عربی

درس بعد

التعبدی و التوصلی

درس قبل

التعبدی و التوصلی

درس بعد

درس قبل

موضوع: الالفاظ (التعبدی و التوصلی)


تاریخ جلسه : ١٤٠٤/١/٢٣


شماره جلسه : ۷۴

PDF درس صوت درس
خلاصة الدرس
  • إتمام المقال الجَليّ للشّیخ حسین الحلّيّ

الجلسات الاخرى

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحيمْ
الْحَمْدُ للّه رَبِّ الْعَالَمِينْ وَصَلَى الله عَلَىٰ سَيِّدَنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ الطَّاهِرِينْ

إتمام المقال الجَليّ للشّیخ حسین الحلّيّ

و حیث إنّ الدلیل الأوّل لأصالة التّعبّدیّة یُعدّ رکناً أساسیّاً لهذا الاتّجاه، فقد تطلَّب التّرکیز الأدقّ علی بیانات الشّیخ الحليّ إلی مُنتهاه، فإنّه یُلِحّ علی أنّه لو أمر فیَتحتّم أن یَنبثِق العامل من نفس الأمر کي تَتحقّق الطّاعة و الامتثال، و لهذا لو عمِل غافلاً و عفَویّاً و ساهیاً عن النّیّة العبودیّة لَما أصبح العمل تعبّدیّاً و مأموراً به أساساً إذ صیغة الأمر بطبعها المُصَفّی تستدعي «الامتثال مع إرادة الأمر» جزماً و وفقاً لصراحة المحقّق النّائینيّ في حَقل آخر.

فبالتّالي قد خَطا الشّیخ الحلّيّ خطُوات «الأصالة التّعبّدیّة» أیضاً قائلاً: [1]

«و لكن قد يقال: إنّ المنظور إليه استقلالاً في الأمر إنّما هو «حصول الفعل من العبد» و قد حَرّك إرادة العبد نحوَه توصّلاً إلى حصوله، فلا يكون النّظر إلى تحريك الإرادة و لا إلى الإرادة نفسها نظراً استقلاليّاً، و إنّما يكون النّظر إليها نظراً عبوريّاً لأجل التّوصّل بها إلى ما هو المنظور اليه بالاستقلال أعني «نفس الفعل» و حينئذ فكما أنّ اعتبار كون الإرادة منبعثة عن الأمر يحتاج إلى العناية الزّائدة و النّظر الاستقلاليّ إليها، فكذلك اعتبار نفس الإرادة يحتاج إلى العناية الزّائدة، و الفرق بينهما في غاية الإشكال.

و الإنصاف: أنّ كلّاً من الإرادة و كونها منبعثة عن الأمر لا يحتاج إلى عناية زائدة، بل يكفي في اعتبار كلّ منهما «نفس الأمر» فإنّه بصرف «طبعه» يقتضي تحريك العبد نحو إرادة الفعل، و مقتضى ذلك طبعاً هو تحرّك العبد نحو إرادة الفعل المذكور، و صيرورة إرادته ناشئة عن تحريك ذلك الأمر، كلّ ذلك يقتضيه السّير «الطّبعي في هذه السّلسلة» و أنّ الارادة غير المنبعثة عن تحريك الأمر، و الفعل الصّادر عن غير إرادة (لنفس الأمر) كلّ منهما خارج عن هذه السّلسلة، و يكون تقيّد المطلوب بكونه صادراً عن الإرادة (لنفس الأمر) و كون الإرادة صادرة و ناشئة عن تحريك الأمر من باب «التّقيّد الطّبعيّ» الّذي يقتضيه طبع الأمر و إن لم يلحظه الآمر، فلا يتوجّه عليه حينئذ أنّ النّظر إلى التّحريك و الإرادة نظر آليّ، لأنّ ذلك إنّما يرد لو كان المدّعى هو التّقييد اللّحاظيّ دون التّقيّد الطّبعيّ الّذي اقتضاه سير الأمر بصرف طبعه.

