درس بعد

الدرس المائة وثلاث:بحث الأعلمية

درس قبل

الدرس المائة وثلاث:بحث الأعلمية

درس بعد

درس قبل

موضوع: تقريرات دروس خارج الفقه - الاجتهاد و التقليد


تاریخ جلسه : ١٣٩٠/٦/٣١


شماره جلسه : ۱۰۳

PDF درس صوت درس
خلاصة الدرس
  • النتيجة: أوردنا خمسة أدلة على وجوب تقليد الأعلم، وكانت جميعها مخدوشة، وكذلك أرودنا خمسة أدلة على عدم وجوب تقليد الأعلم، ويمكن الرجوع إلى غير الأعلم مع وجود الأعلم، وكان بعضها مخدوشاً والبعض الآخر مثل دليل سيرة المتشرعة، تامة، وأهم منها دليل الاطلاقات في الأدلة اللفظية. وفي نظرنا أنّ هذه الاطلاقات قوية وقابلة للاستدلال، وبها يحصل عند المكلّف الاطمئنان أنّه ليس هناك تقييد ووجوب وتعيين للأعلم.

الجلسات الاخرى

الدرس المائة وثلاث

ولكن هنا أمر ملفت للنظر يجب التوجه إليه، أنّ سيرة المتشرعة قائمة على الرجوع إلى المجتهد دون الفحص عن أعلميته أو عدمها، وبهذا كانت هذه السيرة سارية في عصر المعصومين (عليهم السلام) ، وقلنا في أدلة تقليد الأعلم: إنّ أدلة تقليد الأعلم ترى كفاية سيرة العقلاء وتماميتها، وهنا يطرح هذا الإشكال نفسه أنّ سيرة المتشرعة رادعة عن السيرة العقلائية، وتفرغها عن دلالتها، مضافاً إلى أصل وجود هذه السيرة التي كانت مشتهرة العمل بها بين الناس، حيث كانوا يأخذون

صفحه 378

مسائلهم الشرعية من علماء المنطقة، وبالإضافة إلى إطلاقات الأدلة اللفظية في التقليد.

النتيجة: أوردنا خمسة أدلة على وجوب تقليد الأعلم، وكانت جميعها مخدوشة، وكذلك أرودنا خمسة أدلة على عدم وجوب تقليد الأعلم، ويمكن الرجوع إلى غير الأعلم مع وجود الأعلم، وكان بعضها مخدوشاً والبعض الآخر مثل دليل سيرة المتشرعة، تامة، وأهم منها دليل الاطلاقات في الأدلة اللفظية. وفي نظرنا أنّ هذه الاطلاقات قوية وقابلة للاستدلال، وبها يحصل عند المكلّف الاطمئنان أنّه ليس هناك تقييد ووجوب وتعيين للأعلم.

هل كانت فتوى وجوب تقليد غير الأعلم مشهورة بين القدماء أيضاً أم لا؟ هنا ترجع المسألة إلى ما ذكرناه في أدلة تقليد الميت، وإن جاءت في روايات تقليد الأعلم اصطلاحات مثل (أفقههما، أعلمهما، أورعهما، أصدقهما) ولكن هذا البحث لم يكن مطروحاً عند القدماء بهذه الصورة وليس هناك شهرة فتوائية في ذلك أيضاً.

ولا بأس بالإشارة إلى هذا البحث بشيء من الايجاز: إذا كان لدينا إجماع أو شهرة مسلّمة على لزوم تقليد الأعلم، وكان هذا الإجماع، والشهرة قدمائية، فمع عدم قدرة الأدلة لبيان الاستدلال المطلوب على المسألة، نتمسك بالاحتياط، لأنّ مشاهير الفقهاء ذهبوا إلى تقليد الأعلم، وما نقلناه من أدلة القائلين بلزوم تقليد الأعلم وما ذكرناه عن السيد المرتضى، أنّ المسألة كانت من البداية خلافية ولم يكن أكثر الفقهاء أو المشهور منهم قائلين بلزوم تقليد الأعلم، وهذا ما صرّح به السيد نفسه بوجود الخلاف.

