درس بعد

الاوامر

درس قبل

الاوامر

درس بعد

درس قبل

موضوع: مادة الأمر و صیغته


تاریخ جلسه : ١٤٠٢/٨/٢٢


شماره جلسه : ۲۷

PDF درس صوت درس
خلاصة الدرس
  • الثمرة السادسة المُثمرة ضمن البحوث

  • الثمرة السابعة المشوبة ضمن البحوث

  • تمریر عِنان الحوار إلی اتحاد الطلب و الإرادة

  • مقالة المحقق الآخوند حول الطلب و الإرادة

  • محادثة المحقق النائینيّ حول اتّحاد الطلب و الإرادة

الجلسات الاخرى
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحيمْ
الْحَمْدُ للّه رَبِّ الْعَالَمِينْ وَصَلَى الله عَلَىٰ سَيِّدَنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ الطَّاهِرِينْ

الثمرة السادسة المُثمرة ضمن البحوث
و منها- انه إذا كان لدينا امران و ورد ترخيص لأحدهما فقط و شك في أنه ترخيص لهذا أو ذاك، فانه بناء على ان الوجوب بحكم العقل يجب الاحتياط(لبرُوز العلم الإجمالي) إذ لا تعارض بين الأمرين بلحاظ مدلوليهما (ذاتاً بل التعارض یعدّ عَرَضیّاً) و انما العقل يحكم بالوجوب فيما لم يرد فيه ترخيص و المفروض ان أحد الأمرين لم يرد فيه الترخيص فيتشكل علم إجمالي منجِز (و أساساً لا تتضاب الأحکامُ العقلیة مع بعض إذ لا یتحقق التنافي الذاتي بین دلیلین عقلیین) و هذا بخلافه على المَسلكين الآخَرين (الوضع و الإطلاق) حيث يُفضي إلى التعارض بين مدلوليهما (ذاتاً إذ لم یتکوّن ظهورٌ في الوجوب في کلیهما فیتکوّن الإجمالُ) فالإجمال و التساقط على تفصيل نتعرض له في بحث العام المخصَص بالمردد بين متباينين.
و تبدو هذه الثمرةُ وجیهةً و مُثمرةً تماماً.

الثمرة السابعة المشوبة ضمن البحوث
و منها- انه بناء على مسلك الإطلاق بالتقريب الّذي ذكره المحقق العراقي (قده) من ان الأمر يكون ظاهراً بإطلاقه في الطلب الشديد يمكن ان نثبت بنفس النكتة أعلى مراتب الوجوب فلو وقع تزاحم بين واجبين: أحدُهما قد ثبت بالأمر (مادةٌ أو صیغةً) و الآخر بدالّ آخرَ غيرِ الأمر (نظیر لفظ: یجب) قُدّم دائماً ما يثبت بالأمر اللفظي (مادةً أو صیغةً) لأن دليله يدل بالإطلاق على كونه في أعلى مراتب الملاك و الوجوب.[1]

و بتحریر أحری: لو تزاحم ملاک الحکمِ الأعلی شدةً في الطلب مع ملاک الحکمِ الأخفِ قوّةً في الطلب، و لم یتمکّن المکلف أن یُنفّذَ کلا الطَلبین معاً فوفقاً لتصریحات المحقق العراقيّ بأن إطلاق المادة أو الصیغة یُرشدانِ إلی أتم المُتطلَبات و هو الوجوب بخلاف لفظة: یجب، حیث یُعرب عن أصل الوجوب بلا صعود في درجة المطلوب، فعندئذ سنَستکشف بکل وضوح بأن الوجوب الأعلائيّ الأکملَ یتقدّم و یتفوّق علی الوجوب الداني.

و أما العقل فسوف یُدرک أصل الحکم الوجوبيّ من کلا الوجوبین بلا کسر و انکسار ضمن مرحلة الملاک و الاعتبار، فبالتالي لا یترجّح أيُّ حکم تجاه الآخَر لتوازن الملاکین، ووفقاً للدلالة الوضعيّة فلا ینکشف الملاک

نعم ربما یُناقش في هذه الثمرة بأن المحقق العراقي قد أراد من لفظة: الأتم و الأکمل هي المرتبة اللزومیة فقط فلم یلاحظ وجوبَ الرُتب و الدرجات ضمن الوجوب بأن الإطلاق یُحدّد الفرد الأعلائيّ في الطلب، بل منویُّه من کلمة الأتم و الأکمل هو اللزوم، فبالتالي، في میدان التزاحم لا یترجّح إطلاق وجوب المادة أو الصیغة علی الوجوب بلفظة: یجب، لأنهما متساویان في اللزوم.

