درس بعد

الدرس التاسع والتسعون:بحث الأعلمية

درس قبل

الدرس التاسع والتسعون:بحث الأعلمية

درس بعد

درس قبل

موضوع: تقريرات دروس خارج الفقه - الاجتهاد و التقليد


تاریخ جلسه : ١٣٩٠/٦/٢٨


شماره جلسه : ۹۹

PDF درس صوت درس
خلاصة الدرس
  • البحث فى الروايات الدالة على الأخذ بقول الأعلم

الجلسات الاخرى

الدرس التاسع والتسعون

ووردت رواية اُخرى في وسائل الشيعة في كتاب القضاء الجزء 27 الباب 9 من أبواب صفات القاضي، الحديث 20.

داود بن الحصين عن أبي عبدالله(عليه السلام) في رجلين اتفقا على عدلين جعلاهما بينهما في حكم وقع بينهما فيه خلاف فرضي بالعدلين (نفس المسألة المذكورة في مقبولة عمر بن حنظلة ـ فاختلف عدلان ـ أي بين العدلين ـ عن قول أيّهما ينزل

صفحه 363

حكم ـ يعني يقبل بحكم أيّهما ـ قال الإمام (عليه السلام): ينظر إلى أفقههما وأعلمهما بأحاديثنا وأورعهما، فينفذ حكمه ولا يلتفت إلى الآخر.

عند التدقيق والتفحص في سند الرواية ودلالتها، نصل إلى ما وصلنا إليه في الرواية السابقة بمعنى أنّها لا دلالة لها بمسألة الفتوى، بل ترتبط بمسألة قاضي التحكيم الموجود في زمن حضور الإمام دون القضاء المتعارف.

وهناك فرق بين المفتي في زمن حضور الإمام وبين المفتي في عصرنا الراهن، لأنّ المفتي في زمن حضور الإمام(عليه السلام) كان يفتي حسب الروايات الموجودة بين يديه، والحال، أنّ المفتى في عصرنا الحاضر يستنبط الأحكام الشرعية من القواعد الكلية ثم يطبقها على مواضيعها، فيجب أن يرعى فيها الأقوائية والأعلمية، وما نريده من موضوع الأعلمية هنا الأعلمية المطلقة حيث يختار العامي من بين المجتهدين كافة مجتهد أعلم لشؤونه الدينية، وما ورد في الرواية يراد منه الأعلمية والافقهية الإضافية، يعني حصر الأمر بين المفتيين فقط دون غيرهما، وفي سند هذه الرواية ورد داود بن الحسين وهو ثقة، وقال البعض، إنّه واقفي ثقة، فيرد الإشكال على دلالة الرواية دون سندها.

ووردت رواية اُخرى في نفس المصدر ج27، باب 9 من أبواب صفات القاضي، ح 45، عن موسى بن أكيل ـ ثقة ـ عن أبي عبدالله(عليه السلام): سئل عن رجل يكون بينه وبين أخ له... قال الإمام(عليه السلام): «ينظر إلى أعدلهما وأفقههما في دين الله فيمضي حكمه». نفس ما ورد في الرواية السابقة، ولكن هنا قال: «ينظر إلى أعدلهما وأفقههما في دين الله فيمضي حكمه»، من حيث الدلالة، يرد عليها نفس الإشكال الذي ورد على الروايتين السابقتين.

إن قلت: إنّ المرجحات تكررت في هذه الروايات سوى كلمة «أصدقهما» فإنّهما لم ترد في هاتين الروايتين خلافاً لرواية عمر بن حنظلة، وكذلك جاءت في الرواية، «أعدلهما» بدلاً عن «أورعهما»، فما هي النتيجة الحاصلة من جميع هذه

صفحه 364

الروايات.