فعليه لمّا فقدنا الأدلة اللفظية والأدلة الاُخرى في دائرة الاستدلال بلزوم تقليد الأعلم أو غيره، تبقى هنا الأدلة الاجتهادية والفقاهتية، وهي ثلاثة أدلة، البراءة، الاحتياط، الإستصحاب.

صفحه 379

فإذا قلنا أولاً: إنّ هناك علماً إجمالياً لطائفة من الأحكام الشرعية، ثم دوران الأمر بين التعيين والتخيير، فمعنى ذلك أنّ كلا المجتهدين قولهما مُعذِّر، فذهب بعضهم إلى التعيين في الأعلم ولذا تمسكوا بالاحتياط، والدافع إلى هذا الاحتياط هو العقل الذي يهدي الإنسان إلى هذا المعنى عند تردده بين الأمرين، فيحكم العقل التعيين من باب الاحتياط، وهذا ما دفع الإمام الراحل إلى أنّ يكون احتياطياً في المسألة لمّا لم يجد دليلاً قوياً في أدلة الطرفين من المثبتين والنافين.

والملفت للنظر هنا هو الإشكال الوارد على كلام الإمام الراحل (قدس سره) ، حيث أشار إليه الوالد المعظم قائلاً في مقام الإشكال: إن الإمام الراحل (قدس سره) تمسك بالاحتياط الوجوبي في تقليد الأعلم، هذا من جهة، ومن جهة اُخرى قال: لو قلَّد مجتهداً ثم بعد برهة ظهر مجتهد آخر أعلم من الأول، فإذا جعلنا مستند تقليد الأعلم، الأدلة الاجتهادية التي تقول يجب الرجوع إلى الأعلم المتأخر، والحال، أنّ مستند العقل يقول إنّ للمقلِّد في تقليده الأول حجية شرعية، وعند وجود هذه الحجية لا معنى للدوران بين التعيين والتخيير، ونحن نعلم أنّ التعيين والتخيير محله في ابتداء التقليد، هل المقلِّد يرجع إلى الأعلم أم يجوز له الرجوع إلى غير الأعلم، عندئذ فهو مخيّر بينهما، يختار من يشاء، خلافاً لظهور مجتهد آخر أعلم من الأول، لأنّ الحجية ثابتة في حقّه فلا تصل النوبة إلى الدوران بين التعيين والتخيير، وكذا الحال إذا تساويا، فيحكم العقل بالتخيير، خلافاً لما طرحه السيد الخوئي (قدس سره) ، حيث قال: يجب أن يأخذ بأحوط القولين.

نعم، القائلون بتقليد الأعلم تمسكاً بالأدلة الاجتهادية يقولون يجب عليه العدول إلى المجتهد الثاني، وأمّا النافون الذين تمسكوا بالعقل لا مجال لهم هنا للأخذ بدليل العقل ويقولون بدوران الأمر بين التعيين والتخيير، إذن، مع طرح هذين الفرضين تظهر الثمرة العملية لهما.

والآمر الآخر الذي يمكن التوجه إليه هنا حيث جاء في كلام الإمام

صفحه 380

الراحل (قدس سره) والسيد قيد الإمكان حيث قالا: يجب تقليد الأعلم مع الإمكان، سيأتي البحث عنه إن شاء الله.

على أيّة حال ورد التعبيران هنا:

1 ـ يجب تقليد الأعلم، على الأحوط.

2 ـ إذا كان الثاني أعلم، يجب العدول، ونحن نعلم لا وفاق بين هذين التعبيرين.

كانت عمدة البحث في هذه المسألة هي: هل أنّ تقليد الأعلم ضرورة أم لا؟ يعني إذا كان أحدهما أعلم والآخر عالم، أو أحدهما أفضل والآخر فاضل، مع علمنا بالخلاف بينهما في الفتوى.

وهناك فرضية اُخرى وهي: إذا كان أحدهما أعلم والآخر عالم مع الوفاق في الفتوى بينهما من جميع الجهات، هل ـ مع توفر هذه الشروط ـ يجوز تقليد غير الأعلم مع وجود الأعلم، أم لا؟

قال المرحوم السيد (قدس سره) في (المسألة 18): الأحوط عدم تقليد المفضول حتى في المسألة التي توافق فتواه، فتوى الأفضل.

