درس بعد

الاوامر

درس قبل

الاوامر

درس بعد

درس قبل

موضوع: مادة الأمر و صیغته


تاریخ جلسه : ١٤٠٢/١٠/١٧


شماره جلسه : ۵۰

PDF درس صوت درس
خلاصة الدرس
  • أقوی هجمةٍ تجاه مقالةِ السیّد الخوئيّ

  • نظرةٌ خاطفةٌ علی الکلام النفسيِّ مُجدَّداً

  • دراسةُ أدلةِ الأشاعرةِ تجاه الکلام النفسيّ

الجلسات الاخرى
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحيمْ
الْحَمْدُ للّه رَبِّ الْعَالَمِينْ وَصَلَى الله عَلَىٰ سَيِّدَنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ الطَّاهِرِينْ

أقوی هجمةٍ تجاه مقالةِ السیّد الخوئيّ
عقیبَ الاعتراضات التي أوردناها علی فکرةِ السیّد الخوئيّ حول الوضع و الإنشاء، سنُحاجِجُ مقالتَه -الیوم- حولَ الکلام النفسيِّ أیضاً فإنّ السیّدَ قد أعلنَ بأنّ الکلامَ النفسيَّ منعدمُ الواقعِ تماماً -لا وفقَ اتّجاه المشهور في الوضع و الإنشاء و لا وفقَ نهجِ التعهُّد و الالتزام- إذ قد رَکنَ کلامُ الأشعريِّ علی رُکنینِ: إنّ الکلامَ النفسيَّ 1.صفةٌ قائمةٌ بالنفس 2و قدیمةٌ تلازمُ الذاتَ الإلهيَّ، بینَما وفقاً للمشهور و لمسلک التعهّد یُعدُّ الإنشاءُ أمراً مُستحدَثاً لأنّ الإنشاءَ إما هو إیجاد المعنی باللفظ و إما إبراز الاعتبار النفسانيِّ، وکلاهما مُستجِدّانِ.[1]

ونَطمِسُ علی مقالةِ السیّد الخوئيّ بأنَّ الأشعريَّ لا یَعتقدُ أنَّ هذا الإنشاءَ المُتلَفَّظَ بالفمِّ هو الکلامُ النفسيُّ فلا یَتحدّدُ تفکیرُه بحدِّ اللفظِ الظاهريِّ بل یَهدِفُ الأشعريُّ کي یُثَبِّتَ عنصراً باطنیّاً -الطلب- في النفسِ بحیث یَدلُّنا الإنشاءُ الظاهريُّ علی ذاک العنصرِ المکنونِ ثمّ سَمَّاه بالکلامِ النفسيّ، فبالتالي إنّ الأشعريَّ یَودُّ تسجیلَ عنصرٍ مستورٍ یَفُوقُ الألفاظَ الظاهريّةَ، وقد قصصنا بیاناتِ الأشاعرةِ تماماً، فلاحِظها، بینَما قد زلّت ذهنیّةُ السیّدِ الخوئيِّ في هذه النکتةِ الطریفةِ، فحمَلَ مقولةَ الأشاعرةِ حول الإنشاءِ و الإخبار علی ظاهرِ الألفاظ البارزِة أو الموجِدَةِ، بینَما لم تَستَهدِف الأشاعرةُ ذلک أساساً، لکي یُهاجِمَهُمُ السیّدُ باعتراضِه.

نظرةٌ خاطفةٌ علی الکلام النفسيِّ مُجدَّداً
حتی الآن قد نَقَّحنا مَغزی الکلام النفسيِّ بأنّه عنصرٌ غیبيٌّ في الضمائر -غیرُ العلم والإرادة القلبیَّةِ- یَفوقُ الإخبارات و الإنشاءاتِ الظاهریَّةَ، فإنّ المُخبِرَ فترةَ الإخبارَ یُقرُّ في نفسه -بدایةً- بثبوت النسبة الحکمیّة بین الموضوع و المحمول ویُذعِنُ بها[2] ثم یُدلّلُ علیها بالکلام اللفظيِّ -- لا أنّه یُنبأُ عن علمه إذ قد صرح الأشعريُّ بأنّ الکلامَ النفسيَّ یُغایرُ العلمَ تماماً.

