درس بعد

الاوامر

درس قبل

الاوامر

درس بعد

درس قبل

موضوع: مادة الأمر و صیغته


تاریخ جلسه : ١٤٠٢/١٠/٥


شماره جلسه : ۴۴

PDF درس صوت درس
خلاصة الدرس
  • تنویرُ مغزی الکلام النفسيّ في الإنشائیّات

الجلسات الاخرى
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحيمْ
الْحَمْدُ للّه رَبِّ الْعَالَمِينْ وَصَلَى الله عَلَىٰ سَيِّدَنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ الطَّاهِرِينْ

تنویرُ مغزی الکلام النفسيّ في الإنشائیّات
البارحةَ قد استعرضنا مُعتقدَ الأشاعرةِ بأن هناکَ عنصرٌ ثالثٌ في النفس ما وراءَ الإرادةِ و الطلب، فسَمَّوه بالکلام النفسيِّ، فبالتالي، إنّ کلَّ کلام لفظيٍّ إلهيٍّ أو بشريٍّ، خبريٍّ أو إنشائيٍّ قد سَبِقَه کلامٌ نفسيٌّ مُخَبَّأٌ خلفَ الکلام اللفظيِّ.

ثمّ أشبعَنا البحثَ عن الجُملِ الإخباریّة والآنَ سنُناقِشُ حقیقةَ الجمَلِ الإنشائیّة، فقد تشکّلت عدةُ مبانٍ حول حقیقتِها إذ:

1. المشهورُ -وفقاً للشهید الأوّل ضمن القواعد و الفوائد- یَعتقد بأنّ الإنشاء هو إیجادُ المعنی باللفظ في عالم الاعتبار، فیُعدُّ اللفظُ علةً لإیجاد المعنی بحیث یَخلُق معنیً اعتباریّاً کالملکیّة أو الزوجیّة، فإنّ محضَ التصوّر لا یُجدي نفعاً إذ لا أثرَ لتصوّر أنّ هذا الشیئَ ملکُ زید، بینما لو أردنا تحقُّقَ ذاک التصویرِ وتَلفَّظنا به لَحصلَ الاعتبار.

وقد هجمَ المخالفونَ علی هذا المُتَّجَه:

ألف) بأنّ المشهورَ قد حصرَ الإنشاءَ في الأمور الاعتباریّةِ بینما بإمکانِ المُنشأِ أن یُنشأَ بعضَ الأمور الحقیقیّةِ أیضاً -لا إنشاءَ أمثالِ الحائط و...- نظیرُ إنشاء الطلبِ النفسيِّ فإنّه عنصرٌ واقعيٌّ فیُبرزُه اللافظُ باللفظ ثمّ یُصبح هذا اللفظُ المُنشأُ موضوعاً لامتثال الطرف المقابل.

ب) ردّیّةُ المحقق الاصفهانيّ: إنَّ اللفظَ لیس علةً لإیجاد المعنی إذ لو افترضنا المعنی عنصراً واقعیّاً -تَکوینیّاً- فإنّه یتولّد من علّته التکوینیّةِ اللائقةِ به فلا یَخلُقُه اللفظُ إذن، ولو اعتبارنا المعنی عنصراً اعتباریّاً فإنّه سیَتَحقّقُ بنفس اعتبارِ المُعتبِر لا بواسطةِ اللفظ أساساً، فبالتالي، إنّ اللفظَ لا یوجِدُ المعنی تکویناً ولا اعتباراً، وقد عزّزَ السیّدُ الخوئيُّ هذه الردّیةَ أیضاً بالتقریب الذي قد بَسطناه.

و نَطمِسُ کلا الإشکالینِ معاً بأنّ مُستَهدَفَ المشهور من "إیجاد المعنی باللفظ" لیس بتقریبِ العلیّةِ التامّة -کما زعمه المُخالفونَ- لکي یَرِدَ الإشکالُ المزبور، بل یُعدُّ اللفظُ مُقتضیاً لتواجدِ المعنی فحسب، فمثلاً: إنّ لفظةَ "بِعتُ" یُحقّقُ ظرفَ الملکیّة الاعتباریّةَ ذهنیّاً و خارجیّاً، فلا یُعدّ علةً تامّةً للمعنی التکوینيِّ أو الاعتباريِّ لکي یُعترَضَ علیه: بأن اللفظَ لا علاقةَ له بالتکوین و الاعتبار، ولهذا قد کرَّرنا کِراراً أنّ الألفاظَ تُوجدُ وعاءَ الاعتبار و تُشکّلُ الموضوعَ للامتثال فتَقتضي تحقُّقَ المعنی ولو بنحوِ جزءِ العلّة، بل سنَتَرقّی لاحقاً فنقولُ: إنّ الإنشاءَ یَتحقَّقُ بالکتابة و بالفعلِ أیضاً کالعقود المعاطاتِیَّةِ، فالمیزانُ هو توفّرُ موضوعِ الاعتبار بأيِّ شکلٍ من أشکال الاعتبار.