عمل المرحوم السيد (قدس سره) هنا بالاحتياط، والحال، نحن نقول بمصداقية كل من الفتويين ونأخذ بطبيعة الحجية على نحو الكلية المنطبقة عليهما، ونسري المسألة على مسألة تساوي المجتهدين اللذين يقولان بوجوب صلاة الجمعة مثلاً فللمقلد أن يعمل برأي هذا أو ذاك، فتأتي أدلة حجية الفتوى فتجعل طبيعة الفتوى حجة على المقلِّد، فيصلي المقلد صلاة الجمعة دون أن يأخذ بنظر الاعتبار الاستناد إلى أحد المجتهدين، فلا بأس بهذا الكلام لأنّه ليس هناك لزوم في تعيين مجتهد خاص، فيعمل بالذي يراه صالحاً، كما إذا وصلت إلينا روايتان لهما دلالة على وجوب شيء، فإذا أراد المجتهد الافتاء لا يقول: إني أُفتي الإفتاء بالوجوب استناداً إلى هذه الرواية أو تلك، لأنّهما صدرتا عن خبرين عادلين موثوقين، لهما

صفحه 381

قدر جامع، فيفتي بوجوب صلاة الجمعة، إذن ليس هناك دليل في المتساويين بحيث يجب العمل بقول هذا أو ذاك بل هناك حجية الفتوى، فيعمل بها، وليس من باب العام الاستقرائي ولا العام المجموعي ولا العام البدلي، بل إنّ كلّي الفتوى حجة على المقلِّد، وكذا الأمر في الأفضل والمفضول المتساويين في كلّي الفتوى، فيمكن للمقلّد أن يأخذ بهذا الكلّي دون أن يستند إلى أحدهما، لأنّ كلّي الفتوى حجة عليه، عندئذ ينطبق كلّي الفتوى، الحجة المعتبرة على كلا القولين، لأنّ المجتهدين في فرضيتنا غير مختلفين في الفتوى. جاء هذا البيان عن السيد الخوئي (قدس سره) في كتابه «التنقيح» ونسبه إلى السيد في العروة.

والإشكال يكمن في قولنا: إنّ ستنادنا مع ذلك ليس مستند إلى المفضول، حيث قال المرحوم السيد (قدس سره) : الأحوط عدم تقييد المفضول حتى في المسألة التي توافق فتواه، فتوى الأفضل، فنريد البحث في هل يمكن الاستناد إلى قول المفضول أم لا؟ فنقول: إن المفضول والأفضل مشتركان في الفتوى، فيأخذ المقلِّد، الفتوى دون أن يسندها إلى أحد منهما، فقول المفضول في هذه المسألة شبيه بمسألة جواز البقاء على فتوى المفضول الذي ذهب إليه الفقهاء، فهل هنا أيضاً يجب على المقلِّد أن يسند جواز بقائه على أحدهما أم أنّ المقلِّد يعمل بالفتوى التي هي عليه حجة، ويأخذ بالكلي دون أن يحتاج إلى الاستناد، أمّا القائلون بوجوب تقليد الأعلم والاحتياط يجب أن عليهم التمسك بعدم جواز تقليد غير الأعلم، وأمّا القائلون بعدم وجوب تقليد الأعلم فلا يفرقون بين الأعلم وغيره وبين المفضول والأفضل ويُرجعون بالمسألة إلى التخيير.

والإشكال الآخر هو: كيف نعمل بمسألة الالتزام أو بمسألة الاستناد إلى قول الغير، يعني إذا اعتبرنا التقليد التزاماً أو عملاً بفتوى المجتهد؟

يمكن دفع هذا الإشكال، بعدم وجوب الالتزام بقول المعيّن، فمع التردد بين المجتهدين يمكن التخيير.

صفحه 382

وهذا الكلام يحمل في طياته صوراً ثلاث:

1 ـ إذا كان خلاف بين الأعلم وغير الأعلم.

