درس بعد

المواسعة و المضایقة

درس قبل

المواسعة و المضایقة

درس بعد

درس قبل

موضوع: صلاة قضاء (المواسعه و المضایقه)


تاریخ جلسه : ١٤٠٣/١١/١


شماره جلسه : ۶۰

PDF درس صوت درس
خلاصة الدرس
  • إزالة شبهة الوسوسة عن العصمة المطلقة

  • قاطعُ البُرهان من قِبَل صاحب المیزان

الجلسات الاخرى
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحيمْ
الْحَمْدُ للّه رَبِّ الْعَالَمِينْ وَصَلَى الله عَلَىٰ سَيِّدَنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ الطَّاهِرِين

إزالة شبهة الوسوسة عن العصمة المطلقة

لقد استَحضرنا -حتّی الآن- شتّی الحُجَج و البَراهین تجاه «العصمة المطلقة» التي تُنزِّه المعصوم و تُبرِّئه حتّی عن الوساوِس، حیث قد اعتَصمنا بمقدّمات الحِکمة المتوفِّرة في الفِقرات التّالیة: «آمنوا و لم یَلبسوا إیمانَهم بظلم» و «لهم الأمن و هم مهتدون» و «أولئک الذین هدی الله فبهداهم اقتَدِه» و «اجتبیناهم و هدیناهم» و «إلا عبادَک منهم المخلَصین» و «إنّما یرید الله لیُذهِب عنکم الرّجس أهلَ البیت»[1] فإنّها آیات محکَمات حتماً، فإنّه تعالی یُعدّ في مقام تِبیان التّوسعة و تبیین الأمن المطلق لهم عن السّهو و الخَطأ و الوسوسة في النّفس و النّسیان و... حتّی الدّنیویّة أیضاً، فبالتّالي قد بَرهَنت علی «العصمة المطلقة» بحیث قد افتَقد الشّیطان السّلطنةَ الوسواسیّة و الإغوائیّة و السّهویّة و أشباهَها تجاهَ المعصوم تماماً.

و حیث قد أنهَینا الآیة 52 المتشابِهة من سورة الحجّ و حلَلنا عُقَدها بأسرِها و فسَّرنا کافّة شبهاتها الموهومة و أبعادها الغامضة، فبالتّالي سنَتدارَس الآن، الآیةَ المتشابِهة التّالیة: «وَ إِمّٰا يَنْزَغَنَّكَ‌ مِنَ‌ الشَّيْطٰانِ‌ نَزْغٌ‌ فَاسْتَعِذْ بِاللّٰهِ‌، إِنَّهُ‌ سَمِيعٌ‌ عَلِيمٌ‌.»[2]

فرغمَ أنّ الخطاب قد انصبَّ علی رسول الله -مُشعِراً بأنّ الشّیطان یُمکنه النّفوذ إلی قلب المعصوم و إلقاءُ الوسوسة علی أفکاره- و لکنّا حینما مَحَّصنا مغزی «النّزغ» فقد استَنتَجنا معنی یُضادّ ما اشتَهَر في الألسُن -أي الوسوسة- فإنّ:

Ø ابن فارس (395ق) قد تَرجَم هذه الکلمة قائلاً: «النّون و الذّاء و الغين، كلمةٌ تدلّ‏ على‏ إفسادٍ بين اثنَين، و نزَغَ بين القوم: أفسَد ذاتَ بينِهم.».[3]

Ø و لسان العرب (711ق) قد وضَّحها قائلاً: «أن تَنزِغَ بین قوم فتَحمِلَ بعضَهم علی بعض بفسادٍ بینهم. و النّزغ: الکلام الذي یُغري بین النّاس. نزغه: حرکَّه أدنَی حرکة، و نزَغ الشّیطان بینهم یَنزِغ و یَنزَغ نزغاً أي أفسَد و أغرَی».[4]

فنظراً لذلک، قد أخطَأت بعضُ التّفاسیر الفارسیّة حینما فسَّرت «النّزغ» بوسوسة الشّیطان، بینما هذا المعنی یُعدّ أهوَن محتَملات هذه الکلمة -کما سنَبسُط ذلک- و لهذا قد أثاروا استِغرابَنا حینما لم یَنتَبِهوا إلی هذه المصادر اللّغویّة.

قاطعُ البُرهان من قِبَل صاحب المیزان

و نِعم ما فسَّر الآیةَ السّیّد الطّباطبائيّ قائلاً:

«قوله تعالى: «وَ إِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ‏»:

1. قال الرّاغب في المفردات،: «النّزغ‏ دخول في أمر لأجل إفساده، قال: مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطانُ بَيْنِي وَ بَيْنَ إِخْوَتِي‏.» انتهى.

