درس بعد

الاوامر

درس قبل

الاوامر

درس بعد

درس قبل

موضوع: مادة الأمر و صیغته


تاریخ جلسه : ١٤٠٣/٢/١


شماره جلسه : ۷۸

PDF درس صوت درس
خلاصة الدرس
  • استِئنافُ النّقاشاتِ حول صیغةِ الأمر

الجلسات الاخرى
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحيمْ
الْحَمْدُ للّه رَبِّ الْعَالَمِينْ وَصَلَى الله عَلَىٰ سَيِّدَنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ الطَّاهِرِينْ

استِئنافُ النّقاشاتِ حول صیغةِ الأمر
لقد أنهَینا النّقاش حول نوعیّةِ الطّلب و کیفیةِ الإرادة في مادة الأمر، ثمَّ عرَجَ المحقّقُ الآخوندُ إلی مبحثِ "صیغة الأمر" و ما بمعناها کأسماءِ الأفعال، باحثاً حولَ مغزی "الموضوعِ له" فيها، فابتدأً قائلاً:

«المبحث الأول: أنه ربما يذكر للصيغة معان: قد استعملت فيها و قد عد منها الترجي و التمني و التهديد و الإنذار و الإهانة و الاحتقار و التعجيز و التسخير إلى غير ذلك و هذا كما ترى ضرورة أن الصيغة ما استعملت فى واحد منها بل لم يستعمل إلا فى إنشاء الطلب إلا أن الداعى إلى ذلك كما يكون تارة هو البعث و التحريك نحو المطلوب الواقعى يكون أخرى أحد هذه الأمور كما لا يخفى.»[1]

فالأقدمونَ قد اعتقَدوا بأنّ عددَ "المستعملِ فیه" لهیئةِ الأمر مُتکاثِرٌ بحیث عَدُّوا له 15 معنیً کما استُخدِمَت هذه المعاني ضمن القرآن الکریم نظیر:

1. الطلب الحقیقيّ لوقوع الفعل خارجاً: أقیموا الصّلاة.

2. الاستعمال في التّعجیز: إن کنتُم في ریب مما نزّلنا علی عبدِنا فأتوا بسورةٍ من مثلِه.

3. التّسخیر: کونُوا قردةً خاسئینَ.

4. السُّخریة: ذُق إنّک أنتَ العزیزُ الکریم.

5. التّهدید: اعمَلُوا ما شئتم.

و غیرِها، بینما المحقّق الآخوند قد اعتقَدَ بأنّ ألوانَ الاستعمالات و المعاني یَئولُ مصیرُها إلی معنیً مُوحَّد و هو "إنشاءُ طلب الوقوعِ خارجاً" فبقیّةُ المعاني التي لا تُنشِأ الطلبَ الحقیقيَّ تُعدّ محضَ دواعٍ و بواعِثَ إلی الأمر -لیس أکثر- لا أنّ الأمر قد استُعملَ في تلک المعاني بل هي أغراضُ المتکلّم فحسب.

فبالتّالي إنّ المحقّق الآخوند قد استَنکَر "استعمال الأمر في معانٍ مختلفةٍ" علی الإطلاق بل حصرَ استعمالَه في الطلب الحقیقيِّ فحسب، فوفقاً لمُعتقَدِه لا یَتحقّق مجازٌ أو حقیقةٌ في الأمر لأنّهما فرعُ تعدّد الاستعمالات بینما المحقّق قد صَرَّح بأنّ استعمالَ الأمرِ یَنحصرُ في الطلب الحقیقيّ فحسب فلا أرضیّةَ للمجازِ في معانٍ أخری إذن -و هذه هي ملاحظَتُنا الآتیةُ تجاهَ المحقّق الآخوند-.

و قد استدلَّ المحقّقُ الاصفهانيّ لمَقالةِ أستاذِه بأنّه لا یُعقَل استعمالُ الأمر في شتّی المعاني لأنّ المتکلّمَ یَودُّ أن یَربِطَ ما بینَ المادّة -المبعوث إلیها- و المخاطَب -المبعوثَ له- فالتّعجیزُ و التّهدیدُ و... إنّما تحقّقُ في نفس المادّة لا في المخاطَب، فهنا ثلاثُ أضلاعٍ في عملیّةِ الأمر:

1. الباعث و الطالب و هو المتکلّم.

2. و المبعوث له و المطلوب منه و هو المستَمِع.

3. و المبعوث إلیه و المطلوب به و هي المادّة.

