درس بعد

الاوامر

درس قبل

الاوامر

درس بعد

درس قبل

موضوع: مادة الأمر و صیغته


تاریخ جلسه : ١٤٠٢/١١/٩


شماره جلسه : ۶۱

PDF درس صوت درس
خلاصة الدرس
  • سلالةُ الأبحاث السالفة حول هویّةِ الإرادة

الجلسات الاخرى
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحيمْ
الْحَمْدُ للّه رَبِّ الْعَالَمِينْ وَصَلَى الله عَلَىٰ سَيِّدَنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ الطَّاهِرِينْ

سلالةُ الأبحاث السالفة حول هویّةِ الإرادة
لقد تَخرَّجنا بأنّ الإرادتینِ التکوینیة و التشریعیة مُندمِجانِ معاً حقیقةً بحیث تُعدّ الإرادةُ عنصراً فارداً ثمّ نَقَّحنا مقالةَ المحقّق الاصفهانيِّ المُعتقدِ بأنّ الإرادةَ التشریعیَّةَ لا تَتعلّق بفعل الغیر بل بفعل نفسِ الآمِر و النّاهي فحسب فبالتالي، إنّ الأمر و النهي تکوینیّان تماماً، و ذلک لأنه یَستحیلُ أن تَتعلّق إرادةُ الآمِر و النّاهي بالفعل الصادر من الغیر -الفاعل- فلا یُعقَل أن یریدَ الله فعلَ الغیر -الفاعل- بل فعلُ الغیر یتوقف علی إرادة نفسِه فحسب – بالإرادة التکوینیّة- لا إرادةُ الآمر –المولی- من المکلّف، ونحن قد سایَرنا مع المحقّق في هذا الاتّجاه و استَنتَجنا بأن لا إرادةَ و لا طلبَ في الإنشائیات إطلاقاً.

و من الجليّ أنّ هذه النقطةَ تَتضاربُ مع الرأي الشهیر المعتقد بأنّ الإرادةَ التشریعیّة تَتعلق بفعل الغیر ثمّ یَقع المشهور في کارثةِ تکلیف الکفّار و العصاة بالأوامر الشرعیة بحیث یَتمرّدون عن الامتثال فعندئذ یَحدُث شجارٌ لدی المشهور بأنّ المراد قد تخلّف عن الإرادة التشریعیّة فبماذا نُجیبُ؟ فیُناقشونَ ذلک، بینما نحن في راحة في هذه السّاحَة إذ قد بَرهَنّا علی أنّ کلتا الإرادتینِ إنّما قد تَعلَّقَتا بأفعالِ نفس الآمِر و النّاهي فحسب بلا علاقةٍ بفعل الفاعل –الغیر- في تحقیق الإرادة الإلهیّة، و في هذه النقطة:

1. قد اعتقدَ السیّد الطباطبائيُّ بأن تعلّقَ الإرادةِ التشریعیّة بفعل الغیر تُعدّ اعتباریّةً مسامحیّةً من حیث وجودِ ملاکات الصلاح و الفساد في الفعل.

2. بینما أعلنَ المحقق الاصفهانيّ بأنّ تعلق الإرادة بالفعل، أیضاً مسامحیّةٌ ولکن الإرادة من حیث نفس وجودِ الفعل لا بسبب الملاکات إذ المولی حینما یریدُ فإنّه قد ابتَهَج و اشتاقَ إلی فعل الغیر فأنشأ الأمرَ إلی الغیر و أراده منه بهذا الأسلوب.

