عربی

درس بعد

التعبدی و التوصلی

درس قبل

التعبدی و التوصلی

درس بعد

درس قبل

موضوع: الالفاظ (التعبدی و التوصلی)


تاریخ جلسه : ١٤٠٤/١/١٩


شماره جلسه : ۷۳

PDF درس صوت درس
خلاصة الدرس
  • التّقاریب المُتبعثِرة العقلیّة تجاه أصالة التّعبّدیّة

الجلسات الاخرى

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحيمْ
الْحَمْدُ للّه رَبِّ الْعَالَمِينْ وَصَلَى الله عَلَىٰ سَيِّدَنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ الطَّاهِرِينْ

 التّقاریب المُتبعثِرة العقلیّة تجاه أصالة التّعبّدیّة

لقد استَکشفنا أنّ أصالة التّعبّدیّة تَحظی بتقاریبَ متلوِّنة و براهینَ متفاوتة تماماً، سنُنظِّمها عبرَ الصّیاغ التّالي:

1. استدلالة عقليّة من قِبل أجود التّقریرات و المحاضَرات، حیث قد تَسالَم علی برهانه قائلاً: «ضرورةَ أنّ الواجب عليه بحكم العقل إنّما هو تحصيل غرضه المترتّب على وجود المأمور به في الخارج دون غرضه المترتّب على أمره» فمَحَقنا:

Ø أوّلاً: هذه الضّرورة المزعومة بأنّ المحقّق الخوئيّ کیفَ التَقط غرضین للمولی؟ فإنّ المستدلّ -وفقاً لتقریر الأجود و...- قد صرَّح بمحرّکیّة الأمر فلم یُفکِّک أساساً ما بین «الأمر و المأمور به» بل حینما أمره بالصّلاة فبنفس الحین قد حرَّکه إلی «الأمر و المأمور به معاً» فبالتّالي سیُعدّ الغرض موحَّداً في کلیهما، أجل قد توفَّرت القرینة في الأوامر الامتحانیّة باثنینیّة الغرض -أي مصلحة في الأمر و مصلحة في المأمور به-.

Ø ثانیاً: إنّ استنتاج المحقّقَین النّائینيّ و الخوئيّ سقیم تماماً، فرغمَ تمامیّة الصّغری -بأنّ الأمر یُعدّ فعلاً اختیاريّاً ذا غرض محدَّد، و غرض المولی تحریک العبد- و کذا سلامة الکبری -أي وجوب تحصیل الغرض- و لکنّ استنتاجَهم بأنّه: «یَتوجَّب الامتثال بضمّ داعي الأمر أکیداً» مرفوض و مَلحون إذ لا یَنسجم النّاتج مع المقدّمات، فإذا تقبَّلنا أنّ الأمر اختیاري و مُستهدَف و لکنه لا یُنتِج: «امتثالَه بداعي الأمر حتماً» فمن أین استَنبطاه؟ بل یَنحصر غرضه لدی إصدار الأمر -بذاته الخالص- في التّحریک للامتثال و لیس أکثر -أي التّوصّلیّة بهذا الأسلوب-.

2. بَرهَنة الخُلف حیث قد بیَّنها صاحب الفوائد قائلاً: «... نظراً إلى أنّ الأمر إنّما يكون محرّكاً لإرادة العبد نحوَ الفعل، و لا معنى لمحرّكيّة الأمر سوى كون الحركة عنه إذ لولا ذلك (التّحریک) لما كان هو المحرِّك بل كان المحرّك هو الدّاعي الأخر، و الحاصل: أنّ الأمر بنفسه يقتضي أن يكون محرّكاً للإرادة نحو الفعل (بقصد نفس الأمر أیضاً) فإذا كانت حركة العبد نحو الفعل لمكان الأمر كان الأمر محرّكاً، و إلاّ لم يكن الأمر محرّكاً، و هذا خلف لما فُرض أنّ الأمر هو المحرّك، و لا نعنى بقصد الامتثال سوى كون الحركة عن الأمر هذا (بلا مزید فیه).»[1]

