درس بعد

المواسعة و المضایقة

درس قبل

المواسعة و المضایقة

درس بعد

درس قبل

موضوع: صلاة قضاء (المواسعه و المضایقه)


تاریخ جلسه : ١٤٠٣/١٠/٣٠


شماره جلسه : ۵۹

PDF درس صوت درس
خلاصة الدرس
  • استِکمال البُرهان تجاه إلقائات الشَّیطان

  • مواجَهَة الفخر الرّازيّ للإلقاء الشّیطانيّ

الجلسات الاخرى
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحيمْ
الْحَمْدُ للّه رَبِّ الْعَالَمِينْ وَصَلَى الله عَلَىٰ سَيِّدَنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ الطَّاهِرِين

استِکمال البُرهان تجاه إلقائات الشَّیطان

و استِتماماً للأبحاث السّالفة بأنّ الشّیطان أعجزَ من أن یُوسوِس في نفس المعصوم و یَتصرَّف في إرادته، لاحِظ المقالة المَتینة لمجمع البیان -حول شأن نزول الآیة 52 من سورة الحجّ- قائلاً:

«روي عن ابن عباس و غيره أنّ النّبيّ ص لمّا تلا سورة و النجم و بلغ إلى قوله:‏ «أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَ الْعُزَّى وَ مَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى»‏ ألقى‏ الشّيطان‏ في‏ تلاوته‏: «تلك الغَرانيق العُلى (جمعُ غُرنوق و هي الطّائرة الزَّرقاء أو البیضاء) و إنّ شفاعتَهنّ لَتُرجَى» فسَرَّ بذلك المشركون، فلمّا انتهى (النّبيّ) إلى (آیة) السّجدة (في آخر السّورة) سَجد المسلمون و سجد أيضاً المشركون لمّا سمعوا من ذكر آلهتهم بما أعجَبهم. (و قد أجاب الشّیخ الطّبرسيّ قائلاً:) فهذا الخبر إن صحَّ محمول على أنّه كان يَتلو القرآن فلمّا بلغ إلى هذا الموضع و ذكر أسماء آلهتهم و قد علموا من عادته (ص) أنّه كان يَعيبُها (فقد) قال بعض الحاضرين من الكافرين تلك الغَرانيق العلى و ألقى (الکفّار) ذلك (الکلام الباطل) في تلاوته، توهُّمَ أنّ ذلك من القرآن فأضافه الله سبحانه إلى الشّيطان (أي ألقی الشّیطان) لأنّه إنّما حصل بإغوائه و وسوسته (للکفّار لا لللنّبيّ) و هذا أورده المرتضى قدّس الله روحه في كتاب «التّنزيه» و هو قول النّاصر للحقّ من أئمّة الزّيديّة و هو وجه حسن في تأويله.»[1]

و تَحریراً أوسع في هذا المضمار، سنَستَعرض مقالة السّیّد المرتضی أیضاً قائلاً:

«و قيل (عن البکریّة) أيضاً: إنّه (ص) كان إذا تلا القرآن على‏ قريش‏ توقّف‏ في فصول الآيات و أتى بكلام على سبيل الحِجاج لهم (الکفّار) فلمّا تلا «أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَ الْعُزَّى وَ مَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى»‏ قال (صلوات الله علیه و آله بلحن إنکاريّ قائلاً): تلك الغَرانيق العلى منها الشّفاعة تُرتَجى؟ على سبيل الإنكار عليهم و إنّ الأمر بخلاف ما ظنّوه من ذلك، و ليس يمتنع أن يكون هذا (کلام النّبيّ) في الصّلاة، (لأنّ الکلام البشريّ) كان مباحاً و إنّما نُسخ من بعدُ، و قيل إن المراد بالغرانيق الملائكة و قد جاء مثل ذلك في بعض الحديث فتوهمَّ المشركون أنّه يريد آلهتَهم‏»[2]

و لکن القول المزبور یُضادّ ظاهر الآیة الماضیة المصرِّحة «فیَنسَخ الله ما یُلقي الشّیطان» فهذه العبارة لا تُلائم التّوجیه المذکور حول «إنکار النّبيّ علیهم».