2 ـ أن يتساويا في الفتوى.

3 ـ عدم العلم بالخلاف أو الوفاق بين المجتهدين.

قلنا في الصورة الاُولى وهي الاختلاف بينهما: يجب تقليد الأعلم، وفي الصورة الثانية إذاتوافقا في الفتوى فلا فرق بينهما في الفتوى فلا يلزم الرجوع إلى الأعلم.

أمّا في الصورة الثالثة وهي عدم العلم بالخلاف أو الوفاق بين الأعلم وغير الأعلم، فهل يجب عليه تقليد الأعلم أو لا فرق بينهما، فبأيّهما أخذ فقد أصاب المطلوب؟

من الواضح ـ الذين قالوا، في الصورة الاُولى: لا يجب تقليد الأعلم، يقولون به هنا بطريق أولى، يعني إذا قال الفقيه في صورة الاختلاف والعلم بالخلاف بين الفتويين بعدم لزوم الرجوع إلى الأعلم، ففي صورة عدم العلم بالخلاف يقول بعدم لزوم الرجوع إلى الأعلم بطريق أولى.

وأمّا على النظرية القائلة بلزوم الرجوع إلى الأعلم في صورة الخلاف، فهنا أيضاً تمسكاً بالعقل ودوران الأمر بين التعيين والتخيير يلزمنا التعيين.

فيجب البحث في الأدلة المذكورة هناك لإثبات التعيين في صورة عدم العلم بالخلاف بين الأعلم، وغير الأعلم يعني نفس الأدلة، من الإجماع وسيرة العقلاء ومقبولة عمر بن حنظلة وروايات اُخرى، وهل يستفاد من تلك الأدلة الشمولية والعمومية في هذه الصورة أيضاً أم لا؟

قلنا: أمّا بالنسبة إلى الأصل العملي الذي يقول بدوران الأمر بين التعيين والتخيير فيحكم العقل بالتعيين.

وأمّا الأدلة المطروحة فهي كما يلي:

صفحه 383

الدليل الأول:الإجماع

ويعتبر الإجماع من الأدلة اللبية بحيث يكتفي به على القدر المتيقن، والقدر المتيقن، حصول العلم بالخلاف، ومع عدم العلم بالخلاف يخرج الإجماع عن محل البحث.

الدليل الثاني: الأقربية للواقع

إن الرجوع إلى الأعلم متعين لأقربية قول الأعلم للواقع، والأقربية مطروحة في صورة وجود الخلاف بين الأعلم وغير الأعلم، حينئذ نقول: هذا قول الأعلم، وهذا القول أقرب للواقع، فيجب الأخذ به، وما نحن فيه، خلاف هذا المعنى، لأنّ الأقربية تأتي في صورة الخلاف أو الوفاق، وفي صورة عدم العلم بالخلاف أو الوفاق، تكون القضية مشكوكة لصدقها على الأعلم وغير الأعلم لا يمكن الأخذ بقول أحد منهما.

الثالثة: مقبولة عمر بن حنظلة

فكانت مقبولة عمر بن حنظلة في مورد الخلاف بين الأعلم وغير الأعلم بمعنى إذا ذهب شخصان إلى قاضيين فاختلفا في الحكم، هنا يقول الإمام(عليه السلام): «ينظر إلى من كان أعدلهما، أفقههما...» فحسب هذه المقبولة فالكلام في اختلاف المجتهدين في الفتوى، وهذه المقبولة غير شاملة لهذه المقبولة لما نحن فيه وهو عدم العلم بالخلاف أو الوفاق بين الأعلم وغير الأعلم، إذن لا تبقى هنا سوى سيرة العقلاء، لنرى ما دورها في حل هذه المسألة، تمسك الذين قالوا بلزوم الرجوع إلى الأعلم في التقليد، بسيرة العقلاء، وضربوا لذلك مثلاً برجوع المريض إلى الطبيب الحاذق وغير الحاذق، فيحكم العقلاء عليه بالرجوع إلى الطبيب

صفحه 384

الحاذق، فلو اختار المريض خلاف سيرة العقلاء ورجع إلى غير الحاذق، يقع مورد تقريع العقلاء.

