درس بعد

الاوامر

درس قبل

الاوامر

درس بعد

درس قبل

موضوع: مادة الأمر و صیغته


تاریخ جلسه : ١٤٠٢/١٠/٢٣


شماره جلسه : ۵۳

PDF درس صوت درس
خلاصة الدرس
  • الاستدلالیةُ التالیة من قِبَلِ الأشاعرَةِ

  • الدلیل التالي للأشاعرة

  • الاستدلالُ التالي للأشعريِّ

الجلسات الاخرى
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحيمْ
الْحَمْدُ للّه رَبِّ الْعَالَمِينْ وَصَلَى الله عَلَىٰ سَيِّدَنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ الطَّاهِرِينْ

الاستدلالیةُ التالیة من قِبَلِ الأشاعرَةِ
لقد أسلفنا بأنّ الأشاعرةَ البائِسَةَ لم تُفکّک -في أدلتِها علی الکلام النفسيِّ- بأنّ بعضَها تُثبِتُ الکلامَ النفسيَّ لله فحسب و قِطَعاً منها تُمثِّلُ الکلامَ النفسيَّ للإنسان فحسب، فبالتالي لم نَعثُر علی دلیلٍ آخر یُسجِّلُ کلیهما إلا دلیلَهمُ الماضيَ الذي قد حذَفَ الإرادةَ في الأمر الامتحانيِّ و الإعذاريِّ فإن هذا النمط من الأمر یَشترِکُ بین الله و الإنسان.

و الآن سنَستعرِضُ دلیلَهم التالي:

لقد تشبَّثوا بالآیة التالیة: -لیُثبتُوا الکلامَ النفسيَّ لله تعالی- «وکلَّم الله موسی تکلیماً»[1] ثمَّ بَنَوا الاستدلالَ علی أربعِ مقدماتٍ قادمة:

1. إنّ التکلّمَ من أوصافِ الله تعالی بلا ارتیاب.

2. إنَّ الأوصافَ الإلهیَّةَ کلَّها تُعدُّ قدیمةً کذاتِه تعالی إذ لو أصبَحَت حادثةً لأفضی إلی حلولِ الحادثِ في القدیم بینما لا تَقعُ ذاتُه القدیمةُ محَّلاً للحوادث و إلاّ لَتَقوّمَ القدیمُ بالحادث فاستَدعَی الحادثُ التغییرَ في الذات القدیم.

3. إنّ الکلام النفسيَّ مدلولٌ للکلامِ اللفظيِّ وحیث إنَّ اللفظَ من جملةِ الحوادثِ -إذ یَتَرکَّبُ من الحروف و المُرکَّبِ- فیُعدُّ تدریجيَّ الحدوثِ بخلافِ الکلام النفسيِّ تماماً.

4. إنَّ الکلامَ النفسيَّ حیث یُعدُّ صفةً مکنونةً و قدیمةً في النفس الإلهيِّ، فسیَختلِفُ عن سنخِ الکلام اللفظيِّ -ومن غیر مقولةِ اللفظ و العلم و الإرادة- ولهذا لا یُعدُّ حادثاً أبداً، فبالتالي، نَتّخذُه عنصراً مَخفِیّاً في النفس.

ونتصدَّی لتفکیرِ الأشعريِّ المُتَذَبذِبِ هنا:

1. أولاً: بأنّه قد استدلَّ علی استحالةِ الکلامِ اللفظيِّ -نظراً إلی حدوثِه و الحادثُ لا یَلوجُ في القدیم- بینما هذه الاستدلالیّةُ بالآیةِ الکریمةِ لم تُثبِت لنا تواجُدَ عنصرٍ ثالثٍ في النفس یُسمَّی بالکلام النفسيِّ، نعم قد تجشَّمَ في إثباتِ حدوث الکلام اللفظيِّ و استحالةِ حلول الحادث في الذات القدیم الإلهيِّ، فظهورُ الآیةِ هو أنّ الله قد اتّصفَ بصفةِ التکلّم و أین هي من الکلام النفسيِّ.