ثمّ نقَّحها الشّیخ حسین الحلّيّ بتحریر یُدانيه أیضاً قائلاً: [2]

«يَنبغي نقل ما حرَّرتُه عنه قدّس سرّه فلعلّه أوضحُ أو أخصَر (قیاساً بالفوائد و الأجود) و هذا نصّه: استَدلّ صاحب الإشارات على ما اختاره من أصالة التّعبّد بوجهين: أحدهما: أنّ الأمر حقيقتَه بعث إرادة العبد و تحريكها نحو الفعل (بلا دخل للغرض أساساً و إنّما هویّة الأمر هي الإبعاث فحسب) فلابدّ أن تكون إرادة العبد منبعِثةً عن (نفس) الأمر و هو معنى كونه بداعي الأمر (فبالتّالي ستَتسجَّل أصالة تعبّدیّة الأوامر لدی الشّکّ إذ أمر المولی هو الّذي وجَّهه نحوَ الامتثال فیَتوجَب إنجاز العمل بنفس هذا الدّاعي أیضاً)».

ثمّ استَذکر الشّیخ الحلّيّ استشکال أستاذه المسبَق قائلاً:

«و فيه أوّلاً: أنّه لو تمَّ هذا الاستدلال لكان مقتضاه انحصارَ الدّاعي في العبادات بداعي الأمر كما هو مسلك صاحب الجواهر قدّس سرّه[3] و قد عرفت ما فيه (فلم تَثبُت أصالة التّعبّدیّة إذن) و ثانياً: أنّ الأمر و إن كان محرِّكاً لارادة العبد نحوَ الفعل المأمور به إلا أنّ نظر الآمر في هذه المرحلة إلى «الإرادة» (و القصد) نظر آليّ (بحیث لا یَتدخّل القصد کرُکن ضمن العمل کي تتولّد أصالة التّعبّدیّة) و إنّما تمام المنظور إليه هو الفعل نفسُه (خالصاً عن القصد) فليس للآمر نظر استقلاليّ إلى تلك الإرادة كي يكون انبعاثها عن الأمر (مع قصده) معتبَراً، و إذا لم يكن للآمر نظر استقلاليّ للإرادة و كان النّظر إليها نظراً آليّاً، و كان المنظور إليه بالاستقلال هو الفعل نفسه، كان مجرّد إرادة العبد للفعل و صدوره عنه بارادته (العبد) كافياً في موافقة ذلك الأمر و إن لم تكن الإرادة المذكورة منبعِثةً عن الأمر بل كانت منبعثة عن شيء آخر غيرِ الأمر .... و من الواضح أنّه لا يمكن للآمر أن ينظر في رتبة جعل أمره إلى كونه (الأمر) محرِّكاً للإرادة (للمکلَّف) لما عرفت فيما تقدّم من أنّ ذلك (أي تحریک الإرادة) موجب لتقدّم الشّيء على نفسه، فلا يمكن للآمر أن ينظر في رتبة جعل أمره إلى كون ذلك الأمر محرِّكاً للإرادة فضلاً عن نظره (استقلالاً) إلى نفس تلك الإرادة و (لزوم) انبعاثها عن الأمر.»

فشاهدتَ التّمایز ما بین تقریرَيِ المحقّق الخوئيّ و الشّیخ الحلّيّ:

· فإنّ الشّیخ الحلّيّ قد أفاضَ عویصةً أخری «لمحرکیّة الأمر و انبعاث المکلَّف من الإرادة» حیث ستُفضي هذه المحرّکیّة إلی محذور «تقدّم الشّیئ علی نفسه» إذ لو لاحَظ الآمِر «القصد و الإرادة» فسیَلزَم أنّ تتحقّق محرّکیّة الأمر و إرادتُه قبل إصدار الأمر، و لهذا ستَتجدَّد مأساة المبحث الماضي أي: «أخذ قصد الأمر ضمن المتعلّق».

· بینما المحقّق الخوئيّ قد علَّل المحذورَ -أي انبعاث المکلَّف بنفس الأمر- بأنّه سیُنتِج «اجتماعَ اللّحاظَین الآليّ و الاستقلاليّ معاً.

