درس بعد

الدرس المائة وواحد:بحث الأعلمية

درس قبل

الدرس المائة وواحد:بحث الأعلمية

درس بعد

درس قبل

موضوع: تقريرات دروس خارج الفقه - الاجتهاد و التقليد


تاریخ جلسه : ١٣٩٠/٦/٢٩


شماره جلسه : ۱۰۱

PDF درس صوت درس
خلاصة الدرس
  • الأدلة الفظية لا تفرق بين تقليد الأعلم و غير الأعلم

الجلسات الاخرى

الدرس المائة وواحد

الدليل الثاني: الأدلة اللفظية

عندما ننظر إلى الأدلة اللفظية الواردة في هذا المضمار نجد أنّها لا تفرق بين الأعلم وغير الأعلم من منها:

1 ـ آية النفر، حيث يقول تعالى: (فَلَوْلاَ نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَة مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ...) (1)، لما نلاحظ دلالة هذه الآية فيها نفر وانذار نجد حجيتها مطلقة تشمل الأعلم وغير الأعلم.

2 ـ آية السؤال، حيث يقول تعالى: (...فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) (2)، وكذلك نلاحظ في هذه الآية أنّ حجيّة فتاوى وأجوبة المسؤول، مطلقة، أعم من الأعلم وغير الأعلم.

3 ـ الأدلة الواردة في حلالنا وحرامنا نجدها مطلقة سواء كان العارف بالحلال والحرام أعلم أو لا. فإنّ جميع العناوين الواردة في الروايات مثل العارف والفقيه والعالم تتضمن الاطلاق في نفسها.

النتيجة: أنّ تقليد غير الأعلم جائز. بل نرى هنا مضافاً إلى هذه الأدلة أنّ الأئمّة الاطهار (عليهم السلام) كانوا يرجعون الناس إلى أصحابهم، أمثال يونس بن عبدالرحمن وزكريا بن آدم وغيرهما. ويمكن ملاحظة أمرين في الارجاع:

الأول: إنّ هؤلاء الأصحاب يختلفون فيما بينهم من حيث العلم والفضيلة، يعني أنّ محمد بن مسلم وزكريا بن آدم يختلفان من حيث العلم والفضيلة، ومع وجود هذه الاختلافات، كان الإمام (عليه السلام) يقول: بأيهّما أخدتم كان الأخذ صحيحاً.

الثاني: إنّ التوافق بين الأصحاب في الفتوى والرأي كان نادراً جدّاً، ولم يقيدوها بالتوافق بينهم في الشرائط المذكورة في الرجوع إلى التقليد، فكل هذه

1 ـ سورة التوبة،الآية 122.
2 ـ سورة النحل، الآية 43.

صفحه 372

الاُمور أدلة قاطعة على عدم اعتبار الأعلمية في الرجوع إلى المفتي.

وبعبارة اُخرى: يمكن بحث الموضوع في صورتين:

الأولى: أنّ الأدلة اللفظية للتقليد مطلقة، ويستفاد من اطلاقها، جواز الأخذ بقول غير الأعلم مع وجود الأعلم، سواء كان بينهما اختلاف في الفتوى أو لم يكن.

الثانية: هناك نص يوافق ما أوردناه حيث أنّ الأئمّة (عليهم السلام) كانوا يرجعون الناس إلى الأصحاب، وهذا نص وليس اطلاق في اعتبار عدم الأعلمية. لأنّ الخلاف كان في بُعديه في العلم والفضيلة وفي الفتوى أيضاً، ولم يكن الخلاف نادراً بينهم بل بالعكس كان الوفاق نادراً بينهم، فكان الناس يأتون الأئمّة (عليهم السلام) ويسألونهم أنّه قد يصل إلينا منكم خبران متعارضان فماذا نعمل؟ وهذا عمدة أدلة القائلين بعد لزوم تقليد الأعلم تمسكاً بالاطلاق أو النص على المدعى.

يجب علينا أن ندرس مسألة الاطلاق لنرى هل أنّ النص يؤمِّن لنا المدّعى أم لا.

قال السيد الخوئي (قدس سره) في كتاب التنقيح(1): نحن نقبل بأصل غلبة الخلاف، يعني كثرة الخلاف بين الأصحاب في الفتوى، هذا أولاً.

وثانياً: إنّ الخلاف واقع في مسألة العلم والفضيلة.

ولكن المدعى فيما إذا كان المقلِّد عارفاً بالخلاف، بمعنى علمه بأنّ هناك اختلاف بين فتوى المفضول والأفضل، فهل نقول هنا أيضاً: إنّ الأئمّة (عليهم السلام) كانوا يقولون ارجعوا إلى المفضول أم لا؟

وأمّا ما نريد أن نقوله فهو: هل أنّ العلم بتقليد الأعلم لازم أم لا؟ يعني العلم بوجود الفرق بين مسألة الأعلم وغير الأعلم في الفتوى، نعم، هذا هو المراد من البحث، وإلاّ إذا لم يكن هناك فرق بين فتوى الأعلم وغير الأعلم، فلا معنى

1 ـ التنقيح، ج 1، ص 109.

