درس بعد

الاوامر

درس قبل

الاوامر

درس بعد

درس قبل

موضوع: مادة الأمر و صیغته


تاریخ جلسه : ١٤٠٢/١٠/١٢


شماره جلسه : ۴۸

PDF درس صوت درس
خلاصة الدرس
  • الخوضُ في مبنی السیّد الخوئيِّ حول جوهرةِ الإنشاء

  • توضیحُ اقتضائیَّةِ الألفاظِ بلا عِلِیَّتِها

الجلسات الاخرى
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحيمْ
الْحَمْدُ للّه رَبِّ الْعَالَمِينْ وَصَلَى الله عَلَىٰ سَيِّدَنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ الطَّاهِرِينْ

الخوضُ في مبنی السیّد الخوئيِّ حول جوهرةِ الإنشاء

قبل التعرُّض إلی مبنی السیِّد الخوئيّ نَستحضِرِ الآنَ اعتراضَ السیِّدِ علی المحقّق الاصفهانيِّ بأنَّ مسلکَ التنزیلِ یَتِمُّ علی اتّجاهِ الهُوهُویَّةِ و الاندماج بینما المحقّقُ الاصفهانيُّ لم یَعتَرِفُ بها ضمن أبحاثِ الوضع بل اتّجَه َ إلی عملیّةِ "جعلِ اللفظ للمعنی" لا عملیّة التنزیل، بینما المحقّقُ في مبحث حقیقة الإنشاء قد اتّجَهَ نحوَ عملیّةَ "تنزیلِ اللفظ منزلةَ المعنی ذاتاً" فالتضاربُ ما بین الاتّجاهین یَدلّ علی تهافُتِ المبنی.

و أما المَبنی الرابعُ حول حقیقةِ الإنشاء فقد تَبنَّاهُ السیِّدُ الخوئيُّ قائلاً:

(إنّ الإنشاءَ) لابراز أمر نفسانيّ‏ غيرِ قصد الحكاية ولم توضَع لايجاد المعنى في الخارج، والوجه في ذلك:

1. هو أنّهم لو أرادوا بالإيجاد الإيجادَ التكوينيّ كايجاد الجوهر والعرض فبطلانه من الضروريات التي لا تَقبَل النزاعَ، بداهةَ أنّ الموجودات الخارجيّةَ بشتّى أشكالها وأنواعها، ليست ممّا توجد بالإنشاء، كيف والألفاظ ليست واقعة في سلسلة عللها (الوجودات الخارجیّة) وأسبابها كي توجَدَ بها.

2. وإن أرادوا به الإيجادَ الاعتباريَّ كايجاد الوجوب والحرمة أو الملكيّةِ والزوجيّة وغير ذلك، فيَردُّه: أنّه يكفي في ذلك نفسُ الاعتبار النفسانيّ (في نفس المعتبر) من دون حاجة إلى اللفظ والتكلّم به، ضرورة أنّ اللفظَ في الجملة الإنشائيّةِ لا يكون علّةً لإيجاد الأمر الاعتباري، ولا واقعاً في سلسلة علته، فانّه يتحقق بالاعتبار النفساني، سواء كان هناك لفظ يتلفظ به أم لم يكن، نعم، اللفظ مبرزٌ له في الخارج لا أ نّه موجِد له، فوجوده بيد المعتبر وضعاً ورفعاً، فله أن يعتبر الوجوب على ذمة أحد وله أن لا يعتبر، وله أن يعتبر ملكيّةَ مالٍ لشخص وله أن لا يعتبر ذلك، وهكذا.

وأمّا الاعتباراتُ الشرعيّةُ أو العقلائيّةُ فهي وإن كانت مترتِّبَةً على الجمل الانشائية، إلّا أنّ ذلك الترتُّبَ إنّما هو فيما إذا قصد المنشِئُ معانيَ هذه الجمل بها (بحیث یَعتبر في نفسِه البیعَ ثم یَعتبر لفظَ "بعتُ" إبرازاً للبیع ثمّ نَتربَّصُ إمضاءَ الشارع هل یَمضيه أم لا) لا مطلقاً، والمفروض في المقام أنّ الكلام، في تحقيق معانيها وفيما يترتّب عليه تلك الاعتباراتُ.

