درس بعد

الاوامر

درس قبل

الاوامر

درس بعد

درس قبل

موضوع: مادة الأمر و صیغته


تاریخ جلسه : ١٤٠٢/١٠/١٨


شماره جلسه : ۵۱

PDF درس صوت درس
خلاصة الدرس
  • تَفنیدُ دلائلِ الأشاعرةِ

  • الإجابةُ الصارمةُ للسیّد الخمینيّ

الجلسات الاخرى
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحيمْ
الْحَمْدُ للّه رَبِّ الْعَالَمِينْ وَصَلَى الله عَلَىٰ سَيِّدَنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ الطَّاهِرِينْ

تَفنیدُ دلائلِ الأشاعرةِ
لقد بَرهنُ الأشعريُّ تجاه الکلام النفسيِّ بأنّ إصدارَ الأمرِ یَتقوَّمُ بوجود أسبابِه کسببیّةِ الطلب أو الإرادة في النفس، بینما الأمر الامتحانيُّ معرّیً عن الطلب و الإرادة فیَتعلَّقانِ بالأمر الامتحانيِّ أساساً، فبالتالي نتخرّجُ بأنَّ في النفس عنصراً ثالثاً مکتوماً یُکوّنُ الأمرَ الامتحانيَّ فنُسمِّیه بالکلام النفسيِّ.
و قد تَصدّاهمُ السیّدُ البروجرديُّ بأنّ إرادةَ المصلحةِ قد تعلّقت بمقدماتِ الأمر الامتحانيِّ لا بنفس الفعل کما في الأمر الحقیقيِّ، إذن الأوامرُ لا تتعرّی عن المصالح، وأمامَک نصُّ بیاناتِه:
ونجيب عن هذا الاستدلال بأن المنشأ للأوامر مطلقا هو الإرادة، غاية الأمر أن المنشأ للأوامر الجدية إرادة نفس المأمور به، و المنشأ للأوامر الامتحانية إرادة إتيان مقدماته بقصد التوصل بها إلى المأمور به.
تفصيل ذلك: أن المقاصد التي تدعو المولى إلى الأمر مختلفة: فبعضها مما يحصل بإيجاد العبد نفس المأمور به، مثاله جميع المقاصد و الغايات المنظورة من الأوامر الجدية، و بعضها مما يحصل بإيجاد المكلف مقدمات المأمور به، بقصد التوصل بها إلى المأمور به، بحيث لا دخالة لنفس المأمور به في ترتّب الغاية المطلوبة أصلا. 
بل كل ما يحصل بفعل المأمور به مع مقدماته بقصد التوصل، يحصل بصرف فعل المقدمات بقصد التوصل أيضا، مثال ذلك أمره تعالى إبراهيم عليه السلام بذبح ولده، فإن المقصود من هذا الأمر لم يكن إلا وصول إبراهيم عليه السلام إلى الكمالات النفسانيّة و مرتبة كمال التسليم و الانقياد لرب الأرباب بإيثاره رضاية ربه على محبة الولد، و هذه الكمالات النفسانيّة كانت تحصل له بصرف إتيانه مقدمات الذبح بقصد التوصل بها إلى نفس الذبح، بحيث كان وقوع نفس الذبح خارجا و عدم وقوعه متساويين في ذلك. (فسواء ذبح الصبيُّ أم لا فقد تحقق الأمر الامتحانيّ)
ففي القسم الأول، يكون منشأ الأمر إرادة نفس الفعل، و في القسم الثاني منشأه إرادة إتيان المقدمات بقصد التوصل، و الأمر بالفعل إنما هو بداعي حصول هذا القصد في نفس العبد، و إلاّ فالفعل لا دخالة له في حصول الغاية أصلا، فالذي أراد اللَّه تعالى من إبراهيم عليه السلام هو نفس إتيان مقدمات الذبح بقصد التوصل بها إليه، فلما أوجدها نزل في حقه (قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا) فتأمل!
وإنّا نعتقدُ بأنّ إجابتَه مِثالیّةٌ تماماً إذ الأشعريُّ قد استنکرَ أساسَ الإرادةِ في الأمر الامتحانيِّ بینما السیّد البروجرديُّ قد سجَّلَ له الإرادةَ في مقدماتِ الأمر الامتحانيِّ لکي یَتوصّلَ العبدُ إلی مطلوب الآمر، و أما في قصةِ إبراهیمَ علیه السلام فقد عبّر القرآنُ الکریم قائلاً: یا أبتِ افعَل ما تُؤمَر. مما یدلّ علی توفّر الإرادة الإلهیّةِ في هذا الأمر الامتحانيِّ، ولا مُشاحّةَ في الأمثلةِ فإنّ کلّ شخصٍ عرفيٍّ لو شاءَ أن یَختَبرَ أحداً لحدَثَت له إرادةٌ في نفس إصدارِ الأمر لا في المأمور به.