قال بعض الأكابر مثل الوالد المعظم (دام ظلّه): إنّ سيرة العقلاء جارية في هذا المورد أيضاً، يعني مورد عدم العلم بالخلاف أو الوفاق، مثلاً لو راجع المريض الطبيب غير الحاذق ولم يحصل على الشفاء يقول له العقلاء: لماذا راجعت الطبيب غير الحاذق مع وجود الحاذق. فإذا قال: لعدم علمي بوجود الخلاف أو الوفاق بينهما فلا يقبل عذره عند العقلاء.

كلام المرحوم السيد الخوئي:

قال السيد الخوئي (قدس سره) في كتابه «التنقيح»: نحن لا نقبل بهذا الاطلاق في الرجوع إلى سيرة العقلاء في العلم وعدمه بالخلاف أو الوفاق، بل نقول مع وجود العلم بالخلاف يمكن الرجوع إلى فسيرة العقلاء والعمل بقول الأعلم، وفي صورة العلم بالوفاق سيرة العقلاء قائمة بالتخيير بين الأعلم وغير الأعلم، لأن سيرة العقلاء متحورة وقائمة على أساس الوثوق والاطمئنان، فهذا يحصل أحياناً من قول الأعلم وأحياناً من قول غير الأعلم، أمّا في صورة عدم العلم بالخلاف أو الوفاق فعلى أي أساس تقوم سيرة العقلاء وعلى قول من يمكن الاطمئنان والوثوق، لأنّه لا يعلم قول الأعلم كما لا يعلم المراد من قول غير الأعلم، فعليه يجب القول: إنّ سيرة العقلاء غير جارية في هذه الصورة.

إن قلت: إنّ سيرة العقلاء تقول: قول الأعلم يبعث على الاطمئنان.

قلت: في فرض المطلوب لا نعرف قول الأعلم كي تقول سيرة العقلاء إنّ قول الأعلم يبعث على الاطمئنان.

النتيجة: إنّ ممّا عرضناه من بيان الوالد المعظم والمرحوم السيد الخوئي (قدس سره) نستنتج أنّه ليس لسيرة العقلاء دور في مسألة عدم وجود العلم بالخلاف أو الوفاق،

صفحه 385

والعجيب ما ذكره المرحوم السيد الخوئي في هذه المسألة بالرجوع إلى غير الأعلم مستنداً إلى قيام سيرة العقلاء، ومع ذكر سيرة العقلاء يحصل ملاك الوثوق بقول الأعلم، وكيف يمكن الحصول على قول الأعلم مع انتفائه وعدم علمنا به؟

فتبيّن من الصورة الثالثة عند حجية الإجماع والروايات وسيرة العقلاء في مسألة عدم العلم بالخلاف أو الوفاق، ودليلنا على عدم الرجوع إلى الأعلم في الصورة الثالثة هو: الأول: اطلاق أدلة التقليد التي تدلّ على مشروعيته، لأنّ اطلاق الأدلة ترشدنا إلى اتباع كل فقيه، وبذلك تخرج الاطلاقات من هذه الصورة الاُولى وهو العلم بوجود الخلاف، أمّا في الصورتين الاُخريين فتشملهما الاطلاقات، يعني صورة الموافقة وصورة عدم العلم

إن قلت: إن التمسك بالاطلاق في باب الشبهة المصداقية مقيد غير جائز، كما لا يجوز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية في الخاص، بمعنى أنّ لنا اطلاق جواز التقليد والفتوى وحجيتها، وهذه الحجية مقيدة، هل أنّ هذه الصورة الثالثة داخلة في دائرة هذا القيد أم لا؟

قلت: فقد أجاب بعض الأكابر عن هذا الإشكال حيث قالوا: إنّ عدم جواز التمسك بالاطلاق في الشبهة المصداقية إذا كان القيد دليلاً لفظياً، أمّا إذا كان الدليل قيداً عقلياً فلا مانع من التمسك به، وما نحن فيه، من القسم الثاني وليس من القسم الأول، لماذا؟ لأنّ العقل يذهب إلى شمولية اطلاق حجية الفتوى على صورتي العلم وعدمه، وإذا أردنا أن تشمل ما به الخلاف يستلزم اجتماع النقيضين واجتماع الضدين، ولذا يخرج العقل ما به الخلاف عن الاطلاقات ويكون التقييد تقييداً عقلياً.

