درس بعد

الاوامر

درس قبل

الاوامر

درس بعد

درس قبل

موضوع: مادة الأمر و صیغته


تاریخ جلسه : ١٤٠٢/١٠/٣


شماره جلسه : ۴۲

PDF درس صوت درس
خلاصة الدرس
  • السیرُ في مغزی الکلامِ النفسيّ

  • جولةٌ في جوفِ متونِ الأشاعرة

  • مواجهةُ السید الخوئيّ لمقالة الأشاعرة

الجلسات الاخرى
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحيمْ
الْحَمْدُ للّه رَبِّ الْعَالَمِينْ وَصَلَى الله عَلَىٰ سَيِّدَنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ الطَّاهِرِينْ

السیرُ في مغزی الکلامِ النفسيّ
لقد وَعِيَ المحقّق الرشتيُّ تمامَ مقصود الأشاعرةِ بأنّ موضوعَ الکلام النفسيِّ -الذي یُغایر الکلامَ اللفظيّ و العلمَ و الإرادةَ- هو إقرارُ النفسِ بالنسبة الحکمیَّة -لا بالمعنی المنطقيِّ- إلا أنّ المحقق الرشتيَّ قد فکّکَ ما بین الإقرار بالنسبة الحکمیّة و بین إیجاد النسبةِ في النفس، فالکلامُ النفسيُّ هو من نمطِ الإقرارِ لأنه صفةٌ قائمةٌ بالنفس فبنفسها موجودة في النفس لا بصورتها فتُذعِنُ النفس بوجود الکلام النفسيّ إلا أنّ هنا قد اعترضَه المحققُ الاصفهانيّ بأن الإقرارَ بالنسبة هو من مقولة الکیف و العلمِ الانفعاليِّ بصورتها -لا بنفسها- رغمَ أنها أیضاً قائمةٌ بالنفس إلا أن الأشعريّ یودُّ إثباتَ أن الکلام النفسيّ هو واقعُ النسبة الحکمیّة في النفس لا صورتُها فحسب.

ونَقُصُّ الآن عبارةَ المحقق الاصفهانيّ:

فتحقَّقَ من جميع ما ذكرنا:

1. أنّا لا نُساعد الأصحابَ‏ و المعتزلةَ في عدم شي‏ء آخرَ وراءَ العلم و الإرادةِ (بل هناک صفةٌ نوریّة متوفّرةٌ في النفس وارءَ العلم و الإرادة وهي ممکنةٌ ذاتاً)و نحوهما بل نقول إنّ ما اقتضاه البرهانُ والفحصُ انحصارُ الكيفيّاتِ النفسيّةِ الّتي هي من مقولة الماهيّة في ما ذكر (الأشعريّ فالکلام النفسيّ من الکیف النفسيِّ)لا انحصارُ موجودات عالم النّفس فيه (ففي النفس تتوفّر ثلاثةُ عناصرَ: کیفیةٌ نفسانیة وجوهر وعرض).

2. كما لا نساعد الأشاعرة في كون مثل هذا الأمر المغاير للعلم و الإرادة مدلولًا للكلام اللفظي لاستحالة حصول الوجود الحقيقي في المدارك الإدراكيّة (إذ الکلامُ النفسي وجودٌ محضٌ لا معنیً لکي یَدلّ علیه اللفظ فإنّه نظیر العلم الحضوريّ الذي لا یدل علیه اللفظ)فتدبره فانه في كمال الغموض و الدقّة و إن أوضحناه على حسب الوسع و الطاقة.[1]

جولةٌ في جوفِ متونِ الأشاعرة
وها نحنُ الآن سنَقُصّ علیکم نصّ عبارةِ الأشاعرة لکي یَستَبِینَ مَنوِيُّهُم من الکلام النفسيّ[2]:

و هذا الّذي قالته المعتزلة لا ننكره نحن (الأشاعرة)بل نقوله، و نُسمّيه كلاماً لفظياً، و نَعترف بحدوثه و عدمِ قيامه (الکلام اللفظيّ الحادث)بذاته تعالى، و لكنا نُثبتُ أمراً وراءَ ذلك:

1. و هو المعنى القائمُ بالنفس، الّذي يُعبّرُ عنه بالألفاظ، و نقول‏ هو الكلام حقيقة، و هو قديم قائم بذاته تعالى.

