في الفقه لا تحتاج إلى الأصول، ولا تحتاج إلى التطبيق، مثلاً، في مسألة فقهية تحتاج إلى فهم الحديث وفقه الحديث، ماذا علينا لو وضعنا 30 إلى 40 حديثاً جنباً، أي: بماذا نخرج من نتيجة من مجموع هذه الأحاديث

صفحه 398

التي تختلف فيها بعض الألفاظ غالباً؟.

مثلاً أنّ السيد (قدس سره) يذكر «أعرف بالقواعد ومدارك المسألة» هذا صحيح، ولكن لا نقبل قوله «أكثر اطلاعاً على نظائرها» لأنّه لا دخل له في مسألة الأعلمية، وكذلك «أجود فهماً للأخبار» يعني، المجتهد الذي يعرف ويفهم مواطن أخبار أهل البيت (عليهم السلام) وسنة النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) ، ولكن بعض المجتهدين عند ما تواجههم عدّة أخبار متعارضة في الظاهر، يتركونها بحجة تعارضها وتساقطها عملاً بالقواعد الأصولية، والحال، يمكن الجمع بين هذه الأخبار دون طرحها والاستفادة منها.

وكما نرى في بعض حواشي العروة أنّ بعض العلماء عرّفوا الأعلمية بمعنى الأوصلية، يعني، الذي يصل إلى الواقع أسرع من الآخر، فهذه الاُمور لا دخل لها في مسألة الأعلمية، وهناك مسألة اُخرى حيث يقول البعض: إنّ المجتهد الفلاني أعلم من الشيخ الطوسي (قدس سره) ، نسأله لماذا؟ يقول: لأنّه قد اجتمعت عنده أدلة الشيخ الطوسي (قدس سره) وتحقيقاته، وأدلة الشيخ الانصاري (قدس سره) وتحقيقاته، مضافاً إلى ما توصل إليه من الأدلة. ولذا قالوا: كلما تقدم العلم وكثرت الأدلة، يكون المتأخرون أعلم من المتقدمين، ونحن نرى أنّ هذه الاُمور لا تقوم حجة على الأعلمية.

وأيضاً ما قيل: «من كان أعلم في الاصول فهو أعلم في الفقه» كما نسبوا هذا الكلام إلى السيد الخوئي (قدس سره) ونقل عنه، وهذا الكلام أيضاً لا نراه صائباً. بل يجب أن يكون (أعرف بالقواعد والكبريات) أولاً، و(أجود فهماً للأخبار) ثانياً، و(مقتدراً على التطبيق) ثالثاً. ويعتبر الملاك الثالث من هذه الملاكات الثلاثة، أكثرها أهمية واعتباراً حيث تطبيق الكليات على الجزئيات.

وكذا في مسألة التوقف في الاحتياط، حيث ذهب بعضهم إلى أعلمية مَن يحتاط أكثر، فهذه المسألة أيضاً لا دخل لها في مسألة الأعلمية. نعم، إنّ الذي يقوى على توضيح الوظيفة الشرعية للمكلَّف أكثر من غيره، له الأقوائية على

صفحه 399

الآخرين الذين يتوقفون غالباً، فهذا الأمر له دخل في الأعلمية أيضاً.

الملصقات :


نظری ثبت نشده است .