ثمّ یَستکمل الشّیخ الحلّيّ قائلاً:

«و إن شئت فقل: إنّ الأمر و إن كان محرِّكاً للإرادة إلا أنّ ذلك التّحريك تحريك تشريعيّ نظير التّحريك التّكوينيّ في أنّه لا يكون منظوراً إليه (التّحریک) استقلالاً كي يكون التّحريك المذكور معتبَراً فيه (الأمر حتّی یَتولَّد المحذور) كما أنّ الإرادة الّتي كان هذا الأمر محركاً لها نحوَ المراد لا تكون منظوراً إليها استقلالاً (بل آلیّاً) و إنّما المنظور الاستقلاليّ في جعل الأمر هو نفس ذلك المراد (و المتعلَّق) انتهى (مقال المحقّق النّائینيّ).»

بیدَ أنّ الشّیخ الحلّيّ في أوّل وَهلة، قد أجلی وِجهةَ نظره حمایةً عن الشّیخ الکرباسيّ مستشکِلاً علی أستاذه قائلاً:

«قلت: قد يقال إنّ صاحب الإشارات لم يدَّع أنّ في لفظ الأمر دلالةً على التّقييد: بكون انبعاث إرادة العبد عن (نفس) الأمر، كي يقالَ في ردّه إنّ التّقييد المذكور يحتاج إلى النّظر الاستقلاليّ إلى إرادة العبد و تحريك الأمر لها نحوَ المراد و المفروض أنّ النّظر إلى ذلك آليّ، و الغرض منه هو التّوصّل إلى حصول المراد و هو نفس الفعل، بل إنّ ما يدّعيه صاحب الإشارات هو أنّ الأمر لمّا كان محرّكاً لإرادة العبد نحو الفعل، كان مقتضى «إطلاق هذا الأمر» اعتبارَ كون الإرادة منبعِثة عن (نفس) الأمر (فلا تقیّدَ أساساً) لأنّ كفاية تعلّق الإرادة بالفعل و إن لم تكن منبعِثة عن الأمر (ولکنّه) يحتاج إلى عناية زائدة، و ليس المراد من الإطلاق في هذا المقام الإطلاقَ القصديَّ، بل المراد به أنّ «طبع الأمر» يقتضي التّحرّك عنه (فنحن نتحدّث حول ذات الأمر الّذي یَبعث المکلَّف بهذا القصد) أمّا التّحرّك عن داع آخر فليس ذلك ممّا يقتضيه طبع الأمر (و کُنهُه) فلا يكون ذلك الفعل الّذي تحرّك إليه المأمور بداع آخر تحت حيِّز ذلك الأمر بما أنّه تحريك نحوَ الفعل (فهذا الأمر بنفسه لم یُحرّکه إذن) ..... و هذا نظير ما تقدَّم من الأستاذ قدّس سرّه[4] من الاستدلال على اعتبار كون المتعلَّق صادراً بالإرادة، و عدم الاكتفاء بما يصدر عنه سهوا أو غفلة أو في حال النّوم بأنّ الأمر لمّا كان محرّكاً لارادة العبد نحو المأمور به كان مقتضى ذلك اعتبار كون الفعل صادراً بالإرادة (لنفس الأمر الصّادر) و عدم الاكتفاء بما يصدر سهواً أو غفلة.»

ولکن تلوَ استشکاله قد تَراجَع ثمّ صانَ إجابةَ أستاذه -درءاً لمقالة الشّیخ الکرباسيّ- قائلاً:

«و يمكن الجواب عن هذا الإشكال (للکرباسيّ و دفاعاً عن المحقّق النّائینيّ) .... لا يكون «التّوصّليّ» وحدَه محتاجاً إلى العناية الزّائدة، بل كما يكون ذلك (التّوصّليّ) محتاجاً إلى العناية الزائدة يكون اعتبار «التّعبّد» أيضاً محتاجاً إلى العناية الزّائدة (فلا تَتسجَّل أصالة التّعبّدیّة) لأنّ كلّاً منهما جهة زائدة على ما تضمَّنه (طبیعة) الأمر من النّظر الاستقلاليّ إلى حصول الفعل (فهذا هو مقتضی الأمر حیث لا یَتضمّن أکثر من الإبعاث) و أمّا اعتبار كون الفعل صادراً بالإرادة (و النّیّة) في قبال كونه عن سهو أو غفلة، فإنّما قلنا به من جهة كون الأمر تحريكاً للإرادة (بحیث یُنبِّه المکلَّف للتّحرّک) فلا يشمل (کلامنا) ما كان مجرّداً عن الإرادة، و أين هذا من اعتبار كون تلك الإرادة منبعثة عن الأمر.