وحاول البعض ردّ هذا الجواب بإشكال مبنائي وقالوا: لا فرق في التمسك بالاطلاق في الشبهة المصداقية بين الاطلاق والعام وكلاهما غير جائز، وسواء كان المقيد والمخصص لفظياً أو عقلياً، وهذا ما اختاره السيد الخوئي قائلاً هذا مبنانا في الاصول، ولذا حاول حلّ المسألة بطريقة اُخرى ـ وقال: لا يمكن حلّ

صفحه 386

هذه المسألة عن طريق اللفظي أو العقلي لدفع هذا الإشكال ـ وهو أنّ لدينا هنا أصل موضوعي بوجود مجتهدين أحدهما أعلم والآخر غير أعلم، والآن لا علم لنا بمخالفتهما أو موافقتهما، فنستصحب عدم الخلاف على نحو الاستصحاب عدم الأزلي، يعني أنّ هذين المجتهدين لم يكن بينهما خلاف في قديم الأزمان، والآن قد اجتهدا فنشك، هل حصل بينهما خلاف أم لا؟ فيقول الاستصحاب عدم الأزلي: عدم وجود الخلاف بينهما، أو نتمسك بالاستصحاب عدم المعطي، وبهذا لا نحتاج إلى التمسك بالقيد أو الخاص في الاطلاق والعام في الشبهة المصداقية، بل نحل المسألة بواسطة استصحاب الأزلي والمعطي وندرك وجداناً بعدم وجود خلاف بين هذين المجتهدين، هذا خلاصة كلام السيد الخوئي (قدس سره) .

كلام آية الله العظمى اللنكراني

قال (دام ظلّه): هذا ليس من باب التمسك بالعام في الشبهة المصداقية، بل يرجع البحث فيه إلى الشك في التقييد والتخصيص الزائدين، لأنّ الاطلاقات والعمومات تثبت حجية الفتوى، وقد قيّدت وخصصت هذه الاطلاقات والعمومات بشيء ما، يعني نعلم قطعاً بأنّ هذا التقييد والتخصيص تعلق بصورة علمنا بوجود الاختلاف بينهما، ولكن مع عدم العلم بهذا الخلاف أو الوفاق بينهما لا نعلم بخروج عن الاطلاقات، فيكون الشك في التقييد الزائد مثلاً، إذا قال المولى: أكرم العلماء، ثم جاء بدليل على خروج زيد عن هذا الاطلاق، ثم نشك هل أنّ هذا الأمر يدلّ على خروج بكر أيضاً أم لا؟ فيكون الشك في التقييد والتخصيص الزائدين، فنعمل بذلك العموم والاطلاق، هل هذا البيان تام أم لا؟

نظر الاستاذ:

إنّ هذا البيان مخدوش، لماذا؟ لأنّنا نعلم من أدلة حجّية الفتوى إذا كان للأعلم قول خارج عن محل البحث، ولكن لا نعلم هل أنّ هذا الخروج في صورة

صفحه 387

كون أقول الأعلم مخالف قول غير الأعلم؟ وهل أنّه مصداق للتقييد؟ أو لا نعلم أيضاً ولكن المخالفة الواقعية موجودة، والآن عندما لا نعلم بالمخالفة والموافقة مع وجود المخالفة الواقعية بينهما، فهل يخرج عن الاطلاقات أيضاً أم لا؟ مثل، أن يقول المولى مرّة: اكرم العلماء ثم يقول: لا تكرم الفساق منهم، فنحن لا نعلم أنّ مراد المولى من (لا تكرم الفساق منهم) هو مَن نعرفه بالفسق خارج عن المحل أو لا يراد به الفساق جميعاً سواء من عرفنا فسقهم أو لم نعرف، فحينئد إذا احتملنا فسق شخص لا نعلم أنّه فاسق في الواقع أم لا، فإذا تمسكنا في هذه الموارد بالعلماء فقد تمسكنا بالعام في الشبهة المصداقية المخصصة، فعليه يظهر ممّا ذكرناه أنّ ما ذكره الوالد المعظم بأنّ البحث ليس من باب التمسك بالعام في الشبة المصداقية غير صحيح يمكن الخدش فيه، لأنّ البحث هنا يرجع إلى التقييد الزائد والشك في التقييد الزائد.

