درس بعد

الاوامر

درس قبل

الاوامر

درس بعد

درس قبل

موضوع: مادة الأمر و صیغته


تاریخ جلسه : ١٤٠٣/١/٢٨


شماره جلسه : ۷۷

PDF درس صوت درس
خلاصة الدرس
  • تحلیلُ منهَجَةِ "الأمر بین الأمرینِ"

الجلسات الاخرى
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحيمْ
الْحَمْدُ للّه رَبِّ الْعَالَمِينْ وَصَلَى الله عَلَىٰ سَيِّدَنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ الطَّاهِرِينْ

تحلیلُ منهَجَةِ "الأمر بین الأمرینِ"

لقد فسَّرنا فکرةَ "الأمرِ بین الأمرینِ" مُسبقاً و سنَتَجوَّلُ فیها الیوم بأهمیةٍ أوسع، فإنّ أساسَ هذه القضیّةِ حسّاسةٌ للغایة إذ إنّ الروایات قد تَشدّدت في هذا المِضمار حیث قد ورد:

«من زعم أنَّ‌ الله يفعل أفعالنا ثمَّ‌ يعذبنا عليها فقد قال بالجبر، ومن زعم أنَّ‌ الله فوَّض أمر الخلق والرزق إلى حججه فقد قال بالتفويض، والقائل بالجبر كافر، والقائل بالتفويض مشرك»[1].

و سیراً في اتّجاهِ الرّوایاتِ قد بسطَ المحقّقُ الخوئيُّ فکرةَ "الأمرِ بین الأمرینِ" -تَنحیّاً عن الجبر و التفویض- قائلاً:

«الرابع: مذهب الإمامية العادلة، وهو المذهب الحقّ‌ الصحيح، وذهابهم إليهم إنّما هو من نتائج تمسّكهم بأهل بيت العصمة، الراسخين في العلم، المطّلعين على الحقائق برمّتها.

وخلاصة مذهبهم في الأفعال: أنّ‌ القدرة على الفعل والسبيل إليه إنّما هو من اللّٰه عزّوجلّ‌، وأمّا إعمال القدرة والسلطنة فمن العبد، فالعبد هو فاعل الفعل وموجده حقيقة، فعليه تكون لكلّ‌ ما يصدر من العبد جهتان وإضافتان: إضافة إلى اللّٰه تعالى لأنّه معطي القدرة، وإضافة إلى العبد لأنّه أعملها وأخرجها إلى الفعل.

وهذا هو معنى ما تواتر عنهم (سلام اللّٰه عليهم) في باب الأفعال، المعبّر عنه في ألسنتهم (سلام اللّٰه عليهم)[2] بالأمر بين الأمرين، والمنزلة بين المنزلتين، ولطف من ربّك بين ذلك. فإذا عرفت هذا المذهب بحقيقته فقد تحفّظت على التوحيد، ولا تلزمك التوالي الفاسدة، وإن شئت التعبير عن خلاصة مذهبهم بعبارة لطيفة فقل: بحول اللّٰه وقوّته أقوم وأقعد.»[3]

و لهذا قد أکّدنا مسبقاً بأن هذه المنهجیّةَ -الأمر بین الأمرین- تَخصُّ الإمامیةُ فحسب إذ بقیّةُ النِّحَل قد تَورَّطُوا في مخمصَةِ الجبر أو التّفویض المُزَیَّفَتینِ.

 و أمّا المحقّقُ الخمینيُّ فقد مَثَّل لهذه المنهجیّةِ المُسدَّدةِ بالتمثیل التّالي قائلاً:

«تمثيلٌ: والمثال يقرِّبُ من وجه لا من جميع الوجوه، إذا أشرقت الشَّمس على مرآةٍ ووقع النور منها على جدار، فنور الجدار ليس من المرآة بذاتها لعدم نور لها، ولا من الشمس المطلقة أي‌بلا وسط وبلا قيد، بل هو نور شمس المرآة، فمَن نظر إلى المرآة غافلاً عن الشمس يزعُم كونه للمرآة، ومَن نظر إلى الشمس غافلاً عن المرآة يزعم كونه من الشمس بلا وسط، ومَن كان ذا العَينين: يَرى الشمس والمرآة (سوفَ) يَرى أنّ النور من شمسِ المِرآة ومع ذلك يَحكُم بأنّ النّور -وما هو من سِنخِه- للشمس بالذات وللمرآةِ بالعَرَض، ومحدوديّةُ النّور حسبَ حدِّ المرآة (حجماً) للمرآة بالذات وللنور بالعرض، ومع ذلك لولا الشمس وإشراقها لم يكن نور ولا حدّ، فالنور وحدّه مِن عندِ الشمس.