3. بینما نحن نَعتقدُ بأن لا طلبَ و لا إرادةَ من الغیر و إنمّا قالبُ الإنشائیّات تُعدّ في الحقیقةِ إخباراً إلی وجود ملاک لدی المُنشأِ المولويِّ فکافّةُ قوالبِ الإنشائیّاتِ تُعدّ في مقام الإخبار –عکس العبارة الشهیرة بأنّ الخبرَ یَقومُ مقام الإنشاء- إذن لا ابتهاجَ و لا طلبَ تجاه فعل الغیر نظراً إلی رکیزةِ الاستحالة المذکورة للتَّوّ، و بالتالي، سوف یتِمّ أیضاً إطلاقُ الإرادةِ علی الإنشائیات الشرعیّة و الاعتباریّات الدّینیّة بعُلقةٍ مجازیّةٍ فتجزِئةُ الإرادةِ إلی شقّین تُعدّ مسامحیّةً تماماً.

و ترسیخاً لاتّجاهِنا المُمیَّز نؤکّد بأنّ روحَ الهَیَئاتِ الإنشائیّةِ تعدّ إخباراً عن وجود الصلاح و الفساد في الفعل لا أنّ المولی -المُنشِأَ- قد أرادَ الصلاةَ ثم طَلَبَه من الغیر -الفاعل- إذ یَستحیلُ تعلق الإرادة -بشقَّیها- بفعل الغیر بل کلّ مَن یریدُ فإنّما یریدُ لنفسِه فحسب بحیث تعودُ الفائدةُ إلی نفس الآمِر فکیف تتعلق إرادتُه النفسیّةُ و شوقُه إلی إرادةِ الغیر؟

و دعماً لاتّجاهنا قد صرّحت الآیة التالیة: لئلّا یکوَن للناس علی الله حجةٌ بعد الرسل. بأنّ الله لم یطلب من المکلّف و لم یُرِد أفعالَهم -الغیر- بل قد أتمَ الحجةَ علیهم و أخبرَهم بإطار حقّ الطاعة لیَمتثلوا و یُحقّقوا الملاکات الصلاح و الفساد کي لا یقعوا في مأزِق النار بل یَتشرّفوا إلی الجنّة.[1]

ربما تَتسائلُ: لو جعلتم کافّةَ الإنشائیّات من نمط الإخبارات بحیث لم تَتعلّق إرادةٌ بفعل الغیر -المکلّف- فکیف یَمتثِل المکلّف أوامرَ مولاه فأینَ الداعيَ إلی التنفیذ؟

و نُجیبُ بأنّ قالبَ الإنشاءِ في مقام الإخبار یَخلُقُ للعقل موضوعَ الطاعة فیَبعَثُه العقل إلی الامتثال ببرکة الأمر والنهي البارزَینِ في قالبِ الإنشاء ولکنّهما بحسب الواقع یُخبرانِ عن وجود ملاک لزوميٍّ في الفعل فیحکم العقل بالامتثال بل محذورٍ بِتاتاً، و هذا ما لَوَّح إلیه المحقق العراقيّ أیضاً حیث قد جَعل الأوامرَ التشریعیّة ذَریعةً -موضوعاً- إلی حکم العقل، بینما الاصفهاني قد جعلها شوقاً إلی فعل الغیر، ولکنّ الحقّ الحقیقَ بالتّدقیق أنّ الإرادة التشریعیّة لا تُعدّ إرادةً و لا طلباً من الغیر أساساً بل سنخُ الإرادة تَنحصِر في التکوینیّات فقط، ولهذا فإنّ الآیة التالیة: إنما الخمر و المیسرُ و ... رجسٌ من عمل الشّیطان فاجتنبوه... قد أخبرَت بملاک التحریم إجمالیّاً، فرغمَ ورود قالَبِ الإنشاء في الآیة إلا أنّ روحَها قد أنبأَت عن الملاک، و امتداداً لذلک ستَتّضِح أیضاً مقالةُ الشیخ الأعظم مصرِّحاً بأنّ: الأحکام الشرعیّةَ ألطافٌ في الأحکام العقلیّة.

نعم إن الإرادة التکوینیة البشریّة تَتمایزُ عن الإرادة التکوینیة الإلهیة فإنّ البشر بحاجة إلی مقدمات تحریک العضلات و هجمة النفس بینما الله یقول للشیئ کن فیکونَ تلقائیّاً بلا تمهیدات.

