درس بعد

المواسعة و المضایقة

درس قبل

المواسعة و المضایقة

درس بعد

درس قبل

موضوع: صلاة قضاء (المواسعه و المضایقه)


تاریخ جلسه : ١٤٠٣/١٠/٢٩


شماره جلسه : ۵۸

PDF درس صوت درس
خلاصة الدرس
  • ضربُ الشّبهات عن بِضع آیات متشابِهات

الجلسات الاخرى
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحيمْ
الْحَمْدُ للّه رَبِّ الْعَالَمِينْ وَصَلَى الله عَلَىٰ سَيِّدَنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ الطَّاهِرِين

ضربُ الشّبهات عن بِضع آیات متشابِهات

لقد استَدللنا مسبقاً بمقدّمات الحِکمة المتوفِّرة في الفِقرات التّالیة: «آمنوا و لم یَلبسوا إیمانَهم بظلم» و «لهم الأمن و هم مهتدون» و «أولئک الذین هدی الله فبهداهم اقتَدِه» و «اجتبیناهم و هدیناهم» فإنّها آیات محکَمات حتماً حیث إنّه تعالی ضمن مقام تِبیان التّوسعة و تبیین الأمن المطلق لهم عن السّهو و الخَطأ و الوسوسة حتّی الدّنیویّة أیضاً، فبالتّالي قد بَرهَنت علی «العصمة المطلقة» بحیث قد افتَقد الشّیطان السّلطنةَ الوسواسیّة و الإغوائیّة و السّهویّة و... تجاهَ المعصوم تماماً.

فعلی ضوء هاتِ المحکَمات، سنُفسِّر أیضاً الآیة التّالیة: «وَ مٰا أَرْسَلْنٰا مِنْ‌ قَبْلِكَ‌ مِنْ‌ رَسُولٍ‌ وَ لاٰ نَبِيٍّ‌ إِلاّٰ إِذٰا تَمَنّٰى أَلْقَى الشَّيْطٰانُ‌ فِي أُمْنِيَّتِهِ‌ فَيَنْسَخُ‌ اللّٰهُ‌ مٰا يُلْقِي الشَّيْطٰانُ‌ ثُمَّ‌ يُحْكِمُ‌ اللّٰهُ‌ آيٰاتِهِ‌ وَ اللّٰهُ‌ عَلِيمٌ‌ حَكِيمٌ‌»[1] حیث قد اشتَبه البعض في تفسیرها فحرَّف معناها زاعماً أنّ الشّیطان یَتیسَّر له التّصرّف في أفکار و إرادات المعصومین «بإلقاء الوسوسات» علی نفوسهم علیهم السّلام -مستدِلّاً بفِقرة «ألقی الشّیطان في أمنیَّته»-.

بینما الآیة الکریمة تَحتضِن ثلاثَ محتَمَلات کالتّالي:

1. ما توهَّمه المتوهِّم -للتَّوّ- بأنّ الشیطان سیَتدخَّل في نفس المعصوم و یَستورِد له الوسوسات الذّهنیّه حاجزاً لإرادته، و لکنّه تفسیر مرفوض ببرکة صراحة نفس الآیة «فیَنسَخُ الله ما یُلقي الشّیطان ثمّ یُحکِم الله آیاتِه» حیث یُعدّ «الفاء للتّرتیب بالاتّصال» فیُنتِج أنّه تعالی سیَمحَق إلقاءاتِ الشّیطان بسرعة فائقة، فلا یَتحقَّق أيُّ حاجب عن إرادة المعصوم بل ستَترسَّخ آیات الله حتماً، و ممّا یُعزِّز إجابتَنا هي تکملة الآیة الماضیة: «لَیَجعَلَ مَا یُلقِي الشَّیطَانُ فِتنَةً لِلَّذِینَ فِي قُلُوبِهِم مَرَضٌ وَ القَاسِیَةِ قُلُوُبِهِم وَ إِنَّ الظَّالِمِینَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِیدٍ»[2] فإنّها تُفسِّر لنا أنّ أساس عملیّة «الإلقاء الشّیطانيّ» یَصدُر لأجل اختبار «مَرضی القلوب» کالمنافقین و «قُساة القلوب» کالکفّار، فبالتّالي لا یَمَسّ المعصوم إطلاقاً، و لهذا یَستکمل تعالی قائلاً: «وَ لِيَعْلَمَ‌ الَّذِينَ‌ أُوتُوا الْعِلْمَ‌ أَنَّهُ‌ الْحَقُّ‌ مِنْ‌ رَبِّكَ‌ فَيُؤْمِنُوا بِهِ‌ فَتُخْبِتَ‌ لَهُ‌ قُلُوبُهُمْ‌.».