وبتعبير آخر: أنّ الجمل الإنشائية وإن كانت ممّا يتوقف عليها فعليّة تلك الاعتبارات وتحققها خارجاً، ولكن لا بما أنَّها ألفاظٌ مخصوصةٌ، بل من جهة أنَّها استُعمِلَت في معانيها (بحیث یُفترَضُ بدایةً أن یتحققَ المعنی في النفس ثمَّ یَتِمُ إنشائُه، فالإنشاءُ الشخصيُّ یُعدُّ موضوعاً لتحقّقِ اعتبار الشارع و إمضائِه فلو لم یعتبرِ المعتبرُ بإبراز شیئٍ لما حصَلَ معنی خارجاً کي یُؤیِّدُه الشارع)

على أنّ في كل مورد من موارد الانشاء ليس فيه اعتبار من العقلاء أو من الشرع، فان في مواردِ انشاء التمني والترجي والاستفهام ونحوها ليس أيَّ‏ اعتبار من الاعتبارات لا من الشارع ولا من العقلاء، حتّى يتوصل بها إلى ترتبه في الخارج (إذ الاستفهام لیس اعتبارًآ عقلائیّاً بینما هی من مصادیق الإنشاء حقیقةً ولهذا نعتقدُ بأن لعل أو لیت أو... ألفاظٌ مبرِزَةٌ لذلک المعنی).[1]

و منذ الآن ستُشاهدُ تَشابُهَ مقالةِ السیّد الخوئيّ مع مُعتقَدِ الشیخ الحائريِّ بأنّ الإنشاءَ هو إظهارُ المعنی و أنها تَحکي عن الحقائقِ الموجودةِ في النفس، وها نحنُ الآن نَقُصُّ علیک بیاناتِ الشَّیخ:

و الذي أتعقل من الانشائيات أنها موضوعة لأن تحكيَ عن حقائقَ موجودةٍ في النفس (أي الإرادة) مثلاً: هيئةُ افعل موضوعة لأن تحكيَ عن حقيقة الارادة الموجودة في النفس، فاذا قال المتكلم: اضرب زيدا و كان في النفس مُريداً لذلك فقد أعطتِ الهيئةُ المذكورةُ معناها (بخلاف المجنون و الغافل أو المازح مثلاً حیث لا إرادةَ لهم لتحقیق النسبة فیُصبح إنشائُهم مُهمَلاً) و اذا قال ذلك و لم يكن مريداً واقعاً (کالمازح) فالهيئة المذكورةُ ما استُعمِلَت في معناها (الإنشائيّ) نعم بملاحظة حكايتها عن معناها يُنتزع عنوان آخر لم يكن متحقّقاً قبل ذلك، و هو عنوان يسمى بالوجوب، و ليس هذا العنوان المتأخّرُ معنى الهيئة، اذ هو منتزَعٌ من كشف اللفظ عن معناه و لا يعقل ان يكون عين معناه.

و أمّا النقطةُ التي تُمیّزُ مقولةَ السیّد الخوئيّ عن الشیخ الحائريّ فهي کالتالي:

تحقُّقُ صفة الارادة او التمنى او الترجى في النفس:

1. قد يكون لتحقق مباديها في متعلقاتها، كمن اعتقد المنفعة في ضرب زيد فتحققت في نفسه ارادته، او اعتقد المنفعة في شي‏ء مع الاعتقاد بعدم وقوعه فتحقّقت في نفسه حالة تسمى بالتمنى، او اعتقد النفع في شي‏ء مع احتمال وقوعه فتحققت في نفسه حالة تسمى بالترجى.