و في هذا المیدان أیضاً، قد استَغلّ «سَلمان الرُّشديّ» الزّندیق، الفُرصة حیث قد ألَّف کتاب «الآیات الشّیطانيّة» حیث قد خُدِع بروایات الفرِقة البکریّة کما قصصناه علیک.

مواجَهَة الفخر الرّازيّ للإلقاء الشّیطانيّ

و قد بَرِع الفخر الرّازي في حمایة ساحة المعصوم عن الوسوسات الشّیطانیّة، ففسَّر هذه الآیة بأسلوب حَکیم، ناکراً حجیّة تلک الرّوایات المزوَّرة قائلاً:[3]

«هذا رواية عامّة المفسِّرين‏ الظّاهريِّين‏، أمّا أهل التحقيق فقد قالوا هذه الرّواية (ابن عبّاس) باطلة موضوعة (فلم یُوسوَس النّبيّ أساساً) و احتَجُّوا عليه بالقرآن و السّنّة و المعقول:

· أمّا القرآن فوجوه:

Ø أحدها: قوله تعالى: «وَ لَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ* لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ* ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ»‏.[4]

Ø و ثانيها: قوله: «قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى‏ إِلَيَ».[5]‏

Ø و ثالثها: قوله: «وَ ما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى‏ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى‏»[6] فلو أنه قرأ عقيب هذه الآية تلك الغَرانيق العُلى لكان قد ظهر كذب اللَّه تعالى في الحال (فکیف یَنطق النّبيّ بأکذوبة علی الله) و ذلك لا يقوله مسلم.

Ø و رابعها: قوله تعالى: «وَ إِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنا غَيْرَهُ وَ إِذاً لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا»[7] و كلمة «كاد» عند بعضهم معناه «قرُبَ أن يكون الأمر كذلك» مع أنّه لم يحصُل (أبداً نظیر قصّة یوسف حیث قال تعالی: لولا أن رأی برهان ربّه).

Ø و خامسها: قوله: «وَ لَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً»[8] و كلمة «لولا» تفيد انتفاء الشّي‏ء لانتفاء غيره، فدلّ على أن ذلك الركون القليل (أیضاً) لم يحصل.

Ø و سادسها: قوله: «كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ».[9]‏

Ø و سابعها: قوله: «سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى».[10]‏

· و أما السنة:

Ø فهي ما روي عن محمد بن إسحاق بن خزيمة أنه سئل عن هذه القصة فقال: هذا وضعٌ من الزنادقة و صنف فيه كتاباً.

Ø و قال الإمام أبو بكر أحمد بن الحسن البيهقيّ: هذه القصة غير ثابتة من جهة النقل ثم أخذ يتكلم في أنَّ رُواة هذه القصة مطعون فيهم.

Ø و أيضاً فقد روى البخاري في صحيحه‏ أن النبي عليه السلام قرأ سورة النجم و سجد فيها المسلمون و المشركون و الإنس و الجن‏ و ليس فيه حديث الغرانيق، و روي هذا الحديث من طرق كثيرة و ليس فيها البتّةَ حديثُ الغَرانيق.»[11]

و تَتمیماً لهذه الآیات المحکَمات و رفضاً علی وقوع تلک الوَسوسات -تجاه المعصوم- فقد ذکر کتاب الاحتجاج روایة مُجدیة جدّاً ضمن هذه النّقاشات، حیث قد نَقل عن أمیر المؤمنین علیه السّلام قائلاً: [12]

