موضوع: الالفاظ (التعبدی و التوصلی)
تاریخ جلسه : ١٤٠٤/٦/٣١
شماره جلسه : ۷
-
خلاصة البحث السابق
-
دور حكم العقلاء في إثبات نفسية الوجوب و صلته بإطلاق صيغة الأمر
-
الاستغناء عن الإطلاق في إثبات النفسية: مبنى المحقق الحائري وتأييده في كلام الإمام الخميني
-
الإطلاق غير المصطلح والحكم العقلائي
-
امتناع إثبات النفسية من طريق الإطلاق ونقد فكرة القدر الجامع في المعاني الحرفية
-
المراد من الإطلاق في إثبات النفسية: عدم التقييد بالغيرية ومتمّم المبنى العقلائي
-
المسلك السابع: التبادر بوصفه دليلاً على النفسية؛ تقريرٌ ونقد
-
المسلك الثامن: الانصراف إلى النفسية؛ تقريرٌ ونقد
-
خلاصة البحث
-
مقتضى الأصل العملي عند الشك بين النفسية والغيرية
-
كلام المحقق النائيني
-
الصورة الأولى: البراءة من اشتراط مادة الصلاة
-
المصادر
-
الجلسة ۷
-
الجلسة ۱۴
-
الجلسة ۱۵
-
الجلسة ۱۶
-
الجلسة ۱۷
-
الجلسة ۱۸
-
الجلسة ۱۹
-
الجلسة ۲۰
-
الجلسة ۲۱
-
الجلسة ۲۲
-
الجلسة ۲۳
-
الجلسة ۲۴
-
الجلسة ۲۵
-
الجلسة ۲۶
-
الجلسة ۲۷
-
الجلسة ۲۸
-
الجلسة ۲۹
-
الجلسة ۳۰
-
الجلسة ۳۱
-
الجلسة ۳۲
-
الجلسة ۳۳
-
الجلسة ۳۴
-
الجلسة ۳۵
-
الجلسة ۳۶
-
الجلسة ۳۷
-
الجلسة ۳۸
-
الجلسة ۳۹
-
الجلسة ۴۰
-
الجلسة ۴۱
-
الجلسة ۴۲
-
الجلسة ۴۳
-
الجلسة ۴۴
-
الجلسة ۴۵
-
الجلسة ۴۶
-
الجلسة ۴۷
-
الجلسة ۴۸
-
الجلسة ۴۹
-
الجلسة ۵۰
-
الجلسة ۵۱
-
الجلسة ۵۲
-
الجلسة ۵۳
-
الجلسة ۵۴
-
الجلسة ۵۵
-
الجلسة ۵۶
-
الجلسة ۵۷
-
الجلسة ۵۸
-
الجلسة ۵۹
-
الجلسة ۶۰
-
الجلسة ۶۱
-
الجلسة ۶۲
-
الجلسة ۶۳
-
الجلسة ۶۴
-
الجلسة ۶۵
-
الجلسة ۶۶
-
الجلسة ۶۷
-
الجلسة ۶۸
-
الجلسة ۶۹
-
الجلسة ۷۰
-
الجلسة ۷۱
-
الجلسة ۷۲
-
الجلسة ۷۳
-
الجلسة ۷۴
-
الجلسة ۷۵
-
الجلسة ۷۶
-
الجلسة ۷۷
-
الجلسة ۷۸
-
الجلسة ۷۹
-
الجلسة ۸۰
-
الجلسة ۸۱
-
الجلسة ۸۲
-
الجلسة ۸۳
-
الجلسة ۸۴
-
الجلسة ۸۵
-
الجلسة ۸۶
-
الجلسة ۸۷
-
الجلسة ۸۸
-
الجلسة ۸۹
-
الجلسة ۹۰
-
الجلسة ۹۱
-
الجلسة ۹۲
-
الجلسة ۹۳
-
الجلسة ۹۴
-
الجلسة ۹۵
-
الجلسة ۹۶
-
الجلسة ۹۷