و بالجملة: أنّ الأمر (بطبعه) لمّا كان باعثاً و محرّكاً إلى الفعل، كان الفعل بالطّبع متقيِّداً بكونه منبعثاً عنه (أي عن نفس الأمر) لأنّ ذلك هو الواقع في سلسلة الأمر (بحیث إنّ الإرادة ستقع ضمن سلسلة إصدار الأمر و امتثال الفاعل لهذا الأمر بالتّحدید) و أمّا غيره (أي الإرادة بغیر أمر المولی بحیث یَمتثل بنیّة أخری) فخارج عن هذه السّلسلة لا يُكتفى به إلّا بدليل خارج، و حينئذ ينقلب الأصل اللّفظيّ بل الأصل العمليّ أيضاً، فتأمّل، و ما نحن فيه (أي الشّکّ في توصّلیّة العمل أو تعبّدیّته) نظير باب العلّة و المعلول في اختصاص المعلول بما يكون صادراً عن تلك العلّة (لا علّة أخری) من دون أن يكون ذلك موجباً لتقيّده بالصّدور عن العلّة على وجه تكون العلّة علّة للمقيَّد بأنّه صادر عنها (فالمعلول سیصدر عن نفس العلّة من دون تقیّد العلّة ضمن المعلول).

و إن شئت فقل: إنّه نظير الفعل المراد بالارادة التّكوينيّة، فإنّك ترى أنّك عند تعلّق (إرادتك)[2] بفعل يكون ذلك الفعل منك مختصّاً بكونه معلولاً لتلك الإرادة منك، مع أنّ هذا القيد لم يكن داخلاً تحت إرادتك، كما أنّ ذلك الفعل الّذي انوجَد (أي تحقّق إذ «انوجَد» کلمة خاطئة عربیّاً) بإرادتك ليس مطلقاً من ناحية تلك الإرادة، فهو كما أنّه ليس بمطلق من ناحية الاتّصاف بتلك الإرادة لم تكن إرادتك قيداً في متعلّقها فتأمّل، و لكن سيأتي إن شاء اللّه[3] الإشكال في هذا البرهان و أنّه مغالطة صرفة.

و بهذا البيان يظهر الفرق بين التّعبّديّ و التّوصّليّ، بلا حاجة إلى الالتزام بكون داعي الأمر قيداً في متعلّقه كي يكون مورداً للايرادات المذكورة (العقلیّة) و ربما يشهد بذلك أو يؤيّده: «عدم الدّليل الوافي على عباديّة شيء من العبادات بما هو أزيد من ذلك المقدار» (أي نیّة امتثال الأمر فحسب) كما أنّه لا يحتاج إلى تعدّد الأمر (وفقاً للمحقّق النّائینيّ) كي يتوجّه عليه الإشكالات في كلّ من الأمر الأوّل و الأمر الثّاني كما حرَّرناه.»

إذن یَعتقد الشّیخ الحلّيّ بأنّا لا یَهمّنا تحدید «الموضوع له للأمر» بل المیزان أن «یتحقّق الأمر بداعي نفس الأمر» إذ طبیعة الأمر و جوهرتُها قد استَدعَت صدور الأمر مع داعیه من دون أن یتقیَّد مفهوم الأمر به أساساً، فهذا هو معنی «الإطلاق المزبور» أي المصفّی و الخالص من الأمر الصّادر، فبالتّالي ستُعدّ کلتا التّوصّلیّة و التّعبّدیّة مُحایدَین و برُتبة موحَّدة.

