عربی

درس بعد

التعبدی و التوصلی

درس قبل

التعبدی و التوصلی

درس بعد

درس قبل

موضوع: الالفاظ (التعبدی و التوصلی)


تاریخ جلسه : ١٤٠٤/٢/٦


شماره جلسه : ۸۲

PDF درس صوت درس
خلاصة الدرس
  • استتمام المحقّق النّائینيّ ردّاً علی الاشتغال الیقینيّ

الجلسات الاخرى
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحيمْ
الْحَمْدُ للّه رَبِّ الْعَالَمِينْ وَصَلَى الله عَلَىٰ سَيِّدَنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ الطَّاهِرِينْ

استتمام المحقّق النّائینيّ ردّاً علی الاشتغال الیقینيّ

لقد استشکل المحقّق النّائینيّ علی الکفایة بأنّ تفکیکه بین الاشتغال و البرائة -لدی الشّکّ في اعتبار القصد للمتعلَّق- قد انبَنی علی تمییز:

1. المسبَّبات الشّرعیة -أي باب التّکالیف- حیث تَخضع للبرائة الشّرعیّة.

2. عن المسبَّباب العادّیّة حیث تَتطلَّب الاشتغال فحسب.

فرغم أنّ کلیهما یُعدّان من الشّکّ بین الأقلّ و الأکثر إلا أنّ الأسباب العادّیّة العقلیّة لا تتقبَّل البرائة إطلاقاً إذ وضعها و رفعها لیست بید الشّارع أساساً.

ثمّ استکمَل استشکاله علی البناء قائلاً:

«و أمّا فساد البناء فلأنّ باب «الملاكات و الأغراض» -كما أشرنا إليه سابقاً و أوضحناه في بحث الصّحيح و الأعمّ- أجنبيّ عن باب «المسبَّبات» بالكلّيّة و نسبة الأفعال إليها (الأغراض) نسبة المعِدّات إلى معلولاتها (بحیث إنّ الفعل یُهیِّأ الملاک المکتوم) لا نسبة الأفعال التّوليديّة إلى ما تتولّد منه (حتّی تُعدّ من باب العلّة و المعلول) و على تقدير التّسليم فترتّبها (الملاکات) على الأفعال تكوينيّ خارجيّ لا جعليّ شرعيّ بداهة أنّ الشّارع يأمر بفعل ذي مصلحة (فالمأمور به هو الفعل فحسب) لا أنّه يجعل فيه المصلحة فالمصلحة غير مجعولة (و لا مأمور بها) و المجعول هو الأمر فقط فلا تكون ملازمة بين جريان البراءة في المحصِّلات الشّرعيّة و بين جريانها في أجزاء المأمور به إذا فرض كونه من قبيل الأسباب إلى مسبّباتها فلابدّ من القول بالاشتغال عند الشّكّ في الأقلّ و الأكثر و إن قلنا بالبراءة في المحصِّلات الشّرعيّة .... إنّ هذا مبتن على لزوم تحصيل الغرض و كونِه تحت التّكليف و قد بيَّنّا بطلانه و أنّ الملاكات ليست تحت اختيار العبد و ما هو تحت اختياره نفس الفعل الّذي هو معِدّ لحصول الملاك.»

· فبسطاً لهذه النّکتة الرَّهیبة، لاحِظ «الصّلاة» الّتي تُهیِّأ و تمهِّد الظّروف کي نَنالَ «ملاک التّنهّي عن الفحشاء» إذ نفس هذا الملاک بما هو عدیمُ الطّاقة للمکلَّف و لهذا لم تتعلَّق التّکالیف و الخطابات بالأغراض النّهائیّة.