2. ثانیاً: إنَّ الآیةَ قد صرّحت بأنَّ الله تعالی قد کلَّمَ موسی علیه السلام، فلو تَسجَّلَ -لدی الأشعريِّ- وجودُ الکلامِ النفسيِّ لأصبحَ النبيُّ موسی أیضاً من قِدَمِ الله حتماً، إذ مُتعلّقُ التکلُّمِ الإلهيِّ القدیم هو نفس النبيِّ موسی لأنّه الطرفُ المقابلُ للتکلّم الإلهيِّ –کالخالقیّة و الرازقیّةِ- فیَتحتّمُ أن نُسجِّلَ قِدَمَ النبيِّ أیضاً کي یَتحقّقَ الکلامُ النفسيُّ، بینما لا یَخضَعُ له الأشعريُّ المُتطفِّلُ نهائیّاً.

3. ثالثاً: إنّ إعرابَ فقرةِ "کلّمَ تکلیماً" هو المفعول المطلقُ النوعيُّ -لا التأکیديُّ- ولهذا لا یَتماثَلُ الکلام الإلهيُّ مع کلام البشر علی الإطلاق فإنّ نمطَ تکلّمِ الله قد تحدَّد في الآیةِ التالیة: و ما کان لبشرٍ أن یُکلِّمَه الله إلا وحیاً أو من وراء حجابٍ أو یُرسِلَ رسولاً فیُوحيَ بإذنِه ما یَشاء. فلو أصبحَ کلامُه تعالی نفسیّاً لما تَلائَمَ مع المفعولِ المطلق النوعيِّ، إذ من المُبرَمِ أنّ تکلّمَ الباري تعالی یَتفاوَتُ نوعُه مع جوهرةِ تکلّمِ البشر، فعملیّةُ التکلّمِ قد استَحدَثَت بلونٍ خاصٍّ مع موسی علیه السلام وهذا لا یَتّسِقُ مع الکلام النفسيِّ القدیم، فرغمَ أنَّ الکلام اللفظيَّ یُعدُّ دالّاً علی الکلام النفسيِّ و لکنّه لا یُسجِّلُ أصلَ وجودِ الکلام النفسيّ فضلاً عن قِدَمِه.
 
الدلیل التالي للأشاعرة
و هنا الأشاعرةُ المُتزَعزِعَةُ قد کفَّت أیدیَها عن الآیةِ الکریمةِ فاستدلَّت بوجدانِها بأنّا نُذعِنُ أنّ الله قد اتّصفَ بسِمَةِ التکلُّم حتماً وحیث إنّ ذاتَه قدیمٌ فمُواصفاتُه تُعدُّ قدیمةً أیضاً لأنّها تتقوّمُ بذاتِه القدیم فلا یَقَعُ ذاتُه موطناً للحوادثِ عقلاً، فبالتالي، قد افتَرَضَتِ التکلّمَ الإلهيَّ صفةً نفسیّةً قدیمةً.

ولکن نُحاجِجُ الأشعريَّ هنا:

أولاً: إنّه قد فشَلَ في إثباتِ قِدَمِ "التکلّم الإلهيّ" کصفةٍ نفسیّةٍ باطنیّةٍ، بل یبدو نیِّراً بأنَّ الأوصافَ الإلهیّةَ لا تُعدّ کلُّها قدیمةً ذاتیّةً بل وفقاً للروایاتِ و التحلیل العقليِّ نَجد أنّه سبحانَه قد حظِيَ بأوصاف فعلیّةٍ حادثةٍ، فلا نَضطرُّ إلی تسجیلِ قِدَمِ "صفةِ التکلّمِ الإلهيّ" نهائیّاً.

