درس بعد

الاوامر

درس قبل

الاوامر

درس بعد

درس قبل

موضوع: مادة الأمر و صیغته


تاریخ جلسه : ١٤٠٢/١٢/١٤


شماره جلسه : ۷۳

PDF درس صوت درس
خلاصة الدرس
  • تتمیمُ مقالةِ المحقّق البروجرديّ حول الجبر

الجلسات الاخرى
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحيمْ
الْحَمْدُ للّه رَبِّ الْعَالَمِينْ وَصَلَى الله عَلَىٰ سَيِّدَنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ الطَّاهِرِينْ

تتمیمُ مقالةِ المحقّق البروجرديّ حول الجبر
وفي هذا المحفِل الدّراسيّ نُلخِّصُ تحقیقَ السیّد في الأرقام التّالیة:

1. إنَّ دارَ الکَون یدورُ مدارَ العِلل و الأسباب فحسب.

2. إنّ الجعلَ البسیطَ الإلهيّ قد تعلَّقَ بخلقِ العلّة و السبّب فحسب لا بجعل العلیّةِ التي هي ذاتیّةُ الشّیئ إذ لا قابلیةَ لها لجعلِ الجاعلِ إطلاقاً -لا بسیطاً و لا غیرَه-

3. إنّ أفعال الإنسانِ تَصدُر عن اختیاره لا عن عنصر الإرادة -سواء الإرادة الإلهیّةُ أو غیرُها- کي نَقَعَ ضمنَ نزاعِ الجبر.

4. إنّ قوّةَ الاختیار تُعدُّ من ذاتیّات النّفس البشريّ، فالنّفسُ هي التي تَخلُق هذا العنصرَ النَّبیلَ فحسب، وحیث إنّ الجسمَ البشريّ قد ترکَّبَ من المادیّات الحَجیمةِ، فعنصرُ الرّوحِ البشريّ أیضاً قد خُلِقَ من حقائقَ لطیفةٍ حیث یَمیل إلی جَهَتيِ المَلکوتِ و العالَمِ الأسفَلِ، فاختیارُه لأحدِ الصَّوبَینِ یُعدّ من من ذاتیّات النّفس البشريّ و مُمیّزاتِه عن الحَیَوان بتاتاً.

5. إن ضابطةَ الاختیاریّةِ هي أنّ الفعلَ مسبوقٌ بنفس عملیّةِ الاختیار لا مسبوقٌ بالإرادة کما زعَمَه الشیخ الآخوند و الفلاسفةُ کي یُنتِجَ مأساةَ الجبرَ.

فرغمَ أنّ هذه النِّقاطَ الخمسَ قد أنتَجَت فکرةَ المحقق النائینيّ و اشترکا معاً في ثَباتِ عنصر الاختیار إلا أنّه یَبدو أنّ المحقّق البروجرديّ قد أبدَعَ هذه النّظریّةَ بتحلیلِ نفسِه تماماً.

ثمّ یُکمل المحقّقُ البروجرديُّ حوارَه قائلاً:

«ثم إن ما ذكرناه من تركب روح الإنسان من الرقائق المختلفة، لعله المشار إليه بقوله تعالى في سورة الدهر: (إِنّٰا خَلَقْنَا اَلْإِنْسٰانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشٰاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنٰاهُ سَمِيعاً بَصِيراً. إِنّٰا هَدَيْنٰاهُ اَلسَّبِيلَ إِمّٰا شٰاكِراً وَ إِمّٰا كَفُوراً)[1]. بناء على كون المراد من النطفة الأمشاج - أي المُختَلِطات- هي اللطائفُ و الرقائق التي خُمِّرَت منها روحُ الإنسان و حقيقته التي فيها انطوى العالم الأكبر، لا النطفة الجسمانيّةُ التي تكونُ مبدأ لوجود بدنه (فلو کانتِ الأمشاجُ صفةً للنّطفة لأصبحَت مُفسّرةً لمادیّةِ البشر و کیفیّةِ خلقتِه بینما الأمشاجُ صفةٌ للطِّینَة المَعنویّةِ للبشر إذ الآیةُ تَتحدّث حولَ الروح الإنسائيّ) و الشاهد على ذلك ترتيب الابتلاء عليه بقوله بعد ذلك -نبتليه- إذ ما هو دخيل في ابتلاء الإنسان و امتحانه، هو تركيب روحه من الرقائق المختلفة في الاقتضاء، ثم الإنعام عليه بالعقل المميز بين الخير و الشر، ثم تأييده بالكتب السماوية و الأنبياء و المرسلين عليه السلام، ثم إعطاؤه زمام اختياره بيده حتى يفعل ما يشاء، فقوله: -مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشٰاجٍ‌- إشارة إلى تركيب روحه من الرقائق، و قوله: -فَجَعَلْنٰاهُ سَمِيعاً بَصِيراً- إيماء إلى القوة العاقلة، و في قوله: إِنّٰا هَدَيْنٰاهُ السَّبِيلَ‌ إما شاکراً أو کفوراً. دلالة على إرسال الرسل و إنزال الكتب.[2]»

و تحریراً لتفسیرِه للآیةِ نقول بأنّ الرّوحَ الإنسانيَّ مزیجٌ من مختلَفِ الاستعدادتِ لأنّ الرّوحَ حقیقةٌ لطیفةٌ لها أهلیّةٌ للابتلاءِ الإلهيِّ، إذن إنّ لفظةَ "الأمشاج" لا تُعدّ صفةً "للنّطفةِ" کي تُفسِّرَ مراحلَ الخِلقةِ و التّطوّرِ الماديّ کما زعمَه البعض فإنّ هذا التفسیرَ لا یَنسَجِمُ مع لفظةِ "نَبتَلِیه" فالابتلاءُ یُلائِمُ سعةَ ظرفیّةِ الرّوحِ البشريّ، و أساساً إنّ حوارَ الآیةِ یَحول حولَ أبعادِ الرّوحانيّ بحیث قد أوضَحَت جوهرةَ الإنسانِ النّائِل للإدراکِ السّمعيّ و البصريّ الذّاتيّانِ -لا الحسيِّ بالأُذُن و العینِ فحسب-

فببرکةِ هذه القرائنِ الدّاخلیّة قد اتّضَح أنّ لفظةَ "الأمشاج" تُعدُّ إمّا صفةً لموصوفٍ مقدَّرٍ -رُوح- و إمّا معطوفةٌ علی "من" مقدرةٍ أي قد خلقنا الإنسانَ من أبعادٍ روحانیّةٍ أمشاجٍ مُمتَزَجَة، فالآیةُ لا تَبدو ظاهرةً في المراحل المادیّة للخلقةِ کما اعتقدَه البعض.[3] وحیثُ قد تعلّقَ الابتلاءُ بالبشرِ دونَ الحیواناتِ فقد تَطلَّبَ الابتلاءُ أن تُودَعَ في ذاتِ الإنسانِ قوَّةُ العاقلةِ للإدراک کي یَختارَ السعادة أو الشقاوة ولهذا قد نصَّ سبحانَه قائلاً: فجعلناه سمیعاً بصیراً. و مِن ثَمَّ حیث لم یَستوعِبِ العقلُ کافّةَ الحقائقَ المکنونةَ فقد أرسل اللهُ الرُّسلَ قائلاً: إنّا هدیناه السَّبیلَ إما شاکراً و إما کفوراً. فبالتّالي إنّ تفسیرَ المحقّق البروجرديّ یُلائمُ عملیّةَ الابتلاء الإلهيّ فإنّ النّطفةَ قد تَمتّعَت بزوایا مختلفةٍ من الاستعدادات و الرّشد و التّطوّر، لا الجسمُ الماديّ فحسب، و قد أشارَ المحقّق الخمینيّ إلی ما یُداني هذا التفسیرَ.[4]

بینما أکثرُ المفسِّرینَ[5] قد فسّروا الأمشاجَ إمّا باختلاط ماء الرّجل مع المرأة و إما بأنها مختلفةُ الألوانِ و إمّا بإنها عبارةٌ عن الطَّبائع المختلفة من البرودة و الحرارة و الیُبس و الرّطوبة، و لکن هذه الآراءُ الشّخصیّةُ لا تتلائَمُ مع الابتلاء المذکور، فالأحری هي نظریّةُ المحقّق البروجرديّ.

