درس بعد

الدرس السابع والتسعون:بحث الأعلمية

درس قبل

الدرس السابع والتسعون:بحث الأعلمية

درس بعد

درس قبل

موضوع: تقريرات دروس خارج الفقه - الاجتهاد و التقليد


تاریخ جلسه : ١٣٩٠/٦/٢٨


شماره جلسه : ۹۷

PDF درس صوت درس
خلاصة الدرس
  • الأدلة الاجتهادية في لزوم تقليد الأعلم

الجلسات الاخرى

الدرس السابع والتسعون

إشكال

هنا نحاول أن نلقي ضوءاً على هذا الدليل لنرى هل يرد إشكال عليه أم لا؟ يمكن أن نطرح إشكالاً ونقول: إنّ ملاك العقلاء وبناءهم من قولين مختلفين هو حصول الوثوق والاطمئنان، سواءً كان ذلك القول للأعلم أو لغير الأعلم، لأنّ حصول الثقة والاطئنان مطابق للاحتياط، مثلاً عندما نأخذ المريض إلى طبيبين، أحدهما حاذق والآخر غير حاذق فيقيناً يحصل الوثوق بقول الحاذق، لأنّه أقرب إلى حصول الاطمئنان.

وببيان آخر: لقد ذكرنا في ما مضى دليل أصل التقليد، وقلنا: إنّ سيرة العقلاء مبتنة على رجوع الجاهل إلى العالم، وهذا الدليل قائم على حصول الوثوق والاطمئنان، ولكن هنا عندنا قولان فإذا لم يحصل الوثوق والاطمئنان من كليهما فيترك القولين جميعاً، وإذا حصل له اطمئنان على كليهما كان مخيّراً بينهما، وإذا حصل الوثوق بأحدهما عمل بقوله، فيتبيّن مما ذكرنا أنّ بناء العقلاء غير قائم على

1 ـ لابدّ من النظر إلى منشأ هذا الاحتياط الذي ذهب إليه غير الأعلم، مع أنّنا نعلم جيداً عند احتياط الفقيه في مسألة، يمكن الرجوع إلى غيره في الفتوى.

صفحه 349

كون القول أعلم بل أوثق، كي يقال بترجيح قول الأعلم على قول غير الأعلم.

الجواب: سلّمنا أنّ بناء العقلاء هو حصول الثقة والاطمئنان، ولكن المسألة هنا اختلافية وأنّ أحدهما أعلم من الثاني، فمخ البحث يتركز على هذه المسألة، عندئذ يقال إنّ كون أحدهما أعلم يكون داعياً لحصول الثقة والاطمئان أكثر من الآخر، وبذلك يحصل الترجيح عند العقلاء، كما أشرنا إلى ذلك في مسألة الطبيب.

ولكن هنا إشكال آخر، هو، إذا قلنا: إن كان ملاك مشروعية التقليد هو حصول الثقة والاطمئنان فيكون بناء العقلاء دليلاً صحيحاً، ولكن نحن ذكرنا في بحوثنا السابقة في باب مشروعية التقليد أنّ المشروعية ليست من باب حصول الاطمئنان، بل إنّ قول المجتهد معتبر للمقلِّد مطلقاً، سواء حصل منه الاطمئنان أم لم يحصل، هذا أولاً.

وثانياً: لو فرضنا أنّ العقلاء حصل لديهم الاطمئنان بقول الأعلم، وبذلك رجحوه على غير الأعلم، لكن لا ينفون قول غير الأعلم، عندئذ نقول: حتى لو كان دليل سيرة العقلاء دليلاً كاملاً وتاماً ولا يرد عليه الإشكال، ولكن تبقى مسألة الترجيح، وهذا حاصل لدى العقلاء بتقديم الأعلم على غير الأعلم وذلك بنحو عدم التعيين، والحال، نحن نقول: إن الدوران بين الأعلم وغير الأعلم ولا حجّية لفتوى غير الأعلم.