فالأنوار الطالعةُ من اُفق عالم الغَيبِ إنّما هي لنورِ الأنوار، «وَ مَنْ لَمْ يَجْعَلِ اَللّٰهُ لَهُ نُوراً فَمٰا لَهُ مِنْ نُورٍ»[4]. فنور الوجود من حضرة الرَّحَمُوت وظلِّ نور اللّٰه تعالى؛ «اَللّٰهُ نُورُ اَلسَّمٰاوٰاتِ وَ اَلْأَرْضِ‌»[5] ولا نورَ إلّا نورُه (فحقیقةُ العالَم هو نور الله تماماً بحیث لولا نورُ الله لانهارَ العالَمُ بأسرِه و أصبحَ ظَلاماً و عَدماً) ولا ظهورَ إلّا ظهورُه ولا وجودَ إلّا وجودُه ولا إرادةَ إلّا إرادتُه ولا حولَ ولا قوّةَ إلّا به وإلّا بحوله وقوّتِه، والحدودُ والتعيّنات والشرور كلّها من حدود الإمكان ومن لوازم الذوات الممكنة وضيق المادّة وتصادم المادّيات (فأصلُ حدوثِها لا یَنتمي إلی الله تعالی بل یَنتمي إلیه تعالی ثانیاً وبالعَرَض: قل کلٌّ من عند الله).»[6]

و بتعبیرٍ أجلی: إنّ إرادتَنا تُعدّ تجلياً عن إرادةِ الله فإرادتُنا ذاتُ ربطٍ محض و محتاجةٌ إلی إرادة الله تعالی فإنّا لا نَمتلکُ استقلالیّةً في الإرادةِ و القدرة و الحیاة و... إذن فنفسُ الإرادةِ الکلیّةِ مخلوقةٌ من قِبَل الله إلا أنّا في عالم الخارجِ سنَختارُ أحدَ الطّرفینِ بإرادتِنا الباطنیَّةِ التي اتّخذناها من الإرادةِ الإلهیّةِ إذ قد سجَّلنا الکبری التّالیة: بأنّ کافّةَ الموجوداتِ -سواءٌ الخارجیّة أو الذّهنیّةُ- قد اقتَبَسَت وجودَها من الله تماماً حتّی الإرادة، فبالتّالي إنّ أساسَ العلمِ و الإرادة و القدرة و الحیاة و... یَنتمي إلی الله حقیقةً و بالذات و لکنّا قد امتلَکنا حظّاً یسیراً من ذلک في أفقِ الخارج فحسب، بل قد عَدَّینا هذه المواصفاتِ إلی مبحثِ الحکومة و الولایة التي هي أحکامٌ وضعیّةٌ أیضاً فإنّ حقیقتَهما تَعود إلی الله أوّلاً و بالذّات -فهو الحاکم و الوليّ المطلق واقعاً- و مِن ثَمَّ ق أصبحَتا جعلیّةً و عرَضیّةً للبشر لأنّهما قد اتُّخذَتا من الله تعالی.

فالمُستَحصَل أنّ لُبَّ حقیقةِ "الأمر بین الأمرین" و واقعَ "الإرادة" عقلاً هو الذي حرّرناه لِلتَّوِّ و غیرُه غیرُ معقول، فلو نَطَقَ قائلٌ بغیر ما أفَدناه لاتَّجَه إلی غیر المعقول تماماً.

ثمّ قد أتمَّ المحقّق الخمینيّ تَمثیلَه بتمثیلٍ محسوسٍ آخرَ قائلاً:

«تمثيل أقرب: فانظُر قُوى النَّفس المُنبثَّةِ في تلك الصّيصيَّةِ البدنية من غيبها، فإنّها بما هي متعلّقاتٌ بذات النّفس وروابطُ محضةٌ بها فعلُها فعل النفس، بل هي (القُوی) ظهورها وأسماؤها وصفاتها، (فلو تَقوَّتِ النفسُ لازدادَت طاقةُ السّمع و البصر لتقویةِ الرّبطیّةِ بالله و تجلّیها بنحو أوسعَ) فمع صحّة نسبة الرُّؤيةِ إلى البصر، والسّماع إلى السّمع وهكذا، تَصحُّ نسبتُها إلى النّفس (لأنّ النفس تَخلُق تلک الصّور البصریّة و السّمعیّة في الذّهن) فبالسمع تسمع وبالبصر تبصر، فلا يصحّ سلب الانتساب عن القوى ولا عن النفس؛ لكونها روابطها وظهورها (فکذلک وجودُنا بالنّسبةِ إلی الله تعالی) وليعلم أنّ فناء نور الوجود في نور الأنوار أشدّ من فناء قوى النفس فيها بما لا نسبة بينهما؛ لأنّ النفس بما أنّها موجودة متعيَّنةٌ ذاتُ ماهيّةٍ وحدٍّ -والماهية من ذاتها التباين والغيرية- تُصحّح الغيريّة والتّباين مع قُواها، ومع ذلك تكون النّسبة إليهما حقيقيّةً لأجل الحَظّ الوجودي الذي لهما، فكيف بموجود بريء من جهات النقص والتعيّن، ومنزّه عن الماهية ولوازمها، ومقدّس عن شوائب الكثرة ومصحّحات الغيرية والتضادّ والتباين‌؟»

و هذا التّقریبُ یَنسَجِمُ مع مقالةِ المحقّق الخمینيّ الماضیة حیث قد فسّرَ الآیةَ الشریفةَ -علی منهجِ الصّوابِ- قائلاً:

«، وقوله: «وَ مٰا تَشٰاؤُنَ إِلاّٰ أَنْ يَشٰاءَ اَللّٰهُ‌»[7] فأثبت المشيّة للّٰه‌ من حيث كونها لهم (أیضاً لأنه تعالی قد نَسب الرّميَ إلی البشر و لکنّ الرّميَ في الحقیقةِ قد تَحقَّق بمشیئةٍ واحدة و هو عینُ الرّبطیّةِ) لا بأن يكون المؤثِّرُ مَشيَّتينِ أو فعلين بالاشتراك بل بما أنّ مشيّةَ الممكن ظهورُ مشيَّتِه تعالى وعين الربط والتعلّق بها (و قد أبرَزَ البشرُ تلک المشیئةَ و القدرةَ الإلهیّةَ بفعلِه لیس أکثر إذ الإرادةُ واحدةٌ بینهما).»

بینما المحقّقُ الخوئيُّ بأنّ الإرادةُ متعلّقةٌ بالإنسان إلا أنّ مبادئَها و مقدّماتِها تَرتبطُ بالله تعالی، فمن هذینِ البُعدینِ سیَنتَسِبُ الفعلُ إلی الله و إلی البشر أیضاً، و لهذا قد صرّحَ قائلاً:

« وأمّا الجهة الثالثة: فقد عرفت[8] أنّ‌ الأفعال الصادرة عن العباد -خيرها وشرّها- إنّما تصدر عنهم بإعمالهم قدرتهم فيها، بإفاضة اللّٰه سبحانه مبادئ وجودها من القدرة وغيرها آناً فآناً، فلا جبر ولا تفويض بل منزلة بينهما.»[9]

ثم قد مثَّلَ لمنهجِ الأمر بین الأمرین في کتابِه الأصوليّ قائلاً:

«و قد ألهمني اللّه تعالى بذكر أمثلة يفترق بها كلّ من مذهبي الجبر و التفويض عن مذهب الحق، و هي: انّ المولى اذا أعطى لعبده سيفا مع علمه بأنّه يقتل به نفسا، فاذا صدر القتل من العبد باختياره لا يكون مستندا الى المولى بوجه، لكونه أجنبيّا عنه حين صدوره، غاية الامر أنّه باعطاء السيف هيّأ له مقدمة من مقدماته الاعدادية، و هذا هو واقع التفويض و حقيقته.

و اذا شدّ الآلة بيد العبد و هي مرتعشة متحرّكة بغير ارادته و اختياره، فأصابت الآلة نفسا باعمال قدرة المولى فقتلها، لا يكون هذا القتل مستندا الى العبد و لا يكون صادرا منه بارادته و اختياره، و هذا هو واقع الجبر و حقيقته.