و بینَ یدیکَ الآن نصُّ بیاناتِه:

«لابدّ أن تلاحظ السَّخرية (أي التّمسخُر) و التعجيز و التهديد متعلّقة بالمادّة، مع أنه لا معنى لجعل المخاطب مَسخَرَةً[2] بالحدث و لا (معنی) لجعله (المخاطب) عاجزاً به، و لا لجعله مهدَّداً به، و إنّما يُسخّره[3] و يُعجِّزُه و يُهدّده بتحريكِه نحو المادة.»[4]

فبالتّالي إنّ المادَّة لا تُعجّزُه و لا تهدِّدُه بل المتکلم هو الذي بواسطة المادة قد حرَّکَه نحوَ الدّاعي و المطلوبِ، فالمادة لا تُحرُّکه إذ المستَعملُ فیه هو التّهدید و التعجیز فحسب.

إذن فهذه دقّةٌ من المحقّقِ الاصفهانيّ لکي یُرسِّخَ مقالةَ أستاذِه بأنّ الصّیغة لم تُستعمل في هذه المعاني لأنّها تُعدّ دواعيَ و حوافِزَ لعملیّةِ الأمرِ فحسب.

و نُعزّزُ مقالتَه بالرؤیةِ العرفیّةِ حیث إنّ العقلاءَ یَستخدمونَ هذه المعانيَ لخلِق الدّاعي في نفسِ المستَمِع لا أنّ الصّیغةَ قد استُعمِلَت في معنیً خاصّ.

 و قد أکملَ المحقّقُ الآخوندُ مقالتَه المُسبَقةَ في الفِقرَة التّالیة قائلاً:

«قُصارى ما يمكن أن يُدَّعى أن تكون الصيغة موضوعة "لإنشاء الطلب" فيما إذا كان بداعي البعث و التحريك لا بداع آخر منها فيكون إنشاء الطلب بها بعثا حقيقةً و إنشاؤُه بها تهديداً مجازاً و هذا غير كونها مستعملة في التهديد و غيره فلا تغفُل.»[5]

فالنّاتِجُ من مجموعِ بیاناتِ المحقّق الآخوند هو أنّ صیغةَ افعل قد وُضِعَت "للطّلب الإنشائيِّ الحقیقيّ" الذي یَتحقّق بداعِ الحقیقةِ -لا بدواعيَ أخری- فالمحقّقُ قد أسَّسَ لمعنی "صیغةِ الأمرِ" قسماً خامساً من الوجودات الأربعِ -الذهني و الکتبي و الخارجيّ و اللفظي- بحیث إنّ الطلبَ بالأمرِ یَمتَلِکُ وجوداً إنشائيّاً سواء أصبَحَ هذا الوجودُ الإنشائيُّ طلباً حقیقيّاً في الواقع کالعَطش أم لا نظیرُ الأمرِ بداعي التّعجیز و التهدید و التّسخیر و السُّخریة -ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ اَلْعَزِيزُ اَلْكَرِيمُ‌- و... فهي أیضاً وجوداتٌ إنشائیّةٌ من دون أن تصیرَ طلباً حقیقیّاٌ، فبالتّالي إنّ الموضوع له في "هیئةِ افعل" لیس هو الطّلب الحقیقيّ کما زَعمه القُدامی بل الموضوعُ له هو الطلب الإنشائيُّ فحسب، و بقیّةُ المعاني تُعدّ حوافِزَ و بواعثَ للأمر.

و قد طُرِحُ اعتراضُ تجاه الآخوندِ: بأنَّکم لو افترَضتُم أنّ "هیئةَ افعل" موضوعٌ و مُستعمَلٌ دوماً في الطّلب الإنشائيّ فمن أینَ نَستَکشِفُ الحقیقةَ و المجازَ فإنّکم قد حَصرتُم استعمالَ "صیغةِ الأمر" في الطلّبِ الإنشائيّ دوماً -و أنکرتُم بقیّةَ الاستعمالاتِ نهائیّاً- فبالتّالي سیَظلُّ الاستعمالُ حقیقیّاً دوماً بلا مجازٍ إطلاقاً لأنّکم قد افترَضتم أنّ صیغةَ الأمر في کافّةِ الأمکنةِ یُستعملُ في الطّلب الإنشائيّ حتی في أمثالِ التّهدید والتعجیز و ... و لهذا ستَنتفي المجازیّةُ في صیغةِ الأمر.

و قد فَکَّک المحقّقُ الآخوند ما بینَ الحقیقةِ و المجازِ من خلالِ الدّواعي، قائلاً:

«قُصارى ما يمكن أن يُدَّعى أن تكون الصيغة موضوعة "لإنشاء الطلب" فيما إذا كان بداعي البعث و التحريك لا بداع آخر منها فيكون إنشاء الطلب بها بعثا حقيقةً و إنشاؤُه بها تهديداً مجازاً و هذا غير كونها مستعملة في التهديد و غيره فلا تغفُل.»[6]