و مُرافقةً مع الشیخ الآخوند –و سائر الحکماء- نعتقدُ أیضاً بأن الإرادةَ التکوینيّةَ لا تُعدّ علةً فاعليّةً لتحقیق المُراد بل عنصرُ العلم یُصبحُ مَبدأً لتحقُّق المرادِ فالعلم هو العلّة الفاعلیّة لدی الله سبحانه إذ قد أسلفنا بأنّ جوهرةَ الإرادةِ التکوینیّة هو نفس العلم بالحمل الشائع –رغم تغایرهما مفهوماً- ولهذا قد صرّح المحقّق الاصفهانيّ بأنّ ملاک تحقق "الاختیار" في الأفعال لیست هي الإرادةَ التکوینیة –لکي یلزمَ الجبرَ و التحقّق التلقائيّ- ولکي یلزمَ الدَّورَ أیضاً بأن: مِلاک الاختیار هو الإرادة و الإرادة هو الاختیار –کما عرّفه المشهور- بل الاختیار قد ترکَّبَ من عنصريِ العلم و الرّضا معاً ففي کافة الإراداتِ التکوینیة قد توفر العلمُ و الرضا الإلهِیَّینِ فتولّد الاختیار ثمّ أرادَ اللهُ اختیارَ البشر أیضاً في طول الإرادة التکوینیة الإلهیّة -مع علمه و رضاه تعالی باختیار البشر- (فیَتّضحُ قوله تعالی: و ما تشائون إلا أن یشاء الله، فإن مشیئةَ البشر التکوینیة في طول مشیئتِه تعالی مع علمه و رضاه بتحقق الفعل)

فالنّاتج أنّ عنصرَ الإرادةِ قد انحصرَت علی التکوینیّات فحسب رغم أن الأسفارَ قد فسّر جوهرةَ الإرادة بأسلوب آخر قائلاً:

«فصل في الإرادة و هي في الحيوان من الكيفيات النفسانية و يَشبه أن يكون معناها (الإرادة) واضحا عند العقل، غيرَ ملتبس بغيرها إلا أنه يعسر التعبير عنها (حقیقة الإرادة) بما يُفيد تصورها بالحقيقة و هي تُغاير الشهوةَ كما أن مقابلها و هي الكراهة تغاير النفرة و لذا قد يريد الإنسان ما لا يشتهيه كشرب دواء كريهة ينفعه و قد يشتهي ما لا يريده كأكل طعام لذيذ يضره و فسرها المتكلمون بأنها صفة مخصَّصةٌ لأحد طرفي المقدور و قيل هي في الحيوان شوق متأكد إلى حصول المراد و قيل إنها مغايرة للشوق المتأكد فإن الإرادة هي الإجماع و تصميم العزم إذ قد يشتهي الإنسان ما لا يريده و قد يريد ما لا يشتهيه كما ذكرنا و الفرق بينهما بأن الإرادة ميل اختياري و الشوق ميل طبيعي.[2]»

ولکنّ الحقّ ما حَقَّقناه للتَّوّ بأنّ أوامر الشارع تعد إنشاءً ظاهریّاً و إخباراً واقعیّاً عن نطاق حقِّ الطاعة کي یعرِفَ المکلّفُ حدودَ ملاکاتِ الصلاح و الفساد، فالأوامر لیست إنشائیّاتٍ حقیقةً بل إنباءٌ بالملاکات، و هذه المنهجیّة ستُحوّلُ مصیرَ أبحاثٍ شاسعةٍ ضمن الأصول کمسألة الجعل و المجعول و نوعیّةِ القیود و النقاش حول حقیقةِ الوضع و الإنشاء و... وکذا مسألةُ تَنقیح المناط بمنصوص العلة القطعيّ حیث سنَتعدّی عن مورد النصّ وصولاً إلی الملاک بهذه الکیفیّة.