و یبدو أن هذا البیان هو ظاهر مقالة المحقق العراقي، و نَدعمُه بأن المحقق قد عبّر بأتمیّة الوجوب و أکملیّته قبالاً لنُقصانیة الاستحباب فلم یُلاحظ تدرّج الرُتب في الوجوب خفةً و شدةً بل إن الفرد الأتمّ من الإطلاق هو اللزوم و الوجوب حیالَ الفرد الأدنی و هو الاستحباب.

تمریر عِنان الحوار إلی اتحاد الطلب و الإرادة
إن الحوار حول الطلب و الإرادة قد نجَم و تجلی لکي یطمِس علی مقولة الأشاعرة المُعتقدة بتغایر الطلب و الإرادة و بالکلام النفسيّ، ثم عقیبَ ذلک قد انجرّ الحوار إلی مبحث الجبر و التفویض، و من ثمَ قد اتّجه الحوار إلی مبحث الثواب و العقاب لکي یکتشفوا کیفیة تطبیق الإرادة التکوینیة و التشریعیة الإلهیة علی أفعال البشر، ثم تطرّقوا إلی مبحث أخبار الطِینة.

و رغم ذلک کلِه، یعتقد الشهید الصدر بأن النقاش عن موضوع الطلب و الإرادة یعدّ نقاشاً تافهاً و سخیفاً و لهذا یرکّز الحوار حول الجبر و الاختیار.

بینما قد تکفّل السید البروجرديّ مستوفیاً لهذه الأبحاث، و رافقه السید الخوئي بحیث قد أسهب الکلامَ إلی ما یناهز 100 صفحةٍ في کتاب المحاضرات، و أما السید الخمینيّ فقد أفرد له و صنّف لأجله رسالةً مستقلةً في الطلب و الإرادة سنةَ 1371قمریة بمدینة همدانَ، فإنها تتمتّع بغزارة المطلب و وفور النکات الأساسیة.

و قد استخلصنا ملخّصاً من هذه الرسالة النفیسة ضمن عشَرَة جلسات، و منذ الیوم سنستوفي کافة جوانب هذه المواضیع الجذّابة نظراً إلی أن شتی الأبحاث المحوریة (أصولیةً و کلامیةً و فلسفیةً) تتفرّع علیها، و خاصةً أن الآیات الکریمة قد خاضت و تجوّلت ضمن هذه المواضیع الهامة أیضاً، و من الجليّ أن فهم تلکم الآیات یرتهن علی تنقیح و تنقیةِ هذه العناصر العویصة.
 
مقالة المحقق الآخوند حول الطلب و الإرادة
لقد استفتح المحقق الآخوند هذه النافذة التي انحرفت عن مسار أبحاث الأمر، نظراً إلی أهمیتها البالغة، قائلاً: [2]

الجهة الرابعة: الطلب و الإرادة: الظاهر أن الطلب الذي يكون هو معنى الأمر ليس هو الطلب الحقيقي الذي يكون طلبا بالحمل الشائع الصناعي بل الطلب الإنشائي الذي لا يكون بهذا الحمل طلبا مطلقا بل طلبا إنشائيا سواء أنشئ بصيغة افعل أو بمادة الطلب أو بمادة الأمر أو بغيرها و لو أبيت إلا عن كونه موضوعا للطلب فلا أقل من كونه منصرفا إلى الإنشائي منه عند إطلاقه كما هو الحال في لفظ الطلب أيضا و ذلك لكثرة الاستعمال في الطلب الإنشائي كما أن الأمر في لفظ الإرادة على عكس لفظ الطلب و المنصرف عنها عند إطلاقها هو الإرادة الحقيقية و اختلافهما في ذلك ألجأ بعض أصحابنا إلى الميل إلى (ما ذهب إليه الأشاعرة من المغايرة بين الطلب و الإرادة) خلافا لقاطبة أهل الحق و المعتزلة من اتحادهما فلا بأس بصرف عنان الكلام إلى بيان ما هو الحق في المقام و إن حققناه في بعض فوائدنا إلا أن الحوالة لما لم تكن عن المحذور خالية و الإعادة بلا فائدة و لا إفادة كان المناسب هو التعرض هاهنا أيضاً.

