درس بعد

الاوامر

درس قبل

الاوامر

درس بعد

درس قبل

موضوع: مادة الأمر و صیغته


تاریخ جلسه : ١٤٠٣/٢/٩


شماره جلسه : ۸۳

PDF درس صوت درس
خلاصة الدرس
  • تفکیک الأبحاث عن بعضِها البعض

الجلسات الاخرى
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحيمْ
الْحَمْدُ للّه رَبِّ الْعَالَمِينْ وَصَلَى الله عَلَىٰ سَيِّدَنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ الطَّاهِرِينْ

تفکیک الأبحاث عن بعضِها البعض
لازِنا في ثنایا مبحث "تحدید الموضوع له في صیغة الأمر" حیث قد استَعرَضنا الأنظارَ المتعدِّدةَ حولَه.

و نودّ الیوم أن نُنبِّهَ علی أنّ هناک تمایزاً ما بین العناوینِ التّالیةِ:

1. مبحث "حقیقةِ الإخبارات و الإنشاءات" حیث قد مَیَّزنا بینهما -مسبقاً- ضمنَ أبحاثِ الطلب و الإرادة فطَرَحنا -آنَذاک- مناهِجَ المشهور و بقیّةَ المحقّقینَ کالآخوند و الاصفهانيّ و الخوئيّ و...

2. و مبحث "حقیقةِ الحکم".

3. و مبحَث "موضوع له في صیغة الأمر".

فدقّةُ النّظرِ تَستدعي أن نُحلِّلَ هذه العَناوینِ بمُفرَدِها، فلَربما اتّحدَت معاً أو تَمایَزَت ضمن بعضِ النِّقاط.

و باختصار نُشیرُ إلی أنّ الإنشاءات لا تَنحصر بلَفظ مُحدَّد ولهذا نودُّ استِکشافَ صیغَ الإخبار و الإنشاء کي نُفکِّکَهما عن بعض.

بینما مُهمَّتُنا في موضوع "الحکم" هي أن نعرِفَ نوعیّةَ أمر المولی و شُقوقَه المختلفة، فإنّ الأقدَمینَ قد عرَّفوا الحکمَ بأنّه: خطابٌ متعلّقٌ بأفعال العباد، فشاکلةُ الحکم هو نفسُ الخطاب الشّرعيّ، و في هذه السّاحة قد عرَّفَه المحقّقُ العراقيّ بأنّ الحکمَ هي الإرادةُ المُبرَزَةُ، ثمَّ رافقَه المحقّقُ الخوئيّ و أکَّده بأنّ الحکمَ هو نفسُ إبرازِ الاعتبار النّفسانيّ علی ذمّة المخاطب، بحیث قد طبَّقَ مُعتقَدَه في باب الإنشاءِ علی مبحثِ الحُکم أیضاً، و لکنَّ الشّهیدَ الصّدرَ قد اعتقَد أنّ روحَ الحکم یَئولُ إلی الحبّ و البُغض الإلهيّ.

و علی أيَّة حالَةٍ، حیث إنّ الحکمَ یُعدّ نوعاً من الإنشاءِ -التّشریعيّ- و مصداقاً من صیغةِ "افعل" فقد نَقَّحنا حقیقةَ "الحکم" ضمنَ أبحاثِ الاستصحاب -في الدورة المسبقَة- بحیث قد اصطَفَینا نظریّةَ "أنّ الحکمَ هو إبرازُ الأمر النّفسانيّ" وفقاً للمحقّق الخوئيِّ -رغمَ أنّ هذه الفِکرةَ کانَت راسخةً في ارتکازِنا منذ القدیم- و لکن حینما عَثَرنا علی نظریّة المحقّق الرّشتيِّ (1312ق) و المحقّقِ الحائريِّ حولَ "حکایةِ الألفاظ" فقد کَمَّلنا نظریّةَ "الإبراز" بأنّ قاطبةَ الألفاظِ -سیّانَ الإنشائيّةُ و الإخباريّةُ- تُمثِّلُ "الحکایةَ" إلا أنّ المُنشِأَ یَحکي عن الحقائق المتوفِّرَةِ في النّفس، و المُخبرَ یُنبأُ عن النّسبةِ المتحقِّقَة في الخارج -وفقاً لتصریحِ المحقّقَینِ الرَّشتي و الحائريّ-

فبالتّالي، رغمَ تَشابُهِ النّظرِیَّتَینِ -الحائريّ و الخوئيّ- ولکنّ تَحقیقةَ المحقّق الحائريِّ -و کذا الرّشتيّ- هي الفائقَةُ لأنّه قد أخرَجَ الإنشاءاتِ عن إطارِ الدّلالةِ و المدلولِ و حسِبَ الألفاظَ علاماتٍ عمّا في الضّمیر فلا یَفتقِرُ إلی تحدیدِ الموضوع له أساساً -و سنَبسُطُ مقالتَه بنحوٍ أوسعَ بعدَ لحظاتٍ إن شاء الله-.

