درس بعد

الدرس المائة وست:بحث الأعلمية

درس قبل

الدرس المائة وست:بحث الأعلمية

درس بعد

درس قبل

موضوع: تقريرات دروس خارج الفقه - الاجتهاد و التقليد


تاریخ جلسه : ١٣٩٠/٦/٣١


شماره جلسه : ۱۰۶

PDF درس صوت درس
خلاصة الدرس
  • ذكر الفقهاء ثلاث نظريات إذا تساوى المجتهدان في العلم أو لم يعلم الأعلم منهما

الجلسات الاخرى

الدرس المائة وست

قال الإمام الراحل (قدس سره) في المسألة الخامسة، حال تقليد الأعلم: «إذا تساوى المجتهدان في العلم أو لم يعلم الأعلم منهما تخيّر بينهما»، ثم يقول: «وإذا كان أحدهما المعيَّن أورع أو أعدل، فالأولى الأحوط اختياره».

ذكر الفقهاء هنا ثلاث نظريات:

الاُولى: يتعيّن الأورع منهما، يعني إذا تساويا في الفتوى وكان أحدهما أورع من الآخر، فيجب لزوماً تقليد الأورع على نحو الفتوى.

الثانية: يتعيّن الأورع على نحو الاحتياط الوجوبي، يعني عند تساويهما يترجح الأورع على غيره باحتياط وجوبي.

الثالثة: يتعيّن الأورع على نحو الاحتياط الاستحبابي، لأنّ الأورعية لا دخل لها بصورة مستقيمة في مسألة الأعلمية، ولكن مع تساويهما، يستحب احتياطاً، تقليد الأورع.

يستفاد من كلمات السيد (قدس سره) في كتاب العروة أنّ هناك دليلاً على مرجحية الأورع، أمّا بالنسبة للأعلمية فيحكم العقل بالاحتياط، يعني عندما نتفحّص كتاب السيد في العروة نجده يقول في المسألة (13): «إذا كان هناك مجتهدان متساويان في الفضيلة يتخيروا بينهما إلاّ إذا كان أحدهما أورع فيختاروا الأورع، ولكن (قدس سره) قال في مسألة الأعلمية: «على الاحوط». أي الرجوع إلى الأعلم، فيستدل على مرجحية الأورعية بالأدلة الاجتهادية، وأمّا في الأعلمية فيذهب إلى الأدلة الفقاهتية، وهو حكم العقل من باب الاحتياط في دوران الأمر بين التعيين والتخيير، فتكون المرجحية (الأورعية) عند السيد أقوى من مرجحية (الأعلمية).

صفحه 400

أدلة مرجحية الأورعية:

ذكروا لمرجحية الأورعية عدّة أدلة:

الدليل الأول: ما ذهب إليه المحقق الثاني (قدس سره) حيث قال: دليلنا عليه، الإجماع القائم بين العلماء، وذلك إذا كان هناك مجتهدان متساويان علمياً ولكن أحدهما أورع من الآخر، نتمسك بإجماع العلماء، وهذا ما تمسك به في مسألة الأعلمية أيضاً.

وقلنا هناك: إنّ هذا الإجماع مخدوش صغروياً وكبروياً، أولاً: إنّ المسألة خلافية، وثانياً: إنّ هذا الإجماع ليس إجماعاً تعبديّاً، بل مستند إلى بعض الأدلة، سنشير إليه في اللاحق إن شاء الله.

الدليل الثاني: ما ورد في مقبولة عمر بن حنظلة، حيث قال الإمام(عليه السلام): «الحكم ما حكم به أعدلهما، أفقههما، أصدقهما... وأورعهما»، فاعتبر الحديث، الأورعية أحد المرجحات. وقد تحدثنا مفصلاً عن هذه المقبولة، وقلنا: إنّها جاءت في أبواب القضاء، ولا ملازمة بين باب القضاء وباب الفتوى، فيمكن أن يكون أمرٌ مرجحاً في باب القضاء دون باب الفتوى، بالإضافة على ذلك أنّ مقبولة عمر بن حنظلة، لا ترتبط بكل باب القضاء، بل تختض بقاضي التحكيم فحسب، ولذا، لا يمكن أن نجعل هذه المقبولة دليلاً على المطلوب، بل يمكن الاستفادة من هذه المقبولة أمر مرجحات أربعة وهي، «ما حكم به أعلمهما، يعني، أعدلهما وأصدقهما وأورعهما، وكذلك جاءت في بقية الروايات المماثلة لها بهذه المرجحات، وأحياناً جاءت بثلاثة مرجحات وأحياناً بمرجحتين، فيكشف عن تعدد المرجحات. هذا أولاً.

وثانياً: يكشف هذا الاختلاف عدم إلزامية هذه العناوين، لأنّه لو كان هناك عنوان إلزامي لكان على الإمام(عليه السلام) أن يبيّنه لنا.

وثالثاً: إنّ كلمتي الأعدلية والأورعية لهما معنىً واحد، يعني، الذي يتصف

صفحه 401

بالأعدلية، يتصف بالأورعية أيضاً(1). إلاّ أن يقال إنّ دائرة الأعدلية أوسع من الأورعية.

