عربی

درس بعد

التعبدی و التوصلی

درس قبل

التعبدی و التوصلی

درس بعد

درس قبل

موضوع: الالفاظ (التعبدی و التوصلی)


تاریخ جلسه : ١٤٠٤/١/١٧


شماره جلسه : ۷۲

PDF درس صوت درس
خلاصة الدرس
  • تغایر بیانات الشّیخ الکرباسيّ عمّا انتُسِب إلیه

  • انتقاد المحقّق الخوئيّ تجاه الشّیخ الکرباسيّ

الجلسات الاخرى

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحيمْ
الْحَمْدُ للّه رَبِّ الْعَالَمِينْ وَصَلَى الله عَلَىٰ سَيِّدَنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ الطَّاهِرِينْ

تغایر بیانات الشّیخ الکرباسيّ عمّا انتُسِب إلیه

لو أمعَنّا في بیانات الشّیخ الکرباسيّ لألفَیناه مغایِراً تماماً لِما سرَده المحقّقان النّائینيّ و الخوئيّ عنه، فإنّ برهانه لم یَتألّف من الصّغری و الکبری المزبورَین أساساً -بأنّ العقل یَستوجب تحصیل غرض المولی بداعي نفس أمره- بل قد صاغَ استدلاله بأسلوب متمایِز -تجاه أصالة التّعبّد- قائلاً:

«في أنّ الأصل فى الأوامر أن يكون متعلّقها عبادةً لا معاملة، إشارة: الأصل فى الأوامر ايجاباً أو ندباً أن يكون متعلّقها عبادة لا معاملةً (أي توصّلیّةً) فإنّ صدق الامتثال فى الأوامر عرفاً لا يحصل إلّا بقصد الامتثال (و نیّة نفس الأمر، إذن لم یَتحدّث الکرباسيّ أبداً حول إدراک العقل لتحصیل الغرض و أضرابه کما زعمه المحقّقان النّائینيّ و الخوئيّ) فلو أمر المولى عبدَه بشيء فأتى به من باب تَشهّي نفسه من دون ملاحظة أمر مولاه أو أتى به بقصد أن يَقتل مولاه أو بَنى على مخالفته ثمّ نسي أمر مولاه و أتى به من دون أن يَخطر بباله أمره أو طلَب منه ذلك الشّيئ عدوُّ مولاه فأتى به لذلك لا من جهة أنّ مولاه أمره به، لا يُعدّ في شيء منها ممتثلاً قطعاً (نظراً للرّؤیة العرفیّة حیث لا تَحسَبه مطیعاً إذ لم یَمتثل بداعي الأمر) و أيضاً النّاسى و الغافل لا يكونان مأمورين كما يأتي و الشاعر للأمر لو لم يَعتبر فى امتثاله القصدَ كفاه إيقاع الفعل مطلقاً و لو كان مستهزئاً».[1]

فبالنّهایة لم یَستعرِض الکرباسيّ «أبحاث تحقیق الغرض بواسطة الإدراک العقليّ» نهائیّاً.

و قد انتَبه الشّیخ حسین الحليّ لهذه الغَلطة الواقعة فعَلَّق علی مقالة أستاذه النّائینيّ قائلاً:

«يَنبغي نقل ما حرَّرته عنه قدّس سرّه فلعلّه أوضح أو أخصَر (قیاساً بالفوائد و الأجود) و هذا نصّه: استدلّ صاحب الإشارات على ما اختاره من أصالة التّعبّد بوجهين: أحدهما: أنّ الأمر حقيقتَه بعث إرادة العبد و تحريكها نحو الفعل (بلا دخل للغرض أساساً و إنّما هویّة الأمر هي الإبعاث فحسب) فلابدّ أن تكون إرادة العبد منبعِثةً عن (نفس) الأمر و هو معنى كونه بداعي الأمر (فبالتّالي ستَتسجَّل أصالة تعبّدیّة الأوامر لدی الشّکّ إذ أمر المولی هو الّذي وجَّهه نحوَ الامتثال فیَتوجَب إنجاز العمل بنفس هذا الدّاعي أیضاً)».[2]