النتيجة: وإن كان عمدة دليل الفقهاء سيرة العقلاء، فنحن أشرنا إلى الإشكال الأول مع الجواب عنه، ولكن هذين الإشكالين الآخرين على قوتهما ونفوذهما ومع وجود هذين الإشكالين لا يمكن الاعتماد على هذه السيرة.

الدليل الثالث: الأدلة اللفظية غير شاملة للمتعارضين

ذكر المرحوم السيد الخوئي (قدس سره) في كتابه «التنقيح»(1): يتحقق دليل إثبات

1 ـ النتقيح، ص113.

صفحه 350

مشروعية التقليد إمّا عن طريق الأدلة اللفظية الواردة في القرآن والسنّة، أو دليل الانسداد.

أمّا الأدلة اللفظية: هنا عندنا أعلم وغير أعلم وقد تعارض قولهما ونحن قلنا كراراً أنّ أدلة الحجية لا تشمل المتعارضين، مثلاً عندما يقول القرآن الكريم: (فسألوا أهل الذكر) ، فهذا لا يشمل محل التعارض بين القولين.

وأمّا دليل الانسداد: فإنّ الاحتياط ـ حسب دليل الانسداد ـ غير واجب، فالنتيجة، أنّ أحد الفتويين بالنسبة لنا حجّة، والقدر المتيقن هو قول الأعلم، وحجية قول غير الأعلم ـ على القول بالانسداد ـ غير ثابتة بل تحتاج إلى دليل، الأعلم.

الجواب: أولاً: إنّ الأدلة اللفظية تشمل المتعارضين أيضاً، وذلك على نحو البدلية، بيانه، إنّ الآية (فسئلوا أهل الذكر) ، جعلت الحجية الفعلية لقول غير الأعلم كما كان لقول الأعلم.

إن قلت: لا يمكن أنّ يجعل الشارع فتوى المجتهد الذي يقول بوجوب صلاة الجمعة، حجة، وكذلك قول المجتهد الذي يقول بالحرمة، فهل يمكن أنّ يكون لكليهما حجية فعلية، يعني بصورة الإستغراقية والسريانية.

قلت: إنّ الأدلة الشأنية تتحمل مسؤولية حل هذه المشكلة، وإنّ الحجية الفعلية على نحو البدلية لا بنحو الاستغراقية، فيكون لكلتهما حجية الشأنية، والآن لنرى بأيّهما نأخذ، فلابدّ من الأخذ بطريق آخر، فكما قلنا: إنّ أدلة الحجية شاملة لكلتا الفتويين، وحيث قال السيد الخوئي (قدس سره) : إذا تمسكنا بأدلة باب الانسداد، فإنّ باب الانسداد يقول لنا باب العلم بالأحكام مغلقة لا يمكن الاحتياط فلا يبقى أمامكم سوى فتوى واحدة فحسب، قالوا: نأخذ بالقدر المتيقن وهو عبارة عن فتوى الأعلم.

صفحه 351

إشكال:

هنا ترد عدّة إشكالات:

الإشكال الأول: ما ورد في كلمات الوالد المعظم حيث قال: إنّ السيد الخوئي (قدس سره) لم يقبل ـ عند تساوي المجتهدين ـ بالتخيير، بل قال: لابدّ من الأخذ بأحوط القولين. ونحن نقول هنا أيضاً: نأخذ بأحوط القولين. فما الفرق بين المسألتين بعد أن ثبت أنّ باب الانسداد محكمة في المسألة؟ وعند تعارض القولين، فالأولى، الأخذ بأحوط القولين، ويمكن أن يكون أحوط القولين إمّا قول الأعلم أو قول غير الأعلم، لا فرق بينهما.

فإذا أجاب(1) السيد الخوئي (قدس سره) عن هذا الإشكال وقال: إنّ من مقدمات الانسداد هنا عدم وجوب الاحتياط، ولما كان عدم وجوب الاحتياط فلابدّ من القول بالقدر المتيقن.