Ø و هذه النّکتة اللّامعة تُعدّ أیضاً ردّاً صارماً علی أتباع تفکیر «مقاصد الشّریعة» حیث تخیَّلوا أنّ الشّارع قد أمرهم بالغایات و الملاکات الکلّیّة فاستَنبطوا غَلطاً أنّ الشّارع قد استَوجَب کافّةَ الأمور المُنتهِیة إلی «حفظ النّفس أو العقل أو العدالة أو الکرامة الإنسانیّة أو...» بینما قد فشِلت أَدمِغَتُهم في فهم أنّ الشّارع قد حدَّد الواجبات و المحرَّمات واحدةً تلوَ الأخری بحذافیرها تماماً -لا بإعطاء ملاک کلّيّ بحت حتّی نَستخرج المقاصد- ففي امتداده قد أمَرنا تعالی بتوفیر مقدّمات القِسط و إعدادها قائلاً: «لیقومَ النّاسُ بالقِسط»[1] لا بوجوب کلّ ما یؤدّي إلی القسط -زعماً منهم- إذ الأغراض و الأهداف الشّرعیّة ربما تتحقّق و ربما لا فنظراً لذلک قد استَوجَب الأفاعیل و السّلوکیّات الاختیاریّة للإنسان بحیث ستُصبح مُعدِّات و مقتضِیات لهذه الغایات و الدّواعي غیر الاختیاریّات فإنّها محض داعیة و محرِّکة للمکلَّف -لیست إلا- لا علّة لتحقّق المعلول کما زعموه.

Ø و علی إثره أیضاً، قد أسلفنا عن المحقّق النّائینيّ -هذه المعطَیاتِ الاجتهادیّة الرّصینة- قائلاً:

«و بالجملة: 1. كلَّما كان نسبة الأثر إلى الفعل الاختياريّ نسبةَ المعلول إلى العلّة التّامة أو الجزء الأخير من العلّة، يصح تعلّق إرادة الفاعل به نحو تعلِّقها بالفعل الاختياريّ. 2. و إن كان الفعل الاختياريّ من المقدّمات الإعداديّة (المقتضیة) للأثر المقصود، فلا يمكن تعلّق إرادة الفاعل به (کإرادة دواعي الشّارع و ملاکاته) لخروجه عن تحت قدرته و اختياره، و لا يمكن تعلّق الإرادة بغير المقدور، بل الإرادة الفاعليّة مقصورة التّعلّق بالفعل الاختياريّ (فحسب) و أمّا ذلك الأثر فلا يصلَح إلاّ أن يكون داعياً للفعل الاختياريّ، فمثل صيرورة الزّرع سنبلاً انّما يكون داعياً إلى الحَرث و السّقي، فظهر الفرقُ بين باب الدّواعي (الخارجة عن طاقة البشر) و بين باب المسبِّبات التّوليديّة (المُنجِبة للأثر المتَطلَّب مباشرةً کالإحراق).»[2]

فرغمَ الإطناب الوسیع، إلا أنّها إجابة حکیمة و مستَحکَمةً تجاه أعوان «مقاصد الشّریعة» المزیَّفة حیث یَعتقِدون عکسَ ما تلوناه علیک تماماً فیَضعون الأصلَ الأساسيّ للتّکلیف هي «الملاکات و الدّواعي» غیر الاختیاریّة و یُرتّبون علیها الآثار الشّرعیّة و یُشرِّعون منها تشریعات بِدعِیّة.

فبالتّالي تَتحتَّم علینا ملاحظة «کیفیّة تحقّق الأثر النّهائيّ»:

· فلو حَقَّق لنا العنوانُ الخاصّ الأثرَ مباشرةً و بلا وسیط -بنحو العلیّة التّامة- لأصبَح «مسبِّباً تولیديّاً» بحیث سیَقدر المولی أن یأمر به تماماً، وذلک نظیر:

Ø ملاک حفظ العقل حیث قد وردت العلل المنصوصة بشأنه قائلةً: لأنّه مسکر، فحینئذ سیَتساوَی تعبیر المولی قائلاً: «لا تشرَب الخمر» -أي السّبب- أو قائلاً: «لا تَسکَر» -أي المسبَّب- فإنّ «الإسکار أو انحفاظ العقل» یُعدّ تمامَ العلّة للحکم، و حیث أصبح سبباً تولیدیّاً فأمکن تعلّق الأمر الشّرعيّ علیه أیضاً.

Ø و التّوصّلیّات حیث لا یَتفاوَت أن یُعبِّر المولی: «طهِّر ثوبک» أو یُعبِّر: «اسکُب الماءَ علیه» إذ بمجرّد أن یَتحقّق السَّبب -بأيّ نحو- فسیَتجلّی الأثر المسبَّب تلقائیّاً فیُعدّ المرء ممتثِلاً.