2. و قيل: «هو الإزعاج (و الإیذاء) و الإغراء (و الإضلال) و أكثر ما يكون حالَ الغضب».

3. و قيل: هو من الشّيطان أدنَى‏ الوسوسة.

و (بات واضحاً أنّ) المعاني متقارِبة، و أقربها من الآية هو الأوسط لمناسبته الآية السّابقة الآمرة بالإعراض عن الجاهلين، فإن مماسَّتَهم الإنسانَ (کالمعصوم) بالجهالة نوعُ مداخَلة من الشّيطان لإثارة الغضب، و سوقِه إلى جهالة مثله، فيَرجع معنى الآية (ناتِجاً:) إلى أنّه لو نَزغ الشّيطان بأعمالهم المبنيّة على الجهالة و إساءتهم إليك، ليسوقَكَ بذلك إلى الغضب و الانتقام، فاستعِذ بالله إنّه سميع عليم، و الآية مع ذلك عامّةٌ خوطب بها النّبيّ (ص) و (لکن قد) قُصِد بها أمّتُه لعصمته (فأصبح الخطاب من باب «أیّاک أعني و اسمعي یا جارَ» حسب الرّوایات)».[5]

فالحصیلة من هذه الآیة النَّبیلة:

· أوّلاً: أساساً لیس معنی «النّزغ» هي الوسوسة، بل یُعدّ ذلک «قیلاً» مُتزعزِعاً و لیس أکثر، بل جذرُ معناه هو «إیجاد المفارَقة و الإفساد بین اثنین» فبالتّالي لم تدلّ الآیة علی نفوذ الوسوسة في «نفس النّبيّ».

· ثانیاً: رغمَ تعلّق الخطاب لشخص النّبيّ -في الظّاهر البدويّ- إلا أنّ المستَهدَف الأساسيّ هي أمَّته المبتَلِیة بأنواع النّزَغات و المُنزَلَقات، و مستَمسَکنا لهذه التّفسیرة هي الرّوایة التّالیة: «نَزَلَ الْقُرْآنُ بِإِيَّاكِ أَعْنِي وَ اسْمَعِي يَا جَارَ»[6] و ربما نعارَض بأنّ الرّوایة لا تُلائم سیاق الآیة السّابقة -خذ العفو...- حیث قد خاطَبت النّبيّ نفسَه لا أمَّتَه، و لکن نُجیب بأنّ قرینیّة السّیاق مُجدیة في الجملة لا بالجملة فلا تقدَح الظّهور في الآیة المبحوثة.[7]

· ثالثاً: لو سلَّمنا معنی الوسوسة جدلاً، و لکن حینما نُرکِّز علی تعبیر الآیة القائلة: «یَنزَغنَّکَ من الشّیطان» فنَراها لم تُعبِّر «یَنزغَنَّکَ الشّیطان» حیث قد لَفَتَت أنظارَنا بأنّ الشّیطان لا یُوسوِس بنفسه مباشرةً بل قد نَشأ و ابتَدأ النّزغ من جانب الشّیطان، ممّا یَعني أنّه سیُولِّد الموانع للنّبيّ و یُفسِد أمنیاتَه و أهدافَه بأن یُلقي ألفاظاً إلحادیّة و شُبَهاتاً مُغریة علی أفواه الکفّار و المنافقین و الجاهلین -الذین في قلوبهم زَیغ و مرض- فبالتّالي هم یُعدّون وسائطَ الشّیطان و أجِندتَه لعملیّة النّزغ و الغيّ و الإزعاج[8] و لکنّ الله کان یَنسخ هذه النّزَغات عن ساحة النّبيّ ببرکة «الاستعاذة» وفقاً لتصریح الآیة.[9]

فالنّاتج المحصود هو أنّ نفس المعصوم ناءٍ عن «الوسوسة في أمر مَشوم» فبالتّالي سیستحیل في حقّه وقوع السّهو و أيُّ عنصر مَذموم.