ثانیاً: قد أجابَ المتکلّمونَ -رغمَ أن الفلاسفةَ لا تَخضَعُ لهذا التفکیر- بأن عبارةَ "الله متکلّم" لا یَعني التکلّمَ الاشتقاقيَّ المصطلحَ إذ لیست مبدئُه حدثیّاً بل إنّه مصدرٌ جعليٌّ نظیر اللّابنِ و التامر و البقّال و... حیث إنّها قد اشتُقّت من مبدئٍ جامدٍ تماماً بمعني بایعِ اللبن و التَمر و البَقل، فکذلک التکلُّم قد اتُخِذَ من معنی جامدٍ، وعلی ضوئه، إنّ الله تعالی یوجدُ الکلامَ بفعلِه الخارجيِّ، فلا یُعدُّ وصفاً قدیماً اشتقاقیّاً لکي یَستَشکِلَ الأشعريُّ بأنّه وصفٌ قدیمٌ مشتقٌّ من الکلام[2] إذن فتکلیمُ الله یَعنی إیجادُ الکلماتِ للمُستمِع وفقاً لآیةِ "ماکان لبشر أن یکلمه الله إلا وحیاً..." فحتی الآن قد انهزَم الأشعريُّ.

وامتداداً لحقیقةِ الکلام، نَستذکِرُ اتّجاهَ الفلاسفةِ کالسیّد الخمینيِّ، حیث یُصرّحونَ بأنَّ الألفاَظ قد وضعَت للمعاني العامةِ فیأتي المتکلّمُ و یُظهرُ عمّا ما في الضمیر عبرَ الکلمات، إذن فالتکلّم هو إظهارُ مطویّاتُ البواطِن، فحیث إنّ المتکلّمَ قد أبدَی عن إرادةِ نفسِه أو عن واقعةٍ خارجیّةٍ عبرَ الکلمات فأصبحَ متکلِّماً إذ البشرُ لا یَمتلِکُ مناصاً لإبداءِ الضمیر إلا عن طریق الحروف و الأصوات و... ، ثمّ توسّعَ معنی "الکلامُ" بمعناه العام فطبّقناه علی ذاتِ الله تعالی أیضاً نظراً للحدیث القدسيّ: کنت کنزاً مخفیاً فأحببت أن أعرف...

ولکن وفقاً لهذا التفسیر من الکلام، سیَتَّحدُ سنخُ التکلّمِ البشريّ عن الله سبحانَه وکذا سیَندَمِجُ التکلّم مع سائرِ الصفات الأخَر کالقدرة الإلهیَّةِ و الرازقیّةِ و... ، وقد التَزمَت به الفلاسفةُ.

الاستدلالُ التالي للأشعريِّ
لقد أثبتَ الأشعريُّ المَعتُوه التغایرَ ما بین الکلام النفسيِّ و بین العلم في الإخبار و الإرادة في الإنشاء، مستدلّاً بأنّ الجمَلَ الخبریّة تتمتّعُ بثلاثِ افتراضاتٍ: فإما أن یُعلمَ بالنسبة الحکمیةِ الخبریّة و إمّا أن یُشُکَّ وإمّا أن یُعلمَ بالخلاف فرغمَ مخالفةِ الخبرِ مع الواقع إلا أنّا المخبرَ یُنبِأُ بذلک أیضاً، ثمّ استَنتَج بأن الإخبارَ بأمر مشکوک أو بحادثةٍ مضادةٍ للواقع یدلّ علی أنّ الخبرَ یَفوقُ العلمَ إذ کیفَ یَشکّ المرءُ أو یعلمَ الخلاف و رغمَ ذلک یُنبأُ بهما، وهذا یَکشِفُ عن وجود عنصرٍ ثالث یُغایرُ العلم و الإرادة ولا مُناقشةَ في التَّسمیة.

و نَطمِسُ علیه بأنَّه لو أرادَ إثباتَ أنِّ الکلام النفسيَّ یُغایرُ حکمَ النفسِ بالنسبةِ الحکمیّةِ فهو غیر العلم فهذا مُتّفَقٌ علیه لأنّا نَعتقدُ بأنّ الإذعانَ بالنسبة الحکمیة هو العلمُ لا محض حکم النفس، و لو أرادَ إثباتَ أنّ نفسَ العلمِ هو غیرُ حکمِ النفس بهذا العلم، فإنّا قابِلوه أیضاً وفقاً للمحقّقيِ الرشتيِّ و الاصفهانيِّ إلا أنّ المحقق الاصفهانيّ قد اعترضَهم بأنَّ هذا الحکم النفسانيُّ یُعدُّ من أفعال النفس الحادثة لا من الصفات و الکیفیات النفسانیّةِ؛ بینما یَودُّ الأشعريُّ إثباتَ قِدمَ صفةِ التکلّمُ وقد خابَ في تسجیل الکلام النفسيّ أخیراً بل قد نَجَحت فکرةُ المعتزلة والإمامیة تماماً.[3]