2. و نزعم أنه (المعنی النفسيّ)غيرُ العبارات إذ قد تختلف العبارات بالأزمنة، و الأمكنة، و الأقوام، و لا يختلف ذلك المعنى النفسيّ، بل نقول ليس ينحصر الدلالة عليه في الألفاظ، إذ قد يدل عليه بالإشارة و الكتابة، كما يدل عليه بالعبارة، و الطلب الّذي هو معنى قائم بالنفس واحد لا يَتغيّر مع تغير العبارات، و لا يختلف باختلاف الدلالات، و غير المتغير أي ما ليس متغيراً و هو المعنى مغاير للمتغير الّذي هو العبارات.

3. و نزعم انه أي المعنى النفسيّ الّذي هو الخبر غير العلم، إذ قد يخبر الرّجل عما لا يعلمه بل يعلم خلافه أو يشك فيه و أن المعنى النفسيّ الّذي هو الأمر (في الإنشائیّات)غير الإرادة، لأنه يأمر الرّجل بما لا يريده كالمختبر لعبده هل يطيعه أم لا؟ فان مقصوده مجرد الاختبار، دون الإتيان بالمأمور به و كالمتعذر من ضرب عبده بعصيانه، فانه قد يأمره، و هو يريد ان لا يفعل المأمور به، ليظهر عذره عند من يلومه و اعترضَ عليه بأن الموجود في هاتين الصورتين صيغةُ الأمر، لا حقيقته، إذ لا طلب فيهما أصلاً، كما لا إرادة قطعاً، فإذاً هو أي المعنى النفسيّ الّذي يعبر عنه بصيغة الخبر و الأمر صفة ثالثة مغايرة للعلم و الإرادة، قائمة بالنفس.

4. ثم نزعم انه قديم لامتناع قيام الحوادث بذاته تعالى».

مواجهةُ السید الخوئيّ لمقالة الأشاعرة
لقد تَحرَّی السیّد المقالةَ الماضیةَ قائلاً:[3]

تتضمن هذا النص عدةَ خطوط:

1. ان للَّه تعالى سنخين من الكلام: النفسيّ و اللفظي، و الأول من صفاته تعالى، و هو قديم قائم بذاته الواجبة دون الثاني.

2. ان الكلام النفسيّ عبارة عن المعنى القائم بالنفس، و يبرزه في الخارج بالألفاظ و العبارات بشتى ألوانها و اشكالها، و لا يختلف ذلك المعنى باختلافها، كما لا يختلف باختلاف الأزمنة و الأمكنة.

3. انهم عبروا عن ذلك المعنى تارة بالطلب، و أخرى بالأمر، و ثالثاً بالخبر، و رابعاً بصيغة الخبر.

4. ان هذا المعنى غير العلم إذ قد يخبر الإنسان عما لا يعلمه، أو يعلم خلافه، و غير الإرادة، إذ قد يأمر الرّجل بما لا يريده كالمختبر لعبده، فان مقصوده الامتحان و الاختبار، و الإتيان بالمأمور به في الخارج.