و لکن سنَتنازَل الآن و نَتماشی مع نقل المحقّقین النّائینيّ و الخوئيّ و نَفترض تمامیّة «إدراک العقل بتحصیل غرض المولی مع داعي نفس الأمر» إلا أنّ هذه النّقطة تُعاني إشکالاً نیِّراً:

· أوّلاً: إنّ المسلَّم لدی الکرباسيّ هو الشّقّ الأوّل -وفقاً لتشقیق المحقّق النّائینيّ- فإنّ ظاهر عبارته أنّ المولی سیُحرِّک العبد و یضع الفعل علی عهدته، فلم یَتقصَّد الکرباسيّ الشّقّ الثّانيَ أساساً -بأن یَهدف المولی إلی الامتثال مع داعي أمر نفسه لا بداعٍ آخر- بل ظاهر حوار الکرباسيّ یَحول حول الشّقّ الأوّل فحسب-.[3]

· ثانیاً: إنّا لم نَستخرِج الصّغری -الّذي استَذکرها صاحب الأجود- من خلال بیانات الکرباسيّ إذ المتیقَّن من إصدار الأوامر هو أن یتحقّق خارجاً و أمّا أنّ «دخالة الدّاعي ضمن الفعل» فعدیمة الدّلیل إذ لم نَستَنبط أنّ المولی أراد الامتثال بداعي أمره بلا داع آخر، فمن ثَمّ سیَتشارک التّوصّليّ مع التّعبّديّ من هذا البُعد -أي تحقیق أمر المولی و المحرّکیّة-.

انتقاد المحقّق الخوئيّ تجاه الشّیخ الکرباسيّ

و تلوَ اعتراضات المحقّق النّائینيّ سنَتناوَل الآن مناقشات المحقّق الخوئيّ -تجاه أصالة التّعبدیّة- قائلاً:

«و لنأخذ بالنّقد عليه:

· أمّا أوّلاً: فلأنّ الغرض من الأمر يستحيل أن يكون داعويّته إلى إيجاد المأمور به في الخارج و محرّكيّته نحوَه «ضرورة أنّ ما هو غرض منه لابدّ أن يكون مترتّباً عليه دائماً في الخارج و لا يتخلَّف عنه» و من الطّبيعيّ أنّ وجود المأمور به في الخارج فضلاً عن كون الأمر داعياً إليه ربما يكون و ربما لا يكون، و عليه فكيف يمكن أن يقال: إنّ الغرض من الأمر إنّما هو جعل الدّاعي إلى المأمور به، فإذن لا مناص من القول بكون الغرض من الأمر هو إمكان داعويّته نحو الفعل المأمور به على تقدير وصوله إلى المكلّف و علمه به، و هذا لا يتخلّف عن طبيعيّ الأمر فلا معنى عندئذ لوجوب تحصيله على المكلّف. هذا من ناحية، و من ناحية أخرى أنّ هذا الغرض مشترك فيه بين الواجبات التّعبّديّة و التّوصّليّة فلا فرق بينهما من هذه النّاحية، و أجنبيّ عن التّعبّديّة بالمعنى المبحوث عنه في المقام. (إذن فلا نتعقَّل بأنّ تُعدّ المحرّکیّة هي غرض الآمر إذ الغرض مرافِق دوماً مع الأمر، بینما نُشاهد انفکاکهما حیث تارة یَنبعث المکلَّف و تارة لا).