نقول في جوابه أيضاً: إنّ عدم وجوب الاحتياط في مقدمات الانسداد في الأحكام الكلية حيث يلزم العسر والحرج، ولكن هنا في دوران الأمر بين الأعلم وغير الأعلم، فمع إمكان الاحتياط لا يلزم العسر والحرج، فنأخذ بأحوط القولين، فيمكن أن يكون أحوط القولين حينئذ إمّا قول الأعلم أو قول غير الأعلم. فهذا الإشكال وارد على السيد الخوئي.

الإشكال الثاني: عندما نقول: إنّ دليل الانسداد يأمرنا بالأخذ بفتوى واحدة، يعني أنّ حجية الظن حجة مطلقاً، فلماذا نحل المسألة عن طريق القدر المتيقن، بل نقول: إنّ الفتوى لها حجية مطلقة أيضاً، مثلاً، أنّ الظن الحاصل من القرآن الكريم حجة، مطلقاً، فلا يبقى مجال للقول بأخذ القدر المتيقن، عندئذ، فلا فرق بين الأخذ بفتوى الأعلم أو غير الأعلم.

فتبيّن أنّ الدليل الثالث أيضاً لا يمكن الاستناد إليه في الرجوع إلى الأعلم،

1 ـ هذا الجواب من كلام الاستاذ لم يرد في كلمات آية الله العظمى الشيخ اللنكراني (دام ظلّه).

صفحه 352

والإشكالات واردة عليه.

الدليل الرابع: الأخذ بباب الطريقية

وقدّم الفقهاء هنا دليلاً رابعاً على حجية الفتوى والرجوع إلى قول الأعلم، وهو باب الطريقية، وذلك بهذا البيان، أنّ المهم بين الأعلم وغير الأعلم ما هو أقرب طريق إلى الواقع، يعني لدينا هنا، صغرى وكبرى، أمّا الصغرى، فهي أنّ قول الأعلم أقرب إلى الواقع من قول غير الأعلم، لأنّه أعرف وأدق، فقوله أقرب إلى الواقع، وأمّا الكبرى، فأنّ حجية الفتوى من باب الطريقية، وما كان طريقاً إلى الواقع لابدّ من الأخذ به، وبضميمة الصغرى إلى الكبرى تكون النتيجة أنّ قول الأعلم، بما أنّه أقرب إلى الواقع، فيجب الأخذ به.

إشكال:

هذا الدليل يرد إشكال على صغراه وكبراه ـ لابدّ من الالتفات إلى هذه المسألة جيداً لأنّه يخطر على الذهن في الوهلة الاُولى هذا الكلام دقيقاً ومنطقياً بأن يأخذ الإنسان بما هو أقرب إلى الواقع والتمسك بالطريقية ـ أمّا الإشكال على الصغرى فهو إننا لا نقبل مطلقاً القول بأنّ قول الأعلم أقرب إلى الواقع، وبالأخص عندما يكون قول غير الأعلم مطابقاً للاحتياط، مثلاً، إذا قال الأعلم في التسبيحات الأربع بتسبيحة واحدة، وقال غير الأعلم بثلاث، فأولاً: إنّ قول غير الأعلم مطابق للاحتياط، وثانياً: وإن خالف قول غير الأعلم قول الأعلم المعاصر له، ولكنه موافق لقول الأعلم من الأموات، مثلاً، إذا كان قول غير الأعلم مطابقاً لقول صاحب الجواهر، أو الشيخ الانصاري (رحمهما الله) ، فحينئذ لا مجال للقول إنّ قول الأعلم أقرب إلى الواقع، بين هذين القولين.

وثالثاً: عندما يطابق قول غير الأعلم جملة من الفتاوى من الأحياء، مثلاً، إذا

صفحه 353

كان هناك خمسون فقيهاً، أحدهم أعلم وآخر غير أعلم و48 فقيهاً أقل منهما علماً وفضلاً، فلو طابق قول غير الأعلم أقوال 48 فقيهاً، فهذا يوجد الظن القوي عند الإنسان بأنّ قول غير الأعلم أقرب إلى الواقع.(1)

إذن لا نقبل هذه الصغرى في كون قول الأعلم أقرب إلى الواقع، وذلك بالأدلة الثلاثة المذكورة.