-
الجلسة ۹۸
-
الجلسة ۹۹
-
الجلسة ۱۰۰
-
الجلسة ۱۰۱
-
الجلسة ۱۰۲
-
الجلسة ۱۰۳
الحمدللّه ربّ العالمین وصلّی اللّه علی محمّد و آله الطّاهرین
خلاصة البحث السابق
على مبنى الإمام الخميني (رضوان الله تعالى عليه)، فإنّ نفسية الوجوب لا تُستفاد لا من طريق الدلالة الوضعية لصيغة «افعل» ولا من طريق دلالتها الإطلاقية. فالصيغة لا تدلّ إلا على «البعث والتحريك»، إلا أنّ هذا البعث هو موضوعٌ لحكم العقلاء بوجوب الإطاعة: فمتى ما صدر الأمر المولوي، وجب على المكلف امتثاله، «سواء وجب فعلٌ آخر أم لم يجب»، وهذا هو بعينه معنى النفسية في مقام الإثبات. إلا أنّ نقد الشهيد مصطفى الخميني (قدس سره) على هذا التقرير ينصبُّ على أنّ «نفس الأمر» بمجرده لا يمثّل تمام السبب وتمام الموضوع للحكم العقلائي. فما لم يدخل إطلاق الأمر في الحساب، فإنّ العقلاء لا يُحرِزون تمامية الحجة، ولا يمكنهم الحكم بالنفسية أو العينية أو التعيينية. وبحسب تعبيره (قده):
فما ترى في «الدرر» و تبعه الوالد - مد ظله -: من أن الأمر سبب تمامية الحجة من قبل المولى على العبد، فلا يصغى إلى الأعذار والاحتمالات النافية للنفسية والعينية والتعيينية، غير وجيه جدا، بل هي تورث تمامية الحجة، ويكشف بها المراد الجدي للمولى، وإلا فلا يصح الإفتاء على طبق هذه الإطلاقات: بأن الأمر الكذائي واجب نفسي عيني تعييني.[1]
على ضوء المختار عندنا - وكما قرّره الإمام الخميني(رضوان الله تعالى عليه) — فإننا في مقام إثبات نفسية الوجوب، لا نعنى أساساً باللفظ وبمدلول صيغة الأمر، وضعياً كان أم إطلاقياً؛ فالمحور هو الحكم العقلائي بلزوم الإطاعة. وببيانٍ أدقّ، فإنّ نفس صدور الأمر أو الإرادة المولوية هو «تمام الموضوع» لحكم العقلاء بوجوب الامتثال، ومن هذه الجهة فلا حاجة إلى التمسك بأصالة إطلاق صيغة «افعل». فمتى ما صدر الأمر المولوي، فإنّ العقلاء يقولون إنّ نفس المأمور به بما أنّه مأمورٌ به يجب امتثاله، سواء وجد تكليفٌ آخر أم لم يوجد و«سواء وجب فعلٌ آخر أم لم يجب»؛ وهذا هو بعينه معنى النفسية في مقام الإثبات.