فاعلم أن الحق كما عليه أهله وفاقا للمعتزلة و خلافا للأشاعرة هو اتحاد الطلب و الإرادة بمعنى أن لفظيهما موضوعان بإزاء مفهوم واحد و ما بإزاء أحدهما في الخارج يكون بإزاء الآخر و الطلب المنشأ بلفظه أو بغيره عين الإرادة الإنشائية و بالجملة هما متحدان مفهوما و إنشاء و خارجا لا أن الطلب الإنشائي الذي هو المنصرف إليه إطلاقه كما عرفت متحد مع الإرادة الحقيقية التي ينصرف إليها إطلاقها أيضا ضرورة أن المغايرة بينهما أظهر من الشمس و أبين من الأمس فإذا عرفت المراد من حديث العينية و الاتحاد ففي مراجعة الوجدان عند طلب شي‏ء و الأمر به حقيقة كفاية فلا يحتاج إلى مزيد بيان و إقامة برهان فإن الإنسان لا يجد غير الإرادة القائمة بالنفس صفة أخرى قائمة بها يكون هو الطلب غيرها سوى ما هو مقدمة تحققها عند خطور الشي‏ء و الميل و هيجان الرغبة إليه و التصديق لفائدته و هو الجزم بدفع ما يوجب توقفه عن طلبه لأجلها.

و بالجملة لا يكاد يكون غير الصفات المعروفة و الإرادة هناك صفة أخرى قائمة بها يكون هو الطلب فلا محيص‏ عن اتحاد الإرادة و الطلب و أن يكون ذلك الشوق المؤكد المستتبع لتحريك العضلات في إرادة فعله بالمباشرة أو المستتبع لأمر عبيده به فيما لو أراده لا كذلك مسمى بالطلب و الإرادة كما يعبر به تارة و بها أخرى كما لا يخفى و كذا الحال في سائر الصيغ الإنشائية و الجمل الخبرية فإنه لا يكون غير الصفات المعروفة القائمة بالنفس من الترجي و التمني و العلم إلى غير ذلك صفة أخرى كانت قائمة بالنفس و قد دل اللفظ عليها كماقیل:
إن الكلام لفي الفؤاد و إنما جعل اللسان على الفؤاد دليلا

و قد انقدح بما حققناه ما في استدلال الأشاعرة على المغايرة بالأمر مع عدم الإرادة كما في صورتي الاختبار و الاعتذار من الخلل فإنه كما لا إرادة حقيقة في الصورتين لا طلب كذلك فيهما و الذي يكون فيهما إنما هو الطلب الإنشائي الإيقاعي الذي هو مدلول الصيغة أو المادة و لم يكن بينا و لا مبينا في الاستدلال مغايرته مع الإرادة الإنشائية.

و بالجملة الذي يتكفله الدليل ليس إلا الانفكاك بين الإرادة الحقيقية و الطلب المنشإ بالصيغة الكاشف عن مغايرتهما و هو مما لا محيص عن الالتزام به كما عرفت و لكنه لا يضر بدعوى الاتحاد أصلا لمكان هذه المغايرة و الانفكاك بين الطلب الحقيقي و الإنشائي كما لا يخفى.. ثم إنه يمكن مما حققناه أن يقع الصلح بين الطرفين و لم يكن نزاع في البين بأن يكون المراد بحديث الاتحاد ما عرفت من العينية مفهوما و وجودا حقيقيا و إنشائيا و يكون المراد بالمغايرة و الاثنينية هو اثنينية الإنشائي من الطلب كما هو كثيرا ما يراد من إطلاق لفظه و الحقيقي من الإرادة كما هو المراد غالبا منها حين إطلاقها فيرجع النزاع لفظيا فافهم.

محادثة المحقق النائینيّ حول اتّحاد الطلب و الإرادة
و نستعرض الآن نص عبارته:

لا بأس في المقام بالإشارة إلى اتّحاد الطّلب و الإرادة و تغايرهما، حيث جرت سيرة الأعلام على التّعرض لذلك في هذا المقام، و ان لم يكن له كثير ارتباط به. و على كلّ حال، ذهبت الأشاعرة إلى تغاير الطّلب و الإرادة، و ان ما بحذاء أحدهما غير ما بحذاء الآخر. و ذهبت المعتزلة إلى اتّحادهما و انّ الإرادة عين الطّلب، و الطّلب عين الإرادة. و لا يخفى انّ الكلام في المقام أعمّ من إرادة الفاعل و إرادة الآمر، إذ لا خصوصيّة في إرادة الآمر حتّى يختصّ الكلام فيها، فانّ المقدّمات الّتي يحتاج إليها الفعل الاختياري في مرحلة وقوعه من فاعله، هي بعينها يحتاج إليها الأمر في مرحلة صدوره عن الآمر.

و بعد ذلك نقول: لا إشكال في توقّف الفعل الاختياري على مقدّمات: من التّصور و التّصديق و العزم و الإرادة. و هذا ممّا لا كلام فيه، انّما الكلام في انّه هل وراء الإرادة امر آخر؟ يكون هو المحرّك للعضلات يسمّى بالطّلب، أو انّه ليس وراء الإرادة امر آخر يسمّى بالطّلب؟ بل الإرادة بنفسها تستتبع حركة العضلات.