الإجابةُ الصارمةُ للسیّد الخمینيّ
و الجواب عنه: أمّا في الأوامر الامتحانية و الإعذاريّة فينا (البشر) فالمبدأ (لإصدارِ کلِّ أمرٍ) هو الإرادة.
بيانه: أنّ كلّ فعل اختياريٍّ صدرَ منّا مسبوقٌ بالتصوّر و التصديق بالفائدة بنحوٍ 1. فإن كان (الفعل) موافقاً لتمايلات النفس و مشتهياتِها، تَشتاق إليه و بحسب اختلاف مراتب الملاءمة يشتدّ الاشتياق إليه، ثمّ بعد الاشتياق قد تختاره و تصطفيه فتعزِم على‏ إتيانه و تهمّ إليه فتحرّك الأعضاء التي تحت سلطانها نحوه فتأتي به. 2. و إن لم يكن ملائماً لمُشتَهاها لكنّ العقل يرى أصلحية تحقّقه و إتيانه يحكم -على رغم مشتهيات النفس- بإتيانه، فتختار النفس وجوده و تعزم عليه و تهمّ و تحرّك الأعضاء (فتوجَدُ إرادةٌ أیضاً) كشرب الدواء النافع (المرّ) و قطع اليد الفاسدة، فإنّ العقل يحمل النفس على الشرب و القطع مع كمال كراهتها (بلا اشتیاق إلی العمل إلا أن العقل یُجبرُ النفس علی امتثال ذاک المکروه النافع) فما في كلام القوم‏ -من أنّ الإرادة هو الاشتياق الأكيد أو أنّ الاشتياقَ من مقدّماتِها- ليس على ما يَنبغي (بل ثمة إرادةٌ بلا اشتیاقٍ کشرب الدواء و قطع الید فرغم الکراهةِ ولکن المکلّفَ یُنجزُ العملَ، إذن في الامتحانیات تَتوفّرُ الإرادة بلا شوقٍ للفعل فلا یردَ إشکالُ الأشعريّ بأنه لا إرادةَ في الامتحانیات) بل ليس التصديق بالفائدة أيضاً من المقدّمات الحتميّة (فربما عمِلَ عملاً بلا تصدیق بالفائدة أصلاً فتَتحقَّقُ الفائدةُ عشوائیّاً) و لا يسع المقام تفصيل ذلك. (فالإرادةُ لیست بمعنی الاشتیاق المؤکّد)
ثمّ إنّ الأوامر الصادرة من الإنسان من جملة أفعاله الاختيارية الصادرة منه بمبادِيها، و الفرقُ بين الأوامر و النواهي الامتحانية و الإعذارية و بين غيرها (أي الأوامر الحقیقیة) ليس في المبادي (المقدمات) و لا في معاني الأوامر و النواهي (التحریک و الزجر) فإنّها (امتحانیة) بما هي أفعال اختيارية محتاجة إلى المبادي من التصوّر إلى تصميم العزم و تحريك عضلة اللسان، و الهيئة مستعملة في كليهما استعمالًا إيجادياً؛ أي تكون مستعملة في البعث إلى المتعلّق أو الزجر عنه، و إنّما الفارق بينهما (الامتحانیة و الحقیقیة) بالدواعي و الغايات:

1. فالداعي للأوامر الغير الامتحانية (أي الحقیقیة) و ما يكون باعثاً للآمر و غاية له هي الخاصية المدركة من المتعلّقات (فالمصلحة في المطلوب)