ثمّ سیَستنتج «أصالةَ التّعبّدیّة» وفقاً للشّیخ الکرباسيّ أیضاً قائلاً:

«نعم لازم ذلك هو كون جميع الأوامر معتبراً فيها الإتيان بمتعلّقاتها «بداعي الأمر» إلّا ما أخرجه الدّليل (کتطهیر النّجاسة الّذي قد ثبَتت توصّلیّته) و هذا لا بعد فيه و لا غرابة، فإنّ الإطاعة الّتي يحكم بها العقل هي عبارة عن «الانبعاث عن الأمر بالإتيان بمتعلقه» و أمّا نفس الفعل بداع آخر أو الواقع سهواً أو نسياناً فليس هو إلّا من قبيل الاكتفاء بغير المأمور به (أي سیَسقط موضوع الامتثال إذ بداع آخر سنَکتفي بغیر المأمور به) لما عرفت من أنّ البعث إلى الفعل موجب قهريّ لتقيّد ذلك الفعل بالانبعاث عن ذلك (الأمر) ففي جميع تلك الموارد لا يكون الاكتفاء به (الانبعاث) من باب أنّه ينطبق عليه الفعل المأمور به، بل إنّ الفعل بما أنّه مأمور به لا ينطبق على تلك الأفعال (الخالیة عن نیّة الأمر) غايته أنّها تكون «مسقطة للأمر» باعتبار كونها وافية بمصلحة المأمور به، أو رافعة لموضوع الأمر و نحو ذلك من موجبات السّقوط (فعلیه، إنّ «الصّلاة قربان کلّ تقيّ» تَعني أنّ بإمکان کلّ تقيّ أن یَتقرّب إلی الله ببرکة الدّواعي الأخر إذ المقرّبیّة ستَتحصّل بالتّقیّة أیضاً).

و للشّيخ (الأعظم) قدّس سرّه[4] في أخذ الأجرة على المستحبّات عبارة لا يمكن تفسيرها إلا بما ذكرناه من أنّ الفعل المستحبّ المأتيّ به «بداعي الأجرة» لا يكون مصداقاً للمستحبّ، فإن كان عباديّاً بطلت الإجارة عليه و إلّا كانت الإجارة عليه صحيحة، غايته أنّه لا يكون الفعل مصداقاً للمأمور به بما أنّه مستحبّ فراجعه. (و لهذا یَری الشّیخ بأنّ أجیر الحجّ الاستحبابيّ یَصنع صنیعَین: فعلٌ بعنوان المنوب عنه و بهذه الجهة سیُصبح مستحبّاً لتحقّق القربة، فعلٌ بعنوان الإجارة المرتبطة بعقد النّائب فلا یوفِّر الاستحباب إذ قد قَصد الأجرة).[5]

ثم إنّ لازم ذلك هو عدم الاكتفاء في صحّة العبادة بالإتيان بها للمصلحة أو لغير ذلك من الدّواعي الالهيّة غير الرّاجعة إلى «داعي الأمر» كما هو مذهب صاحب الجواهر قدّس سرّه[6] و لا بعد فيه فإنّ الدّاعي هو الغاية المترتّبة على الفعل، فالعبد ينبعث عن الأمر لأجل ما يترتّب على ذلك من الامتثال، و إنّما يريد الامتثال لأجل ما يترتّب عليه من الثّواب أو الفرار من العقاب إلى غير ذلك من الدّواعي، أمّا لو كان قصده نفس الثّواب أو نفس المصلحة بلا توسّط (داعي) الامتثال فلا يبعد الحكم ببطلان عمله، و لو دلّ الدّليل على صحّته لزم الحكم بذلك، لكنّه خارج عن مقتضى نفس الأمر (و طبعه) من الانبعاث عن الأمر، و كونه هو الدّاعي بمعنى ما يترتّب عليه من الحصول على عنوان الامتثال، إذ لا معنى للدّاعي إلّا العلّة الغائيّة، و يستحيل كون الأمر نفسه هو العلّة الغائيّة و إنّما العلّة الغائيّة هي امتثاله، و لأجل ذلك نقول إنّ الأمر محدِث للدّاعي لا أنّه بنفسه هو الدّاعي إلّا بنحو من التّسامح، كما أنّ المصلحة أو الثّواب أو الفرار من العقاب لو كانت مترتّبة على الامتثال لا على نفس الفعل كان من المحال قصدها و جعلها غاية للفعل نفسه بلا توسّط الامتثال.»