قلت: إنّ تعدد المرجحات واختلافها في مضمون الروايات قد تشير إلى أمر واحد، مثلاً، ذكر في مقبولة عمر بن حنظلة، الأفقهية والأعدلية، فتكون الأصدقية والأورعية عبارة اُخرى عن الأعدلية، كما ذكر في رواية موسى بن أكيل، «أعدلهما وأفقههما في دين الله»، فعليه فمن المسلم أنّ ما ورد في رواية مرجحات أربع وفي اُخرى ثلاث وفي الثلاثة اثنان، تدل على أنّه ليس لنا تعبير فيما ورد من زيادة في رواية اُخرى، بل إنّها تحمل عنوان العطف التفسيري في بيان المطلوب.

وهناك رواية رابعة لإثبات الأعلمية، وهي ما كتبه أمير المؤمنين(عليه السلام) في عهده إلى مالك الأشتر النخعي، حيث قال: «اختر للحكم بين الناس أفضل رعيتك»(1)، قالوا: هذه العبارة تنبىء عن العمومية المرادة من الحكم سواء كان حكماً قضائياً أو إفتائياً أو دينياً. وبعبارة اُخرى: أنّ الحكم له معنيان: حكم كلي، أعم من القضاء والفتوى، وحكم جزئي خاص يراد به القضاء فقط دون الإفتاء.

إشكال:

هل في هذه الرواية دلالة على اعتبار الأعلمية أم لا؟ نقول: هنا ترد عدّة إشكالات على هذه الرواية وهذا الاستدلال:

أولاً: هناك أمر مهم جدّاً يجب الالتفات إليه في الفرق بين القضاء والفتوى، وهو أنّ باب الفتوى لا يحتاج إلى التعيين من قِبل الحاكم، يعني أن يقول له إني اُعيّنك للإفتاء، خلافاً لباب القضاء فإنّ القاضي، يحتاج إلى التعيين من قِبل الحاكم، ولذا قال الإمام أمير المؤمنين(عليه السلام) لمالك الإشتر الذي كان حاكم مصر: اختر للحكم بين الناس...، لأنّ الحاكم له مشاغل غيره تشغله عن رفع الخصومات، ولذا يعيّن شخصاً بدلاً عنه لرفع الخصومات.

1 ـ نهج البلاغة، الرسالة 53.

صفحه 365

إن قلت: كان ذلك في زمان الإمام الصادق(عليه السلام) حيث كان يأمر أصحابه بالجلوس في المساجد وإفتاء الناس بقوله: «اجلس في المسجد وافتِ الناس»، أليس هذا نوع من التعيين؟

قلت: هذا الكلام لا يحمل عنوان التعيين، مثلاً، أنّ زرارة وعبدالرحمن وغيرهما كانوا متضلعين بهذه الاُمور ولهم الصلاحية الكافية في درك الأحكام الشرعية والأحاديث الواردة إليهم، ولذا كان الإمام يقول لهم: افتوا الناس، ولا يقصد من كلامه هذا، التعيين والنصب للإفتاء، ولا يقول: هذا أعلم من الأخر، لذا نصبته عليكم، لأننا نستدل في مسألة التقليد والفتوى بالآية الشريفة: (لولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين والينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم) . يعني أن المتفقِّه في الدين له الفتوى، فلا يحتاج إلى التعيين، نعم في زمن الغيبة حسب الرواية الواردة عن الإمام العسكري(عليه السلام) حيث قال: «أمّا من الفقهاء من كان صائناً لنفسه حافظاً لدينه... إلى آخر الرواية»، يراد بها تعليم الناس الفقه، وليس الإمام في مقام النصب والتعيين، فعليه أنّ تعيين مالك الاشتر لا دخل له في مسألة الفتوى، بل هو في مسألة القضاء.

الثاني: والفرق الآخر بين باب القضاء والافتاء، أنّه في القضاء لو رفض الأعلم القضاء فللحاكم أن يعيّن غير الأعلم بدلاً عنه، خلاف لباب الإفتاء ،لا يمكن تقليد غير الأعلم مع وجود الأعلم، لأنّه مع حجية قول الأعلم، لا حجية لقول غير الأعلم.