(أجل ثمّةَ مائز ما بین التّعبّدیّة و التّوصّلیّة:) و بالجملة أنّ اعتبار نفس الإرادة (للامتثال) إنّما يكون من جهة أنّ الأمر بعث و تحريك لها نحو الفعل، و هذا المقدار لا يحتاج في اعتباره إلى أزيد ممّا يتكفّله الأمر بطبعه، أعني كونه تحريكاً للإرادة نحو الفعل، بلا حاجة فيه إلى النّظر الاستقلاليّ إلى الإرادة، و هذا بخلاف اعتبار كون تلك الإرادة منبعِثة عن الأمر (أي بقصد نفس الأمر) فإنّه يحتاج إلى عناية زائدة على أصل ما يتكفّله الأمر بصرف طبعه، و لابدّ فيه من النّظر الاستقلاليّ إلى الارادة.»[5]

----------------------
[1] نایینی محمدحسین. فوائد الاُصول (النائیني). Vol. 1. ص156 قم - ایران: جماعة المدرسين في الحوزة العلمیة بقم. مؤسسة النشر الإسلامي.
[2] حلی حسین بن علی. أصول الفقه (الحلي). Vol. 1. ص466-468 قم - ایران: مکتبة الفقه و الاصول المختصه.
[3] جواهر الكلام ١٥٥:٩ و ما بعدها.
[4] أجود التقريرات ١٥٣:١-١٥٤، و قد تقدمت الحاشية على ذلك في صفحة: ٣٧٥.
[5] حلی حسین بن علی. أصول الفقه (الحلي). Vol. 1. ص467-469 قم - ایران: مکتبة الفقه و الاصول المختصه.



بِسْمِ اللهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحيمْ
الْحَمْدُ للّه رَبِّ الْعَالَمِينْ وَصَلَى الله عَلَىٰ سَيِّدَنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ الطَّاهِرِينْ

 التّقاریب المُتبعثِرة العقلیّة تجاه أصالة التّعبّدیّة

لقد استَکشفنا أنّ أصالة التّعبّدیّة تَحظی بتقاریبَ متلوِّنة و براهینَ متفاوتة تماماً، سنُنظِّمها عبرَ الصّیاغ التّالي:

1. استدلالة عقليّة من قِبل أجود التّقریرات و المحاضَرات، حیث قد تَسالَم علی برهانه قائلاً: «ضرورةَ أنّ الواجب عليه بحكم العقل إنّما هو تحصيل غرضه المترتّب على وجود المأمور به في الخارج دون غرضه المترتّب على أمره» فمَحَقنا:

Ø أوّلاً: هذه الضّرورة المزعومة بأنّ المحقّق الخوئيّ کیفَ التَقط غرضین للمولی؟ فإنّ المستدلّ -وفقاً لتقریر الأجود و...- قد صرَّح بمحرّکیّة الأمر فلم یُفکِّک أساساً ما بین «الأمر و المأمور به» بل حینما أمره بالصّلاة فبنفس الحین قد حرَّکه إلی «الأمر و المأمور به معاً» فبالتّالي سیُعدّ الغرض موحَّداً في کلیهما، أجل قد توفَّرت القرینة في الأوامر الامتحانیّة باثنینیّة الغرض -أي مصلحة في الأمر و مصلحة في المأمور به-.