و أما في الإنشائیّاتِ فإنّ الکلام النفسيَّ یُغایرُ الإرادةَ القلبیّةَ إذ المُنشأَ یَتظاهرُ بالکلام اللفظيِّ عن طلبه المکتومِ في جوفه -وفقاً لکافةِ المسالک المذکورةِ في الوضع و الإنشاء- فهذا الأمرُ المُخبَّأُ هو نفس الکلام النفسيِّ، بل وفقاً لمنهجةِ الشیخ الحائريّ سیَتأصَّلُ الکلامُ النفسيُّ لأنّه قد أثبتَ أن الألفاظَ حاکیةٌ عن الحقائق في النفس، فهو یُقرُّ بأنّ الضمیرَ الداخليَّ یَستَبطِنُ عنصراً مکنوناً، إذن فلا یُعدّ الکلامُ النفسيُّ خیالاً بحتاً کما زعمه السید الخوئيُّ بل الکلام النفسيّ قابل للافتراض ثبوتاً وفقاً لبرهانِ المحقّق الاصفهانيِّ، بینما السیّدُ الخوئيّ قد زعمَ أنّ مُرادَ الأشاعرة هو الإنشاءُ اللفظيُّ ثم اعترض علیهم بأنّ الکلامَ النفسيَّ منعدمُ الواقعِ وفقاً لمسلک المشهور و غیرهم.

وفي هذا الحقل، نِعمَ ما صنَعَه المحقّقُ الاصفهانيّ حیث قد أثبتَ معقولیّةَ الکلامِ النفسيِّ ثبوتاً، ولکنّ المُستَغرَبَ أنّه یُهدِم هذا المبنی في مقام الإثباتِ فلم یُبرهِن علی سَخافةِ الکلام النفسيِّ.
 
دراسةُ أدلةِ الأشاعرةِ تجاه الکلام النفسيّ
وقد حان الأوانُ لاستعراضِ أدلةِ الأشاعرةِ علی الکلام النفسيِّ فإنّهم قد استدلّوا:

1. بالآیةِ التالیة: أَلَمۡ تَرَ إِلَی ٱلَّذِينَ نُهُواْ عَنِ ٱلنَّجۡوَیٰ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُواْ عَنۡهُ وَ يَتَنَٰجَوۡنَ بِٱلۡإِثۡمِ وَ ٱلۡعُدۡوَٰنِ وَ مَعۡصِيَتِ ٱلرَّسُولِ وَ إِذَا جَآءُوكَ حَيَّوۡكَ بِمَا لَمۡ يُحَيِّكَ بِهِ ٱللَّهُ وَ يَقُولُونَ فِیٓ أَنفُسِهِمۡ لَوۡ لَا يُعَذِّبُنَا ٱللَّهُ بِمَا نَقُولُ حَسۡبُهُمۡ جَهَنَّمُ يَصۡلَوۡنَهَا فَبِئۡسَ ٱلۡمَصِيرُ[3] فإنّ قول النفس هو نفس الکلام النفسيّ.

ونُجیبُ بأنَّ ظاهرَ فقرةِ: ویقولون في أنفسِهم، أي یتحدّثونَ ما بین أنفسِهم فیُناجُونَ في أسماعِ أعوانِهم بهذه العبارات، نظیر ظهور الآیةِ التالیة: فسلِّموا علی أنفسِکم تَحیّةً من عند الله. أي علی إخوانِکم المؤمنین حین الاجتماع، فلم تدلّ علی الکلام النفسيّ.

2. بشعر الأغترِّ: إنَّ الکلامَ لفي الفؤاد و إنما جُعل اللسانُ علی الفؤاد دلیلاً. فإنّ ما في الفؤاد هو الکلام النفسيّ المدلول علیه بالدلیل اللفظيّ.

و نُجیبُ بأنّ الذي یتوفّرُ في الفؤاد هي صفةُ العلم بحیث یَتبرّزُ العلم باللسانِ فهذا هو هدفُ الشارع ولهذا لم یُسجّلِ الشعرُ أن ما وراءَ العلم یوجَدُ عنصرٌ آخر.