ثم یُکمِل المحقّق البروجرديُّ استشهادَه بالآیاتِ و الروایاتِ الأخَرِ قائلاً:

«و بالجملة: ما ذكرناه يستفاد من خلال الآيات و الأخبار، فمن الآيات هذه الآية، و منها أيضا قوله تعالى: (إِنَّ اَلْخٰاسِرِينَ اَلَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ‌)[6] حيث إن الإنسان مع التئام روحه من اللطائف المختلفة إذا غلب فيه جانب بعضها كالشهوة أو الغضب مثلا، ربما أدى ذلك إلى الخسران الذاتي (أي نفسُه النفیسة) و زوال الملكات الحسنة - التي بها إنسانية الإنسان - بالكلية، و لا يتعقل لخسران النّفس معنى إلاّ هذا. و أما الأخبار الدالة على هذا المعنى فكثيرة، مثل ما ورد من أن في قلب الإنسان نُكتَتَينِ: نكتةً بيضاءَ، و نكتةً سوداءَ، فإذا صدرت عنه المعصية زادَ السَّواد بحيث ربما يؤدي إلى اضمحلال النكتة البيضاء بالكلية، و مثل ما ورد من أنّ لقلبِ الإنسان أذنين يَنفَخ في إحداهما، المَلكُ و في الأخرى، الشَّيطانُ، و مثلُ ما ورد من أن اللّٰه تعالى بعد ما أرادَ خلق آدم أمر جبرئيل بأن يقبض قبضات من السماوات السبع و قبضات من الأرضين السبع ليخمر طينة آدم منها، إلى غير ذلك من الأخبار الدالة على التئام الروح الإنساني من العوالم المختلفة (فهذا الاختیار ولید نفس الإنسان) فراجعها و تدبر.[7]»

فرغمَ أنّ کافّةَ الفلاسفةِ قد أقرّوا بمیل البشر نحوَ الکَمال -حتّی عابدِ البقرة حیث إنّه أیضاً یَعطَش إلی الکمال إلا أنّه قد أخطأ في التّطبیق- ولکنَّ المحقّق البروجرديَّ قد أنکرَ ذلک من خلال تلک الروایاتِ المذکورة فإنّ أمیالَ الإنسانِ متساويةُ الأطرافِ تجاه الکمال أو الرَّذالة وفقاً لتصریح الروایات، فلربما اختارَ الشّقاء رغمَ علمِه بدَنائَتِه.

- فبالتّالي وعقیبَ بیاناتِ المحقّق البروجرديّ قد حانَ الآن أن نَعترِضَ علیه:

· أولاً: إنّه قد اتَّجه اتّجاهَ المحقّق النائینيّ بالضّبطِ رغمَ اختلافِ التقریب، ولهذا ستَتَوَجَّهُه نفسُ إشکالاتِ المحقّق الاصفهانيّ تجاه المحقّق النائینيّ تماماً بأنّ الإرادةَ مُندمِجةٌ مع الاختیارِ.[8]