وهذه الصياغة يمكن تتبّعها في كلام المحقق الحائري أيضاً؛ حيث يحتمل في «درر الفوائد» أن يكون حمل الإرادة على «الوجوب النفسي التعييني» — في فرض فقدان الدليل على الخلاف — ليس مرتكِزاً على استقرار ظهورٍ لفظي، بل مرجعه هو أنّ «الإرادة» عند العقلاء حجّةٌ على ذلك المعنى بعينه؛ نظير حجية الأوامر الظاهرية بالنسبة إلى الواقعيات على تقدير التطابق. حيث يقول (قده):
و يحتمل ان يكون حمل الإرادة على الوجوب التعييني النفسي عند عدم الدليل على الخلاف من باب كونها حجة على ذلك عند العقلاء لو كان الواقع كذلك، نظير حجية الاوامر الظاهرية على الواقعيات على تقدير التطابق، من دون ان يستقر الظهور اللفظي فيما ذكرنا؛ فافهم.[2]
بمقتضى هذا البيان، فإنّ جذور دعوى الإمام الخميني(رضوان الله تعالى عليه) يمكن تتبّعها بوضوحٍ في كلام المحقق الحائري: ففي مقام إثبات النفسية، يمكن أن تُعَدَّ «نفس الإرادة أو الأمر المولوي» حجّةً عقلائيةً وتمامَ الموضوع، من دون أن نُقحِم إطلاق صيغة الأمر (بالمعنى الفني المبتني على مقدمات الحكمة) في البحث. وإنّ تصريحه (قده) بعبارة: «من دون أن يستقر الظهور اللفظي» يكشف عن أنّ المبنى عقلائيٌ لا لفظي، وهو يقف على طرف النقيض تماماً من التقريرات التي ترتكز على الظهور والإطلاق الاصطلاحي. والنكتة الكاشفة في بيان المحقق الحائري هي أنّ حتى من تمسك بـ«الإطلاق» في هذا المقام، لم يكن مراده هو الإطلاق المصطلح المشروط بأركان الحكمة؛ بل هو «عدمُ ذكرِ القيدِ المخالف» أو «عدمُ التقييد» فحسب. ومن هنا، يمكن أن تُحمَل دعوى الآخوند القائلة بأنّ «الإطلاق يقتضي النفسية» على هذا المعنى من «عدم التقييد» أيضاً، لا على الإطلاق الفني بمعناه الأخص.
على ضوء المختار عندنا، ووفقاً لتقرير الإمام الخميني (رضوان الله تعالى عليه)، فإنّ نفس صدور الأمر المولوي كافٍ عند العقلاء لإثبات النفسية، ولا حاجة إلى التمسك بإطلاق صيغة الأمر. ولكن يبقى السؤال: لو تمسّكنا بالإطلاق، فماذا تكون محصّلته؟ قد يُقال: إنّ أصالة الإطلاق تقتضي «لا فرق بين النفسية والغيرية»؛ وعليه، فلا بد من تحصيل قدرٍ جامعٍ بين النفسي والغيري، ويكون الإطلاق حاملاً لذلك المعنى الجامع. وهذا المسلك غير تامٍّ من جهتين: أولاً: إنّه خلاف المقصود؛ إذ إنّ المدَّعي إنما هو في صدد إثبات «النفسية»، لا إثبات معنىً أعمّ من النفسي والغيري تكون نتيجته مجرد «المعنى الجامع»، لا «تعيين أحدهما».
ثانياً، وهو الأهم: إنّ فرض «قدرٍ جامعٍ معقول» بين استعمال الهيئة في النفسي واستعمالها في الغيري أمرٌ غير ممكن في المعاني الحرفية للهيئات، التي هي من سنخ الربط والنسبة. فإنّ لهيئة الأمر معنىً حرفياً، ولا يمكن تصویر جامعٍ واحد بين نحوين متغايرين من الانتساب (وهما «لنفسه» و«لغيره»)، حتى يتكفّل الإطلاق بحمل ذلك الجامع. وعليه، فإنّ التمسك بإطلاق الهيئة في مقام إثبات النفسية لا يبلغ الغرض من جهة، وهو يرتكز على أمرٍ غير معقول (وهو تحصيل الجامع في المعاني الحرفية) من جهة أخرى. ومن هنا، فإنّ المسلك الصحيح هو الحكم العقلائي بلزوم إطاعة الأمر المولوي، الذي يؤسّس للنفسية — بالأصل — ولا يُعدَل عنه إلا بقرينةٍ معتبرة. ويشير الإمام الخميني (قده) إلى هذا المبنى بقوله:
وأمّا قضيّة مقدّمات الحكمة - مع إطلاق الأمر - ذلك، فمحلّ إشكال ومنع؛ لأنّ مقدّمات الحكمة لا يمكن أن تنتج هاهنا؛ لأنّه إمّا أن يراد أن تنتج مطلق البعث الجامع بين النفسي والغيري ... وهكذا، فمع كونه خلاف المقصود ممتنع؛ لعدم إمكان الجامع بين المعاني الحرفية كما سبق بيانه ، هذا، مضافاً إلى القطع بعدم إرادة الجامع في المقام.[3]
وبهذا، فحيثما ورد ذكر الإطلاق في تعابير من قبيل: «الإطلاق يقتضي النفسية»، وجب أن يُفهَم بمعنى «عدم التقييد»، لا الإطلاق المصطلح المتوقف على شروطه الفنية. إذ إنّ الإطلاق الفني يقتضي أربعة أركانٍ على الأقل: إحراز قدرٍ جامعٍ بين الأفراد، وإحراز مقام البيان، وعدم إقامة قرينة على أحد الأفراد، وفقدان ما يصلح للقرينية. ومن البيّن أنّ الركن الأول نفسه (وهو تحصيل القدر الجامع) ممتنعٌ في المعاني الحرفية للهيئات. وعلى هذا المبنى، فإنّ الاتكاء في مقام إثبات نفسية وجوب الأمر إنما هو على الحكم العقلائي بلزوم إطاعة نفس صدور الأمر. أي أنّ بناء العقلاء قائمٌ على أنّ الأمر المولوي بنفسه يوجب إلزام الامتثال، ويُعَدُّ الوجوب بمقتضاه نفسياً — إلا أن تأتي قرينة معتبرة على الخلاف. وأما في المقابل، فإنّ التمسك بالإطلاق — سواء كان بقصد إثبات الجامع الأعمّ من النفسي والغيري، أم لإثبات خصوص النفسية — يفتقر إلى النجاعة المطلوبة: فالأول خلاف المقصود. والثاني لا يتحصّل بمجرد عدم ذكر القيد، لافتقاره إلى قيدٍ وجودي ومؤونةٍ زائدة. وعليه، فإنّ المسلك الموَجَّه هو الحكم العقلائي، وإن ورد ذكر «الإطلاق»، فإنما هو بمثابة تقريرٍ لعدم التقييد وظرفٍ لتفعيل تلك السيرة، لا أنّه دليلٌ مثبِتٌ مستقل.
بل إنّ تعبير «الإطلاق» في هذا المقام هو تعبيرٌ مسامحيٌّ في جوهره، وإنّ النزاعات الفنية حول الإطلاق الذاتي واللحاظي لا تُطرَح هنا أساساً. فمحصّل الأمر هو أنّ الإطلاق بهذا المعنى المخفَّف إنما يؤدي دور «المنبِّه» و«المتمِّم» للمبنى العقلائي: فموضوع حكم العقلاء هو الأمر المولوي الخالي من القيد الربطي، وإنّ مجرد عدم ذكر هذا القيد هو ظرفٌ لتفعيل السيرة العقلائية القائمة على لزوم الإطاعة والنظرة النفسية؛ لا أنّ «الإطلاق الفني» نفسه هو المتكفِّل بإثبات النفسية. وبهذا، فحيثما لم تقم قرينة معتبرة على الغيرية، فإنّ تلك «اللاقيدية الإثباتية» تكفي لتفعيل بناء العقلاء وإفادة النفسية. وعند ورود القرينة، يُرفَع اليد عن هذا الظهور العقلائي بمقدار دلالتها.
وتكمن أهمية هذا التبيين في أنّه لو حُمِل «الإطلاق» في محل البحث على معناه الاصطلاحي المبتني على مقدمات الحكمة، لكان الإشكالان اللذان أثارهما الإمام الخميني(رضوان الله تعالى عليه) جاريين:
الأول: وهو مسلك التمسك بالقدر الجامع القائل بأنّ «أصالة الإطلاق تفيد عدم الفرق بين النفسية والغيرية». وهذا المسلك غير تامّ؛ إذ إنّ هيئة الأمر من سنخ المعاني الحرفية، وفي المعاني الربطية، لا يُعقَل وجود «قدرٍ جامعٍ قابلٍ للإرادة والحمل المستقل» حتى يتكفّل الإطلاق بحمله. الثاني: وهو مسلك إثبات خصوص النفسية مباشرةً من الإطلاق. وهذا أيضاً غير تامّ؛ إذ إنّ كلاً من النفسية والغيرية قيدٌ وجودي، وكلاهما يفتقر إلى مؤونةٍ زائدة. فمجرد عدم ذكر القيد لا يتكفّل بإثبات أيٍّ منهما.