و نظراً لشُموخِ مقامِ المحقّق الحائريّ لدی المحقّق الاصفهانيّ، نری أنّ نهایةَ الدّرایةِ[1] قد اهتمَّ بطرحِ مقالةِ الدُّرَرِ ثمَّ استَشکَلَ علیه قائلاً:

و أمّا تخيُّلُ[2] أنّ الكلامَ الإنشائيَّ موضوعٌ لإظهارِ الإرادة (فالإنشاءُ دائرٌ مدارَ إرادةِ المتکلّم إیجاداً أو حکایةً):

- إمّا طَبعاً (بإبرازٍ طبعيٍّ للمعنی).

أو إيجاداً (بخلقِ الإرادة للمعنی) نظراً إلى إمكان إيجاد القصد (والإرادة) لفائدةٍ فيه لا في المقصود (المطلوب) كما في الإتمام المرتَّب على قصد الإقامة (من إرادةِ المکلَّف) حيث إنَّه أثرُ القصد لا الإقامة عشراً (لتحقّق التّمام) و لو لم يقصد، و لا الإقامة بعد القصد (بینما في الإخبار موضوع لإظهار الحکایة) فإنّه (المسافِر) يُتمّ (لأنّه قاصدُ العشرَة) و لو لم يُقِم بعدَه، و حينئذ فإن كان هناك في النفس إرادة، فقد أعطت الصيغة معناها، و إلا فلا

فمدفوع: بأنّ اللفظَ وجودٌ لفظيٌّ لمعناه:

- فإن كان نفسُ الإرادة معنَى اللفظ و الإظهار باللفظ - كما في كل لفظ و معنى- فليس هناك نسبة إنشائية (إذ افعل هي الإرادة فلا تتحقق نسبةٌ إنشائیة ههنا إذ لم یَقصِدِ الإنشاءَ بل أرادَ اللفظَ و الإظهارَ فحسب).

- و إن كان نفسُ إظهار الإرادة معناه (الإنشاء کما هو ظاهر عبارته) فالهيئة حينئذ وجود لفظي لمفهوم إظهار الإرادة - و لو فانيا في معنونه - و هو ليس معنى يصحّ السكوت عليه، إلا أن يرجع (اللفظ الإنشائيّ) إلى الإرادة النسبية الإنشائية (فلیس اللفظ لمجرد إظهار الإرادة في النّفس کما زَعمه المحقّق الحائريّ)

و كون هذه الهيئة كاشفة عن إرادة جدّية حتمية -وضعاً أو انصرافاً أو اطلاقاً- معنى آخر لا دخل له بمدلول اللفظ استعمالاً. (إذ حینَما یأمرُ الآمرُ فنَستَکشِفُ قدرتَه و حیاتَه و... لا من خلال الدلالة اللفظیة بل ببرکةِ العقل، فالحکایة لیست "موضوع له في صیغةِ الأمر" إذ الإرادةُ الجدیّةُ للحکایة خارجةٌ عن الاستعمال و المدلول، فاللفظ لم یُستعمل في الکاشفیة و الحکایة)

و أما إيجاد القصد لفائدة فيه، فهو و إن كان ببعض الوجوه ممكنا، لكنه لا بهذا النحو، و المثال المزبور لا يجدي في تصحيحه؛ لأنّ الإقامة القصدية - أي المقوّمة للقصد في نحو وجوده - لها دخل في وجوب الإتمام، فيقصدها لأجل أن يتمّ بسبب تحقّق وجودها القصدي، فتعلق القصد إليها - أيضا - لفائدة فيما يتعلق بها بحيث لولاها لما وجب الإتمام، و فناء المقصود في الإقامة الخارجية أيضا لازم، و إلا أمكن إيجاد القصد مع العلم بعدم الإقامة خارجا.[3]

و نُلاحظ علی المحقّق الاصفهانيّ -صوناً لمقالِ المحقّق الحائريّ- بأنّ المحقّق الحائريَّ منذُ البدایةِ قد رفضَ مبحثَ الدّلالةَ و المدلولیّةَ و الموضوع له أساساً، فإنّه قد أبَی وجودَ نسبةٍ إنشائیّةٍ -سواءٌ إرسالیّة أو إیقاعیّة أو...- بینَ المتکلّم و المخاطب و المادّة نهائیّاً، بل یَعتقِد أنّ کافّةَ الألفاظ قد وُضِعَت -لا بالدّلالة الوضعیة اللفظیّة- لکي تَحکيَ عن "الحقائقِ النّفسانیّة في الأوامرِ أو عن الوقائعِ الحادثةِ خارجاً في الإخبار" بل حتّی ألفاظِ الیمینِ و الإبراءِ و ... فکلُّها تُبدي عمّا في الضّمیر الإنسانيّ و عن إرادةِ الله تعالی، فبالتّالي إنّه لم یَخضَع لوجودِ أيّةِ نسبةٍ بین هؤلاءِ الثّلاثة و لا یَری الإنشاءَ و الإخبارَ من صفاتِ الألفاظ لکي یُعترَضَ علیه بأنّ الإنشاءَ من قبیلِ اللفظ و الإخبارَ من قبیلِ المعنی، بینما المحقّقُ الخوئي قد عرَّفَ الإنشاءَ بنفسِ الإبرازِ و وضعَه من مواصَفاتِ الاستعمالِ و الدّلالاتِ اللفظیّةِ فتَوجَّه علیه اعتراضُنا المسبَق بأنّ الإنشاء من قبیل اللفظ و الإخبارَ من وصفِ المعنی فکیفَ یَندرِجُ الإبرازُ -الذي هو الإنشاءُ- ضمنَ اللفظ و المعنی معاً.