و لکن نُفنِّد استدلاله التّالیة: «ضرورة أنّ ما هو غرض منه لابدّ أن يكون مترتّباً عليه (الأمر) دائماً في الخارج و لا يتخلّف عنه» فکیف أثبتَ بأنّ الأمر یُعدّ محرِّکاً دوماً؟ فإنّ الأمر الفعليّ لا یَبعث المکلَّف حتماً و دوماً إذ یُعقل انفکاک الغرض عن التّحقّق الخارجي فربّ أمر لم یتحقّق غرضه فهل یَعني ذلک أنّ المولی عدیم الغرض؟ أجل لو فسَّرنا الغرض بإمکان داعویّته و دوام تحریکه نحوَ الامتثال، لأصبح الأمر بذاته الخالص محرِّکاً دوماً و لکنّ هذا الشّقّ لا یُمیِّز التّوصّلیّة عن التّعبّدیّة.

· و أمّا ثانیاً: فلو سلّمنا أنّ غرض المولى من أمره ذلك (التّحریک) إلّا أنّه لا يجب على العبد تحصيله «ضرورة أنّ الواجب عليه بحكم العقل إنّما هو تحصيل غرضه المترتّب على وجود المأمور به في الخارج دون غرضه المترتب على أمره» (فبالتّالي لا یَتوجَّب تحصیل غرض الأمر) على أنّه (الأمر) طريق محض (و محرِّک) إلى ما هو الغرض من المأمور به فلا موضوعيّة له في مقابله أصلاً كي يجب تحصيله و قد عرفت أنّ العقل إنّما يحكم بوجوب الإتيان بالمأمور به خارجاً و إطاعة ما تعلَّق به الأمر و تحصيل غرضه دون غيره و على هذا حيث إنّ المأمور به مطلق و غير مقيّد بداعي القربة فلا يحكم العقل إلّا بوجوب إتيانه كذلك. و أضف إليه أنّ هذا الغرض لا يكون نقطة امتياز بين التّعبديّات و التّوصّليّات لاشتراكهما فيه و عدم الفرق بينهما في ذلك أصلاً فالنّتيجة أنّ هذا الغرض أجنبيّ عن اعتبار قصد القربة في متعلّق الأمر فإذن لا يبقى مجال للاستدلال بهذا الوجه على أصالة التّعبّديّة.»[4]

و لکن نَخدش برهانه التّالي: «ضرورةَ أنّ الواجب عليه بحكم العقل إنّما هو تحصيل غرضه المترتّب على وجود المأمور به في الخارج دون غرضه المترتّب على أمره» من أین التَقط السّیّد غرضین للمولی؟ فإنّ المستدلّ -وفقاً لتقریر الأجود و...- قد صرَّح بمحرّکیّة الأمر فلم یُفکِّک أساساً ما بین «الأمر و المأمور به» بل حینما أمره بالصّلاة فبنفس الحین قد حرَّکه إلی «الأمر و المأمور به معاً» فبالتّالي سیُعدّ الغرض موحَّداً في کلیهما، أجل قد توفَّرت القرینة في الأوامر الامتحانیّة باثنینیّة الغرض -أي مصلحة في الأمر و مصلحة في المأمور به-.

و لکن بالنّهایة، إنّ الّذي یُنجّینا من هذه النّقاشات هو أنّ نوعیّة استدلال الشّیخ الکرباسيّ و قالَب بیاناته متفاوتة تماماً عمّا طرَح هؤلاء الأعاظم، و لهذا سنُهاجم نصَّ بیاناته ضمن الإشارات بإشکالات أُخَر لاحقاً.