يقترح المحقق الرشتي في «بدائع الأفكار» مسلكاً آخر لإثبات النفسية، وهو أنّه متى ما صدر أمرٌ من المولى، فإنّ المتبادر من هيئة الأمر هو الوجوب النفسي التعييني العيني؛ ومن هذا التبادر نفسه يمكن الاستدلال على النفسية. حيث يقول (قده):
التنبيه الثالث [الكلام في أن المتبادر من إطلاق الأمر هو الوجوب المطلق النفسي العيني التعييني]
لا إشكال في أن المتبادر من إطلاق الأمر هو الوجوب المطلق النفسي العيني التعييني إذ قد حققنا سابقا أن المطلق إذا كان له فردان و كان فصل أحدهما نقيض فصل الآخر و لا يكون القدر الجامع بينهما قابلا لإرادة المتكلم إياه استفيد من إطلاقه كون المراد هو الفرد الخالي عن القيد فإن القدر المشترك لو كان غير قابل لأن يكون مراد المتكلّم و كان إرادة أحد الفردين يحتاج إلى بيان القيد و لم يبين يتعيّن حمله على الفرد الآخر الخالي عن القيد.[4]
والذي يبدو لنا أنّ هذا المسلك غير تامّ. أولاً: فإنّه لو كانت النفسية هي المتبادرة حقاً من «صميم الهيئة»، للزم من ذلك أن يُعَدَّ استعمال الهيئة في الغيرية استعمالاً مجازياً. إلا أن يُقال إنّ التبادر علامةٌ على الحقيقة فحسب، وإنّ عدم التبادر ليس بالضرورة علامةً على المجاز. وأما بناءً على مبنى المشهور — القائل بأنّ التبادر علامة الحقيقة، وأنّ عدم التبادر علامة عدم الحقيقة (وقرين المجازية) — فإنّ هذا الإشكال يبقى قائماً، وقد سبق تحليله في مبحث التبادر.
المسلك الثامن في إثبات النفسية هو التمسك بـ«الانصراف»؛ ومفاده أنّه متى ما وردت صيغة «افعل» ووقع التردد في كونها نفسية، قيل إنّ ظهورها — بسبب الانصراف — أقرب إلى النفسية.
بالإجمال، فقد تم استعراض ثمانية مسالك لإثبات النفسية. ومن بينها، فإنّ المسلك المعتمد هو مسلك المحقق النائيني — الذي ارتضاه المرحوم الوالد (قده) أيضاً[5] — وهو أنّ نفسية الواجب المشكوك تُستفاد من «إطلاق المادة»، لا من إطلاق الهيئة. وببيانٍ أدقّ: فعندما يتعلّق الأمر المولوي بـ«طبيعة المأمور به» وتُؤخَذ المادة بإطلاقها، فإنّ الظهور ينعقد في أنّ المطلوب هو «نفس الطبيعة»، لا الطبيعة بما هي مقدِّمةٌ لغيرها؛ وهذا الظهور هو الذي يؤمِّن وجه النفسية. وأما في المقابل، فإنّ المسالك الأخرى — كإطلاق الهيئة (لوجودية قيد النفسية وفقدان القدر الجامع)، وتبادر النفسية من صميم الهيئة، والانصراف النوعي (لعدم إحراز كثرة استعمالٍ كافية) — لم تتمّ.
صورة المسألة في القسم الأول هي كالتالي: إنّ «ذي المقدِّمة» (وهي الصلاة مثلاً) واجبٌ قطعاً، وشرط وجوبه حاصلٌ بالفعل (أي أنّ الزوال قد تحقق). و«الواجب المشكوك في غيريته» (وهو الوضوء مثلاً) هو الآخر واجبٌ قطعاً، إلا أننا لا نعلم هل وجوبه نفسيٌ أم غيري. وفي هذا الفرض، لا مجال لجريان الأصل العملي في جانب وجوب الوضوء؛ وذلك لأنّ التكليف الفعلي المتعلق بالمورد المشكوك منجَّزٌ ومقطوعٌ به، وإنما يقع التردد في وصف الحكم (نفسي/غيري) لا في أصل اشتغال الذمة.
