درس بعد

الاوامر

درس قبل

الاوامر

درس بعد

درس قبل

موضوع: مادة الأمر و صیغته


تاریخ جلسه : ١٤٠٢/٨/١٦


شماره جلسه : ۲۴

PDF درس صوت درس
خلاصة الدرس
  • ملاحظاتُنا تجاه مقالة السید الخمینيّ

  • المؤیدات و المؤشّرات الثلاث علی مُتّجهِ السید الخمینيّ

  • تفسیر الحکم العقلائيّ بالوجوب تفسیراً مُستجدّاً

الجلسات الاخرى
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحيمْ
الْحَمْدُ للّه رَبِّ الْعَالَمِينْ وَصَلَى الله عَلَىٰ سَيِّدَنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ الطَّاهِرِينْ

ملاحظاتُنا تجاه مقالة السید الخمینيّ
1. بدایةً إنا نخالف السید حول صحة التشکیک في الأمور الاعتباریة، إذ شاکلة الوجوب و الاستحباب هي من نمط الاعتبار العقلائيّ و الجعليّ البحت فبالتالي لا یتفاوَتان في درجة الإرادة شدةً و ضعفاً، فلیس هناک إرادة حتمیة متعلقةٌ بالوجوب أو إرادة غیر حتمیة مُنساقة من الاستحباب، إذ السرّ هو أن الأمور الاعتباریة المجعولة لا یَعتریها التشکیک لکي تتحوّل إلی الرُتب الخفیفة و الشدیدة، بل الاعتباریات تُماثل النظر: فإما أن یَنظر المرءُ و إما ألا ینظر[1] فکذلک الاعتبار فإما أن یعتبر المعتبِر و إما لا: کالسیادة و الزوجیة و الوقفیة و الرقیة و الملکیة [2] و بالختام إنا نتّجه في هذه النقطة (انعدام التشکیک) اتّجاهَ المحقق النائیني و السید البروجرديّ.

2. إنا نتسائل من السید الخمینيّ: لِمَ لا تُعقل الدلالة الوضعیة اللفظیة؟ بل إنها معقولة تماماً فلا نُقیّد البعثَ و الإرسال بمفهوم الإرادة أو بواقع الإرادة (کما زعمه السید الخمینيّ) لکي نُواجهَ الإشکال العصیبَ الذي طرحه السید الخمینيّ علی ذلک التقیّد، إذ لم یعتقد أحد من أعلام الأصولیین بهذا التقیّد، و یدعم ذلک أیضاً أنه لم یقیّد الواضعُ مادة الأمر أو صیغته بواقع الإرادة أو بمفهوم الإرادة، بل رؤیة المشهور عرفیة تماماً في هذا المضمار.

غیرَ أّنا عقیبَ هاتین الملاحظتین، قد اخترنا ضمن الدورة الأصولیة الماضیة و اصطفینا من بین کافة الآراء المطروحة، منهجةَ السید الخمینيّ حول کیفیة استخراج الوجوب و الاستحباب من الأمر، و هو البناء العقلائيّ[3]، رغم أننا قد حاججناه في مسألة التشکیک و التدرّج في الوجوب و الاستحباب، إلا أنه لا یضرّ بالمختار.

المؤیدات و المؤشّرات الثلاث علی مُتّجهِ السید الخمینيّ
1. لو لَفتنا أنظارنا إلی الکتب اللغویة لوجدناها أنها لم تُدخل الوجوب أو الاستحباب في وضع الأمر أو استعماله، بل حتی لم تُشر و لم تلوّح إلی ذلک أساساً، فلم تتحدّث بأن: "أمر بکذا" أي أوجب کذا، أو "افعل" أي یجب علیک. فرغم أنها تتصدّی عادةً إلی الاستعملات الدارجة إلا أنها لم تشر إلی موضوع نزاعنا أساساً.

2. لقد تحرّینا عددَ استعمالات لفظ الأمر الجامد، فعثرنا علی أنه قد ذکر في القرآن و الروایات ما یبلُغ 1194، فرغم أنه خارج عن موطن النقاش إلا أنه ربما یُعینُنا بأن الوجوب أو الاستحباب لم یندرجا في الأمر بمعنی الإرادة (وفقاً للمختار سالفاً) نظیر الآیة التالیة: أتی أمر الله فلا تستعجلوه. حیث إنه لیس بمعنی الطلب و البعث بل بمعنی الإرادة و المتطلّب، و أما استخدام الأمر في المعنی الحدثيّ فأحیاناً قد یلوج فیه الوجوب و أحیاناً یتطرّقه الاستحباب، إلا أن النقطة الجامعة ما بین الوجوب و الاستحباب هي أنهما لا ینبعان من نفس لفظ الأمر، بل نستلمُهما عبرَ سلکٍ آخر(وفقاً لتصریحات المحقق النائینيّ و السیديِ البروجرديّ و الخمینيّ) إذ اللفظ لا یصرّح بل لا یلوّح إلی الوجوب أو الاستحباب جذراً، فهما خارجان عن المدلول اللفظيّ.