2. فالداعي إلى الأمر بإتيان الماء للشرب هو الوصول إلى الخاصية المدركة، و أمّا الداعي إلى الأوامر الامتحانية و الإعذارية فهو امتحان العبد و اختباره أو إعذار نفسِه.
فما ذهب إليه الأشعري من أنّ المبدأ لها (الامتحانیة) ليست الإرادة 1. إن كان مراده إرادةَ الفعل الصادر من المأمور (المکلف) فهو صحيح لكن في الأوامر الغير الامتحانية أيضاً لا تتعلّق الإرادة بالفعل الصادر من المأمور، لأنّ فعل الغير ليس متعلّقاً لإرادته 2. و إن كان مراده إرادةَ بعث الغير إلى الفعل فهي حاصلة في الأوامر الامتحانية و الإعذارية أيضاً، إلّا أنّ الدواعي مختلفة فيها و في غيرها (فالله أرادَ الذبحَ و لکنَّ غایتَه لم یکن وجودَ الملاک في نفس الفعل) كما أنّ الدواعي في مطلق الأوامر مختلفة (إذن فالمائز بینهما هو الغرض) وبالجملة: ما هو فعل اختياري للآمر هو الأمر الصادر منه و هو مسبوق بالمبادي الاختيارية سواء فيه الأوامر الامتحانية و غيرها. هذا كلّه في الأوامر الصادرة من الموالي العرفيّةِ.

و أمّا الأوامر و النواهي الإلهية ممّا أوحى اللَّه إلى أنبيائه، فهي ليست كالأوامر الصادرة منّا في كيفيِّة الصدور (من التصور و التصدیق و الشوق و تحریک العضلات) و لا في المعلَّلِيّةِ بالأغراض و الدواعي (فکلّ أغراضِه تعود إلی حبّ نفسه رغم أنها تعود إلی العباد قهراً أیضاً) لأنّ الغايات و الأغراض و الدواعي كلّها مؤثّرات في الفاعل و يصير هو (الفاعل) تحت تأثيرها و هو غير معقول في المبادي العالية الروحانية فضلًا عن مبدأ المبادي جلّت عظمته (فالتعدد بین الفاعل و الغایة بالنسبةِ الله مستحیل) لاستلزامه للقوّة التي حاملها الهيولى، و تركّب الذات من الهيولى و الصورة و القوّة و الفعل و النقص و الكمال و هو عين الإمكان و الافتقار تعالى عنه، فما هو المعروف بينهم (المتکلّمین) «أنّه تعالى يفعل للنفع العائد إلى العباد» مشترك في الفساد و الامتناع مع فعله للنفع العائد إليه.

و لا يلزم ممّا ذكرنا، أن يكونَ فعلُه لا لغرضٍ و غايةٍ فيكونَ عبثاً؛ لأنّ الغايةَ في فعله -و هو النظام الأتمّ التابع للنظام الربّانيّ- هو ذاتُه تعالى، والفاعلُ والغايةُ فيه تعالى واحد لا يُمكن اختلافهما، لا بمعنى‏ كونه تعالى تحت تأثيرِ ذاتِه في فعلِه (فلا تعود الأغراضُ إلیه تعالی إذ لا یقعُ ذاتُه تحت تأثیر فعله) فإنّه أيضاً مستحيل لوجوه، بل بمعنى‏ أنّ حبَّ ذاتِه مستلزمٌ لحُبِّ آثاره استجراراً و تبعاً (لحب الذات) لا استقلالًا و استبداداً، فعلمُه بذاته علمٌ بما عداه في مرتبة ذاته (بالعلم الحضوريِّ قد توفّر لدی الله تعالی) وعلّةٌ لعلمه بما عداه في مرآة التفصيل، و حبّه بذاتِه كذلك (حب بالآثار) و إرادته المتعلّقة بالأشياء على وجه منزَّهٍ عن وصمةِ التغيُّر و التصرّم لأجل محبوبية ذاته و كونها مرضيّة، لا محبوبيّة الأشياء و كونها مرضيّة استقلالًا، و إلى ذلك أشار الحديث القدسي المعروف: «كُنتُ كنزاً مخفيّاً فأحببتُ أن اعرف فخلقتُ الخلقَ لِكي اعرف» (وفقاً للآیة الکریمة: وما خلقتُ الجن و الإنسَ إلا لیعبدون) فَحُبّ ظهور الذات و معروفيتها حبّ الذات لا الأشياء.