2. و قد يكون تحقق تلك الصفات في النفس لا من جهة متعلقاتها بل توجد النفس تلك الصفات من جهة مصلحة في نفسها، كما نشاهد ذلك وجدانا في الإرادة التكوينية قد توجدها النفس لمنفعة فيها مع القطع بعدم منفعة في متعلقها و يترتب عليها الأثرُ، مثال ذلك: أن إتمام الصلاة من المسافر يتوقف على قصد الاقامة عشرة ايام في بلد من دون مدخلية لبقائه في ذلك البلد بذلك المقدار وجودا و عدما، و لذا لو بقى في بلد بالمقدار المذكور من دون القصد لا يتم، و كذا لو لم يبق بذلك المقدار و لكن قصد من اول الامر بقائه بذلك المقدار يتم، و مع ذلك يتمشى قصد البقاء من المكلف مع علمه بان ما هو المقصود ليس منشأ للاثر المهم، و انما يترتب الاثر على نفس القصد، و منع تمشى القصد منه مع هذا الحال خلاف ما نشاهد من الوجدان، كما هو واضح، فتعين ان الإرادة قد توجدها النفس لمنفعة فيها لا في المراد، فاذا صح ذلك في الإرادة التكوينية صح في التشريعية ايضا، لانها ليست بازيد مئونة منها، و كذا الحال في باقى الصفات من قبيل التمنى و الترجى.[2]

فالفارق ما بینَ الفاضلینِ هو أن السیِّدَ قد عبَّرَ بالإبراز بلا تفصیل بین المصلحة في المطلوب المُنشأِ أو بین المصلحةِ في نفس الإیجاد الاعتباريّ، بینما الشیخ الحائريّ قد فکّکَ ما بین الإبرازَین.

ثم یُکمِلُ السیّدُ الخوئيُّ حوارَه حول مسلک الوضعِ التَّعهُديِّ الذي یَرتَبطُ بکیفیّةِ عملیّةِ الإبراز قائلاً:

إذا عرفت ذلك فنقول: قد ظهر ممّا قدّمناه أنّ الجملة الإنشائية- بناءً على ما بيّناه من أنّ الوضع عبارة عن التعهد والالتزام النفساني- موضوعة لابراز أمر نفساني خاص (کما اعتقده المحقق الهمدانيّ) فكل متكلم متعهد بأ نّه متى ما قصد إبراز ذلك يتكلم بالجملة الإنشائية، مثلًا إذا قصد إبراز اعتبار الملكية يتكلم بصيغة بعت أو ملكت، وإذا قصد إبراز اعتبار الزوجية يبرزه بقوله: زوّجت أو أنكحت، وإذا قصد إبراز اعتبار كون المادة على عهدة المخاطب يتكلم بصيغة إفعل ونحوها، وهكذا، ومن هنا قلنا إنّه لا فرق بينها وبين الجملة الخبرية في الدلالة الوضعية والابراز الخارجي، فكما أ نّها مبرزة لاعتبار من الاعتبارات كالملكية والزوجية ونحوهما، فكذلك تلك مبرزة لقصد الحكاية والاخبار عن الواقع ونفس الأمر.

فتحصّل‏ ممّا ذكرناه: أ نّه لا وجه لما ذكره المحقق صاحب الكفاية (قدس سره) من أنّ طبيعي المعنى في الإنشاء والاخبار واحد، وإنّما الاختلاف بينهما من ناحية الداعي إلى الاستعمال، فانّك عرفت اختلاف المعنى فيهما، فانّه في الجملة الخبرية شي‏ء وفي الجملة الانشائية شي‏ء آخر، وممّا يؤكّد ما ذكرناه: أ نّه لو كان معنى الانشاء والاخبار واحداً بالذات والحقيقة، وكان الاختلاف بينهما من ناحية الداعي، كان اللازم أن يصح استعمال الجملة الاسمية في مقام الطلب كما يصح استعمال الجملة الفعلية فيه، بأن يقال: المتكلم في الصلاة معيد صلاته، كما يقال إنّه يعيد صلاته أو إنّه إذا تكلم في صلاته أعاد صلاته، مع أ نّه من أفحش الأغلاط، ضرورة وضوح غلطية استعمال زيد قائم في مقام طلب القيام منه، فانّه ممّا لم يعهد في أيّ لغة من اللغات، نعم، يصح إنشاء المادة بالجملة الاسمية، كما في جملة أنت حرٌّ في وجه اللَّه أو هندٌ طالقٌ، ونحو ذلك.[3]