3. لقد استعرض الأستاذ الشیخ الوحید الخراسانيّ تأییداً ثالثاً، قائلاً: [4]

و أما دعوى السيرة العقلائيّة، بأنها قائمة على استفادة الوجوب عند عدم القرينة على الرخصة، و لا ريب في وجود هذه السيرة، فإنّهم يحملون أوامر المولى- مع عدم القرينة على الرخصة- على الوجوب، و يرون‏ استحقاق‏ العقاب‏ على المخالفة، و قد ذكر المحقق الأصفهاني في المعاملات أن منشأ هذه السيرة هو حفظ الامور المعاشيّة، و يبقى إمضاء الشارع المقدس لهذه السيرة، و ذلك ثابت بوضوح من الرواية التالية:

الصدوق قدّس سرّه بإسناده عن زرارة و محمّد بن مسلم قالا: «قلنا لأبي جعفر عليه السلام: ما تقول في الصلاة في السّفر؟ كيف هي؟ و كم هي؟ فقال: إن اللَّه عزّ و جلّ يقول: «وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلَاةِ» فصار التقصير في السفر واجباً كوجوب التمام في الحضر. قالا: قلنا: إنما قال اللَّه عزّ و جل‏ «فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ» و لم يقل: افعلوا، فكيف أوجب ذلك كما أوجب التمام في الحضر؟ (أي فکیف استُنبط الوجوب من هذه الآیة) فقال عليه السلام: أ و ليس قد قال اللَّه عزّ و جلّ في الصفا و المروة: «فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا ....»[5]. (فرغم وجوب السعي إلا أنه قد عبّر الله عنه بلا جناح علیه)

فهما يسألان الإمام عليه السلام أنه لو قال: «افعلوا» لدلّ على الوجوب، و (الحال أنه) لم يقل؟ فدلالة الصّيغة على الوجوب من المرتكزات في الأذهان (لا من نفس اللفظ) و الإمام عليه السلام لم ينف هذا الارتكاز العقلائي (لا المتشرّعيّ فقط) بل أمضاه بسكوته، فالرواية تدل على المدّعى بوضوح، و طريق الشيخ الصّدوق إلى زرارة صحيح. (فحیث إنهما خارجان عن اللفظ فیستفاد الوجوب من درب آخر لا من نفس اللفظ الباعث فالإمام قد أثبت بأنه سواء عبّر بلاجناح أو عبّر ب: افعل، فسوف یستخرج الوجوب من درب آخر، کالارتکاز العقلائيّ)

و نلاحظ علی التأیید الثالث بأن الراوي قد سئل عن أنه لماذا لم یستخدم الله سبحانه عبارةَ: افعلوا. حیث ربما یدل هذا التسائل علی أن روح الوجوب تُستخرج من تبادر نفس لفظ: افعل، فلا یدل علی أن الوجوب یُستنبط من الارتکاز (کما قصد الشیخ الوحید تسجیل ذلک).[6]

فالمختار: رجوع القضيّة إلى السيرة العقلائيّة، أمّا الوجوه السابقة، فقد عرفت ما فيها، و أمّا حكم العقل، فقد عرفت أن هذا المسلك منهم لا يلائم الجمع الدلالي، على أنه أخص من المدّعى، لاختصاصه بأحكام المولى الحقيقي، فهناك يحكم العقل بحق الطاعة، و لكنّ المدّعى هو دلالة المادّة و الصيغة على الوجوب في مطلق الصادر من العالي إلى الداني، و على الجملة، فالدليل الصحيح- في صيغة الأمر- هو السيرة، و على المختار، فلا إشكال في الجمع الدلالي، و هذه السيرة ممضاة، و قد ذكرنا النص الدالّ على الإمضاء، و يوجد في الأخبار ما يدل على ذلك أيضاً غيره كالرواية التالية: عن معاوية بن عمّار عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «العمرة واجبة على الخلق بمنزلة الحج على من استطاع».