و اذا فرض أنّ يد العبد مشلولة لا يتمكّن من تحريكها الاّ مع ايصال الحرارة اليها بالقوة الكهربائية، فاوصل المولى القوّة اليها بواسطة سلك كان أحد طرفيه بيد المولى، فذهب العبد باختياره و قتل نفسا بارادته و المولى يعلم بذلك، فالقتل صادر من العبد بارادته و اختياره، الاّ أنّه لا يكون مستقلا في صدور القتل، غنيّا عنه، الاّ أنّ السلك بيد المولى، و هو الّذي يعطي له القوّة آناً فآنا الى اتمام العمل، و هذا هو الامر بين الامرين.»[10]

بینما المحقّقُ الخمینيُّ یَعتقد بأنّ الله هو المؤثِّرُ الحقیقيُّ في إرادةِ الإنسانِ و أفعاله تماماً -لا أنّه یَتصرّفُ في المقدّماتِ فحسب- إذ أصلُ القدرة و الإرادةِ و... نابعٌ من الله تماماً و أمّا الإنسانُ فیعدُّ رابطاً منعدمَ التأثیرِ أساساً -حتی بنحوِ جزءِ العلة و حتّی في الخارجِ- فإنّه لا یُحقّقُ الإرادةَ و الفعلَ إذ إرادتُنا ولیدةُ الإرادةِ الإلهیّة أیضاً، و لهذا قد استَشهدَ بالآیةِ التّالیة: و ما رمیتَ إذ رمیتَ و لکنّ الله رَمی. فنَنسبُ الفعلَ مباشرةً إلی الله -و نَهتِفُ بأنّ هذا فعلُ الله حقیقةً- و عرَضاً إلی الإنسانِ، إذ ما سِوی الله یعدُّ عینَ الرَّبط بالله تعالی، طبعاً بلا وَحدةٍ في الوجود مع الله، بل یَئول وجودُ کلِّ شیئٍ إلی الله حقیقةً -لا أنّ الله قد تَجلَّی في الممکنات- إذ البشرُ قادرٌ علی إرادةِ الفعل أو التّرک وجداناً[11] أجل لو أرادَ الله أن نُریدَ -أي أرادَ إرادتَنا- لأنتَج الجبرَ حتماً و لکنّا نَعتقِدُ بأنّ إرادتَنا المتوفّرةَ في الباطن قد انتُزِعَت من منبَعِ الإراداتِ و هي إرادةُ الله فالإرادةُ و المشیئةُ -ما بین الله و البشر- موحَّدةٌ حقیقةً، ولهذا تجدُ النّورَ الساطع من النّافذة أصلُها من الشّمس بلا استقلالیةٍ و تغایرٍ في الوجودِ فیصحّ الإطلاقُ بأنّ هذا النورُ الجزئيُّ -في الغرفة- نورُ الشّمس واقعاً، و مشیاً في هذه الجادّةِ قد علَّلَ المحقّق الخمینيّ مقالتَه قائلاً:

«فإنّه تعالى لمّا كان صرف الوجود فهو صرف كلّ كمال وجمال، وإلّا يلزم عدم كونه صرفاً وهو يرجع إلى التركيب والإمكان، وأيضاً يلزم منه أن يكون في التحقّق أصلان: الوجود ومقابله، مع أنّ مقابله العدم والماهية، وحالهما معلومة.

فهو تعالى صرف الوجود وصرف كلّ الكمالات، والصادر من صرف الوجود لا يمكن أن يكون غير الوجود والكمال، والنقائص والشرور لوازم ذوات المعاليل من غير تخلّل جعل (مباشرةً فالقتل قد صَدرَ من موجود ممکنٍ مباشرةً و من الله بالعَرَض و به قد أشارَ تعالی» ما أصابک من حسنة فمن الله لأنه خیرٌ مطلق و أما السیئة فمن نفسِک إذ الأشرار تَنبَع من الممکنات لا من الخیر المطلق الإلهيّ) لعدم إمكان تعلّقه إلّابالوجود وهو نفس الكمال والسّعادة والخير.»[12]

و علی أساسِ هذه البَذرَةِ الفکریّةِ العَقَدیّةِ، قد شرَحه مقالتَه بأسلوبٍ أوسعَ قائلاً:

«لكن لمّا كانت النقائص والشرور اللازمة للوجودات الإمكانية من قبيل الأعدام المضافة، والحدود والماهيات كان لها وجود بالعرض، وما كان كذلك فمن عند اللّٰه لكن بالعرض، فالخيرات من اللّٰه بالذات ومنسوبة إلى الممكنات بالعرض، والشرور من الممكنات بالذات ومنسوبة إليه تعالى بالعرض، فحينئذٍ يصحّ أن يقال: كلٌّ من عند اللّٰه، فإنّه لولا الإيجاد والإفاضة وبسط الخيرات لم يكن وجود ولا حدّه ولا طبيعة ولا ضيقها، ولعلّ تغيير الاُسلوب وتخلّل لفظة «عند» في قوله تعالى: «قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اَللّٰهِ‌»[13] للإشارة إلى المجعولية بالعرض (بینما في الآیة السّابقة لم یذکر کلمة "عند" لأنّ السّیئةَ لا تَنتسب إلی الله مباشرةً بل إلی الممکنات).»[14]