وقد أجاب المرحوم المحقق الاصفهاني في رسالته «التقليد والاجتهاد»(2)على هذه الأدلة الثلاثة، وقال:

أولاً: إنّ الظن الحاصل من هذه الفتوى حجة.

وثانياً: أنّه ظن بالواقع بالاستناد إلى الفتوى.

مثلاً، إذا لم يقلِّد العامي مجتهداً، وحصل لديه ظن بالواقع، فلا ينفعه هذا الظن، لأنّ الظن يجب أن يكون مستنداً إلى الفتوى.

وبعبارة اُخرى: لدينا أقربيتان إحداهما أقربية داخلية، وأخرى خارجية، فهناك فرق بين الأقربيتين، والمراد هنا، الأقربية الداخلية، يعني أنّ الظن الحاصل من فتوى الأعلم، أقوى من غير الأعلم فإنّ بحثنا ليس في الظن بالواقع، كي يقال إنّه أقرب إلى الواقع، كما ذكر في مطابقة فتوى الأعلم لفتوى الأموات، لأنّ هذا لا يوجب الأقوائية ولا الأقربية، وهذا يشبه القول أن نضم إلى فتوى غير الأعلم إمامة غير معتبرة، فكما أنّ الامارات غير المعتبرة لا قيمة لها، كذلك الظن المطابق للواقع، لماذا؟ إذا كان في زمن واحد خمسون مجتهداً وطابقت فتوى غير الأعلم فتاوى أربعين منهم، وكل هؤلاء الفقهاء مداركهم واحدة وأفكارهم متقاربة، فهم في قوة نظرية واحدة، فلا يمكن القول: إنّ فتوى غير الأعلم أقوى من فتوى

1 ـ نقول: إنّ الواقع واحد لا متكثر ولا يمكن التقسيم بين عدّة من الفقهاء، هذا أولاً، وثانياً: إنّ مجموع البقية 49 فقيهاً يمثلون الطرف المقابل للأعلم، فيكون قول الأعلم في الطرف الآخر أقرب للواقع من مجموع فتاواهم.
2 ـ رسالة التقليد والاجتهاد، ص 54.

صفحه 354

الأعلم.

فعليه أجابوا عن مورد النقض بهذه الصورة، أمّا إذا كان في مورد النقض فتوى غير الأعلم مطابقاً لللاحتياط فهو الكبرى الكلية في باب الأقوائية والأقربية، الظن المستند إلى الفتوى، فلا مجال للقول بالواقع، مثلاً، إذا أفتى المجتهد، وكان عند العامي ظنٌّ مخالفٌ فيقول إنّ الظن الحاصل في نظري أقرب إلى الحكم الواقعي، فهذا الظن لا اعتبار ولا حجية له، لأنّ الظن ليس ملاكاً للواقع، فعليه أنّ المرحوم الاصفهاني قال: يقول المستدل في هذه الصغرى: إنّ قول الأعلم أقرب إلى الواقع، يعني الظن الحاصل من قول الأعلم أقوى من الظن الحاصل من قول غير الأعلم، وهذا ما لا يرتضيه المرحوم الاصفهاني فالقول ما بيّناه من النقض والجواب.

إشكال:

واجه كلام المرحوم المحقق الاصفهاني (قدس سره) إشكال، وهو، ذكرتم، يجب أن يكون الظن مستنداً إلى الفتوى، فتفكيك هذا عن الأمر الواقع لا يمكن قبوله، نعم إذا قلتم إنّ فتوى المجتهد لها موضوعية قبلنا، ولمّا كانت للفتويين لهما موضوعية نرى أيّهما أقوى من الاُخرى، والحال، إن هذه الفتوى طريق إلى الواقع، عندئذ إذا قلنا إنّ أقوى هنا لا معنى لتفكيكه عن الواقع فهذا يعني أنّ الظن في قول الأعلم أقوى من قول غير الأعلم، إذن فلا معنى للتفكيك. هذا أولاً.