Ø ثانیاً: إنّ استنتاج المحقّقَین النّائینيّ و الخوئيّ سقیم تماماً، فرغمَ تمامیّة الصّغری -بأنّ الأمر یُعدّ فعلاً اختیاريّاً ذا غرض محدَّد، و غرض المولی تحریک العبد- و کذا سلامة الکبری -أي وجوب تحصیل الغرض- و لکنّ استنتاجَهم بأنّه: «یَتوجَّب الامتثال بضمّ داعي الأمر أکیداً» مرفوض و مَلحون إذ لا یَنسجم النّاتج مع المقدّمات، فإذا تقبَّلنا أنّ الأمر اختیاري و مُستهدَف و لکنه لا یُنتِج: «امتثالَه بداعي الأمر حتماً» فمن أین استَنبطاه؟ بل یَنحصر غرضه لدی إصدار الأمر -بذاته الخالص- في التّحریک للامتثال و لیس أکثر -أي التّوصّلیّة بهذا الأسلوب-.

2. بَرهَنة الخُلف حیث قد بیَّنها صاحب الفوائد قائلاً: «... نظراً إلى أنّ الأمر إنّما يكون محرّكاً لإرادة العبد نحوَ الفعل، و لا معنى لمحرّكيّة الأمر سوى كون الحركة عنه إذ لولا ذلك (التّحریک) لما كان هو المحرِّك بل كان المحرّك هو الدّاعي الأخر، و الحاصل: أنّ الأمر بنفسه يقتضي أن يكون محرّكاً للإرادة نحو الفعل (بقصد نفس الأمر أیضاً) فإذا كانت حركة العبد نحو الفعل لمكان الأمر كان الأمر محرّكاً، و إلاّ لم يكن الأمر محرّكاً، و هذا خلف لما فُرض أنّ الأمر هو المحرّك، و لا نعنى بقصد الامتثال سوى كون الحركة عن الأمر هذا (بلا مزید فیه).»[1]

ثمّ نقَّحها الشّیخ حسین الحلّيّ بتحریر یُدانيه أیضاً قائلاً: [2]

«يَنبغي نقل ما حرَّرتُه عنه قدّس سرّه فلعلّه أوضحُ أو أخصَر (قیاساً بالفوائد و الأجود) و هذا نصّه: استَدلّ صاحب الإشارات على ما اختاره من أصالة التّعبّد بوجهين: أحدهما: أنّ الأمر حقيقتَه بعث إرادة العبد و تحريكها نحو الفعل (بلا دخل للغرض أساساً و إنّما هویّة الأمر هي الإبعاث فحسب) فلابدّ أن تكون إرادة العبد منبعِثةً عن (نفس) الأمر و هو معنى كونه بداعي الأمر (فبالتّالي ستَتسجَّل أصالة تعبّدیّة الأوامر لدی الشّکّ إذ أمر المولی هو الّذي وجَّهه نحوَ الامتثال فیَتوجَب إنجاز العمل بنفس هذا الدّاعي أیضاً)».

ثمّ استَذکر الشّیخ الحلّيّ استشکال أستاذه المسبَق قائلاً:

«و فيه أوّلاً: أنّه لو تمَّ هذا الاستدلال لكان مقتضاه انحصارَ الدّاعي في العبادات بداعي الأمر كما هو مسلك صاحب الجواهر قدّس سرّه[3] و قد عرفت ما فيه (فلم تَثبُت أصالة التّعبّدیّة إذن) و ثانياً: أنّ الأمر و إن كان محرِّكاً لارادة العبد نحوَ الفعل المأمور به إلا أنّ نظر الآمر في هذه المرحلة إلى «الإرادة» (و القصد) نظر آليّ (بحیث لا یَتدخّل القصد کرُکن ضمن العمل کي تتولّد أصالة التّعبّدیّة) و إنّما تمام المنظور إليه هو الفعل نفسُه (خالصاً عن القصد) فليس للآمر نظر استقلاليّ إلى تلك الإرادة كي يكون انبعاثها عن الأمر (مع قصده) معتبَراً، و إذا لم يكن للآمر نظر استقلاليّ للإرادة و كان النّظر إليها نظراً آليّاً، و كان المنظور إليه بالاستقلال هو الفعل نفسه، كان مجرّد إرادة العبد للفعل و صدوره عنه بارادته (العبد) كافياً في موافقة ذلك الأمر و إن لم تكن الإرادة المذكورة منبعِثةً عن الأمر بل كانت منبعثة عن شيء آخر غيرِ الأمر .... و من الواضح أنّه لا يمكن للآمر أن ينظر في رتبة جعل أمره إلى كونه (الأمر) محرِّكاً للإرادة (للمکلَّف) لما عرفت فيما تقدّم من أنّ ذلك (أي تحریک الإرادة) موجب لتقدّم الشّيء على نفسه، فلا يمكن للآمر أن ينظر في رتبة جعل أمره إلى كون ذلك الأمر محرِّكاً للإرادة فضلاً عن نظره (استقلالاً) إلى نفس تلك الإرادة و (لزوم) انبعاثها عن الأمر.»