-----------------------
[1] کرباسيّ محمدابراهیم بن محمدحسن. إشارات الأصول. ص112. ایران.
[2] حلی حسین بن علی. أصول الفقه (الحلي). Vol. 1. ص466 قم - ایران: مکتبة الفقه و الاصول المختصه.
[3] و لکن نُجیب الأستاذ المعظَّم بأنّ الشّیخ الکرباسيّ قد صرّح أیضاً بالشّقّ الثّاني و أکَّد بأنّ المکلَّف لو أنجزَ المهمّةَ بلا قصد المولی و امتثاله فلا یُجدیه نفعاً، فتحدَّث قائلاً: «فلو أمر المولى عبدَه بشيء فأتى به من باب تَشهّي نفسه من دون ملاحظة أمر مولاه أو أتى به بقصد أن يَقتل مولاه أو بَنى على مخالفته ثمّ نسي أمر مولاه و أتى به من دون أن يَخطر بباله أمره أو طلَب منه ذلك الشّيئ عدوُّ مولاه فأتى به لذلك لا من جهة أنّ مولاه أمره به، لا يُعدّ في شيء منها ممتثلاً قطعاً» (کرباسيّ محمدابراهیم بن محمدحسن. إشارات الأصول. ص112. ایران.)
[4] خوئی ابوالقاسم. محاضرات في أصول الفقه (الخوئي). Vol. 2. ص189-190 قم - ایران: انصاريان.
و قد ألحَّ المحقّق الخوئيّ علی هذه الاعتراضیّة أیضاً ضمن حاشیة الأجود قائلاً: «الصحيح في الجواب ان يقال ان الغرض من الأمر مضافاً إلى انه لا يجب تحصيله - و انما هو طريق محض إلى ما هو الغرض من المأمور به ان محركية الأمر نحو المأمور به و جعله داعياً إلى إيجاده لا يعقل ان تكون غرضاً من الأمر ضرورة ان ما هو غرض منه لا بد و ان يكون مترتباً عليه خارجاً دائماً و من الواضح ان وجود المأمور به في الخارج فضلا عن كون الأمر داعياً إليه ربما يكون في الخارج و ربما لا يكون فكيف يمكن ان يقال ان الغرض من الأمر انما هو جعله داعياً إلى المأمور به و عليه فلا مناص من كون الغرض من الأمر هو إمكان كونه داعياً إلى إيجاد المأمور به على تقدير وصوله إلى المكلف و هذا امر يشترك فيه التعبديات و التوصليات فلا يبقى مجال الاستدلال على أصالة التعبدية من ناحية الغرض » (نایینی محمدحسین. أجود التقریرات. Vol. 1. ص113 قم - ایران: کتابفروشی مصطفوی.)



بِسْمِ اللهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحيمْ
الْحَمْدُ للّه رَبِّ الْعَالَمِينْ وَصَلَى الله عَلَىٰ سَيِّدَنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ الطَّاهِرِينْ

تغایر بیانات الشّیخ الکرباسيّ عمّا انتُسِب إلیه

لو أمعَنّا في بیانات الشّیخ الکرباسيّ لألفَیناه مغایِراً تماماً لِما سرَده المحقّقان النّائینيّ و الخوئيّ عنه، فإنّ برهانه لم یَتألّف من الصّغری و الکبری المزبورَین أساساً -بأنّ العقل یَستوجب تحصیل غرض المولی بداعي نفس أمره- بل قد صاغَ استدلاله بأسلوب متمایِز -تجاه أصالة التّعبّد- قائلاً:

«في أنّ الأصل فى الأوامر أن يكون متعلّقها عبادةً لا معاملة، إشارة: الأصل فى الأوامر ايجاباً أو ندباً أن يكون متعلّقها عبادة لا معاملةً (أي توصّلیّةً) فإنّ صدق الامتثال فى الأوامر عرفاً لا يحصل إلّا بقصد الامتثال (و نیّة نفس الأمر، إذن لم یَتحدّث الکرباسيّ أبداً حول إدراک العقل لتحصیل الغرض و أضرابه کما زعمه المحقّقان النّائینيّ و الخوئيّ) فلو أمر المولى عبدَه بشيء فأتى به من باب تَشهّي نفسه من دون ملاحظة أمر مولاه أو أتى به بقصد أن يَقتل مولاه أو بَنى على مخالفته ثمّ نسي أمر مولاه و أتى به من دون أن يَخطر بباله أمره أو طلَب منه ذلك الشّيئ عدوُّ مولاه فأتى به لذلك لا من جهة أنّ مولاه أمره به، لا يُعدّ في شيء منها ممتثلاً قطعاً (نظراً للرّؤیة العرفیّة حیث لا تَحسَبه مطیعاً إذ لم یَمتثل بداعي الأمر) و أيضاً النّاسى و الغافل لا يكونان مأمورين كما يأتي و الشاعر للأمر لو لم يَعتبر فى امتثاله القصدَ كفاه إيقاع الفعل مطلقاً و لو كان مستهزئاً».[1]