2. إنّ المحقّقَ الآخوند یُقرُّ بأنّ الإنشاءَ إیجادُ المعنی باللفظ في نفسِ الأمر لا في عالم الاعتبار، فالإنشاءُ یُضاهي الماهیّةَ التي هي في نفس الأمر لیست إلا هيَ، فهذا التفسیر یُعدُّ شقّاً خامساً من أشکالِ الإنشائیّاتِ المطروحة ضمن الأصول، وقد فسّرنا لنا المحقق الآخوندُ مَنویَّهُ ضمن الفوائد قائلاً:[1]

و المراد من وجوده في نفس الأمريّة: هو ما لا يكون بمجرّد فرض الفارض، لا ما يكون بحذائه شي‏ء في الخارج، بل بأن يكون منشأُ انتزاعه فيه مثلا ملكيّةَ المشتري للمبيع قبل إنشاء التّمليك، و البيع بصيغته لم يكن له ثبوت أصلا إلاّ بالفرض‏ الإنسان جمادا، و الجماد إنسانا و بعد ما حصل لها خرجت عن مجرّد الفرض و حصلت لها واقعيّة ما كانت بدونه، و بالجملة لا نعنى من وجودها بالصّيغة إلاّ مجرّد التّحقيق الإنشائيّ لها الموجب‏ مع الشّرائط لنحو وجودها الحاصل بغيرها من الأسباب الاختياريّة كحيازة المباحات، أو الاضطراريّة كالإرث و غيره، و لا يخفى انّ مشخّصات هذا النّحو من الوجود انّما هو بشخص المنشئ و شخص لفظه و إن كان ما قصده من المعنى غير متشخّص بمشخّصات وجود آخر، بل كان صادقا على الكثيرين، و الحاصل كونه جزئيا حقيقيا بملاحظة هذا الوجود و إلاّ لا يكاد يوجد، ضرورة انّ الشّي‏ء ما لم يتشخّص لم يوجد، لا ينافى كونه غير متشخّص بحسب وجود آخر لا دخل للصيغة به كالوجود الخارجيّ أو الذّهني، فيصحّ استعمال الصيغة في إيجاد معناها و إنشائه بهذا النّحو من الوجود، و إن لم يكن ما هو مصداق مفهوما بالحمل الشّائع الصّناعي بموجود أصلا، فبصيغة الطّلب مثلا يُنشئه و إن لم يكن بطالب يطالب حقيقة، بل لداع آخر، فالصفات القائمة بالنّفس من طلب شي‏ء أو تركه، أو استفهام أمر أو ترجّيه أو تمنّيه، إلى غير ذلك من الصّفات الثّابتة لها الصّادقة عليها مفاهيمها بالحمل الشّائع الّذي ملاكه الاتّحاد بحسب الوجود الخارجي، لا دخل لها بما هو مفاد الصيغة أصلا إلاّ دعوى اعتبارها في استعمال الصّيغة في معانيه‏ الإنشائيّة على نحو الحقيقة بمعنى انّه يعتبر في كون صيغة الأمر مثلا حقيقة في إنشاء الطّلب، و الطّلب الإنشائيّ كون المنشئ طالبا للمأمور به حقيقة، و كون الدّاعي له إلى الإنشاء هو ذلك، لا أمرا آخر كالسّخريّة أو التّهكم أو التّهديد و التّوعيد و غيرها، بحيث لو استعملت فيه لهذا الأمر كان مجازا.

ثمّ انطلاقاً من فوائده قد تَحدَّث المحقّقُ الآخوند عنه ضمن الکفایة قائلاً:

و أمّا الصيغ الإنشائيّة فهي- على ما حقّقناه في بعض فوائدنا- موجدةٌ لمعانيها في نفس الأمر- أي‏ قصد ثبوت‏ معانيها و تحقّقها بها- و هذا نحو من الوجود، و ربما يكون هذا (اللفظ الإنشائيّ) منشأً لانتزاع اعتبار مترتّبة عليه (اللفظ)- شرعا و عرفا- آثار، كما هو الحال في صيغ العقود و الإيقاعات. (ولهذا لو قال المجنون أو الغاصب: بعتُ، لتحقّقتِ الملکیة الإنشائیة کما في البیع الفضولي و المکرَه و...، إلا أنّه لو صدر عن العاقل لأصبح منشأً للآثار الخارجیّة أیضاً فیُنفّذُ العقدُ بینما إنشاءُ المجنون بُحقّقُ الملکیة الإنشائیة فحسب بلا أثر خارجيٍّ له عرفاً)

فالمُستَحصَلُ من هذه العبائر:

1. أنّ الشیئَ ما لم یَتشخّص لا یوجَد، فالوجود الخارجيُّ قد تَشخّصَ بالألوان و الحجم و شتّی المواصفات، بینما الوجودُ الذهنيُّ یُعدُّ تصوريّاً بحتاً فتصوّرُ شیئٍ حالیّاً یُغایرُ تصوُّرَ نفسَ الشیئ في الفترةِ التالیة لأنه یُصبحُ وجوداً مُستجدّاً، وأما التشخُّصُ في نفس الأمر فیعني أنّ اللفظَ یُعطي تشخّصاً للمعنی ولهذا حینما یَتکرَّرُ اللفظُ سیَتکرَّرُ الإنشاءُ مُجدّداً وهذا هو الشقُّ الخامسُ المُستَجِدُّ.