------------------------------
[1] و نُفیض آیة أخری علیها أیضاً: «إنّه لیس له سلطانٌ علی الّذین آمنوا ... إنّما سلطانه علی الّذین یَتولَّونه» (سورة النّحل الآیة 99-100.)
[2] سورة الأعراف، الآیة 200.
[3] معجم مقاييس اللّغة 5/ 416. و الآیة التّالیة أیضاً تَدعم هذه التّرجمة حیث قال تعالی: «إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ‌ السِّجْنِ‌ وَ جٰاءَ‌ بِكُمْ‌ مِنَ‌ الْبَدْوِ مِنْ‌ بَعْدِ أَنْ‌ نَزَغَ‌ الشَّيْطٰانُ‌ بَيْنِي وَ بَيْنَ‌ إِخْوَتِي» (سورة یوسف الآیة 100) و قال تعالی أیضاً: إِنَّ الشَّيْطانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوًّا مُبِيناً (سورة الإسراء الآیة التّالیة: 53). و لهذا إنّ عملیّة «النّزغ» لا تَتسرَّب في نفس الإنسان بل تُعدّ عملیّة عِدائیّة خارجیّة ما بین الأفراد کما تُعاین هاتَین الآیَتیَن.
[4] لسان العرب ج8 ص454.
[5] الميزان في تفسير القرآن، ج‏8، ص: 381
[6] الكافي (ط - دار الحديث)، ج‌4، ص: 665‌
[7] و نُفیض نقاطاً أخری استِکمالاً لمقالة الأستاذ المُبجَّل في هذه الإجابة، أوّلاً: إنّ قرینة السّیاق تتغیّر مع کلّ ریح و لهذا تُعدّ أضعفَ القرائن إذ تَنعطِف إلی منعطَفات و أسباب کثیرة کالظّهور التّبادريّ أو الانصرافيّ أو سائر الآیات الأخَر و... فلا تُعدّ حِصناً حصیناً إذن. و ثانیاً إنّ الآیة التي سبَقَتها أیضاً تعدّ تعلیماً للأمّة -لا للنّبيّ فحسب- فخاطَبت النّبيّ کي یُعلِّمهم کيف یأخذون العَفو السّلاسة و المیسور و یأمرون بالمعروف و الحَسنات و یُعرِضون عن الجَهَلة، فلم یَنحصِر الخطاب بالنّبيّ الأکرم حتّی یُدعّی أنّه خطاب إلیه فحسب بل هي أیضاً من باب إیاک أعني و اسمعي یا جارَ.
[8] و هذه المقالة تَنسجِم تماماً مع الآیات التّالیة: «وَ كَذٰلِكَ‌ جَعَلْنٰا لِكُلِّ‌ نَبِيٍّ‌ عَدُوًّا شَيٰاطِينَ‌ الْإِنْسِ‌ وَ الْجِنِّ‌ يُوحِي بَعْضُهُمْ‌ إِلىٰ‌ بَعْضٍ‌ زُخْرُفَ‌ الْقَوْلِ‌ غُرُوراً» (سورة الأنعام الآیة 112). کذا «وَ إِنَّ‌ الشَّيٰاطِينَ‌ لَيُوحُونَ‌ إِلىٰ‌ أَوْلِيٰائِهِمْ‌ لِيُجٰادِلُوكُمْ‌» (سورة الأنعام الآیة 121). و کذا «وَ كَذٰلِكَ‌ جَعَلْنٰا لِكُلِّ‌ نَبِيٍّ‌ عَدُوًّا مِنَ‌ الْمُجْرِمِينَ‌» (سورة الفرقان الآیة 31). و کذا «اِسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ‌ الشَّيْطٰانُ‌ فَأَنْسٰاهُمْ‌ ذِكْرَ اللّٰهِ‌ أُولٰئِكَ‌ حِزْبُ‌ الشَّيْطٰانِ‌ أَلاٰ إِنَّ‌ حِزْبَ‌ الشَّيْطٰانِ‌ هُمُ‌ الْخٰاسِرُونَ‌» (سورة المجادلة الآیة 19). و کذا «إِنَّ‌ الشَّيْطٰانَ‌ لَكُمْ‌ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ‌ عَدُوًّا، إِنَّمٰا يَدْعُوا حِزْبَهُ‌ لِيَكُونُوا مِنْ‌ أَصْحٰابِ‌ السَّعِيرِ» (سورة فاطر الآیة 6).
[9] حیث قال تعالی: «إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ‌ السِّجْنِ‌ وَ جٰاءَ‌ بِكُمْ‌ مِنَ‌ الْبَدْوِ مِنْ‌ بَعْدِ أَنْ‌ نَزَغَ‌ الشَّيْطٰانُ‌ بَيْنِي وَ بَيْنَ‌ إِخْوَتِي»؛ الآیة 100 سورة یوسف.



الملصقات :


نظری ثبت نشده است .