فبالنّهایة لم یَستعرِض الکرباسيّ «أبحاث تحقیق الغرض بواسطة الإدراک العقليّ» نهائیّاً.

و قد انتَبه الشّیخ حسین الحليّ لهذه الغَلطة الواقعة فعَلَّق علی مقالة أستاذه النّائینيّ قائلاً:

«يَنبغي نقل ما حرَّرته عنه قدّس سرّه فلعلّه أوضح أو أخصَر (قیاساً بالفوائد و الأجود) و هذا نصّه: استدلّ صاحب الإشارات على ما اختاره من أصالة التّعبّد بوجهين: أحدهما: أنّ الأمر حقيقتَه بعث إرادة العبد و تحريكها نحو الفعل (بلا دخل للغرض أساساً و إنّما هویّة الأمر هي الإبعاث فحسب) فلابدّ أن تكون إرادة العبد منبعِثةً عن (نفس) الأمر و هو معنى كونه بداعي الأمر (فبالتّالي ستَتسجَّل أصالة تعبّدیّة الأوامر لدی الشّکّ إذ أمر المولی هو الّذي وجَّهه نحوَ الامتثال فیَتوجَب إنجاز العمل بنفس هذا الدّاعي أیضاً)».[2]

و لکن سنَتنازَل الآن و نَتماشی مع نقل المحقّقین النّائینيّ و الخوئيّ و نَفترض تمامیّة «إدراک العقل بتحصیل غرض المولی مع داعي نفس الأمر» إلا أنّ هذه النّقطة تُعاني إشکالاً نیِّراً:

· أوّلاً: إنّ المسلَّم لدی الکرباسيّ هو الشّقّ الأوّل -وفقاً لتشقیق المحقّق النّائینيّ- فإنّ ظاهر عبارته أنّ المولی سیُحرِّک العبد و یضع الفعل علی عهدته، فلم یَتقصَّد الکرباسيّ الشّقّ الثّانيَ أساساً -بأن یَهدف المولی إلی الامتثال مع داعي أمر نفسه لا بداعٍ آخر- بل ظاهر حوار الکرباسيّ یَحول حول الشّقّ الأوّل فحسب-.[3]

· ثانیاً: إنّا لم نَستخرِج الصّغری -الّذي استَذکرها صاحب الأجود- من خلال بیانات الکرباسيّ إذ المتیقَّن من إصدار الأوامر هو أن یتحقّق خارجاً و أمّا أنّ «دخالة الدّاعي ضمن الفعل» فعدیمة الدّلیل إذ لم نَستَنبط أنّ المولی أراد الامتثال بداعي أمره بلا داع آخر، فمن ثَمّ سیَتشارک التّوصّليّ مع التّعبّديّ من هذا البُعد -أي تحقیق أمر المولی و المحرّکیّة-.