لو قلتَ: إنّ فقرةَ "جُعل اللسانُ علی الفؤاد دلیلاً" قد طابَقَت الکلامَ النفسيَّ مع قطع النظر عن العلم و النسبة الحکمیة و الإرادة، فإنّ إطلاقَ ما في الفؤاد یدلّ علی وجود عنصرٍ یَفوقُ الکلام اللفظيَّ و العلمَ و الإرادة الباطنیةَ.

لأجبناک بأنَّ صناعةَ الشعرِ عاجزةٌ عن تسجیل دعوی عقليٍّ کهذا، فإنّ أقصی دلالتِها هو أنّ ما في الفؤاد هو العلم أو الصورة الذهنیة لا الکلامُ النفسيُّ الذي یُعدّ صفةً قدیمةً في النفس، فاللفظ یدل علی علم المرء فحسب.

3. بالآیةِ التالیة: وإن تَجهر بالقول فإنّه یَعلمُ السرَّ و أخفی. فإنّ السرَّ هو الکلام النفسيّ الذي قد أخفته النفس في جوفها ثمَّ یُعلنُ بالألفاظ.

ولکنّه استدلالٌ مشوبٌ أیضاً إذ لا یَنحصر السرُّ الباطنيُّ علی الکلام النفسيِّ بل اللهَ یَعلم ما في الصدورِ من العلم و الإرادة و شتّی النّوایا و... فالآیةُ لا تدلّ علی أنّ ما وراءَ العلم و الإرادة وغیرهما یوجَدُ عنصرٌ -وهي النسبة الحکمیّة- إذن لیس کلُّ سرٍّ في النفسِ لیس من نمطِ الکلام النفسيِّ.

4. لقد استعرض السید الخمینيّ استدلالیّةً أخری للأشاعريِ قائلاً:

منها: أنّ الطلب‏ اللفظي‏ قد يتحقّق‏ من‏ غير أن‏ تكونَ‏ الإرادة مبدأً له، كالأوامر الامتحانية و الإعذاريّة، و لابدَّ له من مبدأ، و ليس من الصفات النفسانيّة شي‏ءٌ يَصلَح للمبدئيّةِ له إلّا الطلبُ النفسانيُّ القائمُ بالنفس، فإذا ثبت إمكانه في موردٍ فليكن كذلك في سائر الموارد (ثبوتُ شیئٍ نفسانيٍّ) بل في مطلق الكلام؛ طلباً كان أو لا.[4]

وقد أوضحَ هذه الاستدلالیّةَ السیّدُ البروجرديُّ قائلاً:

أن الأوامر الامتحانية و الاعتذارية، مثل الأوامر الجدية، في‏ احتياجها إلى‏ وجود منشأ في نفس المتكلم، و حيث لا إرادة في نفس المتكلم- في تلك الأوامر- فلا بدّ من وجود صفة أخرى في نفسه لتكون هي المنشأ لأمره، و تسمى هذه الصفة بالطلب النفسيّ. و إذا ثبت أن‏المنشأ للأوامر الامتحانية صفة أخرى في نفس المتكلم سوى الإرادة، ثبت أن المنشأ لجميع الأوامر هذه الصفة، لعدم القول بالفصل بين الأوامر الامتحانية و غيرها.[5]

ثمّ قد تَصدَّی المحقق الآخوندُ لِضَربِها قائلاً:

بأن مفهوم الإرادة و مصداق الطلب واحد، فالطلب النفسي هو الإرادة (فلا اثنینیّةَ کي یتولّد الکلام النفسيّ) و قد انقدح بما حققناه ما في استدلال الأشاعرة على المغايرة بالأمر مع عدم الإرادة كما في صورتي الاختبار و الاعتذار من الخلل فإنه كما لا إرادة حقيقة في الصورتين لا طلب كذلك فيهما و الذي يكون فيهما إنما هو الطلب الإنشائي الإيقاعي الذي هو مدلول الصيغة أو المادة و لم‏ يكن‏ بينا و لا مبينا في الاستدلال مغايرته مع الإرادة الإنشائية، و بالجملة الذي يتكفله الدليل ليس إلا الانفكاك بين الإرادة الحقيقية و الطلب المنشإ بالصيغة الكاشف عن مغايرتهما و هو مما لا محيص عن الالتزام به كما عرفت و لكنه لا يضر بدعوى الاتحاد أصلا لمكان هذه المغايرة و الانفكاك بين الطلب الحقيقي و الإنشائي كما لا يخفى.[6]