كلام المرحوم السيد الخوئي:

فذكر السيد الخوئي (قدس سره) : لأجل بقاء الباقي لا نتمسك بالاطلاقات بل نتمسك بأصلين موضوعيين وهما: أنّ لنا اطلاقات حجية الفتوى من جهة، ومن جهة اُخرى لنا قيد، ويجب في الدوران بين الأعلم وغير الأعلم، الأخذ بقول الأعلم، ولا شك فيما إذا كان بينهما خلاف، يخرج البحث عن دائرة الاطلاقات، وعند الشك في وجود الخلاف بينهما نجري استصحابين، استصحاب عدم الازلي واستصحاب عدم المعطي حيث يقول الأول (الازلي) إنّهما قبل أن يتولدا لم يكن بينهما خلاف، وبعد تولدهما واجتهادهما نستصحب عدم الخلاف، ويقول الثاني (المعطي): عندما اجتهدا قبل أن يصدرا فتوى لم يكن بينهما خلاف، فنشك هل بينهما خلاف أم لا؟ نستصحب العدم.

صفحه 388

نظر الاستاذ:

هل أنّ هذا الكلام صحيح أم لا؟

الإشكال الأول: يظهر من كلام السيد الخوئي لا يمكن التمسك بالاطلاق في هذا المورد، وعندما توصل بأصلين موضوعيين قال: لا خلاف بينهما، فالنتيجة نشك بوجود الخلاف أو الوفاق بينهما، إذن استسلم بعدم التمسك بالاطلاق باستصحاب الازلي والمعطي، والحال نحن نسعى إلى الاستفادة عن طريق إطلاق الأدلة لإثبات المسألة.

والإشكال الثاني: يعتبر هذا الإشكال إشكالاً مبنائياً، لأنّ بعض الأكابر قال: حسب القاعدة يجب أن يتوفر في الاستصحاب، الحالة السابقة التي تعتبر من أهم أركان الاستصحاب، ولذا لا يجري الاستصحاب هنا، واستصحاب عدم المعطي سالب بانتفاء الموضوع أيضاً، يعني أن نقول عندما لم يكن لهما فتوى لم يكن بينهما خلاف، والآن بعد إصدارهما الفتوى هل حصل بينهما خلاف أم لا؟ فنجري استصحاب عدم الخلاف فهذا سالب بانتفاء الموضوع، فكلا الاستصحابين لا يجريان هنا.

فعليه يكون الشك في التمسك بالإطلاق، فيكون الشك في هذا المورد من باب التمسك بالإطلاق في الشبهة المصداقية المقيدة، وهذا لا يجوز، وبذلك لا يمكن إثبات الموضوع عن طريق الإطلاق.

إشكال آخر:

عندما لا يملك العلم بالخلاف أو الوفاق فعليه الفحص، وبعد الفحص والحصول على رسالتهما ليرى هل هناك خلاف في الفتوى بين الأعلم، وغير الأعلم أم لا؟ ونعتبر هذا الفحص أمراً واجباً، فيكون التمسك بالإطلاق بعد اليأس من الفحص، وهذا ما تعرّض إليه السيد الخوئي (قدس سره) ، حيث قال: إنّ مسألة الفحص

صفحه 389

جارية في الشبهات الحكمية، وأمّا في مسألة الشبهات الموضوعية فلا فحص.