فالمستخلَص أنّ کافّة المصالح کامنة في «نفس الأمر» فإنّ طبیعته ستَخلق الدّاعي للامتثال بحیث لم یتقیّد مفهوم الأمر بهذا الدّاعي کي نَتزَحلَق في الدّورانات و الإشکالات، فنظراً لهذه الطّبیعة، سیُولِّد الأمر بذاته «أصالة التّعبّدیّة» سوی ما أُفرِز فلو امتثل الأمر بمختلَف الدّواعي الأخَر، لَسقط عنه موضوع التّکلیف و إن لم یَصدق الامتثال من هذا البُعد.

----------------------
[1] نفس الیَنبوع ص470-472.
[2] لم يكن في الأصل، و إنما أضفناه لاستقامة العبارة.
[3] في صفحة: ٥٠٥-٥٠٦.
[4] المكاسب ١٤٣:٢ و ما بعدها.
[5] و بین یدیک الآن نصّ بیانات الشّیخ الأعظم قائلاً: «قلت: القربة المانع اعتبارها عن[5] تعلّق الإجارة، هي المعتبرة في نفس متعلّق الإجارة و إن اتّحد خارجاً مع ما لا يعتبر[5] فيه القربة ممّا لا[5] يكون متعلّقاً للإجارة، فالصلاة الموجودة في الخارج على جهة النيابة فعل للنائب من حيث إنّها نيابة عن الغير، و بهذا الاعتبار ينقسم في حقّه إلى المباح و الراجح و المرجوح، و فعل للمنوب عنه بعد نيابة النائب يعني تنزيل نفسه منزلة المنوب عنه في هذه الأفعال و بهذا الاعتبار يترتّب عليه الآثار الدنيوية و الأُخروية لفعل المنوب عنه الذي لم يشترط فيه المباشرة، و الإجارة تتعلّق به بالاعتبار الأوّل، و التقرّب بالاعتبار الثاني» (المکاسب (انصاری - کنگره). Vol. 2. ص145 قم، المؤتمر العالمي بمناسبة الذکری المئوية الثانية لميلاد الشيخ الأعظم الأنصاري. الأمانة العامة)
[6] جواهر الكلام ١٥٥:٩ و ما بعدها.



بِسْمِ اللهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحيمْ
الْحَمْدُ للّه رَبِّ الْعَالَمِينْ وَصَلَى الله عَلَىٰ سَيِّدَنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ الطَّاهِرِينْ

إتمام المقال الجَليّ للشّیخ حسین الحلّيّ

و حیث إنّ الدلیل الأوّل لأصالة التّعبّدیّة یُعدّ رکناً أساسیّاً لهذا الاتّجاه، فقد تطلَّب التّرکیز الأدقّ علی بیانات الشّیخ الحليّ إلی مُنتهاه، فإنّه یُلِحّ علی أنّه لو أمر فیَتحتّم أن یَنبثِق العامل من نفس الأمر کي تَتحقّق الطّاعة و الامتثال، و لهذا لو عمِل غافلاً و عفَویّاً و ساهیاً عن النّیّة العبودیّة لَما أصبح العمل تعبّدیّاً و مأموراً به أساساً إذ صیغة الأمر بطبعها المُصَفّی تستدعي «الامتثال مع إرادة الأمر» جزماً و وفقاً لصراحة المحقّق النّائینيّ في حَقل آخر.

فبالتّالي قد خَطا الشّیخ الحلّيّ خطُوات «الأصالة التّعبّدیّة» أیضاً قائلاً: [1]

«و لكن قد يقال: إنّ المنظور إليه استقلالاً في الأمر إنّما هو «حصول الفعل من العبد» و قد حَرّك إرادة العبد نحوَه توصّلاً إلى حصوله، فلا يكون النّظر إلى تحريك الإرادة و لا إلى الإرادة نفسها نظراً استقلاليّاً، و إنّما يكون النّظر إليها نظراً عبوريّاً لأجل التّوصّل بها إلى ما هو المنظور اليه بالاستقلال أعني «نفس الفعل» و حينئذ فكما أنّ اعتبار كون الإرادة منبعثة عن الأمر يحتاج إلى العناية الزّائدة و النّظر الاستقلاليّ إليها، فكذلك اعتبار نفس الإرادة يحتاج إلى العناية الزّائدة، و الفرق بينهما في غاية الإشكال.