الثالث: أنّ الأمر الصادر من قبل أمير المؤمنين(عليه السلام) لمالك الأشتر في باب التصدي للقضاء يحمل عنواناً إرشادياً، كأنّه يريد أن يقول: الأفضل أنّ تعيّن في القضاء من هو أعلم أو أفقه.

الرابع: إنّ الذين استدلوا بكلام أمير المؤمنين لم يلتفتو إلى ذيل عبارة أمير المؤمنين(عليه السلام) حيث قال: «اختر للحكم بين الناس أفضل رعيتك في نفسك. ثم قال:

صفحه 366

من لا تضيق به الاُمور ولا تمحكه الخصوم ولا يتمادى في الذلة»، فبين ما نريده نحن من الأفضل والأعلم في باب الإفتاء وبين ما ورد في كلام أميرالمؤمنين(عليه السلام)قياس مع الفارق.

الرواية الخامسة، جاء في هذه الرواية ذم الذين يتصدون للقضاء وفي المصر من هو أفضل منهم، والرواية كما وردت في بحار الأنوار نقلاً عن الخصال عن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنّه قال: «من تعلّم علماً ليماري به السفهاء أو ليباهي به العلماء أو يصرف به الناس إلى نفسه، يقول أنا رئيسكم، فليتبوء مقعده من النار»، ثم يقول: «إن الرئاسة لا تصلح إلاّ لأهلها، فمن دعى الناس إلى نفسه وفيهم من هو أعلم منه، لم ينظر الله إليه يوم القيامة»(1).

إن قلت: إنّ الإفتاء شكل من أشكال الرئاسة، لأنّ النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) قال: «من دعى الناس إلى نفسه»، ولا شك في أنّ المصدّرين للرسالة العملية يدعون الناس إلى أنفسهم، فلذلك تشملهم الفقرة المذكورة، والحال، أنّ فيهم من هو أعلم منهم، إذن لم ينظر الله تعالى إليهم يوم القيامة، فتطبيق هذا المعنى على مسألة الإفتاء أمر ميسور لا حرج فيه.

قلت: نعم، هذا استدلال جيد، ولكن نحن ذكرنا أنّ التعبير الذي جاء به السيد الخوئي في شرط الذكورية بأنّ المرجعية رئاسة لعامة المسلمين، قلنا: إنّ كلمة الرئاسة غير مناسبة، لأنّ المرجع يبذل طيلة عمره طاقة كبيرة لتحصيل القواعد ثم يكتبها في رسالته العملية ثم يقدمها إلى الناس، بل هنا المرجعية بمعنى الخلافة التي لا تصلح إلاّ لأهلها، فالمراد من الرئاسة هو الخلافة والإمامة.

وهناك رواية مرسلة جاءت في بحار الأنوار، عن الإمام الجواد(عليه السلام) أنّ الإمام خاطب عمّه قائلاً: «إنّه عظيم عند الله أن تقف قد بين يديه فيقول لك، لِمَ تفتي

1 ـ بحار الانوار، ج 2، ص 110.

صفحه 367

عبادي بما لم تعلم وفي الاُمة من هو أعلم منك؟»(1). يقول السيد الخوئي (قدس سره) ، إنّ دلالة هذه الرواية جيدة جدّاً، لأنها تقول: «لِمَ تفتي؟ ـ جاء فيها التعبير بالفتوى ـ وفي الاُمة من هو أعلم منك»، ولكن من المؤسف أنّ الرواية مرسلة.

أقول: علاوة على سندها بالارسال، فدلالتها أيضاً مخدوشة، تأملوا جيداً، أنّ الكلام الذي جاء في الرواية لم يكن بين الأعلم وغير الأعلم، بل بين العالم والجاهل، يعني يرجع كلام الإمام الجواد(عليه السلام) ـ ياعم لماذا تفتي الناس الجهلاً؟ ـ إلى ذم هذا المعنى في الرواية، وفلم تنظر هذه الرواية إلى الفرق بين الأعلم وغير الأعلم، إذن لا دلالة في هذه الرواية على مسألة الأعلمية.

الملصقات :


نظری ثبت نشده است .