و في أواخِر المسارِ قد استَشَهد لمُعتقَدِه بالآیاتِ الکریمةِ قائلاً:

«فمن الآيات - مضافاً إلى ما قدّمنا من قوله تعالى: «وَ مٰا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَ لٰكِنَّ اَللّٰهَ رَمىٰ‌»[15] وقوله تعالى: «وَ مٰا تَشٰاؤُنَ إِلاّٰ أَنْ يَشٰاءَ اَللّٰهُ‌»[16] وقوله تعالى: «مٰا أَصٰابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اَللّٰهِ‌...»[17] الآية - الآيات[18] الواردة في قضيّة خضر وموسى - على نبيّنا وآله وعليهما السلام - فإنّ فيها إشارة لطيفة إلى هذه الحقيقة.

والآيات التي وردت فيها نسبة التوفّي تارة إلى اللّٰه تعالى فقال: «اَللّٰهُ يَتَوَفَّى اَلْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهٰا»[19]، واُخرى إلى ملك الموت فقال: «قُلْ يَتَوَفّٰاكُمْ مَلَكُ اَلْمَوْتِ اَلَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ‌»[20]، وثالثة إلى الملائكة فقال: «وَ لَوْ تَرىٰ إِذْ يَتَوَفَّى اَلَّذِينَ كَفَرُوا اَلْمَلاٰئِكَةُ‌»[21].

والآيات التي تنسب الإضلال تارةً إلى اللّٰه تعالى فقال: «وَ يُضِلُّ اَللّٰهُ اَلظّٰالِمِينَ‌»[22]، واُخرى إلى إبليس فقال: «إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ‌»[23]، وثالثة إلى العباد فقال: «وَ أَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ‌»[24]، وقال: «وَ أَضَلَّهُمُ اَلسّٰامِرِيُّ‌»[25].

وأنت إذا كنت ذا قلب متنوّر بنور فهم القرآن بعد تطهيره من أرجاس التعلّق إلى الطبيعة ف‍ «إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتٰابٍ مَكْنُونٍ * لاٰ يَمَسُّهُ إِلاَّ اَلْمُطَهَّرُونَ‌»[26]، لوجدت هذه اللطيفة في آيات لا يمسّها العامّة، فهذا قوله تعالى: «اَلْحَمْدُ لِلّٰهِ رَبِّ اَلْعٰالَمِينَ‌»[27] قصّر جميع المحامد عليه تعالى وأرجع كلّ محمدة إليه، فلولا أنّ كلّ كمال وجمال كمالُه وجماله بالذات وبحسب الحقيقة لم يكن وجه لصحّة هذا القصر. ولو أضفت إلى ذلك ما عند أهل المعرفة[28] من أنّ قوله: «بِسْمِ اَللّٰهِ اَلرَّحْمٰنِ اَلرَّحِيمِ‌» متعلّق بقوله: «اَلْحَمْدُ لِلّٰهِ‌» ترى أنّ المحامد من كلّ حامد إنّما يقع باسم اللّٰه، فباسمه يكون كلّ حمد للّٰه‌تعالى، فهو الحامد والمحمود، هذه شمّةٌ من الآيات ذكرناها اُنموذجة لغير ما ذكر.»[29]