«يعني أنّه: ما من نبيّ‌ تمنَّى مفارقة ما يُعانيه (و یُؤذیه) من نفاق قومه و عقوقهم و الانتقال عنهم (أمّته) إلى دار الإقامة، إلاّ ألقَى الشّيطان المعرّض بعداوته عند فقده في الكتاب الذي أنزل عليه ذمّه و القدح فيه و الطعن عليه، فينسخ اللّه ذلك من قلوب المؤمنين فلا تقبله، و لا تصغي إليه غير قلوب المنافقين و الجاهلين، و يُحكم اللّه آياته بأن يحمي أولياءه من الضلال و العدوان، و مشايعة أهل الكفر و الطغيان، الذين لم يرض اللّه أن يجعلهم كالأنعام حتّى قال: «بَلْ‌ هُمْ‌ أَضَلُّ‌ سَبِيلاً»[13] فافهم هذا و اعلمه، و اعمل به، و اعلم أنّك ما قد تركت ممّا يجب عليك السّؤال عنه أكثر ممّا سألت عنه، و أنّي قد اقتصرت على تفسير يسير من كثير لعدم حمَلة العلم، و قلّة الراغبين في التماسه، و في دون ما بيّنت لك بَلاغٌ لذوي الألباب.

(فبالتّالي قد) قال السائل: حسبي ما سمعت يا أمير المؤمنين، شكر اللّه لك على استنقاذي من عماية الشرك و طخية[14] الإفك، و أجزل على ذلك مثوبتك إنّه على كلّ‌ شيء قدير[15].»

فالمستَخلَص من کافّة هذه القرآئن و الوَثائق:

· أنّ سنّة الله تعالی قد استَدامَت في مراقَبة النّاس دوماً من إغوائات الشّیطان، علماً منه تعالی أنّهم سیُبتَلون بها بشدّة و لهذا قد هتَف تعالی مکمِّلاً قائلاً: «لَیَجعَلَ مَا یُلقِي الشَّیطَانُ فِتنَةً لِلَّذِینَ فِي قُلُوبِهِم مَرَضٌ وَ القَاسِیَةِ قُلُوُبِهِم وَ إِنَّ الظَّالِمِینَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِیدٍ * وَ لِيَعْلَمَ‌ الَّذِينَ‌ أُوتُوا الْعِلْمَ‌ أَنَّهُ‌ الْحَقُّ‌ مِنْ‌ رَبِّكَ‌ فَيُؤْمِنُوا بِهِ‌ فَتُخْبِتَ‌ لَهُ‌ قُلُوبُهُمْ‌.».[16]

· و قد استَدللنا مسبقاً بمقدّمات الحِکمة المتوفِّرة في الفِقرات التّالیة: «آمنوا و لم یَلبسوا إیمانَهم بظلم» و «لهم الأمن و هم مهتدون» و «أولئک الذین هدی الله فبهداهم اقتَدِه» و «اجتبیناهم و هدیناهم» فإنّها آیات محکَمات حتماً حیث إنّه تعالی ضمن مقام تِبیان التّوسعة و تبیین الأمن المطلق لهم عن السّهو و الخَطأ و الوسوسة حتّی الدّنیویّة أیضاً، فبالتّالي قد بَرهَنت علی «العصمة المطلقة» بحیث قد افتَقد الشّیطان السّلطنةَ الوسواسیّة و الإغوائیّة و السّهویّة و... تجاهَ المعصوم تماماً.

· و قد أکّدنا کراراً أنّ حجیّة الرّوایات مرهونة علی موافقة الکتاب أو مخالفته، و حیث إنّ الرّوایة المزبورة -الغَرانیق- تُضادّ الآیات المنقولة، فبالتّالي ستُعدّ مُزوَّرة و مجعولة.

· و لهذا سنُفسِّر «التّمني» بمعنی «منتَهی التّقدیر» و «المستَهدَف الأخیر» و لهذا إنّ لفظة «الأمنیّة» هي حاصلة المصدر و نِتاج التّمني و التّقدیر، فإنّ النّبيّ حینما کان یقرأ الآیات ففي الحقیقة کان یَتمنّی هدایتَهم و نجاتَهم، و لکنّ الشّیطان کان یَتلاعب في هذا الهدف النّهائيّ و التّقدیر النّبويّ، لا في التّمني بمعنی إرادة المعصوم و آماله و أفکاره.