صفحه 373

للبحث في هذه المسألة.

هكذا نطرح السؤال هل يجب أن يكون هذا العلم علماً تفصيلياً، أي أنّ نعلم بوجود الخلاف في الفتوى في باب صلاة الجمعة بين الأعلم وغير الأعلم، أم يكفينا العلم الإجمالي؟ لم أجد في كلمات الفقهاء كلاماً يتعرض إلى هذا الموضوع، ولم يذكروا فرقاً بين العلمين، التفصيلي والإجمالي في هذا البحث، أمّا الذين قالوا بلزوم تقليد الأعلم فلم يفرقوا بين العلمين، فيكون هذا جواباً لما قاله السيد الخوئي (قدس سره) في وجود العلم بالخلاف، فتكون النتيجة كفاية العلم الإجمالي في صورة تحقق الخلاف، ولا يخرج النص بذلك عن مورد الادّعاء، بل يمكن إثبات النص بالنص في هذا المورد، وما صرّح به الائمّة الأطهار (عليهم السلام) مع وجودالخلاف، يمكن الرجوع إلى غير الأعلم مع وجود الأعلم.

كيف نجيب عن مسألة النص في مورد الادّعاء؟

هنا يجب أولاً أن نبحث في مسألة الاطلاق الذي يعتبر عمدة أدلة القائلين بجواز تقليد غير الأعلم ثم نتطرق إلى مسألة النص.

إشكال المرحوم الآخوند:

طرح المرحوم الآخوند (قدس سره) في كتابه الشريف «الكفاية» إشكالين هنا:

الأول: طرح إشكالاً مبنائياً وقال: لا نقبل أنّ هذه الأدلة تدلّ على مشروعية التقليد.

الثاني: لو سلّمنا بدلالتها على مشروعية التقليد، وأنّ صحة التمسك بالاطلاق يكون في محل يكون المتكلّم في مقام البيان، والحال، أنّ الأئمة (عليهم السلام) أرادوا بيان أصل مشروعية التقليد، وأمّا آية النفر والسؤال والروايات الواردة من قبيل عرف بحلالنا وحرامنا، وكلمة العالم والفقيه وغيرها ناظرة إلى بيان أصل مشروعية التقليد دون النظر إلى مسألة الأفصلية والأعلمية.

صفحه 374

وذكر الوالد المعظم في كتابه الشريف «تفصيل الشريعة»(1) في بحث الاجتهاد والتقليد، نفس هذه المسألة مؤيداً صاحب الكفاية وقال: إنّه في مقام بيان أصل مشروعية التقليد. ثم ذكر مثلاً وقال: إنّ هدفنا من إلزام المريض بمراجعة الطبيب هو حصول العلاج دون الأخذ بنظر الاعتبار أنّ يكون الطبيب حاذقاً عالماً أو غير حاذق وأعلم في الطِب، فالمتفحص لا يرى دلالة اُخرى في بياننا، وما أوردناه في الرواية المذكورة عن الإمام الحسن العسكري(عليه السلام) حيث يقول: «من كان من الفقهاء صائناً لنفسه حافظاً لدينه مخالفاً لهواه مطيعاً لأمر مولاه فللعوام أن يقلدوه»، فهذه الرواية أيضاً في مقام بيان شرائط التقليد، فإذا فقد الفقيه أحد هذه الشرائط فلا يجوز تقليده، ولذا لا نرى فيها إشارة إلى كون الفقيه أعلم أو غير أعلم، فهذا إشكال مهم على دليل الاطلاق المطروح ولا يمكن تجاوزه، ولذا لا نحرز من بيان المولى، هذا المعنى المذكور في أدلة الاطلاق.

هنا نكتة يجب الانتباه لها، قرأنا في الاصول، إذا تكلّم شخص فشككنا في كلامه، مثلاً، في الآية «أحل الله البيع» شككنا هل يجب أن تقرأ الصيغة بالعربية أم بالفارسية؟ قلنا: هنا عندنا أصل هو «اصالة كونه في مقام البيان»، هل أنّه في في مقام البيان أم لا؟ الأصل أنّه في مقام البيان، وكذلك إذا شككنا كون البائع بالغاً أو غير بالغ؟ فالأصل أنّه في مقام البيان، فمن هذه الجهة، الاطلاق ثابت، فعندما نراجع الأدلة اللفظية نقول: إنّ الفقيه الذي تتوفر فيه جميع الشرائط يجب تقليده، بالأخص ما نراه في رواية الاحتجاج، حيث تذكر شرائط التقليد، فنستفيد من ذلك كون الإمام في مقام بيان مشروعية التقليد، فتكون النتيجة طبقاً للاطلاق والأدلة اللفظية أنّه لا فرق في التقليد بين الأعلم وغير الأعلم، لأنّ أصل مشروعية التقليد عند المتشرعة كان أمراً مسلّماً، فعندما سئل الإمام من اُعامله وأخذ الأحكام منهم ـ فأصل الأخذ والمشروعية مسلّم عندهم ـ يكون في الكلام

1 ـ تفصيل الشريعة، ص119.