--------------------
[1] سورة النساء، الآیة 164.
[2] و قد أشارَ إلی ذلک السیّد الخوئيّ أیضاً قائلاً: فلان المتكلم ليس مشتقاً اصطلاحياً. لفرض عدم المبدأ له، بل هو نظير هيئة اللابن، و التامر، و المتقمص، و المتنعل، و البقال‏
و ما شاكل ذلك، فان المبدأ فيها من أسماء الأعيان، و الذوات، و هو اللبن، و التمر، و القميص، و النعل، و البقل، و لكن باعتبار اتخاذ الشخص هذه الأمور حرفة و شغلا و لازماً له صارت مربوطة به، و لأجل هذا الارتباط صح إطلاق هذه الهيئات عليه. نعم أنها مشتقات جعلية باعتبار جعلية مبادئها و مصادرها. و السبب في ذلك أن الكلم ليس مصدراً للمتكلم، لفرض أن معناه الجرح لا الكلام، و كلم ليس فعلاً ثلاثياً مجرداً له، ليزاد عليه حرف فيصبح مزيداً فيه. و عليه فبطبيعة الحال يكون التكلم مصدراً جعلياً، و الكلام اسم مصدر كذلك‏. محاضرات في أصول الفقه ( طبع دار الهادى )، ج‏2، ص: 29
[3] و بتعبیر آخر، أولاً: إن هذا الإذعانَ بالنسبة إما من أفعال النفس فیصبح حادثاً ولکن الأشاعرة تنکره و إما أنه من الکیفیات النفسانیة فتتحقق الصورة في النفس سواء کان شکاً أو مخالفاً للواقع فإنّه لیس عنصراً ثالثاً بل هو العلم بالکذب و العلم بالشک. وثانیاً: بأنّ نفسَ الشکِّ و نفسَ العلمِ بالخلاف قد تحقّقا في النفس البشريِّ فحینما یُنبأُ عن المشکوک فمعناه أنّه قد علمَ بالمشکوک ثم أنبأ به، وکذا حینما یُنبأ بخلاف الواقع فإنّه في الحقیقةِ قد علمَ الکذبَ فأنبأَ به فیعدّ أُکذُوبةً خارجاً، إذن لم یَتسجّل أيُّ عنصر ثالث کالکلام النفسيّ، بل هو العلم فحسب، و إنّما التغیّرات فبسببِ المعلوم أعني متعلق العلم، لیس أکثر، وثالثاً: ألم یَفترِضِ الأشعريُّ الأغبرُ أنّ الکلامَ النفسيّ یَقعُ مدلولاً للکلام اللفظيِّ بینما أساسُ الشکِ و خلافِ الواقع لیس أمراً قدیماً راسخاً في النفس لکي یُنبأَ عنه المتکلمُ، إذن لا یحق للأشعريّ أن یَستشهِدَ بأنّ الإخبارَ یغایرُ العلم إذ الشک و... لا یُدلّ علیه و إذا دُلّ علیه فهو من نمط العلمِ بالمتعلّقِ أي إخبارٌ بالشک أو إخبار بالإهمال أو إخبارٌ بالهزل أو إخبار بخلاف الواقع و هکذا.
واعلم أنّ کلّ هذه التُرّهاتِ قد انبثَقَت من التباعدِ عن مکتبةِ أهل البیت علیهم السلام فتخیّلوا العلمَ في عقولِهم الناقصةِ بینما قد استغرقوا أوقاتِ العلماء بأباطیلِهم التي لا یَفقهونَها فأمدّ الله ضلالتَهم و ختمَ علی قلوبِهم فهم لا یفقهون، و نِعمَ ما قاله الإمام الصادق علیه السلام: الحمدُ لله الذي جعلَ أعدائَنا من الحمقی.

الملصقات :


نظری ثبت نشده است .