-----------------------
[1] مجمع البيان في تفسير القرآن، ج‏7، ص: 144
[2] تنزيه الأنبياء، ص: 109
[3] التفسير الكبير، ج‏23، ص: 237
[4] سورة الحاقّة، الآیة 44-46.
[5] سورة یونس، الآیة 15.
[6] سورة النّجم، الآیة 3.
[7] سورة الإسراء، الآیة 73.
[8] نفس السّورة، الآیة 74.
[9] سورة الفرقان، الآیة 32.
[10] سورة الأعلی، الآیة 6.
[11] و قد ازدَهر لک أنّ روایة البکریّة هي مزوَّرة تماماً، فنِعمَ ما نقَلته یَنابیع الشّیعة في هذه الأجواء حیث قد رَوی إبراهیم بن هاشم القميّ قائلاً: وَ أَمَّا الْخَاصَّةُ فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص أَصَابَهُ خَصَاصَةٌ فَجَاءَ إِلَى رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ فَقَالَ لَهُ: هَلْ عِنْدَكَ مِنْ طَعَامٍ فَقَالَ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَ ذَبَحَ لَهُ عَنَاقاً وَ شَوَاهُ فَلَمَّا أَدْنَاهُ مِنْهُ تَمَنَّى رَسُولُ اللَّهِ ص أَنْ‏ يَكُونَ مَعَهُ عَلِيٌّ وَ فَاطِمَةُ وَ الْحَسَنُ وَ الْحُسَيْنُ ع فَجَاءَ مُنَافِقَانِ ثُمَّ جَاءَ عَلِيٌّ بَعْدَهُمَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِي ذَلِكَ‏ «وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَ لا نَبِيٍّ» وَ لَا مُحَدَّثٍ‏ «إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ» يَعْنِي فُلَاناً وَ فُلَاناً «فَيَنْسَخُ اللَّهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ» يَعْنِي لَمَّا جَاءَ عَلِيٌّ ع بَعْدَهُمَا «ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آياتِهِ» يَعْنِي يَنْصُرُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ع ثُمَّ قَالَ: «لِيَجْعَلَ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ فِتْنَةً» يَعْنِي فُلَاناً وَ فُلَاناً «لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ» إِلَى قَوْلِهِ‏ «إِلى‏ صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ» يَعْنِي إِلَى الْإِمَامِ الْمُسْتَقِيمِ.» (تفسير القمي، ج‏2، ص: 86)
[12] طبرسی احمد بن علی. 1424. الاحتجاج. Vol. 1. ص608 قم - ایران: سازمان اوقاف و امور خیریه، انتشارات اسوه.
[13] الفرقان ٤٤/٢٥.
[14] الطخياء: هي الليلة المظلمة. مجمع البحرين.
[15] رواه الصدوق قدس سره - في كتاب التوحيد، ص ٢٥٤، الباب ٣٦، الحديث ٥، مع اختلاف و زيادة - مسندا، حيث قال: حدثنا أحمد بن الحسن القطّان عن أحمد بن يحيى، عن بكر بن عبد اللّه بن حبيب، عن أحمد بن يعقوب بن مطر - و في بعض النسخ: عن مطر - عن محمد بن الحسن بن عبد العزيز الأحدب الجنديسابوري، قال: وجدت في كتاب أبي بخطه: حدثنا طلحة بن يزيد عن عبيد اللّه بن عبيد، عن أبي معمّر السعداني: أنّ‌ رجلا أتى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السّلام... الحديث.
و نقله المجلسي رحمه اللّه في بحار الأنوار: ٩٨/٩٠ و ٣٢/٤ و ٢٥٧/١٨ و ٣١٠/٣ و ١٩٥/٢٤ و ١٧٤/٢٧ و ٢٦٤/٦٥ و ١٥١/٦٦ و ٢٣٥/٦٠ و ٣٦٤/١٨ و ٤٣/٨٩ و ٣٤٣/٦٦.
[16] سورة الحجّ الآیة 53.


الملصقات :


نظری ثبت نشده است .