وببيان آخر: فلا تجري البراءة (إذ لا شك في أصل التكليف)، ولا هو مجرىً للاشتغال (إذ إنّ وجوب الفعل يشمل كلا الاحتمالين). فترك الفعل في كلا التقديرين يستلزم مخالفةً قطعيةً للإلزام الفعلي: فإن كان وجوبه نفسياً، كان تركه تركاً لواجبٍ مستقل. وإن كان غيرياً، فإنّ تركه في ظرف فعلية ذي المقدِّمة يوجب عدم امتثال الإلزام المرتبط بذي المقدِّمة. فالمتحصّل هو أنّ شكّنا في هذه الصورة الأولى لا يترتب عليه «أثرٌ عملي» يصحّح جريان الأصل. وأما الثمرات المتصورة (كبقاء الإلزام بالفعل أو سقوطه بعد سقوط ذي المقدِّمة، أو نحو استحقاق العقاب المستقل على ترك المقدِّمة) فإنها ترتبط بالصورتين التاليتين.
وأما من جهة مادة الصلاة، فإنّ وجوب «الغير» (أي الصلاة) محرزٌ بالفعل، وشرط وجوبه حاصلٌ (وهو الزوال)، ووجوب «الغيري المحتمل» (كالوضوء) هو الآخر معلومٌ ثبوتاً؛ وإنما يقع الشك في كيفية النسبة: فهل الصلاة مشروطةٌ بالوضوء أم لا؟ وهذا الشك هو من سنخ «الشك في الأقل والأكثر الارتباطي» في القيود المأخوذة في متعلَّق الأمر؛ وعليه، فإنّ مجرى الأصل العملي هو «أصالة البراءة» من القيد الزائد. وبحسب تقريرنا، فإنّ كلاً من البراءة الشرعية (رفع ما لا يعلمون) والبراءة العقلية (قبح العقاب بلا بيان) يحكم بعدم اشتراط الصلاة بالوضوء؛ أي أنّ الأصل هو أنّ القيد الإضافي لم يثبت للصلاة التي قد تفعّل وجوبها.
فالمتحصّل هو أنّ الصلاة، بناءً على أصالة البراءة، لا تكون مشروطةً بالوضوء. وعليه، فإذا لم يمكن إثبات وجوب الوضوء من طريق اشتراط الصلاة، فإنّ اللازم العرفي والبناء العقلائي في هذا الباب يقتضي أن لا يكون وجوب الوضوء «غيرياً بالنسبة إلى الصلاة»، وأن يُعَدَّ بالمآل «نفسياً». وهذا الانتقال هو من سنخ «اللازم العرفي»، لا «الأصل المثبِت» المصطلح؛ وهو ما يعبِّر عنه الشيخ (قده) بـ«الواسطة الخفية» التي يربطها العرف بالنتيجة بلا واسطة، ولهذا لا يشملها المنع من مثبتات الأصول العملية. إذن، فالأصل العملي الجاري في هذه الصورة هو «البراءة من الاشتراط»، وثمرته في نسبة وجوب الوضوء هي نفي الغيرية وإثبات النفسية. وذلك مع التنبيه على أنّ الأصل ناظرٌ إلى مادة الصلاة، وأنّ نفسية الوضوء إنما تتحصّل بوصفها لازماً عرفياً لنفي هذا القيد، لا بواسطة إثباتٍ مستقل في نطاق الأصل العملي. ويشير المحقق النائيني (قده) إلى هذا المبنى بقوله:
و اما الثانى حينئذ ينبغي البحث عمّا يقتضيه الأصل العملي.