الدليل الثالث: فقد طرحتم سابقاً حكم العقل في حالة الدروان بين التعيين والتخيير في باب الأعلمية واخترتم التعيين والرجوع إلى الأعلم، فهناك كذلك إذا قلنا بتساوي المجتهدين في الأعلمية والأورعية فيكون حينئذ من مصاديق الدوران بين التعيين والتخيير، فيحكم العقل بالتعيين أيضاً، فإذا قلنا بهذا الدليل تكون الأورعية من باب الفتوى أو الاحتياط، ويجب القول بالاحتياط الوجوبي، ولكن قلنا في مقام الجواب: إنّ دليل الأورعية واحد في حكم العقل في الدوران بين التعيين والتخيير ليس من باب الفتوى بتقديم الأورعية، بل يجب حل هذه المسألة من باب الاحتياط، لأنّ البعض ذهب إلى وجود فرق بين الأعلمية والأورعية، فيمكن طرح مسألة الأعلمية في بحث الدوران بين التعيين والتخيير دون الأورعية.

إن قلت: لماذا لا يجوز طرح الأورعية في هذ البحث؟

قلت: إنّ ملاك الأعلم أقوى من ملاك غير الأعلم، وذلك أنّ العلم والفقاهة لهما دخل في حجية الفتوى، لأنّه عندما نقول: إنّ الفتوى حجة، يعني فتوى الفقيه العارف بالحلال والحرام حجة، ولكن الأورعية أمر خارج عن هذا الملاك ولا دخل لها في حجية الفتوى، مثلاً، إذا كان هناك مجتهدان أحدهما سيد والآخر غير سيد، فهل يمكن القول هنا بالدوران بين التعيين والتخيير؟ كلا، لأنّ السيادة لا دخل لها في ملاك حجية الفتوى، فلا يحق لنا ـ عند الشك في كل أمر ـ نؤنسس على الدوران بين التعيين والتخيير، بل يكون التأسيس على (الدوران) في الشك الذي له دخل في ملاك حجية الفتوى فقط.

1 ـ هذه ليست ملازمة صحيحة، لأن بعض غير المؤمنين قد يتصفون بالأعدلية مع أنّهم لا يتصفون بالأورعية.

صفحه 402

إشكال المحقق اللنكراني:

لقد أجاب المحقق اللنكراني (دام ظلّه) على هذا البيان قائلاً: هل أنّ مرادكم من هذا الكلام عدم احتمال مزية الأورع على غير الأورع؟ فهذا بديهي البطلان، فعليه أنّ هناك للأورع مزية على غير الأورع، فاذا تساويا يقدم الشارع المقدّس قول الأورع غير الأورع، وإن لم يكن تدخل للأورعية في هذا الملاك، فإذا احتملنا هذا يكون الدوران بين التعيين والتخيير، ويحكم العقل بلزوم تعيين الأورع. ثم قال (حفظه الله): يكون رأينا مخالفاً لرأي المرحوم السيد (قدس سره) تماماً حيث يقول السيد: إنّ مرجحية الأعلمية تستدرك عن طريق الاحتياط، ومرجحية الأورعية عن طريق الفتوى، ونحن نتمسك بعكس ذلك تماماً حيث نقول: إنّ مرجحية الأورعية من باب الاحتياط بسبب الدوران بين التعيين والتخيير، ومرجحية الأعلمية ـ بعد اثباتها عن طريق سيرة العقلاء ـ من باب الفتوى.

بعد هذا الكر والفر هل يثبت بذلك الدليل الثالث أم لا؟ ذهب بعض الأكابر مثل المرحوم المحقق العراقي (قدس سره) في حاشية العروة إلى أّنّ الملاك هو حقيقة التقليد ورجوع العالم إلى الجاهل، وملاكه الأقربية إلى الواقع حيث لا دخل للأورعية في هذا الملاك أصلاً.

إشكال على بيان المرحوم العراقي:

يظهر بعد التحقيق والتأمل أنّ هذا البيان غير تام، لأنّ تمام الملاك واقع في التقليد والأقربية إلى الواقع أو في الأعلمية والفقاهة، والحال أنّ المسألة هنا في الأورعية، وذلك هل أنّ الأورعية لها دخل في ملاك التقليد أم لا؟ والعقل يحكم بالدوران بين التعيين والتخيير، يعني عين ما طرحه المحقق اللنكراني فهو تام وصحيح، لأنّه مطابق للصناعة والفن، ولكنّه (دام ظلّه) اختار في مسألة الأعلمية باب الفتوى، وفي مسألة الأورعية الاحتياط الوجوبي، حيث يكون هذا مختارنا

صفحه 403

في هذا الدليل تمسكاً بحكم العقل بالدوران بين التعيين والتخيير، وهذا ما ذهب إليه الأكابر أمثال: المرحوم النائيني، والمرحوم الشيرازي من تلاميذ المرحوم الشيخ الأنصاري، وكذلك المرحوم المحقق الخوانساري(قدس سرهم) في حاشية العروة، أمّا الإمام الراحل والسيد الكلبايكاني (قدس سرهما) فقد ذهبا إلى الاحتياط الاستحبابي حيث قلنا لا وجه له.

إن قلت: إذا تأملنا في المسألة جيداً نرى أن العقل تارة في مسألة الأورعية يطرح الدوران بين التعيين والتخيير، وتارة اُخرى تقوم سيرة العقلاء على عدم مدخلية الأورعية في ملاك التقليد، فأين المخرج؟

قلت: إن سيرة العقلاء هنا مردوعة بسيرة المتشرعة، لأنّ المتشرعة عند وجود محتهدين أحدهما أورع والأخر ليس كذلك، يرجعون إلى الأورع، فلا يبقى أمامنا إلاّ العمل بحكم العقل والدوران بين التعيين والتخيير، حيث تكون نتيجته الاحتياط الوجوبي.

الملصقات :


نظری ثبت نشده است .