2. و أمّا المحتَمَل الثّاني فقد انطرَح في روح المعاني قائلاً: «و المراد بذلك (تَمنَّی) هنا عند كثيرٍ «القراءة».

Ø و الآية مسوقة لتسلية النبي صلّى اللّه عليه و سلّم بأنّ السّعي في إبطال الآيات أمر معهود و أنّه لَسَعيٌ مردود، و المعنى: و ما أرسلنا من قبلك رسولاً و لا نبياً إلا و حاله أنّه إذا قَرأ شيئاً من الآيات ألقَى الشّيطان الشُّبَه و التّخيلات فيما يقرؤه (المعصوم) على أوليائه ليُجادلوه بالباطل و يردّوا ما جاء به، كما قال تعالى: «وَ إِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى‏ أَوْلِيائِهِمْ لِيُجادِلُوكُمْ‏»[3] و قال سبحانه: «وَ كَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَياطِينَ الْإِنْسِ وَ الْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى‏ بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً»[4] و هذا كقولهم (الکفّار) عند سماع قراءة الرسول صلّى اللّه عليه و (آله و) سلّم‏ «حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ»[5] إنّه يُحِلّ ذبيحَ نفسه و يُحرِّم‏ ذبيح‏ اللّه‏ تعالى، و قولهم على ما في بعض الروايات عند سماع قراءته عليه الصلاة و السلام‏ «إِنَّكُمْ وَ ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ‏»[6] إنّ عيسى عبد من دون اللّه تعالى و الملائكة عليهم السّلام عَبدوا من دون اللّه تعالى‏.

Ø «فَيَنْسَخُ اللَّهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ»‏ أي فيُبطل ما يلقيه من تلك الشُّبَه و يَذهب به بتوفيق النبي صلّى اللّه عليه و (آله و) سلّم لردّه أو بإنزال ما يردّه‏.

Ø «ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آياتِهِ‏» أي يأتي بها محكَمَة مثبَتةً لا تقبل الرّد بوجه من الوجوه، و ثُمَ‏ للتراخي الرّتبيّ فإنّ الإحكام أعلى رتبة من النّسخ.

Ø و صيغة المضارع في‏ الفعلين للدّلالة على الاستمرار التّجدديّ، و إظهار (اسم) الجلالة في موقع الإضمار لزيادة التّقرير و الإيذان بأنّ الألوهيّة من موجبات إحكام آياته تعالى الباهرة، و مثل ذلك في زيادة التقرير إظهار «الشَّيْطانُ»‏.

Ø «وَ اللَّهُ عَلِيمٌ‏» مبالَغ في العلم بكلّ ما من شأنه أن يُعلَم و من جملته ما يصدر من الشّيطان و أوليائه‏.

Ø «حَكِيمٌ‏» في كلّ ما يفعل و من جملته تمكين الشيطان من إلقاء الشبه و أوليائه من المجادلة بها و إبداؤه تعالى ردها، و الإظهار هاهنا لما ذُكِر أيضاً مع ما فيه من تأكيد استقلال الاعتراض التّذييليّ‏.

Ø «لِيَجْعَلَ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ‏» أي الّذي يُلقيه، و قيل: إلقاءه‏ فِتْنَةً أي عذاباً. و في البحر: ابتلاء و اختبار.

Ø «لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ‏» أي شكّ و نفاق و هو المناسب لقوله تعالى في المنافقين‏ «فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ»‏ و تخصيص المرض بالقلب مؤيِّد له لعدم إظهار كفرهم بخلاف الكافر المجاهر.

Ø «وَ الْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ‏» أي الكفار المجاهرين، و قيل: المراد من الأوَّلَين عامّة الكفار و من الأخيرَين خواصّهم كأبي جهل و النّضر و عتبة، و حمل الأولين على الكفار مطلقاً و الأخيرَين على المنافقين لأنّهم أحقّ بوصف القسوة لعدم انجلاء صدأ قلوبهم بصَيقل المخالطة للمؤمنين، (فهذا الحمل) ليس بشي‏ء.»[7]

و بالتّالي، إنّ المحتَمَل الثّاني -تَمنّی أي قرَأ- رغم نُدرته ضمن المستَعمَلات العربیّة إلا أنّه لا یَقدَح بل یُرافِق عصمة الرّسول و یُلائم الآیات التي تَلیها أیضاً و قد اصطفاه الکثیر من المفسّرین أیضاً، فالحاصد أنّ تفسیره للآیة -ألقی الشّیطان في مقروئات النّبيّ لتحریف الآخَرین- وجیهٌ و مَتین.

