درس بعد

الدرس الرابع والتسعون :بحث الأعلمية

درس قبل

الدرس الرابع والتسعون :بحث الأعلمية

درس بعد

درس قبل

موضوع: تقريرات دروس خارج الفقه - الاجتهاد و التقليد


تاریخ جلسه : ١٣٩٠/٦/٢٨


شماره جلسه : ۹۴

PDF درس صوت درس
خلاصة الدرس
  • أصول العملية و هل أنّ من شرائط التقليد الأعلمية أم لا؟

الجلسات الاخرى

الدرس الرابع والتسعون

أصل البحث:

إذا كان هناك فتويان إحداهما لمجتهد أعلم والاُخرى لمجتهد غير أعلم، ومع

1 ـ طبع قبل سنوات كتاب جيد تحت عنوان «ترددات الشرائع»، وقد بيّن وجه استدلالات ترددات الشرائع، .

صفحه 334

فرض وجود فتوى الأعلم، هل يكون فتوى غير الأعلم حجة علينا أم لا؟ وبذلك يتركز البحث على الشك في السبب، يعني نرى هل أنّ من شرائط التقليد الأعلمية أم لا؟ وهنا اختار في جريان الاصول العملية أو عدم جريانها طريق أصالة البراءة والاحتياط، وكذلك عن طريق الاستصحاب، وكان لكل واحد من هذه الأصول ثماره ونتائجه، وقد اعتبر أصحاب أصالة الاحتياط، الأعلمية خلافاً لأصحاب أصالة البراءة حيث لم يعتبروا الأعلمية، ولذا علينا أن ندرس هذين الأصلين مع دراسة نتيجة الاستصحاب، لنرى أيّاً من هذه الاصول يكون مثمراً وتؤتي أكله في حينه.

1 ـ أصالة البراءة:

أمّا أصالة البراءة، فإذا عمل المكلّف بفتوى المفضول وترك العمل بفتوى الأفضل والأعلم، نشك هل أنّ هناك عقاباً بالنسبة إلى مخالفته لفتوى الأعلم أم لا؟ مثلاً يقول المفضول، الدعاء جائز عند رؤية الهلال، ويقول الأفضل الأعلم بوجوبه، فإذا عمل المكلّف بفتوى المفضول وترك الدعاء عندئذ نشك هل أنّه يعاقب على مخالفته في ترك الدعاء أم لا؟ تقول أصالة البراءة: إنّ هذه المخالفة لا إشكال فيها ولا عقاب عليها، إذن لا تعتبر الأعلمية في التقليد.

إشكال:

ترد على هذا البيان إشكالات عديدة نذكر منها:

الإشكال الأول: تواجه أصالة البراءة هنا معارضاً وهو، إذا عمل المكلّف خلاف ما عمله في السابق وهو عمل بفتوى الأعلم الذي يقول بجواز الدعاء عند رؤية الهلال وترك فتوى المفضول الذي يفتي بالوجوب، هل يستحق عقاباً أيضاً أم لا؟ هنا تجري أصالة البراءة أيضاً. إذن، نفس القضية جارية في كلتا الصورتين،

صفحه 335

بمعنى أنّ كلتا الفتويين لهما حجية، ومخالفة أي منهما ليس عليها عقاب.

إن قلت: إذا التزم بفتوى الأعلم وخالف فتوى غير الأعلم لا عقاب عليه، ولا شك هنا أيضاً يأتي الدور لإجراء أصالة البراءة.

قلت: ليس كما تتصورون، فإذا كان قول الأعلم مطابقاً للواقع دائماً أو كان أقرب للواقع أو الاحتياط، كان هذا الكلام صحيحاً، وصحة ذلك ترجع إلى تأسيس كبرى كلية بمطابقة قول الأعلم للواقع دائماً، ولكن من يستطيع أنّ يدعي أنّ قول الأعلم مطابق للواقع دائماً، بل لا نتيقن بأقربيته للواقع أيضاً ولا الاحتياط، مثلاً، أحياناً يذهب الأعلم إلى أحادية التسبيحات، فيكون قول غير الأعلم الذي يقول بثلاثيتها، أقرب للاحتياط. إذن فلا يمكن الادّعاء بأنّ العمل بفتوى الأعلم يرفع الشك عنّا، بل نحن نشك في محالفتنا لفتوى غير الأعلم هل هناك عقاب عليها أم لا؟ فنجري أصالة البراءة. وعندما نشك يحصل التعارض بين الفتويين.

الإشكال الثاني: بما أنّه يحصل علم إجمالي بالنسبة إلى التكليف، وهو كون فتوى الأعلم بأحادية التسبيحات وفتوى غير الأعلم بثلاثيتها، وفي العلم الإجمالي لا تجري أصالة البراءة، لأنّ مع العلم الإجمالي يكون التكليف بالنسبة لنا مجزّياً، تبيّن من هذين الإشكالين أنّه لا يمكن التمسك بأصالة البراءة في عدم اشتراط الأعلمية.

كلام المرحوم الاصفهاني (قدس سره):

القول الثاني: ما اختاره المرحوم المحقق الأصفهاني (قدس سره) في كتابه الشريف «رسالة الاجتهاد والتقليد» في الصفحة 33، حيث قال: يدرك عقل العامي مستقلاً تعيين الأعلم، وبما أنّ الدوران هنا بين التعيين والتخيير، يعني نحن لا ندري هل أنّ فتوى الأعلم حجة معينة على المكلّف، أم أنّ فتوى الأعلم أحد أطراف

صفحه 336

التخيير، فيكون المكلّف مخيّراً بين الأعلم وغير الأعلم. وكما قلنا مراراً إنّ حجية فتوى الأعلم بالنسبة لنا يقينية، وحجية فتوى غير الأعلم مشكوكة، وعلى القاعدة، الشك في الحجية المساوقة مع اليقين والقطع هو عدم الحجية، إذن، الطريق الذي يؤدي بنا إلى الحجية القطعية هو فتوى الأعلم حيث نأخذ بها.