· و ثانیاً: إنّ المحقّق البروجرديّ لم یَحُل عُقدةَ الجبر إذ نتسائَلُ منه هل هناکَ إرادةٌ إلهیّةٌ في القوّةِ العاقلة المُنحازَة إلی الکمال أم لا إرادةَ أساساً، فلو ألغَینا الإرادةَ من أساسِها و رکّزنا الأفعالَ علی الاختیارِ البشريّ فحسب -وفقاً لمُعتقدِ المحقّق البروجرديّ- لاستتبعَ محذور شبهِ التّفویض لأنّه قد أثبَت عدمَ قابلیّة الجعلِ البسیطِ للعلیّة التي هي ذاتیّةِ الشیئ و هذا سیُفضي إلی أنّه لا إرادةَ لله تعالی تجاهَ علیّةِ الأشیاءِ کاختیارِ الزَّین أو الشّینِ بل هي تَخُصّ البشرَ فحسب فهو مستقلٌّ في الأعمال تماماً لأنّ النفسَ البشریّةَ تَخلُقُ الاختیارَ من ذاتِها بلا إرادة إلهیّةٍ تجاهَ هذا الاختیارِ -لکي یَتولّدَ الجبرُ من هذه الإرادة- و هو التفویض، و لکن لو أقرَّ المحقّق البروجرديّ بدخالةِ الإرادة الإلهیّة في الاختیار للزِمَه أن یُجیبَ عن إشکال الجبریّة حیث نَتسائلُ منه: ألیسَتِ النفسُ البشریّةُ مخلوقةٌ من إرادةِ الله تعالی، فبالتّالي إنّ إرادةَ الله إمّا دخیلةٌ أیضاً في إرادةِ البشر و إمّا لا....

وأمّا القولُ الذي نسَبَه البعضُ -ضمنَ کتاب المحقّق الخمینيّ ثمّ رَدَّه هناک- إلی المحقّق البروجرديّ فیُعدّ هذا الانتسابُ غَلطةً من جانبِ مُقرّر الکتاب، حیث قد ورد:

«وقد يقال (المحقق البروجرديّ): إنّ إرادية الفعل بالإرادة لكن إرادية الإرادة بنفسها لا بإرادة اُخرى، كموجودية الوجود ومنوّرية النور.[9]

وفيه: أنّ ذلك خلط بين الجهات التقييدية والتعليلية؛ (فإن مقام البحث حول حیثیة هذه الإرادة) فإنّ معنى موجودية الوجود بذاته أنّه لا يحتاج في صدق المشتقّ عليه إلى حيثية تقييدية وإن احتاج إلى حيثية تعليلية إذا كان ممكناً، وبهذا المعنى لو فرض كونها مرادة بذاتها لا تستغني عن العلّة، والإشكال في أنّ علّتها هل هي إرادة اُخرى منه أو أمر من خارج‌؟[10]»

فإنّ المحقّق البروجرديّ لم یَتفوَّه بهذه الإشکالیّة بتّاً کما استحضرنا مقالتَه بأسرِها.