فبالتالي، یَعتقدُ المحقق الآخوند بأنّا لا نَمتلکُ طلباً حقیقيّاً و إرادةً حقیقةً بل إنّما الذي یَقعُ حقیقةً هو لفظٌ إنشائيٌّ فحسب، قد سُمّيَ بالطلب الإنشائیِّ.

وحیث إنّ مقولتَه تَدلُّ علی أنّه قد تَبنَّی وجوداً خامساً في الإنشاء وهو الطلب الإنشائيُّ الحقیقيُّ، قد هاجَمَه المحقّقُ الاصفهانيُّ بأنّا لا نَمتلک وجوداً خامساً للإنشاء فإمّا وجودُه خارجيّ أو لفظيّ أو ذهنيّ مفهوميّ أو کتبيٌّ ولا وجودَ آخرَ في عالم الخارج، فبالتالي، قد حَملَ مقالةَ المحققِ الآخوندِ علی ذاتیّةِ اللفظِ مع المعنی في التّنزیل -ببیانِ البُرهان- بحیث یُعدّ الإنشاءُ من نمط الاعتبار، وقد تَقبّلنا هذا الحمل أیضاً.

فبالنهایة، إنّ إجابةَ المحقق الآخوند لا یُقنِعُ الأشعريَّ أبداً إذ المحقق قد تَمشَّی في الإجابة وفقاً لمبناه بأنه لا شیئَ قبلَ الکلام اللفظيِّ بینما الأشعريُّ قد سجَّلَ تواجُدَ عنصرٍ مکتومٍ -غیر العلم و الإرادة- ضمن النفوس المتکلّمَةِ.

--------------------
[1] و بعد ذلك نقول ان شيئاً من هذه الأمور ليس من سنخ الكلام النفسيّ عند القائلين به، اما الأول فواضح، إذ الكلام النفسيّ عند القائلين به ليس من سنخ المعنى أولاً على ما سيأتي بيانه. و ليس من سنخ المعنى المفرد ثانياً (بخلاف المعنی اللفظيّ الذي له معنیً) و أما الثاني فلأن الكلام النفسيَّ- كما ذكروه- صفة قائمة بالنفس كسائر الصفات النفسانيّة، و من الطبيعي ان المعنى ليس كذلك، فانه (المعنی) مع قطع النّظر عن وجوده و تحققه في الذهن ليس قائماً بها، و مع لحاظ وجوده و تحققه فيه و ان كان قائماً بها، إلا أنه بهذا اللحاظ علم، و ليس بكلام نفسي على الفرض، و على ضوء هذا البيان يظهر حال جميع الأمور الباقية، فان الثالث، و الرابع، و الخامس، و السادس، و التاسع من مقولة العلم التصوري، و السابع من مقولة العلم التصديقي، و الثامن من مقولة الإرادة. فالنتيجة ان الكلام‏ النفسيّ بهذا الإطار الخاصّ عند القائلين به غير متصور في موارد الجمل الخبرية، و حينئذٍ فلا يخرج عن مجرد افتراض، و لقلقة اللسان، بلا واقع موضوعي له.
[2] وقد أسلفنا مسبقاً بأن المحقق الرشتيّ قد أجاد في تفسیر فکرة الأشاعرة تماماً کما اعترف به المحقق الاصفهانيّ أیضاً.
[3] سورة المجادلة الآیة 8
[4] شرح المقاصد 4: 149، شرح المواقف 8: 94.
[5] نهاية الأصول، ص: 94
[6] كفاية الأصول (طبع آل البيت)، ص: 66

الملصقات :


نظری ثبت نشده است .