توضیحُ اقتضائیَّةِ الألفاظِ بلا عِلِیَّتِها
ومُسایَرَةً مع اتّجاهِ المحقِّقَيِ الاصفهانيِّ و الخوئيِّ نقول بأنّ کلَّ موجود خارجيٍّ بحاجةٍ إلی علتِهِ التّکوینيّةِ المُحدَّدَةِ ففي عالمِ الألفاظ لا یُعدُّ اللفظُ في سلسلةِ العِلَلِ التّکوینیَّةِ للمعنی ولهذا قد رَسَّخنا مُسبقاً بأنَّ اللفظَ لا یُوجِدُ شیئاً علی الإطلاق إذ المعنی یَلیقُه أسبابُه التکوینيّةُ الخاصةُ به و هي النفسُ حیث تَخلُقُ المعنی في جوفِها ثم یُنبِأُها اللفظُ فحسب.

وامتداداً لهاتِ النُّقطَةِ، نَجدِ في علم الحروف أنّ الجفرَ و السّحرَ و الطّلسمَ و الدُعاءَ و أقرانَها، تَختصُّ بعِلَلِها التّکوینيّةِ المُمیَّزةِ في عالم الخارج فلا یُولّدُها اللفظُ نِهائیّاً بل یُعدُّ النُطقُ بالکَلِماتِ مُقتَضِیاً لتحقّق المُتَطَلَّبِ بنحو علیّةٍ مُعدِّةٍ لتعلّق إرادةِ الله تعالی بمطلوبِ المرءِ من الأدعیةِ أو الأسحار أو... فالعلیَّةُ التّامةُ هي الإرادةُ الإلهیّةُ في تَجَلِّي الأشیاء، و أمّا کمیّةُ أثرِ اللفظِ فبمقدارِ أنّه یُوجِدُ قابلیَّةَ تأثیرِ الدعاء أو الجفر أو... فیُحقِّقُ موضوعَها فحسب -إضافةً إلی آثاره التشریعیّة کالثواب-

فنظراً إلی هذه النِقاط قد اتّضحَ أنّ الشِّفاءَ التکوینيّ ببرکةِ الآیاتِ القرآنیّةِ یَتَحقّق باقتضاءِ ألفاظِ الآیات للشّفاء -لا بنحو العلیّة التامّة- فببرکتِها تَنعدِمُ أسبابُ البَلیَّةِ و المَآسي إضافةً إلی بقیّةِ المقدّماتِ کالحرکةِ نحوَ العلاج و نحوَ حلِّ عُقدِ المَکارِه و...

وعلی هذا النَسق قد استبانَ لک أنّ الاسمَ الأعظمَ الإلهيَّ الکامِنَ ضمن القرآن الکریم لا یُعدُّ من نمط اللفظ وفقاً لتصریحاتِ العلامة الطباطبائيِّ ضمن المیزانِ، إذ اللفظُ لا یُوجِدُ شیئاً وفقاً البرهانِ القاطِع الذي أسلفناه للتّوّ، ولهذا یُعدُّ الاسم الأعظمُ حقیقةً تکوینیّةً، فحتی لو افترضناه من نمط الألفاظ فإنّ دورَ اللفظ هنا إنّما هو:

1. لإبرازِ تلک الحقیقةِ الغامِضَةِ.

2. ولکي یَتلَبَّسَ المؤمِنُ بتلک الألفاظِ العَطِرَةِ وُصولاً إلی حقیقةِ العالم و انکشافِ شَتَّی الغوامضِ العالمیَّةِ.

وعلی نفس المنوالِ قد صرّح أمیر المؤمنین بأن الآیةَ: إنّما أمره إذا أراد شیئاً أن یقولَ له کن فیکون. لا یُعدُّ القولُ من نمط الصوت أو الحروف أو الکلام الماديِّ.

------------------
[1] محاضرات فى أصول الفقه ( طبع موسسة احياء آثار السيد الخوئي )، ج‏1، ص: 98
[2] دررالفوائد ( طبع جديد )، ص: 72
[3] محاضرات فى أصول الفقه ( طبع موسسة احياء آثار السيد الخوئي )، ج‏1، ص: 100



الملصقات :


نظری ثبت نشده است .