فشاهدتَ التّمایز ما بین تقریرَيِ المحقّق الخوئيّ و الشّیخ الحلّيّ:

· فإنّ الشّیخ الحلّيّ قد أفاضَ عویصةً أخری

أخری «لمحرکیّة الأمر و انبعاث المکلَّف من الإرادة» حیث ستُفضي هذه المحرّکیّة إلی محذور «تقدّم الشّیئ علی نفسه» إذ لو لاحَظ الآمِر «القصد و الإرادة» فسیَلزَم أنّ تتحقّق محرّکیّة الأمر و إرادتُه قبل إصدار الأمر، و لهذا ستَتجدَّد مأساة المبحث الماضي أي: «أخذ قصد الأمر ضمن المتعلّق».

· بینما المحقّق الخوئيّ قد علَّل المحذورَ -أي انبعاث المکلَّف بنفس الأمر- بأنّه سیُنتِج «اجتماعَ اللّحاظَین الآليّ و الاستقلاليّ معاً.

ثمّ یَستکمل الشّیخ الحلّيّ قائلاً:

«و إن شئت فقل: إنّ الأمر و إن كان محرِّكاً للإرادة إلا أنّ ذلك التّحريك تحريك تشريعيّ نظير التّحريك التّكوينيّ في أنّه لا يكون منظوراً إليه (التّحریک) استقلالاً كي يكون التّحريك المذكور معتبَراً فيه (الأمر حتّی یَتولَّد المحذور) كما أنّ الإرادة الّتي كان هذا الأمر محركاً لها نحوَ المراد لا تكون منظوراً إليها استقلالاً (بل آلیّاً) و إنّما المنظور الاستقلاليّ في جعل الأمر هو نفس ذلك المراد (و المتعلَّق) انتهى (مقال المحقّق النّائینيّ).»

بیدَ أنّ الشّیخ الحلّيّ في أوّل وَهلة، قد أجلی وِجهةَ نظره حمایةً عن الشّیخ الکرباسيّ مستشکِلاً علی أستاذه قائلاً:

«قلت: قد يقال إنّ صاحب الإشارات لم يدَّع أنّ في لفظ الأمر دلالةً على التّقييد: بكون انبعاث إرادة العبد عن (نفس) الأمر، كي يقالَ في ردّه إنّ التّقييد المذكور يحتاج إلى النّظر الاستقلاليّ إلى إرادة العبد و تحريك الأمر لها نحوَ المراد و المفروض أنّ النّظر إلى ذلك آليّ، و الغرض منه هو التّوصّل إلى حصول المراد و هو نفس الفعل، بل إنّ ما يدّعيه صاحب الإشارات هو أنّ الأمر لمّا كان محرّكاً لإرادة العبد نحو الفعل، كان مقتضى «إطلاق هذا الأمر» اعتبارَ كون الإرادة منبعِثة عن (نفس) الأمر (فلا تقیّدَ أساساً) لأنّ كفاية تعلّق الإرادة بالفعل و إن لم تكن منبعِثة عن الأمر (ولکنّه) يحتاج إلى عناية زائدة، و ليس المراد من الإطلاق في هذا المقام الإطلاقَ القصديَّ، بل المراد به أنّ «طبع الأمر» يقتضي التّحرّك عنه (فنحن نتحدّث حول ذات الأمر الّذي یَبعث المکلَّف بهذا القصد) أمّا التّحرّك عن داع آخر فليس ذلك ممّا يقتضيه طبع الأمر (و کُنهُه) فلا يكون ذلك الفعل الّذي تحرّك إليه المأمور بداع آخر تحت حيِّز ذلك الأمر بما أنّه تحريك نحوَ الفعل (فهذا الأمر بنفسه لم یُحرّکه إذن) ..... و هذا نظير ما تقدَّم من الأستاذ قدّس سرّه[4] من الاستدلال على اعتبار كون المتعلَّق صادراً بالإرادة، و عدم الاكتفاء بما يصدر عنه سهوا أو غفلة أو في حال النّوم بأنّ الأمر لمّا كان محرّكاً لارادة العبد نحو المأمور به كان مقتضى ذلك اعتبار كون الفعل صادراً بالإرادة (لنفس الأمر الصّادر) و عدم الاكتفاء بما يصدر سهواً أو غفلة.»