إذن إن الله سبحانَه غنيٌّ عن الداعي و الغرض بل الفاعلُ و الغایةُ بالنسبةِ إلی الله تعالی مُوحَّدانِ إذ کلُّ أفعاله تَصدُر لغایةِ نفسه المقدّسةِ، ثمّ قد استَنتَجَ السیدُ الخمینيُّ قائلاً:
فتحصّل ممّا ذكرنا وهن تمسّك الأشعري لإثبات مطلوبه بالأوامر الامتحانية؛ فإنّه مع ما عرفت بطلانه لو فرض كلام نفسي و طلب نفسي لنا فيها، لا يمكن تصوّره (الکلام النفسيّ) في ذات القيّوم الواجب جلّ و علا، و هل هذا إلّا قياس الحقّ بالخلق، و التراب و ربّ الأرباب، و لعلَّ النملةَ تَرى‏ أنّ لِلَّه تعالى زَبانِيَتَين (قَرنین)‏ . (فالکلام النفسيّ بالنسبةِ إلی الله سبحانه لا یتفرّع علی المبادي لأنها مستحیلةٌ تجاه الله) كما اتّضحَ وهن كلام المحقّق الخراساني رحمه الله‏ من أنّه ليس في الأوامر الامتحانية إرادةٌ حقيقيّةٌ و لا طلب حقيقي بل فيها (الامتحانیّة) إرادةٌ إنشائية و طلب إنشائي؛ فإنّه-مضافاً إلى‏ ما عرفت (تَتوفّرُ إرادةٌ حقیقیّة في الأمر الامتحانيّ ولکنها تختلف عن الغرض و المطلوبیة في نفس الفعل)- يرد عليه أنّه لا معنى‏ محصَّلٍ للإرادة الإنشائية، بل لا معنى‏ للوجود الإنشائي و الاعتباري للحقائق المتحقّقة كالسماء و الأرض و الإنسان. نعم، يعتبر العقلاء اموراً لا حقيقة لها لمسيس الحاجة إليها كالزوجية و الملكية و سائر الاعتباريات، فليس للإرادة و الطلب فرد حقيقي و فرد انشائي.

إذن فمستخلَصُ مقالةِ السید الخمینيِّ هو أنّ الأوامر الإنشائیةَ بأسرِها تَتمتّعُ بالإرادة فبالنسبةِ إلی البشر لا یختلفُ مبادئُها -و أسبابُها- سواءٌ في الأمر الحقیقيِّ أو الامتحانيِّ، وإنما الاختلاف في الغرض، بینما الله سبحانَه قد اتّحدَت أغراضه مع مبادئ الأمر بلا تفکیک بینَهما، إذن فکافّةُ أفعالِ الله سبحانه تئولُ إلی حبّ نفسِه رغمَ أنّ فوائدَها تُجدي للعبادِ أیضاً بصورةٍ قهریّةٍ، فوفقاً لهذا المنوال، لا تُعدُّ قضیّةُ ابراهیم علیه السلام امتحانیّةً بل هي حقیقیّةٌ لغایةِ حبِّ نفسه تعالی لا لکي یتکاملَ النبيّ إبراهیم.
ونلاحظُ علیه بأنّه في النهایةِ لم یُفسِّر لنا حقیقةَ الأوامر الامتحانیّة الإلهیّةِ، بل حوّلها إلی الأوامر الحقیقیّةِ، بینما الحقُّ أنّ الأوامرَ تَمتازُ عن بعضها البعض عرفیّاً فلا یُتاحُ له أن یُعید کافةَ الأوامرِ إلی حبّ النفس حتی الأوامر الامتحانیّةِ، إذ العقلاءُ یُخاصِمونَ هذه النظریّةَ.


الملصقات :


نظری ثبت نشده است .