و الإنصاف: أنّ كلّاً من الإرادة و كونها منبعثة عن الأمر لا يحتاج إلى عناية زائدة، بل يكفي في اعتبار كلّ منهما «نفس الأمر» فإنّه بصرف «طبعه» يقتضي تحريك العبد نحو إرادة الفعل، و مقتضى ذلك طبعاً هو تحرّك العبد نحو إرادة الفعل المذكور، و صيرورة إرادته ناشئة عن تحريك ذلك الأمر، كلّ ذلك يقتضيه السّير «الطّبعي في هذه السّلسلة» و أنّ الارادة غير المنبعثة عن تحريك الأمر، و الفعل الصّادر عن غير إرادة (لنفس الأمر) كلّ منهما خارج عن هذه السّلسلة، و يكون تقيّد المطلوب بكونه صادراً عن الإرادة (لنفس الأمر) و كون الإرادة صادرة و ناشئة عن تحريك الأمر من باب «التّقيّد الطّبعيّ» الّذي يقتضيه طبع الأمر و إن لم يلحظه الآمر، فلا يتوجّه عليه حينئذ أنّ النّظر إلى التّحريك و الإرادة نظر آليّ، لأنّ ذلك إنّما يرد لو كان المدّعى هو التّقييد اللّحاظيّ دون التّقيّد الطّبعيّ الّذي اقتضاه سير الأمر بصرف طبعه.

و بالجملة: أنّ الأمر (بطبعه) لمّا كان باعثاً و محرّكاً إلى الفعل، كان الفعل بالطّبع متقيِّداً بكونه منبعثاً عنه (أي عن نفس الأمر) لأنّ ذلك هو الواقع في سلسلة الأمر (بحیث إنّ الإرادة ستقع ضمن سلسلة إصدار الأمر و امتثال الفاعل لهذا الأمر بالتّحدید) و أمّا غيره (أي الإرادة بغیر أمر المولی بحیث یَمتثل بنیّة أخری) فخارج عن هذه السّلسلة لا يُكتفى به إلّا بدليل خارج، و حينئذ ينقلب الأصل اللّفظيّ بل الأصل العمليّ أيضاً، فتأمّل، و ما نحن فيه (أي الشّکّ في توصّلیّة العمل أو تعبّدیّته) نظير باب العلّة و المعلول في اختصاص المعلول بما يكون صادراً عن تلك العلّة (لا علّة أخری) من دون أن يكون ذلك موجباً لتقيّده بالصّدور عن العلّة على وجه تكون العلّة علّة للمقيَّد بأنّه صادر عنها (فالمعلول سیصدر عن نفس العلّة من دون تقیّد العلّة ضمن المعلول).

و إن شئت فقل: إنّه نظير الفعل المراد بالارادة التّكوينيّة، فإنّك ترى أنّك عند تعلّق (إرادتك)[2] بفعل يكون ذلك الفعل منك مختصّاً بكونه معلولاً لتلك الإرادة منك، مع أنّ هذا القيد لم يكن داخلاً تحت إرادتك، كما أنّ ذلك الفعل الّذي انوجَد (أي تحقّق إذ «انوجَد» کلمة خاطئة عربیّاً) بإرادتك ليس مطلقاً من ناحية تلك الإرادة، فهو كما أنّه ليس بمطلق من ناحية الاتّصاف بتلك الإرادة لم تكن إرادتك قيداً في متعلّقها فتأمّل، و لكن سيأتي إن شاء اللّه[3] الإشكال في هذا البرهان و أنّه مغالطة صرفة.