فنقول: الشّك في الوجوب الغيري له أقسام ثلاثة:
القسم الأوّل ما إذا علم بوجوب كلّ من الغير و الغيري من دون ان يكون وجوب الغير مشروطا بشرط غير حاصل،
كما إذا علم بعد الزّوال بوجوب كلّ من الوضوء و الصّلاة، و شكّ في وجوب الوضوء من حيث كونه غيريّا أو نفسيّا، ففي هذا القسم يرجع الشّك إلى الشّك في تقييد الصّلاة بالوضوء و انّه شرط لصحتها، حيث عرفت ملازمة الشّكّ في ذلك للشّك في تقييد الصّلاة، و ح يرجع الشّك بالنّسبة إلى الصّلاة إلى الشّك بين الأقلّ و الأكثر الارتباطي، و أصالة البراءة تقتضي عدم شرطيّة الوضوء للصّلاة و صحّتها بدونه، فمن هذه الجهة تكون النّتيجة النّفسيّة. و امّا من جهة تقييد وجوب الوضوء بوجوب الصّلاة فلا أثر لها، للعلم بوجوب الوضوء على كلّ حال نفسيّا كان أو غيريّا، نعم ربّما يثمر في وحدة العقاب و تعدّده عند تركه لكلّ من الوضوء و الصّلاة، و ليس كلامنا الآن في العقاب.[6]
وعليه، ففي مقام الجواب عن السؤال التالي: «هل يمكن في هذا الفرض أن نُجري البراءة من جانب «الغيري» (أي الوضوء) أيضاً، فنقول: إننا نشكّ فيما إذا كان وجوب الوضوء مقيَّداً بوجوب الصلاة أم لا، فنتمسك بأصالة البراءة من هذا التقييد؟»، فإنّ الجواب بالنفي. وذلك لأننا نعلم بوجوب الوضوء على كل حال، سواء كان نفسياً أم غيرياً، وإنما يقع التردد في وصف الحكم لا في أصل الإلزام. وفي مثل هذا المورد، لا يترتب على البراءة أثر؛ إذ إنّ الأثر العملي المشكوك (وهو سقوط الإلزام) لا يمكن نفيه بالأصل، والتكليف بالوضوء ثابتٌ على كل تقدير.
و صلّی اللّه علی محمّد و آله الطّاهرین
[2]- عبدالکریم الحائري، درر الفوائد (قم: جماعة المدرسين في الحوزة العلمیة بقم، 1418)، ج 1، 75.
[3]- روح الله خمینی، مناهج الوصول إلى علم الأصول (قم: موسسه تنظيم و نشر آثار امام خميني( ره)، 1415)، ج 1، 223.
[4]- حبیب الله رشتی، بدائع الأفکار، ۱ ج (قم: مؤسسة آل البیت(علیهم السلام) لإحیاء التراث، بیتا)، 276.
[5]- محمد فاضل موحدی لنکرانی، اصول فقه شیعه، با محمود ملکی اصفهانی و سعید ملکی اصفهانی (قم: مرکز فقهی ائمه اطهار (ع)، 1381)، ج 3، 429.
[6]- محمدحسین نائینی، فوائد الاُصول، با محمد علی کاظمی خراسانی (قم: جماعة المدرسين في الحوزة العلمیة بقم، 1376)، ج 1، 222-223.
- الحائري، عبدالکریم. درر الفوائد. ۲ ج. قم: جماعة المدرسين في الحوزة العلمیة بقم، 1418.
- خمینی، روح الله. مناهج الوصول إلى علم الأصول. قم: موسسه تنظيم و نشر آثار امام خميني( ره)، 1415.
- خمینی، مصطفی. تحریرات في الأصول. ۸ ج. قم: مؤسسه تنظيم و نشر آثار امام خمينی (س)، 1376.
- رشتی، حبیب الله. بدائع الأفکار. ۱ ج. قم: مؤسسة آل البیت (علیهم السلام) لإحیاء التراث، بیتا.
- فاضل موحدی لنکرانی، محمد. اصول فقه شیعه. با محمود ملکی اصفهانی و سعید ملکی اصفهانی. ۱۰ ج. قم: مرکز فقهی ائمه اطهار (ع)، 1381.
- نائینی، محمدحسین. فوائد الاُصول. با محمد علی کاظمی خراسانی. ۴ ج. قم: جماعة المدرسين في الحوزة العلمیة بقم، 1376.
نظری ثبت نشده است .