· و لکن لو لم یُحقِّق ذلک العنوانُ الخاصّ، الأثرَ النّهائيّ مباشرةً، لَعُدّ من «الدّواعي الباعثة و الملاکات الکامنة» لأنّه یُعتبَر جزءَ العلّة لا تمامَها، فحینئذ سنَفتقِر إلی انضمام علّة أخری أیضاً کي تُنتِج أثرَها المتطلَّب، فلأجل هذه النّقطة قد عرِّفت الدّواعي و الملاکات، بالمقتضِیات و الفوائد المَزروعة في العمل، فنظراً لمجرّد داعویّتها، لم یَتعلَّق بها التّکلیف و لم نؤمَر بآثارها «کتحصیل المعراجیّة أو القربیّة أو....» و لم یَحِقّ لنا أن نَعتبرَها مصدراً تشریعیّاً کما زعمه أصحاب «مقاصد الشّریعة» لأنّها خارجة عن إدراک البشر -لنقصان عقله لإدراک أبعادها-[3] و لهذا تُعدّ مجرّدَ داع و محرِّک للمکلَّف بنحو العلّة الإعدادیّة -لا العلّیّة التّامّة للتّکلیف.

Ø فلو رأینا المولی -صُدفة- آمِراً بالدّواعي و الملاکات، لَتوجَّب حملُه علی «تحصیل مقدِّماتها التي قد علَّمَنا» فحینما:

- أوصانا تعالی «بالذّکر الکثیر» قائلاً: «یاأیها الّذین آمنوا اذکروا الله ذکراً کثیراً» فقد نقَّح کیفیَّة هذا العنوان أیضاً بتسبیحات الزّهراء علیها السّلام و بسائر الأدعیة الشّریفة.

- و استَوجَب تعالی ملاک «التّقوی» فلم یَقصِد امتثالَه بأيّ شَکل و بنحو العلیّة التّامّة، کلا، بل قد دعا المکلّف لإعداد مقدّماته التّوقیفیّة -کالصّلاة و تجنّب المحرَّمات- فإنّها تُعدّ جزءَ العلّة للتّقوی، لأنّ «أثر التّقوی» لیس بید المکلَّف و لا یتحقّق بسرعة کالأسباب التّولیدیّة المذکورة.

- ألزَمنا بملاک «عدم الضّرر و الإضرار» فقد نَبَّهنا بأنّه داع و مقتضٍ صِرف بحیث لا یُسوِّغ لنا أنّ نُشرِّع تحریم «کلّ ضرر» کما یَصنعه أصحاب «مقاصد الشّریعة» بل «الضّرر المعتدّ به عقلائیّاً» -کالإهلاک- فهو المحرَّم جزماً لأنّه یُولِّد الأثرَ مباشرةً و بلا توسیط علّة، فیَندرج ضمن الأسباب التّولیدیّة و یَتعلّق به الحکم الشّرعيّ.

- أجل، ثمّة مائز رئیسيّ ما بین عقیدة «مقاصد الشّریعة» و بین منهاج «مداق الشّریعة» فإنّ الفقیه سیَستشِمّ فیَستَیقِن من الثّاني الحکم الشّرعيّ عبرَ استقصائه لکافّة أبعاده الفقهیّة و الإلمام التّامّ بالفروعات الشّرعیّة و نَماذجه الدّانیة واحدةً تلوَ الأخری ثمّ یَتذوَّق أخیراً مَذاق الشّارع في تلک المسألة المحدَّدة فقط،[4] بینما ذَوُوا المقاصد، یَتَّکئون منذ البدایة علی الغایات و الملاکات کمقیاس رئیسيّ شاسع ثمّ یُطبِّقونها علی الفروعات -عکسَ المَذاق الشّرعيّ- کطَرح الأحکام المضادَّة للعدالة و للکرامة و للعقل و... و استِأصالِه تماماً.