انتقاد المحقّق الخوئيّ تجاه الشّیخ الکرباسيّ

و تلوَ اعتراضات المحقّق النّائینيّ سنَتناوَل الآن مناقشات المحقّق الخوئيّ -تجاه أصالة التّعبدیّة- قائلاً:

«و لنأخذ بالنّقد عليه:

· أمّا أوّلاً: فلأنّ الغرض من الأمر يستحيل أن يكون داعويّته إلى إيجاد المأمور به في الخارج و محرّكيّته نحوَه «ضرورة أنّ ما هو غرض منه لابدّ أن يكون مترتّباً عليه دائماً في الخارج و لا يتخلَّف عنه» و من الطّبيعيّ أنّ وجود المأمور به في الخارج فضلاً عن كون الأمر داعياً إليه ربما يكون و ربما لا يكون، و عليه فكيف يمكن أن يقال: إنّ الغرض من الأمر إنّما هو جعل الدّاعي إلى المأمور به، فإذن لا مناص من القول بكون الغرض من الأمر هو إمكان داعويّته نحو الفعل المأمور به على تقدير وصوله إلى المكلّف و علمه به، و هذا لا يتخلّف عن طبيعيّ الأمر فلا معنى عندئذ لوجوب تحصيله على المكلّف. هذا من ناحية، و من ناحية أخرى أنّ هذا الغرض مشترك فيه بين الواجبات التّعبّديّة و التّوصّليّة فلا فرق بينهما من هذه النّاحية، و أجنبيّ عن التّعبّديّة بالمعنى المبحوث عنه في المقام. (إذن فلا نتعقَّل بأنّ تُعدّ المحرّکیّة هي غرض الآمر إذ الغرض مرافِق دوماً مع

الأمر، بینما نُشاهد انفکاکهما حیث تارة یَنبعث المکلَّف و تارة لا).

و لکن نُفنِّد استدلاله التّالیة: «ضرورة أنّ ما هو غرض منه لابدّ أن يكون مترتّباً عليه (الأمر) دائماً في الخارج و لا يتخلّف عنه» فکیف أثبتَ بأنّ الأمر یُعدّ محرِّکاً دوماً؟ فإنّ الأمر الفعليّ لا یَبعث المکلَّف حتماً و دوماً إذ یُعقل انفکاک الغرض عن التّحقّق الخارجي فربّ أمر لم یتحقّق غرضه فهل یَعني ذلک أنّ المولی عدیم الغرض؟ أجل لو فسَّرنا الغرض بإمکان داعویّته و دوام تحریکه نحوَ الامتثال، لأصبح الأمر بذاته الخالص محرِّکاً دوماً و لکنّ هذا الشّقّ لا یُمیِّز التّوصّلیّة عن التّعبّدیّة.

· و أمّا ثانیاً: فلو سلّمنا أنّ غرض المولى من أمره ذلك (التّحریک) إلّا أنّه لا يجب على العبد تحصيله «ضرورة أنّ الواجب عليه بحكم العقل إنّما هو تحصيل غرضه المترتّب على وجود المأمور به في الخارج دون غرضه المترتب على أمره» (فبالتّالي لا یَتوجَّب تحصیل غرض الأمر) على أنّه (الأمر) طريق محض (و محرِّک) إلى ما هو الغرض من المأمور به فلا موضوعيّة له في مقابله أصلاً كي يجب تحصيله و قد عرفت أنّ العقل إنّما يحكم بوجوب الإتيان بالمأمور به خارجاً و إطاعة ما تعلَّق به الأمر و تحصيل غرضه دون غيره و على هذا حيث إنّ المأمور به مطلق و غير مقيّد بداعي القربة فلا يحكم العقل إلّا بوجوب إتيانه كذلك. و أضف إليه أنّ هذا الغرض لا يكون نقطة امتياز بين التّعبديّات و التّوصّليّات لاشتراكهما فيه و عدم الفرق بينهما في ذلك أصلاً فالنّتيجة أنّ هذا الغرض أجنبيّ عن اعتبار قصد القربة في متعلّق الأمر فإذن لا يبقى مجال للاستدلال بهذا الوجه على أصالة التّعبّديّة.»[4]