و بهذا البيان يظهر الفرق بين التّعبّديّ و التّوصّليّ، بلا حاجة إلى الالتزام بكون داعي الأمر قيداً في متعلّقه كي يكون مورداً للايرادات المذكورة (العقلیّة) و ربما يشهد بذلك أو يؤيّده: «عدم الدّليل الوافي على عباديّة شيء من العبادات بما هو أزيد من ذلك المقدار» (أي نیّة امتثال الأمر فحسب) كما أنّه لا يحتاج إلى تعدّد الأمر (وفقاً للمحقّق النّائینيّ) كي يتوجّه عليه الإشكالات في كلّ من الأمر الأوّل و الأمر الثّاني كما حرَّرناه.»

إذن یَعتقد الشّیخ الحلّيّ بأنّا لا یَهمّنا تحدید «الموضوع له للأمر» بل المیزان أن «یتحقّق الأمر بداعي نفس الأمر» إذ طبیعة الأمر و جوهرتُها قد استَدعَت صدور الأمر مع داعیه من

دون أن یتقیَّد مفهوم الأمر به أساساً، فهذا هو معنی «الإطلاق المزبور» أي المصفّی و الخالص من الأمر الصّادر، فبالتّالي ستُعدّ کلتا التّوصّلیّة و التّعبّدیّة مُحایدَین و برُتبة موحَّدة.

ثمّ سیَستنتج «أصالةَ التّعبّدیّة» وفقاً للشّیخ الکرباسيّ أیضاً قائلاً:

«نعم لازم ذلك هو كون جميع الأوامر معتبراً فيها الإتيان بمتعلّقاتها «بداعي الأمر» إلّا ما أخرجه الدّليل (کتطهیر النّجاسة الّذي قد ثبَتت توصّلیّته) و هذا لا بعد فيه و لا غرابة، فإنّ الإطاعة الّتي يحكم بها العقل هي عبارة عن «الانبعاث عن الأمر بالإتيان بمتعلقه» و أمّا نفس الفعل بداع آخر أو الواقع سهواً أو نسياناً فليس هو إلّا من قبيل الاكتفاء بغير المأمور به (أي سیَسقط موضوع الامتثال إذ بداع آخر سنَکتفي بغیر المأمور به) لما عرفت من أنّ البعث إلى الفعل موجب قهريّ لتقيّد ذلك الفعل بالانبعاث عن ذلك (الأمر) ففي جميع تلك الموارد لا يكون الاكتفاء به (الانبعاث) من باب أنّه ينطبق عليه الفعل المأمور به، بل إنّ الفعل بما أنّه مأمور به لا ينطبق على تلك الأفعال (الخالیة عن نیّة الأمر) غايته أنّها تكون «مسقطة للأمر» باعتبار كونها وافية بمصلحة المأمور به، أو رافعة لموضوع الأمر و نحو ذلك من موجبات السّقوط (فعلیه، إنّ «الصّلاة قربان کلّ تقيّ» تَعني أنّ بإمکان کلّ تقيّ أن یَتقرّب إلی الله ببرکة الدّواعي الأخر إذ المقرّبیّة ستَتحصّل بالتّقیّة أیضاً).

و للشّيخ (الأعظم) قدّس سرّه[4] في أخذ الأجرة على المستحبّات عبارة لا يمكن تفسيرها إلا بما ذكرناه من أنّ الفعل المستحبّ المأتيّ به «بداعي الأجرة» لا يكون مصداقاً للمستحبّ، فإن كان عباديّاً بطلت الإجارة عليه و إلّا كانت الإجارة عليه صحيحة، غايته أنّه لا يكون الفعل مصداقاً للمأمور به بما أنّه مستحبّ فراجعه. (و لهذا یَری الشّیخ بأنّ أجیر الحجّ الاستحبابيّ یَصنع صنیعَین: فعلٌ بعنوان المنوب عنه و بهذه الجهة سیُصبح مستحبّاً لتحقّق القربة، فعلٌ بعنوان الإجارة المرتبطة بعقد النّائب فلا یوفِّر الاستحباب إذ قد قَصد الأجرة).[5]

