الدرس الخامس

تقدم أنّ الكليني (قدس سره) ذكر تسع روايات في هذا الباب:

الرواية السابعة: الحسين بن محمد عن جعفر بن محمد عن القاسم بن الربيع عن مفضّل بن عمر، قال: سمعت أبا عبدالله(عليه السلام) يقول: «عليكم بالتفقه في دين الله ولا تكونوا أعراباً فانّه من لم يتفقه في الدين لم ينظر الله إليه يوم القيامة ولم يزكّ

1 ـ سورة البقرة، الآية 222.

صفحه 21

له عملاً»⁽¹⁾.

أمّا سند الرواية:

أول شخص نراه في سلسلة الرواية هو «الحسين بن محمد» وهو من الرواة المشتركين، ولكن الكليني كلما نقل عن هذا الشخص فالمراد به الحسين بن محمد بن العامري الاشعري، وهو من الثقات.

وأمّا «جعفر بن محمد» فمشترك بين 77 شخصاً بهذا الاسم، ولكن بما أنّ هذا الشخص يروي في هذه الرواية عن القاسم بن الربيع فهو القاسم بن الربيع بن مالك، والدي ضعّفه النجاشي حيث قال: كان ضعيفاً في الحديث، ولكن الشيخ الطوسي وثقه، وهناك قاعدة في علم الرجال، وهي أنّه كلما وقع التعارض بين النجاشي والطوسي فان قول النجاشي هو المقدم، ولكن في هذا المورد بالذات هناك قرائن متعددة على توثيق الرجل تذكر في محلها.

أمّا القاسم بن الربيع فقد شهد شخصان بوثاقته وهما: ابن قولويه وعلي بن ابراهيم ولكن الغضائري ضعّفه، وتضعيف الغضائري غير مهم.

أمّا المفضل بن عمر فقد ذكر عنه النجاشي بأنّه فاسد المذهب أي ليس بامامي وهو صاحب توحيد المفضّل، ثم إنّه مضطرب الرواية، أي ينقل الحديث بصورة متفاوتة، ولكن ابن شهر آشوب يوثقه، وفي رجال الكشي هناك قرائن على توثيقه وقرائن اُخرى على تضعيفه.

ويقول الكشي عنه أنّه: كان مستقيماً ثم صار خطابياً، وهم الطائفة المنسوبة إلى محمد بن وهب الاسدي ولهم آراء خاصة في مذهبهم ومنها جواز الكذب على المخالف، وقد ورد في رواية أنّ الراوي يسأل الإمام(عليه السلام) بأنّه يؤخر صلاة المغرب حتى تظهر النجوم وتسود الظلمة، فقال(عليه السلام) بأنّ هذا من فعل الخطاب،

1 ـ المصدر السابق، ص31، ح7.

صفحه 22

وعلى أية حال فالمفضل هذا كان مستقيماً ثم صار خطابياً، فالروايات التي كان يرويها في حال استقامته يمكن الأخذ بها لا ما رواه في حال انحرافه.

أمّا الدلالة:

لقد وردت في هذه الرواية كلمة «عليكم» الظاهرة في الالزام والوجوب مثل «عليكم بالصلاة» ولا تكونوا أعراباً، ثم قال(عليه السلام): «إنّ من لم يتفقه في دين الله لم ينظر الله إليه يوم القيامة»، فالرواية ظاهرة في الوجوب الشرعي والنفسي من جهتين:

«أحدهما» ظهور كلمة «عليكم بالتفقه».

«الثانية» ترتب العقاب الاُخروي على ترك العمل، ومعلوم أنّ الواجب الغيري أو الطريقي لا عقاب على مخالفتهما.

أمّا الآيات:

إنّ من بين آيات القرآن الكريم هناك آيتان يمكن الاستدلال بهما على المطلوب.

الآية الاُولى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) ⁽¹⁾.

وقد ورد هذا المضمون أيضاً في سورة الانبياء الآية 8 مع تفاوت يسير، وأمّا محل الاستدلال فهو ذيل الآية الشريفة: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) فهنا يرد بحثان:

«أحدهما» من هو المخاطب في هذه الآية؟ هناك احتمالان:

1 ـ إنّ المخاطب هنا هو النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) وقومه، وهو مختار العلاّمة.

2 ـ إنّ الخطاب في هذه الآية متوجه إلى المشركين، أي اسألوا من أهل

1 ـ سورة النحل، الآية 43.

صفحه 23

الذكر.

«الثاني» من هم أهل الذكر؟ فقد ذكروا لذلك أربع احتمالات:

1 ـ العلماء بأخبار الاُمم والأقوام السالفة.

2 ـ إنّ المراد بهم أهل الكتاب والذين يقبل بقولهم المشركون في مكة.

3 ـ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟در متن نيست

4 ـ أنّ المراد بهم النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته الطاهرين (عليهم السلام) .

أمّا محل الشاهد فهو أنّ «اسألوا» يدلّ على الوجوب، والسؤال مقدمة للعلم، اذن يتبين أنّه في موارد الجهل على الإنسان أن يسأل، وهناك هل يمكن استفادة الوجوب النفسي من هذه الآية، أم لا؟

القيد في الآية «إن كنتم لا تعلمون» يدلّ بوضوح على أنّ هذا الوجوب إرشادي، فلا يمكن استفادة الوجوب المولوي منها.

الآية الثانية: (وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَة مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) ⁽¹⁾.

ونستوحي من هذه الآية أنّه يجب على جميع الناس النفر إلى الجهاد، بل يجب أن تأتي جماعة إلى النبي ويتفقهوا في الدين ثم يرجعوا إلى قومهم لينذروهم، فالمراد من «النفر» الأول هو النفر الجهاد، ومن «النفر» الثاني النفر لطلب العلم، والآن هل يمكن استفادة وجوب النفر على جماعة من المؤمنين؟

هنا أيضاً وردت قرينة في ذيل الآية «لينذروا قومهم» تدلّ على أنّ وجوب التفقه هنا إرشادي أيضاً، وإلاّ لوجب على الجميع ولم يكن هناك داع إلى ذكر هذه الغاية «لينذروا» أو «ليتفقهوا» مما يدل على أنّ هذا الوجوب ليس وجوباً نفسياً مولوياً.

1 ـ سورة التوبة، الآية 122.

صفحه 24