ثمّ لا إشكال أيضا في انّ الإرادة من الكيفيّات النّفسانيّة الّتي تحصل في النّفس قهرا كسائر المقدّمات السّابقة عليها: من التّصور و العلم و غير ذلك و ليست الإرادة من الأفعال الاختياريّة للنّفس بحيث تكون من منشئاتها الاختياريّة، إذا عرفت ذلك، فنقول: لا ينبغي الأشكال في انّ هناك وراء الإرادة امر آخر يكون هو المستتبع لحركة العضلات و يكون ذلك من افعال النّفس، و ان شئت سمّه بحملة النّفس، أو حركة النّفس، أو تصدّى النّفس، و غير ذلك من التّعبيرات.

و بالجملة: الّذي نجده من أنفسنا، انّ هناك وراء الإرادة شيئا آخر يوجب وقوع الفعل الخارجي و صدوره عن فاعله. و من قال باتّحاد الطّلب و الإرادة لم يزد على استدلاله سوى دعوى الوجدان، و انّه لم نجد من أنفسنا صفة قائمة بالنّفس وراء الإرادة تسمّى بالطّلب. و قد عرفت: انّ الوجدان على خلاف ذلك، بل البرهان يساعد على خلاف ذلك، لوضوح انّ الانبعاث لا يكون إلّا بالبعث، و البعث انّما هو من مقولة الفعل، و قد عرفت انّ الإرادة ليست من الأفعال النّفسانيّة، بل هي من الكيفيّات النّفسانيّة، فلو لم يكن هناك فعل نفساني يقتضى الانبعاث يلزم ان يكون انبعاث بلا بعث.

و بالجملة: لا سبيل إلى دعوى اتّحاد مفهوم الإرادة و مفهوم الطّلب، لتكذيب اللّغة و العرف ذلك، إذ ليس لفظ الإرادة و الطّلب من الألفاظ المترادفة، كالإنسان و البشر. و ان أريد من حديث الاتحاد التّصادق الموردي و ان تغايرا مفهوما فله وجه، إذ يمكن دعوى صدق الإرادة على ذلك الفعل النّفسانيّ، كما تصدق‏ على المقدمات السّابقة من التّصديق، و العزم، و الجزم، و يطلق عليها الإرادة هذا.

و لكن فيه: ما فيه، إذ دعوى ذلك لا يكون إلّا بدعوى انّ الإرادة لها مفهوم واسع، يسع المقدّمات السّابقة و ما هو فعل النّفس، و الحال انّه ليس كذلك، إذ الإرادة كيفيّة خاصّة للنّفس تحدث بعد حدوث مباديها فيها، و لذا تسمى بالشّوق المؤكد، إذ التّعبير بذلك انّما هو لبيان انّه ليس كلّ ما يحدث في النّفس يسمّى بالإرادة، بل الإرادة انّما تحدث بعد التّصور و التّصديق و غير ذلك من مباديها، و إطلاق الإرادة على بعض المبادي أحيانا انّما هو لمكان التّسامح في توسعة المفهوم، لا انّ المفهوم هو بنفسه موسع بحيث يشمل ذلك. فظهر: انّه لا سبيل إلى دعوى الاتّحاد، بل المغايرة بينهما عرفا أوضح من ان تخفى.

بل لا يمكن دفع شبهة الجبر إلّا بذلك، بداهة انّه لو كانت الأفعال الخارجيّة معلولة للإرادة لكان اللازم وقوع الفعل من فاعله بلا اختيار، بل يقع الفعل قهرا عليه، إذ الإرادة كما عرفت، كيفيّة نفسانيّة تحدث في النّفس قهرا بعد تحقّق مباديها و عللها، كما انّ مبادئ الإرادة أيضا تحصل للنّفس قهرا، لأنّ التّصور امر قهري للنّفس، و هو يستتبع التصديق استتباع العلّة لمعلولها و هو يستتبع العزم و الإرادة كذلك استتباع العلّة لمعلولها، و المفروض انّها تستتبع الفعل الخارجي كذلك، فجميع سلسلة العلل و المعلولات انّما تحصل في النّفس عن غير اختيار، و مجرد سبق الإرادة لا يكفى في اختيارية الفعل.