2. أنّه ربَّ إنشاءٍ بلا مُتطلَّبٍ فیه نظیرُ الأوامر الامتحانیّةِ حیث لا مطلوبَ للمُنشِأ إلا أن یَختبرَ المکلّفَ فیُنشأُ بلا طلبٍ لنفسِه.

3. أنّ الإنشاءَ لا یَخُصُّ الاعتباریّات بل ینحدرُ أیضاً في غیرها کالطلب الحقیقيّ و التمنّيّ و الترجيّ، حیث إنّها لا تُعدّ اعتباریّةً.

4. أنّ المائزَ ما بین الجُملِ الخبریّة و الإنشائیّة هو أنّ الإنشاءَ یدورُ مَدارُه بین الوجود و العدم بنحو کان التامة فإما أن یوجِدَ الاعتبارَ و إما لا، بینما الخبرُ یَتلوّنُ بلون کان الناقصةِ فیُثبتُ شیئاً لشیئٍ أو یَنفیَه.

5. أنّ في الإنشاءِ کانَ المُنشأُ مُنعدماً ثم وُجَدَ ثمّ یوجَد بکرّات و مَرّات، بینما في الخبرِ کان المُخبَرُ مُستقِرّاً ثم حُکيَ عنه.

إذن فالآخوند قد أفاضَ شقّاً خامساً من أنواعِ الإنشائیّات وهو أنّ الطلبَ یُنشأُ في نفس الأمر ویُصبحُ منشأَ انتزاعِ الملکیّة و... فالناتجُ هو أنّ الطلبَ إمّا تکوینيٌّ بأن یَمدَّ یدَه فیَستَلِمَ شیئاً وإما طلبٌ لفظيٌّ، و إما طلبٌ مکتوبيٌ و إما طلبٌ إنشائيٌّ في نفس الأمر.

وقد اعتُرِضَ علیه بأنّ المحورَ في باب الإنشاء و الإخبار هيَ النظرةُ العُرفیّةُ بینما الآخوند قد فسَّرَهما برُؤیةٍ عقليّةٍ، مُدقِّقاً بأنّ الإنشاءَ لا یُعدُّ کتابیّاً و لا مفهومیّاً ولا لفظیّاً ولا... ثم توصّلَ إلی أنه في نفسِ الأمر، ولکن نُحامي عن الآخوند بأنّه قد خطا خُطُواتِ العرف ثم حَلّلَ النظرةَ العرفیّةَ فتوصّلَ إلی الشقّ الخامس ببرکةِ الرؤیةِ العرفیّة الدّقیَّةِ، فلا یُعدّ الشقّ الخامس عقليّاً بحتاً.

3. و الرأيُ الثلاثُ للمحقّقُ الاصفهانيّ حیث اعتقدَ أن الإنشاءَ هو وجودُ المعنی باللفظ لا الإیجاد.

4. والسیّد الخوئيّ یراه إبرازَ الاعتبار النفسانيِّ.

وأما الثمرة الفقهیّة لهذه الاتّجاهاتِ فتتجلّی في:

1. مبحثِ تعلیقِ العقود و الإیقاعاتِ حیث إنّ فئةً اعتقدت باستحالة التعلیق إذ العقد یُعدّ من نمطِ الإنشاء فلا یُعلّق الإیجادُ و الإنشاءُ، بینما فئةٌ أخری قد بَرَّرَت ذلک، فهذا النقاش یَئول إلی تحدیدِ هویّةِ الإنشاء.

2. مبحثِ البیع الفضوليِّ، بأنّ الإجازةَ اللاحقةَ هل تَفتَقِرُ إلی التّلَفّظ أم یُغني فیها الرضا القلبيّ، ثمّ نُناقِشُ هناک أیضاً هل الرضا الباطنيّ من نمط الإنشاء کي یحتاجَ إلی اللفظ أم لا؟

3. مبحثِ کتابةِ العقد الإنشائيّ فهل تُعقِدُ الکتابةُ عقداً بین الطرفین أم لا، نظیرُ المناکَحةِ بلا تَجاهُرٍ بالکلمات؟ فهذا الحوارُ أیضاً مُرتهِنٌ علی هویّةِ الإنشاء.

-----------------------
[1] فوائد الاصول، ص: 18

الملصقات :


نظری ثبت نشده است .