إشكال:

يرد على بيان المرحوم المحقق الاصفهاني (قدس سره) إشكال، وهو، نحن نجري أصالة البراءة في سائر الموارد الدوران بين التعيين والتخيير في حالة تعين على ذمتنا تقليد الأعلم أن نجري البراءة، مثلاً، إذا شككنا في صلاة الجمعة بين التعيين والتخيير ولا نعلم هل أنّ صلاة الجمعة واجبة أو إجراء أصالة البراءة بالنسبة لتعين صلاة الجمعة، ونقول نحن مخيّرون بين وجوب الظهر ووجوب الجمعة، فأنتم الأصوليون تقولون: نحن في الدوران بين التعيين والتخيير نتمسك بالبراءة بالنسبة إلى ذلك الفرد المعين، ولذا ذهب هؤلاء إلى وجوب التخيير في إقامة صلاة الجمعة فلا نجري هنا أصالة الاحتياط، فما نحن فيه، من هذا القبيل، فنقول في مسألة التقليد: نحن لا ندري هل أنّ حجية فتوى الأعلم على نحو التعيين أم على نحو التخيير، فنجري أصالة البراءة بالنسبة إلى التعين، إذن فلا حجية للتعيين فنتخيّر.

الجواب:

وقد انبرى المرحوم السيد الخوئي في كتابه «التنقيح»(1) للدفاع عن استاذه، فقال: إنّ هناك بين ما نحن فيه وبين هذا المورد فرقاً واضحاً، به هو قياس مع الفارق، لأن بين ما نحن فيه إلى باب التكليف قياس غير صحيح، والدليل على ذلك هو ما، ورد في باب التكليف في صلاة الجمعة ولا ندري هل أنّه تعلق بصلاة الحمعة المعينة أم بالتخيير بين صلاة الجمعة والظهر، والنسبة للقدر الجامع عندنا

1 ـ التنقيح، ج 1، ص 121.

صفحه 337

علم ويقين، يعني علم بصدور التكليف الوجوبي من طرف الشارع، ولكن لا ندري هل أنّ القدر الجامع مقيد بخصوصية التعيين بالجمعة أم لم يلاحظ هذا القيد فيه؟ فنجري أصالة البراءة بالنسبة لهذا القيد، ونقول: إنّ هذا القدر الجامع التكليف واضح لدينا، ولذا نجري أصالة البراءة.

ولكن ما نحن فيه ليس بحث التكليف ولا حكم تكليفي، بل بحث حول حجية حكم من الأحكام الوضعية، ولذا نحتاج إلى البحث في الحجية، وللحجية حيثيتان: إحداهما المنجّزيّة والاُخرى: المعذّريّة، أمّا من حيث المنجّزيّة نقول: إنّ هذا الحكم له حجيّة وإذا انتفى الدليل فلا منجّزيّة للحكم الواقعي.

وإن قلت: إنّ العلم الإجمالي منجز.

قلت: نعم، إذا انتفى العلم الإجمالي ولو في مورد واحد فلا منجّزيّة هناك، بل ما يحمله إليكم منجّري دون سواه.

أمّا من حيث المعذّريّة، فإذا كان عندكم تكليف ثابث ومسلَّم وقطعي بالنسبة للعمل فهذا العمل يكون معذّراً عند الله تعالى.

ولكن فيما نحن فيه عندما نقول: لا ندري هل أنّ فتوى الأعلم لها حجية أم الحجية تشمل غير الأعلم أيضاً؟ فهذه الحجية من النوع الثاني دون الأول، بمعنى لا نريد أنّ نقول: إنّه إذا صدرت فتوى الأعلم كان منجّزة علينا، بل إنّ هناك عملاً إجمالياً كبيراً في الشريعة المقدّسة وتكليفاً على ذمّة الناس، وهذا العلم الإجمالي له منجّزية علينا لأنّ جميع التكاليف الموجودة في اللوح المحفوظ واقعية ومنجّزة، فبعد هذا العلم الإجمالي والمنجّزية، نرى ما هو الطريق الصحيح الذي يوصلنا إلى المعذّرية، ونحن نعلم أنّ فتوى الفقيه لها المعذّرية لا من باب أنّه تكليف بل من باب أنّ فتوى الفقيه في نفسها لها معذّرية، يعني دوران الأمر بين التعيين والتخيير في الحجية، وهنا الحجية من حيث المعذرية أي أي الفتويين يتضمن المعذرية لنا، فإذا علمنا بفتوى غير الأعلم نقع في شك هل أنّها معذرة أم

صفحه 338

لا؟ أمّا إذا عملنا بفتوى الأعلم نتيقن أنّ لها معذرية، والدوران بين التعيين والتخيير في المعذرية يقتضي الاحتياط، وهو العمل بفتوى الأعلم. كان هذا جواب السيد الخوئي على الإشكال ا لوارد على بيان المحقق الإصفهاني.

النتيجة: إذا أراد الفقيه أنّ يفتي بتقليد الأعلم وتمسكاً بالدوران بين التعيين والتخيير فعليه أن يأتي بقيد الأحوط في فتواه. يعني أن يقول: يجب تقليد الأعلم على الأحوط.

الملصقات :


نظری ثبت نشده است .