----------------------
[1] سورة الإنسان - الآية ٢
[2] بروجردی حسین. 1415. نهاية الأصول.ج1 ، ص 96. تهران - ایران: نشر تفکر.
[3] و نَعتقِدُ بأنّ الآیةَ مطلقةٌ من هذا البُعد فإنّها تتحدّثُ حول مبدأِ الخلقة و هي النطفةِ و حول الأبعادِ المختلفة للإنسانِ حیث قد اختلطَ بمَزِیجٍ من العناصرِ الروحیّة و الجسدیّة التي قد فوّقَته علی الحیوان، فالآیةُ تتحمَّلُ هذا الإطلاقَ الشّاسعَ بلا حاجةٍ إلی تحدیدِها علی الأبعادِ الروحیة فحسب فإنّ الابتلاءَ یتناسَبُ مع قدرتِه الجسمیّةِ أیضاً بحیث لو عجزَ لما کلّفَه الشّارع بشیئ.
[4] لمحات الاصول ص ۴۳: ثم إن الإنسان في صدور كل فعل منه، لا بد من تصوره و ترجيحه أحد جانبي الفعل و الترك، و حيث كان له عقل مميز، و له ميول مختلفة- حسبما عرفت- يجعل الفعل و الترك في كفتي ميزان عقله، فإن رجح جانب الفعل يختار لنفسه فعله، و يفعله بإرادته، أو يختار تركه و يتركه كذلك، فقد يرجح النفع الدنيوي العاجل على الضرر الاخروي الآجل فيختاره؛ أي يعتقده خيرا لنفسه، فيفعله باختياره و إرادته، و قد يرجح تركه فيتركه كذلك.
و لعل إلى ما ذكرنا أشار تعالى في سورة الدهر، حيث قال: «هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا* إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا* إنا هديناه السبيل إما شاكرا و إما كفورا» .
و لعل «النطفة» هي النطفة الروحانية التي أشارت إليها أخبار الطينة كما يظهر للمتدبر فيها. و المشج هو المختلط، و الجمع للإشارة إلى كثرة الاختلاط، و هذا الاختلاط إشارة إلى الرقائق العلوية و السفلية. و الدليل على أن «النطفة» هي الروحانية، قوله: «نبتليه» فإن الابتلاء مناسب للروح، لا للجسد و المادة الجسمانية. و السمع و البصر أيضا هما الروحانيان منهما؛ بمناسبة الابتلاء و الهداية، فبهما يميز الصلاح من الفساد.
و هداية السبيل عبارة عن بعث الأنبياء، و إرسال الرسل، و إنزال الكتب.
و قوله: «إما شاكرا و إما كفورا» إشارة إلى اختيار الطاعة، فيكون شاكرا لأنعم الله، أو المعصية فيكون كفورا.
[5] التفسير الكبير ج‏30 ص740 من سورة الإنسان الآية 2: قوله تعالى: إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ‏ فيه مسائل:
المسألة الأولى: المشج في اللغة: الخلط، يقال: مشج يمشج مشجا إذا خلط، و الأمشاج الأخلاط، قال ابن الأعرابي: واحدها مشج و مشيج، و يقال للشي‏ء إذا خلط: مشيج كقولك: خليط و ممشوج، كقولك مخلوط .... و اختلفوا في معنى كون النطفة مختلطة فالأكثرون على أنه اختلاط نطفة الرجل بنطفة المرأة كقوله: يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَ التَّرائِبِ‏ [الطارق: 7] قال ابن عباس هو اختلاط ماء الرجل و هو أبيض غليظ و ماء المرأة و هو أصفر رقيق فيختلطان و يخلق الولد منهما، فما كان من عصب و عظم و قوة فمن نطفة الرجل، و ما كان من لحم و دم فمن ماء المرأة، قال مجاهد: هي ألوان النطفة فنطفة الرجل بيضاء و نطفة المرأة صفراء، و قال عبد اللّه أمشاجها عروقها، و قال الحسن: يعني من نطفة مشجت بدم و هو دم الحيضة و ذلك أن المرأة إذا تلقت ماء الرجل و حبلت أمسك حيضها فاختلطت النطفة بالدم، و قال قتادة: الأمشاج هو أنه يختلط الماء و الدم أولا ثم يصير علقة ثم يصير مضغة، و بالجملة فهو عبارة عن انتقال ذلك الجسم من صفة إلى صفة، و من حال إلى حال. و قال قوم: إن اللّه تعالى جعل في النطفة أخلاطا من الطبائع التي تكون في الإنسان من الحرارة و البرودة و الرطوبة و اليبوسة، و التقدير من نطفة ذات أمشاج فحذف المضاف و تم الكلام.