ثم ابتدأ السیّد بشنِّ الهَجَمات علی واحدٍ تلوِ الآخَر قائلاً:

أما الأول: فسنُبيّنُه بشكل واضح في وقت قريب إن شاء اللَّه تعالى أن كلامه (تعالی)منحصر بالكلام اللفظي، و ان القرآن المنزل على النبي الأكرم صلى الله عليه و آله هو كلامه تعالى، بتمام سوره و آياته و كلماته، لا انه حاك عن كلامه، لوضوح ان ما يَحكي القرآنُ عنه ليس من سنخ الكلام، كما سيأتي بيانه، هذا من ناحية. و من ناحية أخرى ان السبب الّذي دعا الأشاعرة إلى الالتزام بالكلام النفسيّ هو تخيل ان التكلم من صفاته الذاتيّة، و لكن هذا الخيال خاطئ جداً، و ذلك لما سيجي‏ء إن شاء اللَّه تعالى بصورة واضحة ان التكلم ليس من الصفات الذاتيّة، بل هو من الصفات الفعلية.

وفي هذه الإشکالیة نسایرُ السید الخوئيّ أیضاً، ولکنّه قد استشکل علی النقطة الثانیةِ بإشکالٍ فاشل:

فقد حققنا في بحث الإنشاء و الاخبار ان الجمل الخبرية موضوعة للدلالة على قصد المتكلم الحكاية و الاخبار عن الثبوت، أو النفي في الواقع، هذا بناء على نظريتنا. و اما بناءً على نظرية المشهور، فلأنها موضوعة للدلالة على ثبوت النسبة في الواقع، أو نفيها عنه. و من الطبيعي ان مدلولها على ضوء كلتا النظريتين ليس من سنخ الكلام (أساساً)ليُقالَ إنه‏كلام نفسي (إذ قصد الحکایة أو الدلالة لیس کلاماً نفسیاً)ضرورة ان الكلام النفسيّ عند القائلين به و ان كان موجوداً نفسانياً إلا أن كل موجود نفساني ليس بكلام نفسي، بل لا بد ان يكون سنخ وجوده سنخ وجود الكلام، لفرض أنه ليس من سنخ وجود الصفات المعروفة الموجودة في النّفس، و من المعلوم ان قصد الحكاية على رأينا و ثبوت النسبة على رأي المشهور ليس من ذلك.[4]

ونلاحظ علیه هنا بأنّ الأشعريّ لم یَحصُرِ الکلامَ النفسيَّ بعنصرِ الکلام فحسب لکي یَهاجِمُه السیّد بأن الدلالاتِ الإخباریة و الإنشائیة لیست من سنخِ الکلام، بل الأشاعرةُ قد عبّروا عنه بألوانِ التعابیر کما أقرّ به السید الخوئيّ أیضاً حیث قال: انهم عبروا عن ذلك المعنى تارة بالطلب، و أخرى بالأمر، و ثالثاً بالخبر، و رابعاً بصيغة الخبر.

ثم یکمل السیّدُ قائلاً:

و بكلمة واضحة: إذا حللنا الجمل الخبرية تحليلاً موضوعياً و فحصنا مداليلها في إطاراتها الخاصة فلا نجد فيها سوى عدة أمور: (الأول)تصور معاني مفرداتها بموادها و هيئاتها. (الثاني)تصور معاني هيئاتها التركيبية، (الثالث)تصور مفردات الجملة. (الرابع)تصور هيئاتها. (الخامس)تصور مجموع الجملة. (السادس)تصور معنى الجملة. (السابع)التصديق بمطابقتها للواقع أو بعدم مطابقتها له. (الثامن)إرادة إيجادها في الخارج. (التاسع)الشك في ذلك. و بعد ذلك نقول ان شيئاً من هذه الأمور ليس من سنخ الكلام النفسيّ عند القائلين به، اما الأول فواضح، إذ الكلام النفسيّ عند القائلين به ليس من سنخ المعنى أولاً على ما سيأتي بيانه. و ليس من سنخ المعنى المفرد ثانياً (بخلاف المعنی اللفظيّ الذي له معنیً)و أما الثاني فلأن الكلام النفسيَّ- كما ذكروه- صفة قائمة بالنفس كسائر الصفات النفسانيّة، و من الطبيعي ان المعنى ليس كذلك، فانه (المعنی)مع قطع النّظر عن وجوده و تحققه في الذهن ليس قائماً بها، و مع لحاظ وجوده و تحققه فيه و ان كان قائماً بها، إلا أنه بهذا اللحاظ علم، و ليس بكلام نفسي على الفرض، و على ضوء هذا البيان يظهر حال جميع الأمور الباقية، فان الثالث، و الرابع، و الخامس، و السادس، و التاسع من مقولة العلم التصوري، و السابع من مقولة العلم التصديقي، و الثامن من مقولة الإرادة. فالنتيجة ان الكلام‏ النفسيّ بهذا الإطار الخاصّ عند القائلين به غير متصور في موارد الجمل الخبرية، و حينئذٍ فلا يخرج عن مجرد افتراض، و لقلقة اللسان، بلا واقع موضوعي له.[5]