3. و أمّا المحتمَل الثّالث السّدید أیضاً، فقد استَذکره صاحب المیزان قائلاً: «قوله تعالى: «وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَ لا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ» إلخ:

Ø التّمني‏: تقدير الإنسان‏ وجودَ ما يُحبّه‏ سواء كان ممكناً أو ممتنعاً كتمني الفقير أن يكون غنياً و مَن لا وَلد له أن يكون ذا ولد، و تمني الإنسان أن يكون له بقاءٌ لا فناءَ معه و أن يكون له جناحان يطير بهما، و (کذا) يُسمّى صورتُه الخياليّة التي يَلتذّ بها «أمنيّةً».

Ø و الأصل في معناه المَني (علی وزن «مَشي») بالفتح فالسّكون بمعنى التّقدير (و لهذا یُطلَق علی مَنيّ الإنسان نظراً لکُمون کافّة التّقدیرات في داخله).[8]

Ø و قيل (روح المعاني): ربما جاء بمعنى «القراءة و التّلاوة» يقال: تمنّيت الكتابَ أي قرأتُه.

Ø و الإلقاء في الأمنيّة (هي) المداخَلَة فيها بما يُخرجها عن صرافتها و يُفسِد أمرها.

Ø و معنى الآية على أوّل المعنَيَين: و هو كون التّمني هو تمنّي القلب (و تقدیر ما یُحبِّه): و ما أرسلنا من قبلك من رسول و لا نبيّ إلا إذا تمنّى و قدَّر بعضَ ما يَتمنّاه من توافُق الأسباب على تقدّم دينه و إقبال النّاس عليه و إيمانهم به ألقَى الشّيطان في أمنيَّته و داخَل فيها بوسوسة النّاس (لا المعصوم) و تهييج الظّالمين و إغراء المفسدين، فأفسَدَ الأمر على ذلك الرّسولِ أو النبي و أبطَلَ سعيَه فيَنسخ الله و يُزيل ما يلقي الشّيطان ثمّ يُحكِم الله آياتِه بإنجاح سعي الرّسول أو النبي و إظهار الحقّ و الله عليم حكيم.»[9]

و نِعمَ هذا التّفسیر حیث قد وجَّه إلقاءاتِ الشّیطان إلی قلوب النّاس و أفکار المنحرِفین فحسب لا إلی المعصوم. و استِکمالاً لهذه المَقالة، نؤکِّد بأنّ «تمنّيَ کلِّ شخص بحسبه» حیث إنّ أُمنِیّات العامل تَنسجِم مع أعماله و تمنيّات العالم تَلتَصق بدروسه و أبحاثه، فلیَکُن أُمنیّات الرّسول و أهدافه هي «إبلاغ رسالاته التي قد استَجمَعها لدی قرائته للنّاس» فوقتَئذ سیَنهَض الشّیطان و یَتلاعَب في فهم النّاس و تلقِّهم عن المعصوم بحیث تَتَوَسوس أفکارُهم لیَردَعوا تحقّقَ أهداف الرّسول و و یُخرِّبوا نتائج إبلاغه -لا التّصرّف و الوسوسة في نفس المعصوم-.

--------------------------
[1] سورة الحجّ الآیة 52.
[2] سورة الحجّ الآیة 53.
[3] سورة الأنعام الآیة 121.
[4] نفس السّورة الآیة 112.
[5] سورة البقرة الآیة 173. و سورة النّحل الآیة 115.
[6] سورة الأنبیاء الآیة 98.
[7] آلوسي، روح المعاني، ج‏9، ص: 165-166.
[8] و في هذا النَّسق قد شرَح بعض اللُّغویّین «التّمنيَ» بأنّه نهایة التّقدیر و الفرض، و لهذا یُطلَق علی الموت «بالمَنِیَّة» لهذه النّکتة (الأستاذ المُبجَّل).
[9] الميزان في تفسير القرآن، ج‏14، ص: 391



الملصقات :


نظری ثبت نشده است .