----------------------
[1] الصدوق، محمد بن علي، عيون أخبار الرضا (ع)، ج ١ ص ١١٤.
[2] راجع الكافي ١٦٠:١ / باب الجبر والقدر والأمر بين الأمرين ح ١٣، البحار ٣٠/٢٢:٥، ٩١، المصدر المتقدّم من الكافي ح ٨
[3] موسوعة الإمام الخوئي (رسالة في اللباس المشکوک). Vol. 49. ص31 قم - ایران: مؤسسة إحياء آثار الامام الخوئي.
[4] - النور (٢٤):٤٠.
[5] - النور (٢٤):٣٥.
[6] موسوعة الإمام الخميني قدس سره الشريف. Vol. 2. ص23 مؤسسه تنظيم و نشر آثار امام خمينی.
[7] - الإنسان:٣٠؛ التكوير:٢٩.
[8] في ص ٣٠ وما بعدها
[9] موسوعة الإمام الخوئي (رسالة في اللباس المشکوک)، جلد: ۴۹، صفحه: ۵۷، 1418 ه.ق.، قم - ایران، مؤسسة إحياء آثار الامام الخوئي
[10] خوئی ابوالقاسم. 1422. مصباح الأصول. Vol. 1. قم - ایران: مکتبة الداوري.
[11] فرغمَ أنّ الأستاذَ المعظّم قد صرّح بأنا لا نَخضع بوحدة الوجود مع الموجود و لکنّه في الحقیقةِ قد تَزحلق فیها من حیث لا یَشعُر إذ الرَّبطیّةُ ستُؤدّي إلی الوحدة فإنّ الرّابطَ عدیمُ التأثیر من کافّة الجوانب و إنّما المؤثّرُ الحقیقيّ التّکوینيّ و النّهائيّ للعمل هو الله تعالی، و هذا سیُفضي إلی الجبرِ بل إلی مُعتقَدِ الصّوفیّةِ العِرفانیّةِ رغمَ أنّ الأعلامَ یُنکرُونَها في الفَم فحسب، و ربما تُشیرُ الآیة التّالیة إلی غفلتِنا لهذا الموضوع: و ما یؤمنُ أکثرُهم بالله إلا و هم مشرکون. فبالتّالي، لو دقَّقتَ النّظرَ في مقالةِ المحقّق الخمیني لعَثرتَ علی التّهافُت و الشوائب حتماً، و قد أشارَ الشّهیدُ الصّدر إلی هذه المأساةِ أیضاً قائلاً: و هذا الاحتمال (الخامس) ذهب إليه عرفاء الفلاسفة و متصوفوهم، و حاصله، أن هذا الفعل له فاعلان، و هما المولى و العبد، و لكن هذين الفاعلين ليسا طوليين، كما هو الحال في الاحتمال الثالث، كما أنهما ليسا عرضيين، كما هو الحال في الاحتمال الرابع، و إنما هي فاعلية واحدة، بحيث أن هذه الفاعلية الواحدة، بنظر تنسب إلى العبد، و بنظر آخر تنسب إلى المولى تعالى، بناء منهم على تصور عرفاني للعبد و للمخلوقات، لأنها معان حرفية و استهلاكية إذن فنسبتها إلى الباري تعالى، نسبة المعنى الحرفي إلى المعنى الاسمي عند الأصوليين، فكما أن المعنى الحرفي ليس له هوية استقلالية، بل هو فان و مستخدم بين يدي المعنى الاسمي، فكذلك الموجودات بالنسبة إلى خالقها، فإذا نظر إلى هذه الموجودات بما هي تعلّقات و اندكاكات، إذن ففعلها عين فعل الباري تعالى، و فعل المندك عين فعل المندك فيه، إذن فهي فاعلية واحدة و هذه الفاعلية الواحدة، هي بالنظر الاندكاكي هي فعل المولى، و بالنظر اللاّاندكاكي هي فعل العبد، و لكن هذا الاحتمال كما عرفت مبني على ذوق صوفي في تصور عالم الوجود، لا برهان عليه فضلا عن أن الوجدان على خلافه فلا نقرّه. (بحوث في علم الأصول (عبد الساتر). Vol. 4. ص63. بیروت - لبنان: الدار الإسلامية.)
[12] موسوعة الإمام الخميني قدس سره الشريف. Vol. 2. ص22 مؤسسه تنظيم و نشر آثار امام خميني.
[13] النساء: ٧٨.
[14] نفس المصدر.
[15] - الأنفال (٨):١٧.
[16] - الإنسان (٧٦):٣٠؛ التكوير (٨١):٢٩.
[17] - النساء (٤):٧٩.
[18] - الكهف (١٨):٦٠-٨٢.
[19] الزمر (٣٩):٤٢.
[20] السجدة (٣٢):١١.
[21] الأنفال (٨):٥٠.
[22] إبراهيم (١٤):٢٧.
[23] القصص (٢٨):١٥.
[24] طه (٢٠):٧٩.
[25] طه (٢٠):٨٥.
[26] الواقعة (٥٦):٧٧-٧٩.
[27] الفاتحة (١):٢.
[28] الفتوحات المكّية ٤٢٢:١؛ شرح توحيد الصدوق ٦١٣:١.
[29] موسوعة الإمام الخميني قدس سره الشريف. Vol. 2. تهران - ایران: مؤسسه تنظيم و نشر آثار امام خميني.



الملصقات :


نظری ثبت نشده است .