صفحه 375

مصداق، فالإمام يعين له شخصاً له العلم والأفضلية يرجع إليه، فالعلماء والفقهاء الموجودون في زمن الإمام كان بينهم اختلاف في الفتوى والرؤى قطعاً، وكذلك الحال في أيّامنا عندما يموت أحد المراجع، فالناس يقولون من نقلِّد، فالأصل عندهم واضح ولكنهم يبحثون عن المصداق والشخص المعين، ونفهم هذا المعنى أيضاً من حيث الوارد عن الإمام الهادي(عليه السلام) حيث قال: «إذا أشكل عليك شيء من أمر دينك.. فسئل عنه عبدالعظيم الحسني واقرأه مني السلام»، فإذا كانت الأعلمية لازمة للتقليد، وكان هناك في بلد آخر من هو أعلم من عبدالعظيم الحسني، كان من الواجب الرجوع إليه(1).

فعليه نقول أولاً: من هذه الجهة له منافاة مع اصالة كونه في مقام البيان.

وثانياً: قولكم إنّ هذه الروايات في مقام بيان أصل مشروعية التقليد، وأصل مشروعيته مسلّم للمكلّفين، والكلام واقع في دائرة المصاديق والتطبيقات، والإمام(عليه السلام) أيضاً لم يكن هنا في مقام بيان الأعلمية والمصاديق، ولذا يمكن أن يقال: إنّ هذا الاطلاق في الأدلة اللفظية في التقليد دليل جيد، لأنّه لم يعتبر فيه الأعلمية أصلاً.

وهنا أيضاً كان لبعض الأكابر مثل السيد الخوئي (قدس سره) مبنى، وهو أنّ أدلة الحجية لا تشمل الامارتين المتعارضتين، فعليه لا يمكن إثبات الأدلة اللفظية عن طريق هذا المدعى، وهنا بحث اصول مفصل، مثلاً، إذا كان عندنا دليلان، أحدهما يقول بوجوب إتمام الصلاة في المدينة، والآخر يقول بالقصر، فينظر الأصولي إلى ما تقتضيه قواعد الاُصول فيقول: نحفظ أصل الدليل ونرفع الاطلاق عنه، يعني نحفظ أصل الوجوب ونرفع كل دليل له تعيين، فتكون النتيجة، التخيير بين التمام والقصر، ولكن السيد الخوئي (قدس سره) يقول في كتابه التنقيح: لا يمكن ذلك، لأنّ عند تعارض

1 ـ هذه الملازمة غير مرضية، لأنّ الشخص السائل كان من أهل بلد يقطن فيه عبدالعظيم الحسني وكان هو أعلم الموجودين فيه، ولذا أرجعهم الإمام إليه.

صفحه 376

الدليلين مع تعيّنهما يتساقطان، دليله على هذا الكلام هو، أنّ أدلة الحجية تشمل الأعلم وغير الأعلم معاً، فمع ظهورهما واطلاقهما في التعيين وتعارضهما، ومع عدم رجحان أحدهما على الآخر، يتساقطان.

ولكن نحن قلنا: إنّ أدلة الحجية تشمل المتعارضين، وكما ورد ذلك في كلام المرحوم المحقق الاصفهاني حيث صرّح قائلاً: «لابدّ من القول بشمولها لصورة الاختلاف وإلاّ لم تكن دليلاً على حجية شيء في المتعارضين أصلاً»، كما أنّ الأصحاب كانوا يأتون الأئمّة (عليهم السلام) ويقوون: لو جاءنا منكم خبران متعارضان ـ دليله أنّ أدلة الحجية تشمل المتعارضين أيضاً ـ وإلاّ لم يكن هناك مورد للسؤال، فعليه لا يمكن قبول دليل السيد الخوئي في عدم شمول أدلة الحجية للمتعارضين، وبهذا يمكن إحكام الاطلاق في الأدلة اللفظية أنّه لا فرق بين الأعلم وغير الأعلم في التقليد.

ولكن ـ قلنا: إن من بين أدلة تقليد الأعلم الخمس المذكورة ـ اختار الكثيرون دليل سيرة العقلاء وما ورد في بعض الروايات من كلمات، الأفقه، الأورع، الأصدق، إلى آخره، فعليه نقيد تلك الأدلة اللفظية والاطلاق بهذه السيرة العقلائية، وهذا ما اختاره الوالد المعظم والسيد الخوئي وغيرهما.

الملصقات :


نظری ثبت نشده است .