و حسماً للحوار، حینما استنتَج المحقّق النّائینيّ هذه النّکاتِ اللَّامعات، فشَرَع في تطبیقها علی مبحث الشّکّ في التّعبّديّ و التّوصّليّ قائلاً:

«و لو سلمنا كونه تحت الاختيار و انه المسبب للفعل الخارجي فقد بينا في بحث الصحيح و الأعم انه كلما كان هناك مسبب توليدي يكون تحت الاختيار فلا محالة يكون هو المأمور به حقيقة و لو فرض كون السبب في لسان الشارع مأموراً به فلا محالة يتقيد المأمور به بالمسبب قهراً ضرورة انه لا فرق بين امر المولى بالإحراق و امره بالإلقاء مثلا فان الأمر بالإحراق امر بالإلقاء كما ان الأمر بالإلقاء امر بالإحراق لا محالة فإذا شك في دخل شيء في السبب فلا محالة لا تجري البراءة[5] و يكون مقتضى القاعدة هو الاشتغال»[6]

------------------------------
[1] سورة الحدید الآیة 25.
[2] فوائد الأصول ج1 ص67-70.
[3] فنظراً لقصور عقل البَشر المحدود، قد حدَّد لنا الشّارع -منذ البدایة- أسالیبَ التّقرّب و التّعبّد و التّذکّر و السّلوک الصّائب کتسبیحة الزّهراء سلام الله علیها و کأفعال الصّلاة و أعمال الصّیام و الزّکاة و الاعتکاف و... (الأستاذ المبجَّل).
[4] و قد مثَّل الأستاذ المعظَّم للشَّم الفقاهيّ و المذاق الشّرعيّ قائلاً: «نظیر تحریم الضّرر المحتمَل -إضافة إلی دلیله العقليّ- و نظیر انزعاج الصائم و تأذّیه من صومه کألَم الرّأس و الصّداع، و نظیر تقدیم عطش الحیوان علی الغسل و الوضوء، و نظیر انعدام مرجعیّة المرأة و جهادها و قضائها و... »
[5]  نسبة الواجبات إلى الأغراض و ان كانت نسبة الأسباب إلى مسبباتها على الأصح إلاّ ان ذلك لا يمنع من الرجوع إلى البراءة في ظرف الشك فان تطبيق ما يفي بغرض المولى على ما امر به انما هو وظيفته و لا يجب على العبد بحكم العقل إلاّ الإتيان بما امر المولى به و اما الزائد على ذلك مما يحتمل دخله في غرض المولى فاحتمال العقاب على تركه يدفع بحكم العقل بقبح العقاب بلا بيان و انتظر لذلك مزيد بيان في محله إن شاء اللّٰه تعالى
[6] نایینی محمدحسین. أجود التقریرات. Vol. 1. ص120-121 قم - ایران: کتابفروشی مصطفوی.


بِسْمِ اللهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحيمْ
الْحَمْدُ للّه رَبِّ الْعَالَمِينْ وَصَلَى الله عَلَىٰ سَيِّدَنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ الطَّاهِرِينْ

استتمام المحقّق النّائینيّ ردّاً علی الاشتغال الیقینيّ

لقد استشکل المحقّق النّائینيّ علی الکفایة بأنّ تفکیکه بین الاشتغال و البرائة -لدی الشّکّ في اعتبار القصد للمتعلَّق- قد انبَنی علی تمییز:

1. المسبَّبات الشّرعیة -أي باب التّکالیف- حیث تَخضع للبرائة الشّرعیّة.

2. عن المسبَّباب العادّیّة حیث تَتطلَّب الاشتغال فحسب.

فرغم أنّ کلیهما یُعدّان من الشّکّ بین الأقلّ و الأکثر إلا أنّ الأسباب العادّیّة العقلیّة لا تتقبَّل البرائة إطلاقاً إذ وضعها و رفعها لیست بید الشّارع أساساً.

ثمّ استکمَل استشکاله علی البناء قائلاً:

«و أمّا فساد البناء فلأنّ باب «الملاكات و الأغراض» -كما أشرنا إليه سابقاً و أوضحناه في بحث الصّحيح و الأعمّ- أجنبيّ عن باب «المسبَّبات» بالكلّيّة و نسبة الأفعال إليها (الأغراض) نسبة المعِدّات إلى معلولاتها (بحیث إنّ الفعل یُهیِّأ الملاک المکتوم) لا نسبة الأفعال التّوليديّة إلى ما تتولّد منه (حتّی تُعدّ من باب العلّة و المعلول) و على تقدير التّسليم فترتّبها (الملاکات) على الأفعال تكوينيّ خارجيّ لا جعليّ شرعيّ بداهة أنّ الشّارع يأمر بفعل ذي مصلحة (فالمأمور به هو الفعل فحسب) لا أنّه يجعل فيه المصلحة فالمصلحة غير مجعولة (و لا مأمور بها) و المجعول هو الأمر فقط فلا تكون ملازمة بين جريان البراءة في المحصِّلات الشّرعيّة و بين جريانها في أجزاء المأمور به إذا فرض كونه من قبيل الأسباب إلى مسبّباتها فلابدّ من القول بالاشتغال عند الشّكّ في الأقلّ و الأكثر و إن قلنا بالبراءة في المحصِّلات الشّرعيّة .... إنّ هذا مبتن على لزوم تحصيل الغرض و كونِه تحت التّكليف و قد بيَّنّا بطلانه و أنّ الملاكات ليست تحت اختيار العبد و ما هو تحت اختياره نفس الفعل الّذي هو معِدّ لحصول الملاك.»

· فبسطاً لهذه النّکتة الرَّهیبة، لاحِظ «الصّلاة» الّتي تُهیِّأ و تمهِّد الظّروف کي نَنالَ «ملاک التّنهّي عن الفحشاء» إذ نفس هذا الملاک بما هو عدیمُ الطّاقة للمکلَّف و لهذا لم تتعلَّق التّکالیف و الخطابات بالأغراض النّهائیّة.

Ø و هذه النّکتة اللّامعة تُعدّ أیضاً ردّاً صارماً علی أتباع تفکیر «مقاصد الشّریعة» حیث تخیَّلوا أنّ الشّارع قد أمرهم بالغایات و الملاکات الکلّیّة فاستَنبطوا غَلطاً أنّ الشّارع قد استَوجَب کافّةَ الأمور المُنتهِیة إلی «حفظ النّفس أو العقل أو العدالة أو الکرامة الإنسانیّة أو...» بینما قد فشِلت أَدمِغَتُهم في فهم أنّ الشّارع قد حدَّد الواجبات و المحرَّمات واحدةً تلوَ الأخری بحذافیرها تماماً -لا بإعطاء ملاک کلّيّ بحت حتّی نَستخرج المقاصد- ففي امتداده قد أمَرنا تعالی بتوفیر مقدّمات القِسط و إعدادها قائلاً: «لیقومَ النّاسُ بالقِسط»[1] لا بوجوب کلّ ما یؤدّي إلی القسط -زعماً منهم- إذ الأغراض و الأهداف الشّرعیّة ربما تتحقّق و ربما لا فنظراً لذلک قد استَوجَب الأفاعیل و السّلوکیّات الاختیاریّة للإنسان بحیث ستُصبح مُعدِّات و مقتضِیات لهذه الغایات و الدّواعي غیر الاختیاریّات فإنّها محض داعیة و محرِّکة للمکلَّف -لیست إلا- لا علّة لتحقّق المعلول کما زعموه.

Ø و علی إثره أیضاً، قد أسلفنا عن المحقّق النّائینيّ -هذه المعطَیاتِ الاجتهادیّة الرّصینة- قائلاً:

«و بالجملة: 1. كلَّما كان نسبة الأثر إلى الفعل الاختياريّ نسبةَ المعلول إلى العلّة التّامة أو الجزء الأخير من العلّة، يصح تعلّق إرادة الفاعل به نحو تعلِّقها بالفعل الاختياريّ. 2. و إن كان الفعل الاختياريّ من المقدّمات الإعداديّة (المقتضیة) للأثر المقصود، فلا يمكن تعلّق إرادة الفاعل به (کإرادة دواعي الشّارع و ملاکاته) لخروجه عن تحت قدرته و اختياره، و لا يمكن تعلّق الإرادة بغير المقدور، بل الإرادة الفاعليّة مقصورة التّعلّق بالفعل الاختياريّ (فحسب) و أمّا ذلك الأثر فلا يصلَح إلاّ أن يكون داعياً للفعل الاختياريّ، فمثل صيرورة الزّرع سنبلاً انّما يكون داعياً إلى الحَرث و السّقي، فظهر الفرقُ بين باب الدّواعي (الخارجة عن طاقة البشر) و بين باب المسبِّبات التّوليديّة (المُنجِبة للأثر المتَطلَّب مباشرةً کالإحراق).»[2]

فرغمَ الإطناب الوسیع، إلا أنّها إجابة حکیمة و مستَحکَمةً تجاه أعوان «مقاصد الشّریعة» المزیَّفة حیث یَعتقِدون عکسَ ما تلوناه علیک تماماً فیَضعون الأصلَ الأساسيّ للتّکلیف هي «الملاکات و الدّواعي» غیر الاختیاریّة و یُرتّبون علیها الآثار الشّرعیّة و یُشرِّعون منها تشریعات بِدعِیّة.