ثم إنّ لازم ذلك هو عدم الاكتفاء في صحّة العبادة بالإتيان بها للمصلحة أو لغير ذلك من الدّواعي الالهيّة غير الرّاجعة إلى «داعي الأمر» كما هو مذهب صاحب الجواهر قدّس سرّه[6] و لا بعد فيه فإنّ الدّاعي هو الغاية المترتّبة على الفعل، فالعبد ينبعث عن الأمر لأجل ما يترتّب على ذلك من الامتثال، و إنّما يريد الامتثال لأجل ما يترتّب عليه من الثّواب أو الفرار من العقاب إلى غير ذلك من الدّواعي، أمّا لو كان قصده نفس الثّواب أو نفس المصلحة بلا توسّط (داعي) الامتثال فلا يبعد الحكم ببطلان عمله، و لو دلّ الدّليل على صحّته لزم الحكم بذلك، لكنّه خارج عن مقتضى نفس الأمر (و طبعه) من الانبعاث عن الأمر، و كونه هو الدّاعي بمعنى ما يترتّب عليه من الحصول على عنوان الامتثال، إذ لا معنى للدّاعي إلّا العلّة الغائيّة، و يستحيل كون الأمر نفسه هو العلّة الغائيّة و إنّما العلّة الغائيّة هي امتثاله، و لأجل ذلك نقول إنّ الأمر محدِث للدّاعي لا أنّه بنفسه هو الدّاعي إلّا بنحو من التّسامح، كما أنّ المصلحة أو الثّواب أو الفرار من العقاب لو كانت مترتّبة على الامتثال لا على نفس الفعل كان من المحال قصدها و جعلها غاية للفعل نفسه بلا توسّط الامتثال.»

فالمستخلَص أنّ کافّة المصالح کامنة في «نفس الأمر» فإنّ طبیعته ستَخلق الدّاعي للامتثال بحیث لم یتقیّد مفهوم الأمر بهذا الدّاعي کي نَتزَحلَق في الدّورانات و الإشکالات، فنظراً لهذه الطّبیعة، سیُولِّد الأمر بذاته «أصالة التّعبّدیّة» سوی ما أُفرِز فلو امتثل الأمر بمختلَف الدّواعي الأخَر، لَسقط عنه موضوع التّکلیف و إن لم یَصدق الامتثال من هذا البُعد.

----------------------
[1] نفس الیَنبوع ص470-472.
[2] لم يكن في الأصل، و إنما أضفناه لاستقامة العبارة.
[3] في صفحة: ٥٠٥-٥٠٦.
[4] المكاسب ١٤٣:٢ و ما بعدها.
[5] و بین یدیک الآن نصّ بیانات الشّیخ الأعظم قائلاً: «قلت: القربة المانع اعتبارها عن[5] تعلّق الإجارة، هي المعتبرة في نفس متعلّق الإجارة و إن اتّحد خارجاً مع ما لا يعتبر[5] فيه القربة ممّا لا[5] يكون متعلّقاً للإجارة، فالصلاة الموجودة في الخارج على جهة النيابة فعل للنائب من حيث إنّها نيابة عن الغير، و بهذا الاعتبار ينقسم في حقّه إلى المباح و الراجح و المرجوح، و فعل للمنوب عنه بعد نيابة النائب يعني تنزيل نفسه منزلة المنوب عنه في هذه الأفعال و بهذا الاعتبار يترتّب عليه الآثار الدنيوية و الأُخروية لفعل المنوب عنه الذي لم يشترط فيه المباشرة، و الإجارة تتعلّق به بالاعتبار الأوّل، و التقرّب بالاعتبار الثاني» (المکاسب (انصاری - کنگره). Vol. 2. ص145 قم، المؤتمر العالمي بمناسبة الذکری المئوية الثانية لميلاد الشيخ الأعظم الأنصاري. الأمانة العامة)
[6] جواهر الكلام ١٥٥:٩ و ما بعدها.


الملصقات :


نظری ثبت نشده است .