ومن الضروري أن اُشير هنا إلى هذه النكتة، حيث قال السيد الخوئي: إنّ الفحص لا يجري في الشبهات الموضوعية. مثلاً، إذا قامت البيّنة على أنّ هذه السجادة نجسة، فعليه يمكن العمل بما قامت به البيّنة، فلا يلزم الفحص بعد ذلك، هل هناك بيّنة مخالفة لهذه البيّنة أم لا؟ وإن حتمل أنّ بين العدول والشهود هناك من يشهد بخلافه، مع ذلك لا حاجة إلى الفحص.

أمّا في الشبهات الحكمية فالفحص واجب، لماذا؟ قال السيد الخوئي: إنّ هناك دليلين ـ حيث لا وجود لهذين الدليلين في الشبهات الموضوعية، وكذلك ما نحن فيه، هل بين الأعلم وغير الأعلم خلاف ـ لوجب الفحص:

الأول: كان الإمام أو الأئمّة (عليهم السلام) يطرحون الأحكام على أصحابهم بصورة تدريجية، يعني لم يكونوا يطرحون المسائل مع جميع خصوصياتها وتفرعاتها في مجلس واحد، وكان ذلك إمّا للتقية أو من باب رعاية مصالح الناس، أو كان له أسباب اُخرى، ولذا نرى أنّه قد يأتي في كلام إمام(عليه السلام) العام ويأتي تخصيص هذا العام في كلام إمام آخر، هذا في مورد الأحكام، فلا معنى لها في الموضوعات.

الثاني: إنّ لنا بالنسبة للأحكام علم إجمالي، فهل هناك هذه الأحكام المطلقة مقيدة أو مخصصة أم لا؟ وهذا العلم الإجمالي موجود في القرآن الكريم والسنّة الشريفة، ممّا يدفعنا إلى فحص عن هذه المقيدات والمخصصات، فعليه لا يرد الإشكال على الاطلاقات، ولكن الإشكال القائل إنّ هذا من باب التمسك بالشبهة المصداقية باق على قوته، فلا يمكن التمسك بالاطلاقات إلاّ إذا قلنا بعدم العلم بالموافقة، والمخالفة ونتمسك بالاطلاقات.

وعمدة المسائل التي ذكرت، ما قلناه عن عدم جريان سيرة العقلاء هنا بأي وجه من الوجود، وكذا بقية الأدلة غير كافية في اثبات الموضوع، فإذا تمسك الفقيه بالصورة الاُولى فيجب تقليد الأعلم، أمّا في الصورة الثالثة فلا دليل على

صفحه 390

تقليد الأعلم، ولذا أشكل المرحوم السيد الخوئي على المرحوم السيد اليزدي قائلاً: لماذا طرحتم قولكم بصورة مطلقة، فلابدّ من القول: يجب تقليد الأعلم على الأحوط.

وعندما نرجع إلى حواشي العروة نرى عدم تعرض أكثر الفقهاء إلى المسألة الثالثة بل تمسك أكثرهم بتقليد الأعلم إمّا بالوجوب، أو بالاحتياط في صورة وجود الخلاف بين الأعلم وغير الأعلم.

وهنا ننقل نصوص بعض هذه الحواشي، قال السيد اليزدي (قدس سره) في متن العروة: يجب تقليد الأعلم مع الإمكان على الأحوط.

وقال المرحوم عبدالكريم الحائري (قدس سره) : يجب تقليد الأعلم وهكذا ورد في حاشيته، إذا علم الاختلاف في الفتوى فيجب تقليد الأعلم.

وقال المرحوم آل ياسين (قدس سره) : الأقوى جواز تقليد المفضول مطلقاً ـ إشارة إلى ما توصلنا إليه تقريباً ـ سيّما مع عدم العلم بالمخالفة لفتوى الأفضل.

قال السيد الكلبايكاني (قدس سره) في حاشيته: مع العلم بمخالفة الفتوى لفتوى غير الأعلم.

وفي صورة العلم بوجود الخلاف بين الأعلم وغير الأعلم اجمالاً أو تفصيلاً في المسائل المبتلى بها صرّح بعض الأكابر مثل المرحوم البروجردي والموحوم السيد الحكيم والمرحوم النائيني إلى جوب تقليد الأعلم.

الملصقات :


نظری ثبت نشده است .