وثانياً: إنّ المرحوم المحقق الاصفهاني حاول الاجابة عن الإشكال الوارد على الصغرى، والحال أنّ المستشكل لا يريد إثبات أنّ قول غير الأعلم أقوى دائماً ـ يعني نفى المستشكل أن يكون قول الأعلم أقرب إلى الواقع دائماً فقط لا غير ـ فكان الإشكال على الصغرى تاماً.

أمّا الجواب عن الكبرى، فنقول: إنّ الفتوى أقرب طريق إلى الواقع، فإذا كان

صفحه 355

لنا طريقان، أحدهما أقرب إلى الواقع من الآخر فلابدّ من الأخذ به، ونفس هذه الكبرى كان مورد إشكال عند المحقق الاصفهاني على كتاب الكفاية، عندما قال المرحوم الاخوند: لا دليل عندنا على أنّ مشروعية قول الغير ـ كما يقول: لم يعلم أنّه أقرب إلى الواقع ـ ملاك القرب إلى الواقع، ولا تعبّدنا بذلك.

وبعبارة اُخرى: لا دليل عندنا على أنّ تمام الملاك في التعبد بقول الغير أقربيته إلى الواقع، عندئذ يكون الاستدلال بهذه الكبرى صحيحاً.

فأجاب المحقق الاصفهاني (قدس سره) على إشكال المرحوم الآخوند قائلاً: سؤال: هل أنّ مرادكم أنّ القرب إلى الواقع لا دخل له أصلاً بالموضوع، أو أنّ هذا ليس تمام الملاك، فإذا كان مرادكم هو القرب إلى الواقع فهذا يتنافى مع الطريقية، عندما تقولون إنّ حجية الامارات إحداها الفتوى، وإنّه من باب الطريقية في الباطن، وباطن الطريقية القرب إلى الواقع، إذن فلا يمكن إنكار تأثير القرب إلى الواقع بصورة عامة، بل يمكن أن يقال: إنّه ليس تمام الملاك إلى الواقع، وهناك ملاك آخر، فهذا الكلام تام.

أمّا لو قلتم: إن القرب إلى الواقع له دخل، ولكنه ليس تمام الملاك، بل هناك ملاك آخر. نقول: هذا ما أراده المستدل في الكبرى، ولا يضره ما ذكرتم، وكان في الصغرى أنّ فتوى الأعلم أقرب إلى الواقع.

وبعبارة اُخرى: أراد المستدل في الكبرى أنّه إذا كان هناك طريق الأقربية مع عدم تمام الملاك، يمكن ترجيح هذا الطريق على الآخر.

ثم قال: لم يكن مرادنا من الأعلمية هذا الأمر، يعني أنّ يكون قوياً في الاستنباط ولا يرفع يده عن رأيه بتشكيك المشككين، بل مرادنا من الاستنباط هو، مَن هو أقوى في اسنتباط الحكم الشرعي من الأدلة النقلية والعقلية وقادر على تطبيقه على مصاديق.

وأخيراً يصل الآخوند إلى هذه النتيجة حيث يقول: إذا تمسك بمسألة الأقربية

صفحه 356

والأعلمية، حينئذ لا يبقى فرق بين أعلم وغير أعلم، يعني أنّ العالم والجاهل في حدّ سواء، فتكون النتيجة التساوي، ولا يمكن التساوي بين العالم والجاهل، إذن نقول إنّ الأعلم بهذا المعنى الذي ذكرناه نظره أقوى في استنباط الأحكام الشرعية وقادر بصورة جيدة على تطبيق القواعد على المصاديق، فنحتمل قوله هذا ما قرب إلى الواقع عن ملاك الطريقية أكثر.

إذن، أشكل على المرحوم الآخوند (قدس سره) الذي كان متمركزاً على عدم معرفتنا أنّ الأقربية لها دخل أم لا، وأيّتهما حجة، وهذه الحجية موجودة فعلاً وإن كان أحدهما أفضل والآخر مفضول، وأجابه المحقق الاصفهاني: لا يمكن نفي الأقربية بصورة عامة ولا يمكن القول بأنّها تمام الملاك ولكن لها دخل في الملاك.