و هذه المنقاشات لا تنصدِم مع إثباتِ الإرادة الذاتیّة الإلهیّة لأنّ الله هو صرفُ الخیر و محضُ الکمال فیُرید الخیرَ دوماً بحیث یَبتَهِجُ بذاتِه المقدّس إلی نفسِه التامّ فبالتالي إنّه سیُریدُ نفسَه دوماً و علی أیّة حالةٍ ولهذا قال تعالی: کنت کنزاً مخفیاً، فأحببتُ أن أعرَفَ. فإرادةُ الأفعال أیضاً تعود فائدتُها إلی نفس الآمِر.

----------------------
[1] و نلاحظ علی مقولة الأستاذ القائل: بأنّا لا نمتلِکُ إنشائاً من قِبَل الشارع و إنّما حقیقةَ الإنشاءِ هو الإخبار. ربما حدث خلط ما بین المدلول المطابقيّ و الالتزاميّ فإنّ المدلول المطابقيّ هو قالبٌ الإنشائيٌ یدل علی البعث و التحریک و مدلوله الالتزاميّ هو الإخبارُ عن ملاک الصلاح و الفساد و ذلک وفقاً لتصریح الأصولیّین بأنا نستکشِفُ الملاکات بالدلالات الالتزامیة عقلاً وقد دلّت علیه بعض الروایات کروایة الإمام الرضا حول منشأ الأوامر و ملاکاتِها، إذن علینا أن نَعتقدَ بأن الإنشاءَات الصادرة تُعدّ مدلولاً مطابقیّاً و هذه نفسُها تُخبرُ و تُنبأُ التزاماً علی مناشئِها و عللها و حِکَمِها، فعلی التقریر سوف یَتِمّ القول بأن روحَ الإنشاء هو الإخبار، لا أنّ نفسَ الإنشاء هو الإخبار و أنّا لا نَمتلِک إنشائاً أساساً في میدان الأوامر.
و ثانیاً: إنّ انقسام الإرادة إلی التشریعي و التکوینيّ فقد حدث بالرؤیة العرفیة و هو المعیار في الخطابات و في الاستظهار من ألسنةِ الأدلة، لا العقلیّة التي تُجدي نفعاً في غیر الخطابات و الظواهر فإن الإدراک العقليّ یُجدينا في التلازمات العقلیة و الحجج غیر اللفظیة و بصورة عامة في کلّ مجال نَفتقِدُ الدلیل اللفظيّ، بینما نحن لا زلنا نَتناقَش في الأبحاث اللفظیة لکي نَستَکشِفَ مادة الأمر و هیئتِه و العرف یُفکّک ما بین الإرادتین إذ لا یصِح عرفاً أن نقول بأنّ کافةَ الأوامر الشرعیة تُعدّ محازاً و مسامحیةً بل العرف یراها أوامرَ حقیقیةً واجداناً، نعم هذا الانقسام العقليّ یُجدي في الإجابة عن الأشاعرة فحسب، لا في أبحاث الاستظهارات.
وثالثاً: لو رفضنا الإرادةَ من الغیر و حصرنا الإرادة إلی فعل نفسه تعالی فلماذا یَمتثِل المکلّف إذ العقل لا یُدرک لزوم الامتثال من دون الطلب من المکلف و بلا إرادة من المکلف فحیث قد أدرک العقل بأنّ البعث یعود إلی إرادة نفس المولی فیحکم بأن هذا البعث لیس للمکلف فلا جُناحَ علیک في ترکه، نعم لو لم یعتبر و لم یُنشأ بالألفاظ لأدرک العقل وجوب الامتثال أیضاً و لکن هذا الوجوب یتفرّع علی توفّر الإرادة أو الطلب من المکلف لا أنّ الإرادة تَعود إلی نفس المولی فإنّ العقل لا یستکشف بعث المکلف.

[2] الحکمة المتعالیة في الأسفار العقلیة الأربعة، قم - ایران، مکتبة المصطفوي، جلد: ۴، صفحه: ۱۱۳

الملصقات :


نظری ثبت نشده است .