و لکن نَخدش برهانه التّالي: «ضرورةَ أنّ الواجب عليه بحكم العقل إنّما هو تحصيل غرضه المترتّب على وجود المأمور به في الخارج دون غرضه المترتّب على أمره» من أین التَقط السّیّد غرضین للمولی؟ فإنّ المستدلّ -وفقاً لتقریر الأجود و...- قد صرَّح بمحرّکیّة الأمر فلم یُفکِّک أساساً ما بین «الأمر و المأمور به» بل حینما أمره بالصّلاة فبنفس الحین قد حرَّکه إلی «الأمر و المأمور به معاً» فبالتّالي سیُعدّ الغرض موحَّداً في کلیهما، أجل قد توفَّرت القرینة في الأوامر الامتحانیّة باثنینیّة الغرض -أي مصلحة في الأمر و مصلحة في المأمور به-.

و لکن بالنّهایة، إنّ الّذي یُنجّینا من هذه النّقاشات هو أنّ نوعیّة استدلال الشّیخ الکرباسيّ و قالَب بیاناته متفاوتة تماماً عمّا طرَح هؤلاء الأعاظم، و لهذا سنُهاجم نصَّ بیاناته ضمن الإشارات بإشکالات أُخَر لاحقاً.

-----------------------
[1] کرباسيّ محمدابراهیم بن محمدحسن. إشارات الأصول. ص112. ایران.
[2] حلی حسین بن علی. أصول الفقه (الحلي). Vol. 1. ص466 قم - ایران: مکتبة الفقه و الاصول المختصه.
[3] و لکن نُجیب الأستاذ المعظَّم بأنّ الشّیخ الکرباسيّ قد صرّح أیضاً بالشّقّ الثّاني و أکَّد بأنّ المکلَّف لو أنجزَ المهمّةَ بلا قصد المولی و امتثاله فلا یُجدیه نفعاً، فتحدَّث قائلاً: «فلو أمر المولى عبدَه بشيء فأتى به من باب تَشهّي نفسه من دون ملاحظة أمر مولاه أو أتى به بقصد أن يَقتل مولاه أو بَنى على مخالفته ثمّ نسي أمر مولاه و أتى به من دون أن يَخطر بباله أمره أو طلَب منه ذلك الشّيئ عدوُّ مولاه فأتى به لذلك لا من جهة أنّ مولاه أمره به، لا يُعدّ في شيء منها ممتثلاً قطعاً» (کرباسيّ محمدابراهیم بن محمدحسن. إشارات الأصول. ص112. ایران.)
[4] خوئی ابوالقاسم. محاضرات في أصول الفقه (الخوئي). Vol. 2. ص189-190 قم - ایران: انصاريان.
و قد ألحَّ المحقّق الخوئيّ علی هذه الاعتراضیّة أیضاً ضمن حاشیة الأجود قائلاً: «الصحيح في الجواب ان يقال ان الغرض من الأمر مضافاً إلى انه لا يجب تحصيله - و انما هو طريق محض إلى ما هو الغرض من المأمور به ان محركية الأمر نحو المأمور به و جعله داعياً إلى إيجاده لا يعقل ان تكون غرضاً من الأمر ضرورة ان ما هو غرض منه لا بد و ان يكون مترتباً عليه خارجاً دائماً و من الواضح ان وجود المأمور به في الخارج فضلا عن كون الأمر داعياً إليه ربما يكون في الخارج و ربما لا يكون فكيف يمكن ان يقال ان الغرض من الأمر انما هو جعله داعياً إلى المأمور به و عليه فلا مناص من كون الغرض من الأمر هو إمكان كونه داعياً إلى إيجاد المأمور به على تقدير وصوله إلى المكلف و هذا امر يشترك فيه التعبديات و التوصليات فلا يبقى مجال الاستدلال على أصالة التعبدية من ناحية الغرض » (نایینی محمدحسین. أجود التقریرات. Vol. 1. ص113 قم - ایران: کتابفروشی مصطفوی.)


الملصقات :


نظری ثبت نشده است .