فبالتّالي تَتحتَّم علینا ملاحظة «کیفیّة تحقّق الأثر النّهائيّ»:

· فلو حَقَّق لنا العنوانُ الخاصّ الأثرَ مباشرةً و بلا وسیط -بنحو العلیّة التّامة- لأصبَح «مسبِّباً تولیديّاً» بحیث سیَقدر المولی أن یأمر به تماماً، وذلک نظیر:

Ø ملاک حفظ العقل حیث قد وردت العلل المنصوصة بشأنه قائلةً: لأنّه مسکر، فحینئذ سیَتساوَی تعبیر المولی قائلاً: «لا تشرَب الخمر» -أي

السّبب- أو قائلاً: «لا تَسکَر» -أي المسبَّب- فإنّ «الإسکار أو انحفاظ العقل» یُعدّ تمامَ العلّة للحکم، و حیث أصبح سبباً تولیدیّاً فأمکن تعلّق الأمر الشّرعيّ علیه أیضاً.

Ø و التّوصّلیّات حیث لا یَتفاوَت أن یُعبِّر المولی: «طهِّر ثوبک» أو یُعبِّر: «اسکُب الماءَ علیه» إذ بمجرّد أن یَتحقّق السَّبب -بأيّ نحو- فسیَتجلّی الأثر المسبَّب تلقائیّاً فیُعدّ المرء ممتثِلاً.

· و لکن لو لم یُحقِّق ذلک العنوانُ الخاصّ، الأثرَ النّهائيّ مباشرةً، لَعُدّ من «الدّواعي الباعثة و الملاکات الکامنة» لأنّه یُعتبَر جزءَ العلّة لا تمامَها، فحینئذ سنَفتقِر إلی انضمام علّة أخری أیضاً کي تُنتِج أثرَها المتطلَّب، فلأجل هذه النّقطة قد عرِّفت الدّواعي و الملاکات، بالمقتضِیات و الفوائد المَزروعة في العمل، فنظراً لمجرّد داعویّتها، لم یَتعلَّق بها التّکلیف و لم نؤمَر بآثارها «کتحصیل المعراجیّة أو القربیّة أو....» و لم یَحِقّ لنا أن نَعتبرَها مصدراً تشریعیّاً کما زعمه أصحاب «مقاصد الشّریعة» لأنّها خارجة عن إدراک البشر -لنقصان عقله لإدراک أبعادها-[3] و لهذا تُعدّ مجرّدَ داع و محرِّک للمکلَّف بنحو العلّة الإعدادیّة -لا العلّیّة التّامّة للتّکلیف.

Ø فلو رأینا المولی -صُدفة- آمِراً بالدّواعي و الملاکات، لَتوجَّب حملُه علی «تحصیل مقدِّماتها التي قد علَّمَنا» فحینما:

- أوصانا تعالی «بالذّکر الکثیر» قائلاً: «یاأیها الّذین آمنوا اذکروا الله ذکراً کثیراً» فقد نقَّح کیفیَّة هذا العنوان أیضاً بتسبیحات الزّهراء علیها السّلام و بسائر الأدعیة الشّریفة.

- و استَوجَب تعالی ملاک «التّقوی» فلم یَقصِد امتثالَه بأيّ شَکل و بنحو العلیّة التّامّة، کلا، بل قد دعا المکلّف لإعداد مقدّماته التّوقیفیّة -کالصّلاة و تجنّب المحرَّمات- فإنّها تُعدّ جزءَ العلّة للتّقوی، لأنّ «أثر التّقوی» لیس بید المکلَّف و لا یتحقّق بسرعة کالأسباب التّولیدیّة المذکورة.