أما قوله تعالى: نَبْتَلِيهِ‏ ففيه مسائل:
المسألة الأولى: نبتليه معناه لنبتليه، و هو كقول الرجل: جئتك أقضي حقك، أي لأقضي حقك. المسألة الثانية: نبتليه في موضع الحال، أي خلقناه مبتلين له، يعني مريدين ابتلاءه.
المسألة الثالثة: في الآية قولان: أحدهما: أن فيه تقديما و تأخيرا، و المعنى فجعلناه سميعا بصيرا لنبتليه و القول الثاني: أنه لا حاجة إلى هذا التغيير، و المعنى إنا خلقناه من هذه الأمشاج لا للبعث، بل للابتلاء و الامتحان.
ثم ذكر أنه أعطاه ما يصح معه الابتلاء و هو السمع و البصر، فقال: فَجَعَلْناهُ سَمِيعاً بَصِيراً و السمع و البصر كنايتان عن الفهم و التمييز، كما قال تعالى حاكيا عن إبراهيم عليه السلام: لِمَ تَعْبُدُ ما لا يَسْمَعُ وَ لا يُبْصِرُ [مريم: 42] و أيضا قد يراد بالسميع المطيع، كقوله سمعا و طاعة، و بالبصير العالم يقال: فلان بصير في هذا الأمر، و منهم من قال: بل المراد بالسمع و البصر الحاستان المعروفتان و اللّه تعالى خصهما بالذكر، لأنهما أعظم الحواس و أشرفها.
[6] سورة الشورى - الآية - ٤٥.
[7] بروجردی حسین. 1415. نهاية الأصول. Vol. 1. تهران - ایران: نشر تفکر.
[8] و بعبارةٍ جلیّةٍ: لو افتَقَدَتِ النّفسُ قُواها الباطنيّةَ -کالعلم و القدرة و الإرادة- أو الظاهريّةَ لَما أمکنَها فعلُ شیئٍ إطلاقاً و أما النّفسُ بضمِّ القُوی فلا یُسمَّی ذاک العنصرُ اختیاراً لأنّه یُعدّ صفةً قائمةً في النّفس بحیث لا یَنتَسِبُ الفعلُ إلی أفعالِ النّفس بل إلی صفاتِه و تلک الصفةُ نُسمّیها بالإرادة ولهذا فالنّفس لا تَمتلِکُ عنصراً رابعاً باسم الاختیار، إذ القُوی الباطنيّة أوالظاهريةُ لا تَخلق الاختیارَ کي یَقَعَ ما بین الإرادة و حرکة العضَلات، بل الهَیَجانُ النّفسيّ -و هي نفسُ الإرادة- سیَتأکّد کي یُحَقِّقَ الحرکةَ، نعم قد أجادَ المحقّقُ النائینيُّ ضمن أبحاث "الکلام النفسيّ" حیث قد دَمَجَ الاختیارَ بنفسِ الطّلب لکي یُسجِّلَ التغایرَ ما بین الطلب و الإرادة فصَرَّح آنَذاک بأنّ النفس ستَهجُم نحوَ المُتَطَلَّب بالإرادةِ ثمَّ الطَّلبِ من دون أن یُفکّکَ ما بین الاختیارِ و الطّلب نظراً لاندِماجِهِما، بینما في هذا الحقل قد استَشمَّ عنصراً رابعاً فسمَّاه بالاختیار، ثمّ صرّح المحقق الاصفهانيّ قائلاً:
وثالثاً: أنّ الاختيارَ الذي هو فعلٌ نفسانيٌّ:
إن كان لا يَنفكّ عن الصّفات الموجودة في النّفس ـمن العلم والقدرة والإرادةـ فيكون (الاختیار) فعلاً قهريّاً لكون مبادِيه قهريّةً لا اختيارية (إذ المُفترَض أنّ الاختیارَ یُساوِقُ صِفةَ الإرادةِ فإنّهما لا یَنفکَّان فسیُصبِحُ الاختیارُ مُنقَهِراً کالإرادةِ أیضاً).
وإن كان (الاختیار) يَنفَكُّ عنها ـوأنّ تلك الصفاتِ مرحجّاتٌ ـ (فسَیُفضي إلی:) فهي بضميمة النّفس الموجودة في جميع الأحوال علةٌ ناقصةٌ، و (الحالُ) لا يوجَد المعلولُ إلاّ بعلّته التامّة (فهذه المُصحّحاتُ مع النّفس لا تُصبِحُ علةً تامّةً بل ستَظلّ ناقصةً دوماً، إذ المفتَرَض أنّ الاختیار مُنفکٌّ عن المرجّحات فسیُصدِرُ فعلاً ناقصاً).
[9] نهاية الاُصول: ١٢٢. فهذا العُنوانُ غلطةٌ بحتة.
[10] موسوعة الإمام الخميني قدس سره الشريف. ج2. ص32 تهران - ایران: مؤسسه تنظيم و نشر آثار امام خمينی (س).

الملصقات :


نظری ثبت نشده است .