ولکن تلوَ استشکاله قد تَراجَع ثمّ صانَ إجابةَ أستاذه -درءاً لمقالة الشّیخ الکرباسيّ- قائلاً:

«و يمكن الجواب عن هذا الإشكال (للکرباسيّ و دفاعاً عن المحقّق النّائینيّ) .... لا يكون «التّوصّليّ» وحدَه محتاجاً إلى العناية الزّائدة، بل كما يكون ذلك (التّوصّليّ) محتاجاً إلى العناية الزائدة يكون اعتبار «التّعبّد» أيضاً محتاجاً إلى العناية الزّائدة (فلا تَتسجَّل أصالة التّعبّدیّة) لأنّ كلّاً منهما جهة زائدة على ما تضمَّنه (طبیعة) الأمر من النّظر الاستقلاليّ إلى حصول الفعل (فهذا هو مقتضی الأمر حیث لا یَتضمّن أکثر من الإبعاث) و أمّا اعتبار كون الفعل صادراً بالإرادة (و النّیّة) في قبال كونه عن سهو أو غفلة، فإنّما قلنا به من جهة كون الأمر تحريكاً للإرادة (بحیث یُنبِّه المکلَّف للتّحرّک) فلا يشمل (کلامنا) ما كان مجرّداً عن الإرادة، و أين هذا من اعتبار كون تلك الإرادة منبعثة عن الأمر.

(أجل ثمّةَ مائز ما بین التّعبّدیّة و التّوصّلیّة:) و بالجملة أنّ اعتبار نفس الإرادة (للامتثال) إنّما يكون من جهة أنّ الأمر بعث و تحريك لها نحو الفعل، و هذا المقدار لا يحتاج في اعتباره إلى أزيد ممّا يتكفّله الأمر بطبعه، أعني كونه تحريكاً للإرادة نحو الفعل، بلا حاجة فيه إلى النّظر الاستقلاليّ إلى الإرادة، و هذا بخلاف اعتبار كون تلك الإرادة منبعِثة عن الأمر (أي بقصد نفس الأمر) فإنّه يحتاج إلى عناية زائدة على أصل ما يتكفّله الأمر بصرف طبعه، و لابدّ فيه من النّظر الاستقلاليّ إلى الارادة.»[5]

----------------------
[1] نایینی محمدحسین. فوائد الاُصول (النائیني). Vol. 1. ص156 قم - ایران: جماعة المدرسين في الحوزة العلمیة بقم. مؤسسة النشر الإسلامي.
[2] حلی حسین بن علی. أصول الفقه (الحلي). Vol. 1. ص466-468 قم - ایران: مکتبة الفقه و الاصول المختصه.
[3] جواهر الكلام ١٥٥:٩ و ما بعدها.
[4] أجود التقريرات ١٥٣:١-١٥٤، و قد تقدمت الحاشية على ذلك في صفحة: ٣٧٥.
[5] حلی حسین بن علی. أصول الفقه (الحلي). Vol. 1. ص467-469 قم - ایران: مکتبة الفقه و الاصول المختصه.


الملصقات :


نظری ثبت نشده است .