- ألزَمنا بملاک «عدم الضّرر و الإضرار» فقد نَبَّهنا بأنّه داع و مقتضٍ صِرف بحیث لا یُسوِّغ لنا أنّ نُشرِّع تحریم «کلّ ضرر» کما یَصنعه أصحاب «مقاصد الشّریعة» بل «الضّرر المعتدّ به عقلائیّاً» -کالإهلاک- فهو المحرَّم جزماً لأنّه یُولِّد الأثرَ مباشرةً و بلا توسیط علّة، فیَندرج ضمن الأسباب التّولیدیّة و یَتعلّق به الحکم الشّرعيّ.

- أجل، ثمّة مائز رئیسيّ ما بین عقیدة «مقاصد الشّریعة» و بین منهاج «مداق الشّریعة» فإنّ الفقیه سیَستشِمّ فیَستَیقِن من الثّاني الحکم الشّرعيّ عبرَ استقصائه لکافّة أبعاده الفقهیّة و الإلمام التّامّ بالفروعات الشّرعیّة و نَماذجه الدّانیة واحدةً تلوَ الأخری ثمّ یَتذوَّق أخیراً مَذاق الشّارع في تلک المسألة المحدَّدة فقط،[4] بینما ذَوُوا المقاصد، یَتَّکئون منذ البدایة علی الغایات و الملاکات کمقیاس رئیسيّ شاسع ثمّ یُطبِّقونها علی الفروعات -عکسَ المَذاق الشّرعيّ- کطَرح الأحکام المضادَّة للعدالة و للکرامة و للعقل و... و استِأصالِه تماماً.

و حسماً للحوار، حینما استنتَج المحقّق النّائینيّ هذه النّکاتِ اللَّامعات، فشَرَع في تطبیقها علی مبحث الشّکّ في التّعبّديّ و التّوصّليّ قائلاً:

«و لو سلمنا كونه تحت الاختيار و انه المسبب للفعل الخارجي فقد بينا في بحث الصحيح و الأعم انه كلما كان هناك مسبب توليدي يكون تحت الاختيار فلا محالة يكون هو المأمور به حقيقة و لو فرض كون السبب في لسان الشارع مأموراً به فلا محالة يتقيد المأمور به بالمسبب قهراً ضرورة انه لا فرق بين امر المولى بالإحراق و امره بالإلقاء مثلا فان الأمر بالإحراق امر بالإلقاء كما ان الأمر بالإلقاء امر بالإحراق لا محالة فإذا شك في دخل شيء في السبب فلا محالة لا تجري البراءة[5] و يكون مقتضى القاعدة هو الاشتغال»[6]

------------------------------
[1] سورة الحدید الآیة 25.
[2] فوائد الأصول ج1 ص67-70.
[3] فنظراً لقصور عقل البَشر المحدود، قد حدَّد لنا الشّارع -منذ البدایة- أسالیبَ التّقرّب و التّعبّد و التّذکّر و السّلوک الصّائب کتسبیحة الزّهراء سلام الله علیها و کأفعال الصّلاة و أعمال الصّیام و الزّکاة و الاعتکاف و... (الأستاذ المبجَّل).
[4] و قد مثَّل الأستاذ المعظَّم للشَّم الفقاهيّ و المذاق الشّرعيّ قائلاً: «نظیر تحریم الضّرر المحتمَل -إضافة إلی دلیله العقليّ- و نظیر انزعاج الصائم و تأذّیه من صومه کألَم الرّأس و الصّداع، و نظیر تقدیم عطش الحیوان علی الغسل و الوضوء، و نظیر انعدام مرجعیّة المرأة و جهادها و قضائها و... »
[5]  نسبة الواجبات إلى الأغراض و ان كانت نسبة الأسباب إلى مسبباتها على الأصح إلاّ ان ذلك لا يمنع من الرجوع إلى البراءة في ظرف الشك فان تطبيق ما يفي بغرض المولى على ما امر به انما هو وظيفته و لا يجب على العبد بحكم العقل إلاّ الإتيان بما امر المولى به و اما الزائد على ذلك مما يحتمل دخله في غرض المولى فاحتمال العقاب على تركه يدفع بحكم العقل بقبح العقاب بلا بيان و انتظر لذلك مزيد بيان في محله إن شاء اللّٰه تعالى
[6] نایینی محمدحسین. أجود التقریرات. Vol. 1. ص120-121 قم - ایران: کتابفروشی مصطفوی.


الملصقات :


نظری ثبت نشده است .