و قد شرَحَ المحقّقُ الاصفهانيُّ استدلالیّةَ أستاذِه بشکلٍ أوسعَ و أثبتَ الاستعمالَ الحقیقيَّ من خلالِ الدّاعي الجدّيِّ ثمَّ أثبتَ المجازیّةَ في بقیّةِ الدواعي فإنّها تُعدّ خلافَ الوَضع -الطلب الإنشائيّ- فابتَدَأَ قائلاً:

«و ما يمكن إثبات نتيجة هذه الدعوى به أمورٌ:

منها: انصرافها (صیغة الأمرِ) إلى ما كان بداعي الجدّ: فإنّ غلبة الاستعمال بداعي الجدّ ربّما يصير من القرائن الحافَّة باللفظ، فيكون اللفظ بما احتفّت به ظاهرا فيما إذا كان الإنشاء بداعي الجدّ، إلا أن الشّأن (و النّقاشَ) في بلوغ الغلبة إلى ذلك الحدّ؛ لكثرة الاستعمال بسائر الدواعي، و لو بلحاظ المجموع (الدواعي) فتأمل.

منها: اقتضاء مقدّمات الحكمة: فإنّ المستعمَلَ فيه (في معنی إفعل) و إن كان مهملا من حيث الدواعي، و كان التقييد بداعي الجدّ تقييداً للمهمل بالدقّة (فالعقلُ لا یُفرِّقُ بینهما في إهمالِ الدَّواعي) إلاّ أنه عرفاً ليس (داعي الجدّ) في عَرض غيرِه من الدواعي؛ إذ لو كان الداعي جدّ المنشأ، فكأنّ المنشئ لم يزد على ما أنشأ. (فالعرف یری الجدیة من مقدمات الحکمة لأنه لم یقید طلبَه بتلک الدّواعي فیُنتِجُ أنّ طلبَه حقیقيّ)

منها: الأصل العقلائيّ؛ إذ كما أنّ الطّريقةَ العقلائيّة في الإرادة الاستعماليّة على مطابقة المستعمل فيه للموضوع له، مع شيوع المجازات في الغاية، كذلك سيرتهم و بناؤهم على مطابقة الإرادة الاستعمالية للإرادة الجديّة و بالجملة: الأصل في الأفعال حملها على الجد حتّى يظهرَ خلافُه، و كثرةُ الصّدور عن غير الجد لا يُوجبُ سدَّ باب الأصلِ المزبور (الحمل علی الجدّ في موارد الشّک) فتدبر.»[7]

 فبالتّالي إنّ استخدامَ شتّی المعاني و الدّواعي یُضادُّ أساسَ وضعِ الواضعِ – بحیث سیُصبِحُ مجازاً غلَطاً- فإنّ الواضعَ قد اعتَبَرَ في وضعِ الصّیغةِ -لا في الموضوعِ له- أن تُستخدَم الهیئةُ بداعِ الحقیقةِ فحسب.

----------------------
[1] آخوند خراسانی کفایة الأصول (طبع آل البيت). ص69 قم - ایران: مؤسسة آل البیت (علیهم السلام) لإحیاء التراث.
[2] (مسخرة) بمعنى: من يسخر منه، و هي عاميّة، و الفصيح فيها: (سخرة).
[3] إن الفعل (يسخّره) مصدره (التسخير) لا (السخرية) كما يظهر من كلام المصنّف (رحمه اللّه)؛ حيث إنّ فعل (السخرية) هو (يسخر منه) بدون تضعيف، و لا يبعد أنّ ذكر (السخرية) كان سهوا من قلمه الشريف و هو يريد (التسخير)؛ لذا جاء بالفعل (يسخّره) انسياقا مع ما في ذهنه (رحمه اللّه)، خصوصا و إنه (رحمه اللّه) يشرح الكفاية، و الآخوند (رحمه اللّه) ذكر فيها (التسخير)، و لم يذكر (السخرية) عند عدّه معاني الأمر المجازية - و قد ذكر مثالا (للتسخير) قوله تعالى: كُونُوا قِرَدَةً خٰاسِئِينَ‌ الأعراف 166 و على كلّ حال فالخطب يسير حيث إن كلا المصدرين - التسخير و السخرية - من معاني الأمر المجازية.
[4] نهایة الدرایة في شرح الکفایة. Vol. 1. ص307 بیروت - لبنان: مؤسسة آل البیت (علیهم السلام) لإحیاء التراث.
[5] آخوند خراسانی کفایة الأصول (طبع آل البيت). ص69 قم - ایران: مؤسسة آل البیت (علیهم السلام) لإحیاء التراث.
[6] آخوند خراسانی کفایة الأصول (طبع آل البيت). ص69 قم - ایران: مؤسسة آل البیت (علیهم السلام) لإحیاء التراث.
[7] نهایة الدرایة في شرح الکفایة. Vol. 1. ص308 بیروت - لبنان: مؤسسة آل البیت (علیهم السلام) لإحیاء التراث.



الملصقات :


نظری ثبت نشده است .