 و ليس كلامنا في الاصطلاح حتى يقال: انهم اصطلحوا على انّ كل فعل يكون مسبوقا بالإرادة فهو اختياري، إذ هذا الاصطلاح ممّا لا يغنى عن شي‏ء، لأن كلامنا في واقع الأمر و مقام الثبوت، و انّه كيف يكون الفعل اختياريّا؟ مع انّه معلول لمقدّمات كلّها غير اختياريّة، فكيف يصح الثّواب و العقاب على فعل غير اختياريّ؟ و الحاصل: انّه لو كانت الأفعال معلولة للإرادة، و كانت الإرادة معلولة لمبادئها السّابقة، و لم يكن بعد الإرادة فعل من النّفس و قصد نفسانيّ، لكانت شبهة الجبر ممّا لا دافع لها، و لقد وقع في الجبر من وقع مع انّه لم يكن من أهله، و ليس ذلك إلّا لإنكار التّغاير بين الطلب و الإرادة و حسبان انّه ليس وراء الإرادة شي‏ء يكون‏ هو المناط في اختياريّة الفعل.

و امّا بناء على ما اخترناه من انّ وراء الإرادة و الشّوق المؤكّد امرا آخر، و هو عبارة عن تصدّى النّفس نحو المطلوب و حملتها إليه، فيكون ذلك التّصدي النفسانيّ هو مناط الاختيار، و ليس نسبة الطلب و التصدي إلى الإرادة نسبة المعلول إلى علّته حتّى يعود المحذور، بل النّفس هي بنفسها تتصدّى نحو المطلوب، من دون ان يكون لتصدّيها علة تحملها عليه.

نعم الإرادة بما لها من المبادي تكون من المرجّهات لطلب النّفس و تصدّيها، فللنفس بعد تحقّق الإرادة بما لها من المبادي التّصدي نحو الفعل. كما انّ لها عدم التّصدي و الكفّ عن الشّي‏ء، و ليس حصول الشّوق المؤكد في النّفس علّة تامّة لتصدي النّفس، بحيث ليس لها بعد حصول ذلك الكيف النفسانيّ الامتناع عن الفعل، كما هو مقالة الجبريّة، بل غايته انّ الشّوق المؤكد يكون من المرجحات لتصدّي النّفس و لا يخفى الفرق بين المرجح و العلّة. هذا كلّه في نفى الجبر.

و امّا نفى التّفويض فالأمر فيه أوضح، لأنّ أساس التّفويض هو تخيّل عدم حاجة الممكن في بقائه إلى العلّة، و انّه يكفى فيه علّة الحدوث، مع انّ هذا تخيّل فاسد لا ينبغي ان يصغى إليه، بداهة انّ الممكن بحسب ذاته يتساوى فيه الوجود و العدم، و يحتاج في كلّ آن إلى ان يصله الفيض من المبدأ الفيّاض، بحيث لو انقطع عنه الفيض آناً ما لانعدم و فني، فوجوده في كلّ آن يستند إلى الفيّاض. هذا بالنّسبة إلى أصل وجوده، و كذا الحال بالنّسبة إلى إرادته و أفعاله يحتاج إلى المبدأ لكن لا على نحو الجبر كما عرفت. فتأمل في المقام جيّدا، فانّه خارج عمّا نحن فيه و لا يسع التّكلّم فيه أزيد من ذلك، و الغرض في المقام بيان تغاير الطلب و الإرادة، و قد عرفت بما لا مزيد عليه تغايرهما.

هذا كلّه في إرادات العباد و أفعالهم التّكوينيّة، و قس على ذلك الطلب و الإرادة التّشريعيّة، فانّ المبادي الّتي يتوقّف عليها الفعل التّكويني كلّها ممّا يتوقّف عليها الأمر التّشريعيّ، غايته: انّ الطّلب في التّكوينيّات انّما هو عبارة: عن تصدّى‏ النّفس لحركة عضلاتها نحو المطلوب، و في التّشريعي عبارة عن تصدّى الآمر بامره لحركة عضلات المأمور نحو المطلوب، و إلّا فمن حيث معنى الطلب لا فرق بينهما، و انّه في كلا المقامين بمعنى التّصدي.

و بما ذكرنا ظهر: ما في بعض الكلمات- من تقسيم الإرادة و الطّلب إلى الواقعي و الإنشائيّ- من الخلل، لوضوح انّ الإرادة من الكيفيّات النّفسانيّة الغير القابلة للإنشاء، إذ الإنشاء عبارة عن الإيجاد، و الإرادة غير قابلة لذلك فتأمل.[3]

-------------------
[1] بحوث في علم الأصول، ج‏2، ص: 27
[2] كفاية الأصول ( طبع آل البيت )، ص: 65
[3] فوائد الاصول، ج‏1، ص: 131

الملصقات :


نظری ثبت نشده است .