نظرالاستاذ:

هنا اُمور عديدة:

أولاً: فإذا فرضنا أنّ لنا علماً بالأقربية، والقرب إلى الواقع له دخل في المسألة، فمن أين يتعين ذلك؟ ومن أين نستفيد اللزوم؟ وبعبارة اُخرى، على المستدل أن يقول إنّ التعيين يتركز على كل شيء هو أقرب إلى الواقع، لا نقول إنّ الدوران بين الأعلم وغير الأعلم، والأعلم أفضل، بل نقول هل أنّ التعيين في قول الأعلم خاصة، والحال، لم تثبتوا في الكبرى التعيين بل قلتم كل شيء أقرب إلى الواقع يجب الأخذ به، ولا نرى لهذا الوجه من مخرج، بل لا شك في رجحان الأقربية لقول الأعلم على غير الأعلم.

وأمّا ما طرحتموه من تعارض الروايتين فإن كانت إحدى الروايتين لها مؤيد وأنّها حجة، لا يمكن القول إنّها متعينة، نهاية ما يقال إنّ لها ترجيحاً.

مثال آخر، إذا كان لدينا حديث موثق والآخر صحيح السند، يجب تقديم الحديث الصحيح السند لأنّه فيه ظن قوي بالنسبة إلى الحديث الموثق، فهل هناك

صفحه 357

من الفقهاء من يقول بوجوب تقديم الحديث الصحيح السند على الحديث الموثق، أم يلتمسون باب التعارض بينهما؟

مثال آخر، إذا كانت عندنا بيّنتان، أي شاهدان عدلان، وشاهدان جاهلان، فشهد العادلان على نجاسة الشيء وشهد الجاهلان بطهارته، أذعن جميع الفقهاء هنا على تعارض البيّنتين.

وإن قلت: إنّ هناك فارقاً بين البينة والمجتهد، والمطروح في المجتهد، الأقربية دون البيّنة.

قلنا: إنّ البيّنة أيضاً فيها الطريقية إلى الواقع، وكذا المجتهدين دون لحاظ الأقربية حتى بعنوان حسن الترجيح، وكذلك الروايتين عند التعارض وإن كانت إحدى الروايتين مؤيدة بعدّة روايات ومنزلة بمنزلة رواية واحدة خلافاً للمحقق الإصفهاني حيث ينفي كونها بمنزلة الخبر الواحد، والأمر في المجتهد أيضاً مثله طبقاً النعل بالنعل. المؤيدات الاُخرى من عدة مجتهدين منظمين إلى غير الأعلم لا يوجب الأقوائية والأقربية، أمّا إذا كانت رواية واحدة أو عدّة روايات مؤيدة إلى حدٍّ يوجب الظن القوي والاطمئنان على لزوم الترجيح فهذا بحث آخر.

النتيجة: إنّ الدليل الرابع، أولاً: في صغراه يواجه إشكالاً، وثانياً: وفي كبراه ما طرحه المرحوم الآخوند (قدس سره) حيث قال: لا نعلم أنّ الملاك أقرب إلى الواقع أم لا، وما أجابه به المحقق الاصفهاني (قدس سره) ولكن هل أنّه أقرب إلى الواقع أم لا؟ له دخل لزوماً أو غير لزوم، يحصل ذلك من القول: إنّ قول الأعلم يوصلنا إلى الواقع بصورة أسرع، فعليه أنّ هذا الدليل مخدوش في صغراه وكبراه، ولكن عند الحديث عن الأعلم يتبادر إلى ذهن الإنسان أنّ قول الأعلم أقوى وأقرب إلى الواقع ولابدّ من الأخذ به، وهذا ما بيّناه بعنوان دليل في البحث السابق، وهذا هو الإشكال على قول المحقق الاصفهاني (قدس سره) .

صفحه 358

الملصقات :


نظری ثبت نشده است .