و کذا إنّ المحقّقَ الحائريّ لا یُعاني من الإشکالِ المسبَقِ الذي وَجَّهناه إلی المحقّق الخوئيّ -بأنّ اللهَ لا یُنبأُ عن نفسِه لأنّه تعالی غنيٌّ مجرّدٌ فلا یُشابِه العقلاءَ في التّصور و التّصدیقِ و...- فإنّ المحقّق الحائريَّ یَعتقِدُ بأنّ الله یُنبأُ عن إراداتِه المکنونةِ له فیَحکي لنا عن الحقائقِ الموجودة فحسب لا عن الاعتبار النفسانيِّ -الذي قد زَعمه المحقّق الخوئيّ-.

فبالنّهایةِ قد ذَهلَ صاحبُ نِهایةِ الدِّرایة عن أن المحقّق الحائريّ -و الرّشتيَّ- قد أبعَدَ الإنشاءَ عن عالَمِ الدِّلالةِ الوضعیّةِ تماماً فاستَنکرَ أیّةَ دلالةٍ أو نسبةٍ أو وضعٍ أو... في صیغةِ "افعل" بل قد حصرَ مفادَ الإنشاءاتِ في الحکایةِ و العَلامیّةِ للحقائقِ فحسب نظیر أماریّةِ الدُّخانِ لوجودِ النار، و هي أماریّةٌ عقلیّةٌ خارجةٌ عن الدّلالاتِ الوضعیّة فلا یَفتقِرُ إلی تحدید الموضوع له، و علی ضَوئِه لو لم یَعتبرِ الآمِرُ في باطنِه شیئاً لَلَغا عندَه الأمرُ و الإنشاءُ أساساً إذ لا توجَدُ حقائقُ في النّفس کي یَحکيَ عنها، بینما المحقّق الاصفهانيّ قد زَعمَ بأنّ صاحبَ الدُّررِ قد اتّخذَ لصیغةِ "افعل" مدلولاً لفظیّاً وضعیّاً.

---------------------
[1] فإنّ المحقّق الاصفهاني عقیبَ ما سجَّل نظریَّتَه في باب الإنشاء، فقد أعادَ کلامَ أستاذِه إلی مُعتقَدِه قائلاً: وقد يتعلّق غرضُه بإيجاد نفس هذه النسبة المتعلّقةِ بالملكيّةِ، و هيئةُ بعث وجودٌ تنزيلي لهذه النسبة الإيجاديّة القائمة بالمتكلّم و المتعلّقة بالملكيّة: 1. فقد يقصد وجود تلك النسبة خارجاً بوجودها التنزيلي الجعلي اللفظي فليس وراء قصد الإيجاد بالعرض و بالذات أمر آخر و هو الإنشاء. 2. و قد يقصد زيادة على ثبوت المعنى تنزيلًا الحكاية عن ثبوته في موطنه أيضا، و هو الإخبار، 3. و كذلك في صيغة افعل و أشبهها، فانّه يقصد بقوله اضرب ثبوت البعث الملحوظ نسبته بين المتكلّم و المخاطب و المادّة فيوجد البعثَ في الخارج بوجوده الجعلي التنزيلي اللفظي (لکلمة اضرب) فيترتّب عليه إذا كان من أهله، و في محلّه ما يترتّب على البعث الحقيقي الخارجي مثلًا، و هذا الفرق بلحاظ المقابلة بين المعاني الخبريّة و الإنشائيّة فلا ينتقض باستعمال الألفاظ المفردة في معانيها (کالماء) فانّها كالإنشائيّات من حيث عدم النّظر فيها إلّا إلى ثبوتها خارجاً ثبوتا لفظيّاً، غاية الأمر أنّها لا يصحّ السكوتُ عليها بخلاف المعاني الإنشائيّةِ المقابلة للمعاني الخبريّة (فکلاهما یصح السکوتُ فیهما) و هذا أحسن‏ ما يتصوّر في‏ شرح‏ حقيقة الإنشاء و عليه بحمل ما أفاده أستاذنا العلّامة لا على أنّه نحو وجود آخر في قبال جميع الأنحاء المتقدمة (فلیسَ شقّاً خامساً إذن) فانّه غير متصوّر. (ج1 ص191)
[2] القائل بهذا التخیّل هو الشیخ عبد الکریم الحائريّ ضمن دررالفوائد ( طبع جديد ) ص: 71
[3] نهایة الدرایة في شرح الکفایة. Vol. 1. ص277 بیروت - لبنان: مؤسسة آل البیت (علیهم السلام) لإحیاء التراث.



الملصقات :


نظری ثبت نشده است .