1. ونلاحظ علیه بأن الأشاعرةَ قد تَجاهروا علناً بأن الکلام النفسيّ من نمط المعنی فکیف یُنکر السید الخوئيّ بأن الأشاعرة قد أخرجوا الکلام النفسيّ من سنخیة المعنی؟ بینما قد اعترف السیّد بالتحدید بأن الأشاعرةَ قد أدرجوا الکلامَ النفسيَّ ضمن نمط المعنی حیث قال: ان الكلام النفسيّ عبارة عن المعنى القائم بالنفس، و يبرزه في الخارج بالألفاظ و العبارات بشتى ألوانها و اشكالها، و لا يختلف ذلك المعنى باختلافها، كما لا يختلف باختلاف الأزمنة و الأمكنة.

فختامُ الحوار هو أن المحقّق الاصفهانيَّ قد فسَّر الکلام النفسيَ بالوجود ثم قالَ بأنّ الوجودَ الحقیقيَّ لا یُفسَّرُ بالألفاظ الخارجیّة -نظیر العلم الحضوريّ- ثمّ هاجمَ الأشاعرةَ بأن الکلام النفسيَّ لیس من سنخ المعنی و الصورةِ لکي یدلّ اللفظُ علیهما، فبالتالي قد اعترَفَ المحققُ بإمکانیّة الکلام النفسيّ ثبوتاً رغم أنه مُنعدِمُ الدلیلِ إثباتاً، کما أنّ المحقق قد أمضی مقالةَ المحقق الرشتي إجمالاً بأنّ الکلام النفسي عبارةٌ عن الإذعانِ بالنسبة الحکمیة ضمنَ النفس بحیث یَبني الإنسانُ علی أنه یَجزِم بهذه النسبة، إلا أن المحقق الرشتيّ قد قصدَ العلمَ الانفعاليَّ کالجزم و الإذعان بالصورة المتصوّرَةِ فتَتِمُّ النسبة الحکمیة عندئذ فتدلّ الالفاظُ علیه وفقاً لتصریح الأشعريّ بأنه مدلول اللفظ فهذا البیانُ یُمثّلُ الکلامَ النفسي، بینما المحقق الاصفهانيّ قد عَدَّ الکلامَ النفسيَّ من العلم الفعليِّ -فعل النفس- فاندرَج الکلام النفسيّ ضمن العلم الحضوريّ فلا یُدلّ باللفظ ثم اعترضَ علی المحقق الرشتيّ بذاک الإشکال، بینما مقولةُ المحقق الرشتيّ لا یُعاني من الإشکال وفقاً للعلم الانفعاليّ.

--------------------
[1] نهاية الدراية في شرح الكفاية (طبع قديم)، ج‏1، ص: 190
[2] شرح المواقف مبحث الإلهيات ص 77.
[3] محاضرات في أصول الفقه (طبع دار الهادى)، ج‏2، ص: 20
[4] محاضرات في أصول الفقه (طبع دار الهادى)، ج‏2، ص: 21
[5] محاضرات في أصول الفقه (طبع دار الهادى)، ج‏2، ص: 22

الملصقات :


نظری ثبت نشده است .