فقد نزّل العمرة بمنزلة الحج الذي قال اللَّه فيه‏ «وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا» و لسانه لسان الإيجاب، فتكون العمرة واجبة كذلك، و علّل الوجوب بقوله: «لأن اللَّه يقول: «وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ»»[7] فكان الاستدلال بصيغة الأمر و هو «أتمّوا». و سند الرواية معتبر بلا إشكال.، و إذا كانت السّيرة على دلالة الصيغة على الوجوب ممضاة، فهي في دلالة المادّة عليه ممضاة بالأولويّة القطعيّة، و إنْ كانت النصوص مختلفة: فعن أبي بصير قال: «سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: إن الناس أكلوا لحوم دوابّهم يوم خيبر، فأمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم بإكفاء قدورهم و نهاهم عنها و لم يحرّمها»[8].

فقد يستظهر من هذه الرواية عدم دلالة مادّة الأمر على الوجوب فتأمّل، و السند صحيح، و في المقابل ما يدلّ على كونها للوجوب: فعن أبي عبد الله عليه السلام قال: «ركعتان بالسّواك أفضل من سبعين ركعة بغير سواك، قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم: لو لا أنْ أشقّ على امّتي لأمرتهم بالسّواك»[9].

فهي تفيد أن الأمر للوجوب بلا شك، لأنّ السّواك مستحب، و لو أمر لزمت المشقّة على الامّة، و من الواضح أن المشقة في الإيجاب ... و في سند هذا الخبر إشكال من جهة اشتماله على «جعفر بن محمد الأشعري» إلّا بناء على اعتبار رجال كتاب كامل الزيارات، و عدم الاستثناء من رجال نوادر الحكمة، مضافاً إلى اعتماد الأصحاب عليه.

 
تفسیر الحکم العقلائيّ بالوجوب تفسیراً مُستجدّاً
لقد أعلن السادة البروجرديّ و الخمینيّ و الصدر بأن سیرة العقلاء قد تکوّنت علی الحکم بالوجوب من الأمر.

و قد آن أوانُه أن نطرح احتمالیةً أحری في امتداد کلماتهم و هي أن السیرة حیث قد افتقرت إلی الإمضاء الشرعيّ، إلا أنا نعتقد بأن الوجوب لا ینبثق من السیرة بل إن الوجوب قد اعتُبر اعتباراً عقلائیاً فهو یُعدّ عنصراً تأسیسیاً مستجداً قد اعتبره العقلاء بالاستقلال (نظیر اعتبار الشرکة التجاریة العامة) فعندئذ سوف نَستغني عن الإمضاء.

--------------------
[1] في التنظیر تأمل جليّ إذ العلم الطبيّ المتطوّر قد أثبت و أقرّ بوجود الدرجات المتفاوتة في کیفیة النظر بالبصر، فهناک عین فذّة کعین العقاب و البومة و هناک عین ضعیفة کعین الفأر الأعمی.
[2] إلا أن هناک أمور اعتباریة واقعیة تعود إلی الواقع و تُلحظ فیها قسطٌ من الواقع کالطهارة و النجاسة إذ المولی قد خلق لها وجوداً واقعیاً تأسیسیاً بخلاف الاعتبارات الامضائیة المحضة کالملکیة، إذن فکل اعتبار لوحظ الواقع و أُشرب في الاعتبار فیمکنه التشدد و الضعف بذلک اللحاظ فقط کالنجاسة و الطهارة فیصح إطلاق التشکیک فیه، و لکن نفس الزوجیة أو الملکیة اللتان من نمط الاعتبار البحت الإمضائيّ فلا یتطوّر و لا یتدرّج.
[3] نص عبارة السید: و الدليل عليه: أن الإغراء و البعث إذا صدر من المولى بأي دال كان، لزم عند العقلاء إطاعته، من غير فرق بين اللفظ و الإشارة مع عدم وضع لها، و لا تجري فيها مقدمات الحكمة، فنفس صدور البعث و الإغراء موضوع حكمهم بلزوم الطاعة من غير حكمهم بكشفه عن الإرادة الحتمية، لعدم الملاك فيه كما عرفت. فكون الأمر للوجوب ليس إلا لزوم إطاعته عند العقلاء حتى يرد منه ترخيص. و لعل ذلك مغزى مرام شيخنا العلامة أعلى اللَّه مقامه
[4] تحقيق الأصول، ج‏2، ص: 28.
[5] من لا يحضره الفقيه 1/ 434 باب الصلاة في السفر.
[6] و نصون کلام الشیخ الوحید بأنه قد ذکر المؤیدات لا الدلائل علی أن الوجوب خارج عن اللفظ، فوجه التأیید هو أنه یتطرّقه و یتحمّل احتمالاً آخر و هو أن الوجوب من نفس اللفظ.
[7] وسائل الشيعة 10/ 234 الباب 1 من أبواب العمرة رقم 8.
[8] التهذيب 9/ 41.
[9] الكافي 3/ 22 باب السواك رقم 1.

الملصقات :


نظری ثبت نشده است .